بناء مستقبل مستدام من خلال الذكاء الاصطناعي

الرئيسية » إبداع وتنمية » بناء مستقبل مستدام من خلال الذكاء الاصطناعي

تتواصل الوتيرة السريعة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي بطرق لا يمكن التنبؤ بها، تجعل من تأثيراته على المستقبل أمرًا في علم الغيب، إلا أن الثابت والمؤكد، هو أن الذكاء الاصطناعي يتطور بمعدلات أسرع من تطور الحوار السياسي والأخلاقي حوله.

وأطلق المنتدى الاقتصادي العالمي على عملية دمج العوالم المادية والرقمية والبيولوجية اسم “الثورة الصناعية الرابعة”، ووصفها بأنها الوعد الكبير، الذي يمكنه مساعدة الناس والأعمال والمجتمعات في وقت واحد.

في هذا العالم الجديد الشجاع، هل من الممكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على بناء مستقبل مستدام؟

يمكننا بالفعل رصد تأثيرات الذكاء الاصطناعي في كل مكان، بدءًا من أوامر (سيري – Siri) الصوتية على هواتف (آيفون – iPhone)، وصولًا إلى تصفية الرسائل المزعجة على حسابات البريد الإلكتروني، ويتضمن مفهوم الذكاء الاصطناعي كل إجراءٍ يؤديه الحاسب ويحتاج إلى قدر ما من الذكاء في حال تم تأديته بواسطة البشر.

ويطلق مصطلح “ضيق” أو “ضعيف” على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي اعتدنا تجربتها على هواتفنا وحاسباتنا المحمولة، لأن قدراتها تقتصر على تأدية مهام وظيفية، إلا أن المرحلة التالية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي يطلق عليها ( الذكاء الاصطناعي العام – AGI )، أكثر تطورًا، حيث تمتلك ذكاءً أكثر مرونة، يشبه الذكاء البشري، بحيث يكون قادرًا على تأدية مهام مختلفة ومتعددة، يمكن أن يلعب المنطق دوراً في تأديتها، وبالرغم من أن النقاش حول الآثار المترتبة على تقنيات “الذكاء الاصطناعي العام” قد بدأ بالفعل، إلا أن أغلب العلماء لا يعتقدون أن التقنية سيتم تطويرها للاستخدام قبل مدة تتراوح بين 30 إلى 50 عامًا.

وبينما تنتشر الأبحاث التي تتعلق بالمخاوف من التقدم الذي يحققه الذكاء الاصطناعي، إلا أن فوائده المحتملة والمتعددة لم تحظَ بالشهرة الكافية، ومن ضمنها، تحسين التحول نحو الأتمتة للإنتاجية، وتحقيق وفورات للشركات في مختلف المجالات، مثل التصنيع، كما أنها ستبعد البشر عن أداء المهام المتكررة، وبدلًا من ذلك، ستحول طاقتهم نحو أداء مجموعة مهام تعتمد بدرجة أكبر على الذكاء، وستسمح بنمو أكبر في الشركات، وتقلل التباين بين أعضاء فريق العمل.

وتمتد فوائد الرقمنة إلى خارج أماكن العمل، لتصل إلى الرعاية الصحية والمساعدة في حالات الكوارث، حيث تقوم الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية (NASA) حاليًا بمسح الأرض بمعدل مرة واحدة يوميًا، لتكتشف حرائق الغابات التي لم يتم الإبلاغ عنها باستخدام تقنية التصوير الحراري.

واستحدث معمل (ستانفورد للذكاء الاصطناعي – Stanford Artificial Intelligence Laboratory) خوارزمية يمكنها التعرف على سرطان الجلد، من خلال تزويد أحد الأنظمة بـ 130 ألف صورة ليتمكن في النهاية من تشخيص المرض عن بعد باستخدام الهواتف الذكية.

وتقدم المشروعات المماثلة مثالًا واضحاً للكيفية التي سيساعد بها تقدم الذكاء الاصطناعي في تحسين صحة كوكب الأرض وسكانه.

إلا أن بعض النقاط الخلافية التي تم تحديدها باعتبارها فوائد، مثل تقليل عدد تفاعلات البشر خلال عملية التشغيل، يمكن أن يصنفها البعض باعتبارها مشاكل، فقد أدى تحطم سيارة تابعة لشركة (تسلا – Tesla) في ولاية كاليفورنيا العام الماضي، إلى التراجع الفوري في الثقة بإمكانية عمل الذكاء الاصطناعي بطريقة خالية من الأخطاء.

وتتعلق إحدى المشاكل ذات الصلة، بفكرة إعفاء الذكاء الاصطناعي لنا من المسئولية، وأنه عند ارتكاب الأخطاء سنلقي باللوم على الآلات بكل بساطة، وهو ما يستدعي تركيزًا خاصًا على القيود التنظيمية والقانونية للتعامل مع هذه المسألة مع استمرار التطورات العلمية.

ويشكل التوازن عنصرًا أساسيًا في مجال يملؤه الضجيج والهواجس، ولهذا وقع أكثر من 8 آلاف باحث ومهندس ومسؤول تنفيذي في مجال الذكاء الاصطناعي مؤخرًا خطابًا يؤكد ضرورة وضع الآثار الاجتماعية في الحسبان عند تطوير آليات الذكاء الاصطناعي، وضمان الحفاظ على القيم الإنسانية في جميع الأوقات، وسيتمكن الذكاء الاصطناعي، عبر الحفاظ على هذه القيم، من تحسين الرعاية الصحية والبنية التحتية، والقضاء على التباين في المجتمع بالكامل.

سيؤدي تطور الذكاء الاصطناعي في المستقبل إلى مزيد من الاستقطاب، وسيستمر الجدل حول القواعد المنظمة له، إلا أن هناك فرصًا أخرى تستقر بعيدًا عن هذه المخاوف، وتُمكِّننا من تحقيق تقدم في المساواة وبناء مستقبل أكثر استدامة للبشرية، وسيصبح بإمكاننا بناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة لكوكب الأرض من خلال الاستثمار في الشركات التي توسع حدود العلوم الطبية والرعاية الصحية لتصبح متاحة للجميع، وخلق أنظمة ترفع من الكفاءات في مراكز التسوق والبنوك والمتاجر، لتسمح للعاملين بتقليل التركيز على حمل البضائع، واستخدام عقولهم بدرجة أكبر.

كريستوف لالاندر – فوربس ميدل ايست

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *