يزداد استخدام البلاستيك عاما بعد عام، وتظهر الإحصاءات أن إنتاج البلاستيك قد تجاوز 368 مليون طن عام 2019. إضافة إلى ذلك، فإنه لا يتم التخلص من النفايات البلاستيكية بطريقة صحيحة، مما يزيد من انتشاره في محيطنا الحيوي.
عدو محيط
ويتحلل البلاستيك إلى جزيئات صغيرة تعرف باسم البلاستيك المجهري (Microplastics)، ويصل حجمها إلى أقل من 5 مليمترات، وتشمل أيضا جزيئات البلاستيك النانوية الأصغر من مايكرومتر واحد، وتنتشر هذه الجزيئات الصغيرة في كل مكان تقريبا، بدءا من الهواء الذي نتنفسه، إلى الماء والطعام الذي نتناوله. وتشير الأدلة الحديثة إلى أن البشر يستنشقون ويبتلعون جزيئات البلاستيك المجهري باستمرار، غير أننا لا نعلم تأثير هذه الجزيئات الدقيقة على صحة الإنسان، كما أنها متناثرة عبر أعمق خنادق المحيط وأعلى الجبال، وتتواجد في الأسماك والحشرات والحيتان والشعاب المرجانية وفي برازنا، بل إنها تظهر في المشيمة البشرية.
ونظرا للتراكم المذهل لهذه الجزيئات البلاستيكية في جميع بيئات الأرض، إضافة إلى الدعوة التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية عام 2019 بهدف إجراء مزيد من التقييم حول ما تحمله الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من تأثيرات محتملة على صحة الإنسان؛ فقد تعرضت مجموعة من المقالات العلمية الحديثة إلى المخاطر التي يحملها انتشار البلاستيك المجهري على صحة الإنسان؛ إذ كشفت النتائج الأولية عن أسباب تدعو للقلق. وحديثا، نبّه مقال رأي نشرته دورية “ساينس” (Science) في 12 فبراير/شباط الماضي إلى احتمالية تحول هذه الجسيمات الدقيقة إلى أزمة صحية ضارة. فرغم غياب الأدلة على كونها سموما فورية شديدة، فإن باحثي الدراسة يحذرون من تعرض البشر والكائنات الحية إلى تلك الجزيئات البلاستيكية الدقيقة لفترات طويلة. وحسب التقرير الذي نشره موقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، فإن العلماء يُرجِعون الضرر الذي تحمله هذه الجزيئات إلى تعرض البشر -على مدار أعوام- بشكل مستمر ومتزايد لهذه المواد؛ مما يزيد تركيزها داخل الجسم.
الجزيئات الأصغر أشد خطرا
ورغم أن الجسم يتخلص من المواد البلاستيكية الأكبر حجما، فإن الجزيئات الأصغر هي التي تحمل السمية الأكبر على الجسد، كما أشار الباحثون. وفي ورقة بحثية سابقة نشرت في دورية “إيكولوجيكال أبليكيشنز” (Ecological Applications) عام 2020، أشار العلماء أيضا إلى أن الدراسات التي سترتكز على الجسميات البلاستيكية الأصغر قد تكتشف تأثيرات ضارة. وحسب التقرير الذي نشره موقع “ذا كونفرزيشن” (The Conversation)، فإن خطورة هذه الجزيئات تعود إلى “سهولة نفاذها عبر غشاء الخلية، ومن ثم تسببها في آثار ضارة مثل الالتهاب، كما يسهل استهلاكها من قبل الكائنات الحية الصغيرة”.
وتكمن صعوبة المشكلة في عدم قدرتنا على فصل جزيئات البلاستيك المايكرومترية والنانوية بواسطة التقنيات الحالية، ومن ثم صعوبة دراسة تأثيراتها الصحية كما تذكر الدراسة الحديثة. كما أننا لا نعرف إن كانت هناك أي تأثيرات مرتبطة بمستويات التعرض لهذه الجزيئات. وأشارت الدراسات -التي أُجريت على الخلايا البشرية المُستزرعة معمليا وعلى القوارض والأنواع المائية- إلى سهولة انتقال الجزيئات البلاستيكية الأقل من 10 مايكرومتر من تجويف الأمعاء إلى الجهاز اللمفي والدورة الدموية؛ مما يتسبب في زيادة تراكم هذه الجزيئات داخل أنسجة الجسم، مثل الكبد والكلى والدماغ. كما خلُصت مراجعة حديثة نشرت في دورية “نانوماتريالز” (Nanomaterials) في 16 فبراير/شباط الماضي، إلى خطورة تحلل جزيئات البلاستيك المجهرية داخل أجسامنا جراء تفاعلها بشكل مختلف تماما عما تفعله خارج الجسم.
أضرار أخرى
وأظهرت تلك الدراسات التي أجريت على الخلايا البشرية والقوارض بعضا من السمية التي تحملها جزيئات البلاستيك المجهرية، والتي أدت إلى الالتهاب وتلف الخلايا وتحفيز الاستجابات المناعية، وبعضا من الآثار العصبية والأيضية جراء التعرض المستمر لتلك المواد، كما عانى العمال الذين يتعرضون لكميات كبيرة من الغبار البلاستيكي في مصانع البلاستيك من أعراض مشابهة، شملت الالتهاب والحساسية.
وهناك خطورة أخرى قائمة تنتج عن حمل هذه الجزيئات الدقيقة لأي من المواد السامة الأخرى، مثل الفثالات (Phthalates) أو البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية أو الفيروسات، وذلك أثناء رحلتها داخل الجسم، والتي تتداخل مع الكائنات الميكروبية الموجودة داخل أجسامنا. ومن ثم فإننا أمام مشكلة متعددة العوامل تتطلب المزيد من الاهتمام؛ فإضافة إلى جهود العلماء الرامية إلى دراسة آثار البلاستيك المجهرية على البيئة والصحة، فإنه يتعين أيضا على الحكومات ورجال الصناعة والمستهلكين اتباع سبل تقلل زيادة انتشار المواد البلاستيكية في بيئتنا الحيوية.
الجزيرة