الموهبة.. والاستثمار البشري

الرئيسية » تربية وتكوين » الموهبة.. والاستثمار البشري

الموهبة.. والاستثمار البشري

نتيجة لما يواجه العصر الجاري من تحديات وتشهده المرحلة الراهنة من التطورات والتغيرات في مختلف الميادين والمجالات الحياتية، لم يكن هناك بدٌّ من أن يتبوأ العنصر البشري المكانة اللائقة والجديرة به، فهو محور التنافس وركيزة النهضة والرقي. وأدركت الحضارة الإنسانية هذا الأمر منذ زمن بعيد؛ ووعت أهمية العنصر البشري ودوره في العمل والإنتاج والإبداع والابتكار، فكان الإنسان أولاً في كل ميادين الحياة، ومن هذه الركيزة ثبتت أهمية الرعاية المبكرة للطفل والطفولة، والتعامل مع ما يسمى (الموهبة) وبالأحرى الطفل الموهوب.

الموهبة هي العطية للشيء بلا مقابل، والموهوب هو الذي يوجد لديه استعداد أو قدرة غير عادية أو أداء متميز عن بقية أقرانه في مجال أو أكثر، من المجالات التي يقدرها المجتمع، وخاصة في مجالات التفوق العقلي والتفكير الابتكاري والمهارات والقدرات الخاصة، ويحتاج إلى رعاية تعليمية خاصة وبناء متفرد. وقد عرف لانج وايكوم المواهب بأنها” قدرات خاصة ذات أصل تكويني، لا ترتبط بذكاء الفرد، بل إن بعضها قد يوجد بين المتخلفين عقليًّا”. أما تعريف ميرلاند الذي تبناه مكتب وزارة التربية والتعليم الأمريكية، فقد وصف الموهوبين بأنهم: “هؤلاء الأطفال الذين يملكون قدرات وإمكانات غير عادية، تبدو في أدائهم العالي المتميز”، والذي يتم تحديدهم من خلال خبراء متخصصين مؤهلين ومتمرسين، وممن لا تخدمهم مناهج المدارس العادية، وبحاجة إلى برامج متخصصة ليتمكنوا من خدمة أنفسهم ومجتمعهم. وتشمل مجالات الأداء العالي المتميز لديهم: القدرات العقلية العامة، والقدرة على الاستدلال، والقدرة الأكاديمية المتخصصة، والقدرة القيادية،  والقدرة الإبداعية والابتكارية، والمهارات الفنية أو الأدائية، وغيرها الكثير.

وبالنظر إلى طبيعة مهام العملية التربوية وما يتعلق بها من منظمات ومؤسسات وأفراد، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الاستثمار البشري الفاعل أبرز مسؤولياتها وأهم أدوارها، ولا يخفى أن الطفل هو البذرة الأساس لرجل الغد باختلاف تخصصاته وأدواره في الحياة. وبالمقارنة إلى حال بعض الدول التي درست هذا المضمار عن كثب، وأعطته ما يستحق من جهد وبحث ودراسة ـ اليابان مثالاً ـ نجد أن الاختلاف والتباين الشاسع لا يقتصر على المستويات والقدرات في مراحل مبكرة من العمر فحسب، بل إن الأبرز والأوضح يتمثل في المخرجات، وكيف انتهى المطاف ببذرة ترعرعت ووضع الهدف من تلك الرعاية، وبين الزحام الذي يقتل ويغطي مناهل الإبداع والابتكار المستقبلي في عالم الموهوبين.

في بداية تسعينيات القرن الماضي احتدمت المنافسة في انتقاء الأكفياء والموهوبين في مختلف المجالات بين معظم الشركات الكبرى، وكان الأمر عالميًّا، أي لم يقتصر على منطقة بعينها مع التفاوت النسبي، وتمثل ذلك في استقطاب الموظفين من ذوي الكفاءات والمؤهلات العالية، أو المحافظة على الموارد البشرية الكفؤة وتنميتها، حتى أصبح مفهوم الاستثمار البشري جزءاً مهمًّا من النظم الإدارية الحديثة ومن بين الإستراتيجيات الأساس في التطوير والتغيير. كما أصبحت الموهبة في قرن أو عالم يتسم بالسرعة والتنافسية العالية، من أهم الركائز التي تستند إليها الشركات والمنظمات والمؤسسات في تحقيق رؤيتها الإستراتيجية، بل دفع الكثير من المنظمات والهيئات باختلاف تنوعها وتخصصاتها إلى تبني إستراتيجيات خاصة في إدارة المواهب وتنميتها واستثمارها والارتقاء بها، وهذا يتأتى من حرصها الشديد على إثبات الذات وخدمة كيانها ومجتمعها ومنسوبيها.

وختامًا لا بد من الإشارة إلى أن تبني المواهب واكتشافها، وإعداد طفل متوازن  ناجح نافع لنفسه ومجتمعه يبدأ من الأسرة، وهو بلا شك تحدٍّ كبيرٍ يواجه معظم الأسر، خاصة في ظل وجود مؤثرات خارجية عدة ربما تتجاوز حدود سيطرة الأهل أو الأسرة على الطفل، ويفرض هنا واجب المؤسسات التربوية والمنظمات والمؤسسات المسؤولة عن بناء جيل سباق وواعد، ويبدأ تسلم الأمانة في تلك السن، وفي ضوء ذلك تتم الإجراءات وتوضع الآليات والإستراتيجيات وتخرج الأبحاث والدراسات التي تضمن تحقيق الغاية من استثمار الطفل الموهوب أو الطالب المبدع.

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *