«المساعدات الرقمية».. مهارات جديدة للتواصل البشري

الرئيسية » إعلام ورقميات » «المساعدات الرقمية».. مهارات جديدة للتواصل البشري

«المساعدات الرقمية».. مهارات جديدة للتواصل البشري

أصبحت الثورة الرقمية تشكل عصب الحياة العصرية، وأحد العناصر المهمة في شتى المجالات الحياتية للبشر، كما باتت المساعد الأول للإنسان في حياته اليومية في الخارج، وداخل المنزل، من خلال الكم الهائل من الأجهزة التي تأتي على رأسها الهواتف الذكية والحاسوب، وحتى الأجهزة المنزلية المتطورة. وفي الآونة الأخيرة أتخذت تلك الثورة الرقمية تحولاً استراتيجياً من مجرد استقبال وتنفيذ الأوامر، إلى مساعد وموجه للإنسان في حياته، ما أدى إلى بروز ظاهرة ما يسمى ب«المساعدات الرقمية».

تتخذ المساعدات الرقمية عدة أشكال بحسب طبيعة عملها، وتتألف نماذجها الأولية في مجرد برامج توجه الإنسان إلى فعل بعض الأشياء داخل بيئة معينة، مثل قيادة السيارة بسرعات معينة، أو تنبهه لأداء بعض الأنشطة اليومية. ولكن مع التطور الكبير في عالم البرمجيات والذكاء الصناعي، أصبح هناك مساعدات رقمية تتخذ مكانة البشر لتساعد الإنسان على تعلم العديد من المهارات الضرورية للحياة، مثل مساعدة وتوجيه الباحثين عن الوظائف، ومد يد العون للأشخاص المصابين باضطرابات في النمو، والمرضى النفسيين لتعليمهم أساسيات التواصل الاجتماعي لاستمرار حياتهم بشكل طبيعي.

وتطورت خصائص التقنيات الرقمية بشدة، فأصبحت الآن تقرأ الوجوه، وترصد حركات الجسم، ما أهلها لأن تلعب دوراً أكبر في تعليم الناس كيفية التواصل مع بعضهم بعضاً. وبسبب كل تلك الخصائص أقدم العالم الأمريكي إحسان هوك من جامعة روتشستر في نيويورك، على تطوير نظام رقمي خاص يستطيع معرفة إذا ما كان الشخص الذي يجلس أمامه يتحلى بمهارات تواصل اجتماعية جيدة، أم لا، حيث يراقب النظام الأشخاص عن كثب ويضعهم في اختبار محدد سلفاً، فإما أن ينجحوا فيه وإما الرسوب.

قام هوك بتطوير الذكاء الصناعي لنظامه من خلال تعريضه على آلاف المحترفين من المتحدثين أثناء إلقاء كلمات، أو محادثاتهم وجهاً لوجه مع بعض المحاورين، من أجل رصد حركاتهم وتحليل سلوكهم أمام الناس، ومن ثم يقوم النظام بتصميم معايير عامة يستند إليها حين مشاهدة الآخرين وهم يتحدثون ويتفاعلون مع الناس، حتى أثناء صمتهم وتأملهم. ويشير هنا العالم هوك، إلى أن كل تلك التجارب تصنع ما يسمى بالخبرة الرقمية التي يتحلى بها نظامه، وهي تضاهي خبرة البشر في فهم الناس، مثل الأطباء النفسيين، أو الأخصائيين الاجتماعيين. يأتي بعد ذلك دور النظام التعليمي، فبعد أن تحلى بخبرات واسعة في فهم البشر على مدار سنوات، أصبح قادراً على الحكم على الناس بنسبة كبيرة، بل واستطاع تشخيص بعض الاضطرابات السلوكية من دون أدنى تدخل بشري.

وقد طور هوك العديد من المساعدات الرقمية التي يمكنها مساعدة الإنسان في مواقف، أو حالات محددة، فعلى سبيل المثال، ابتكر مساعداً رقمياً للأزواج أو العرسان المقبلين على الزواج، من أجل أن يكونوا على استعداد تام للزفاف، وأن يكونوا متحدثين جيدين، ويتصرفوا بطريقة مناسبة خلال الحفل، وهو ما يمثل عقبة للعديد من العرسان. يبدأ الأمر بجلوس العريس، أو العروس، أمام شاشة تفاعلية وتبدأ بمحادثة البرنامج لمدة من الوقت، ثم يبدأ المساعد الرقمي بالقيام بعمله وتحليل بياناته عن الشخصية التي تجلس أمامه. يبدأ بعد ذلك توضيح بعض السلبيات للشخص وتوجيهه إلى فعل بعض الأشياء لتجنبها أثناء العرس، مثل وضعية الجسم، وأسلوب التحدث، والرقص، والضحك ودرجة الصوت، وغيرها من الأمور. وقام هوك أيضاً بتطوير مساعد خاص للمقبلين على مقابلة عمل، ويعمل بنفس التقنية وخطوات العمل المعتادة، حيث يرصد تعبيرات الشخص، ويحلل ردود أفعاله بدقة وأسلوب الإجابة عن الأسئلة. ومن ثم يبدأ بتوجيه الشخص للإجابة بطريقة خاصة، وتجنب التلعثم والهروب من الأسئلة التي يقصد من خلالها الإيقاع بالمتقدم للوظيفة، وطريقة النظر إلى موظف الموارد البشرية الذي يجري المقابلة، وغيرها.

على الجانب الآخر، تمثل المساعدات الرقمية إضافة نوعية في تحسين مهارات المصابين ببعض الأمراض، مثل التوحد، من خلال تقنية ال «أفاتار»، الذي يأتي على هيئة بشرية ليتحدث إلى المرضى مباشرة لنقل شعور كأنهم يتحدثون مع بشر مثلهم، ما يساعدهم على الشفاء. كما تم تطوير عدة مساعدات رقمية بالتقنية نفسها كي تدير جلسات علاجية تضم العديد من المرضى.

يقول هوك: «لقد تطورت تقنيات الذكاء الصناعي بشدة خلال الآونة الأخيرة، ولكن القليل منها هو ما يستخدم الجانب العاطفي للتعامل مع البشر، وهو ما أراه له تأثير هائل في الأشخاص أكثر من مجرد تطوير مهارات خاصة لمضاهاة مهارات البشر».

وكان الابتكار حاضراً أيضاً في المجال الأمني. فبعد عدة تطورات في التقنية، استطاع هوك ابتكار مساعد رقمي يمكنه المشاركة في التحقيقات مع المجرمين من خلال محاورتهم، واكتشاف إذا ما كانوا يقولون الحقيقة، أم لا. وبخلاف أجهزة كشف الكذب التي لم تكن دقيقة في نتائجها، فإن المساعد الرقمي الذي تم تطويره على يد هوك يتمتع بدقة عالية بسبب استناده إلى خلاصة الدراسات الأمنية في التحقيق مع المجرمين. فهو يستطيع التعرف ألى أنماط لغة الجسد، وأسلوب الكلام للمجرمين. كما يعمل وفقاً للمعلومات الواردة عن الشخص المتهم محل التحقيق، حيث تختلف المعايير التي يستند إليها باختلاف الجرائم، وطبيعة المجرم، أو الشخص المتهم، وسوابقه الإجرامية، وطبيعة نشاطه في الحياة، حتى إن الفرق بين كون الشخص قيد التحقيق رجلاً أو امرأة له أيضاً اعتبارات كبيرة في تحديد تلك المعايير.

ويقول هوك: «إن المساعدات الرقمية المتواجدة حالياً في بعض المنتجات التكنولوجية، تقتصر على التواصل الصوتي وتنفيذ بعض الأوامر فقط. حيث إنها الآن في صورتها المبسطة، ولكن ما أعمل عليه وفريقي، هو تطوير نظام رقمي يرتقي لأن يكون شخصاً افتراضياً للتحدث والتفاعل مع البشر الواقعيين، ويمتلك الوسائل التي يحكم عليهم من خلالها، وتقييمهم، ومن ثم نصحهم».

على الجانب الآخر، يبدي العديد من العلماء تخوفهم من تلك التقنية، بخاصة بسبب اعتمادها الكلي على الذكاء الصناعي، الذي بتطويره يمكن أن يتحكم في البشر واتخاذهم للقرارات. فعلى سبيل المثال، يمكن للمساعدات الرقمية أن تزيد من مأساة المرضى النفسيين إن أرادت ذلك من دون تدخل البشر، أو الإيقاع ببعض الأشخاص في مشاكل كبيرة مع غيرهم عن قصد. ويوجه هؤلاء العلماء إلى أن تلك التقنيات خطيرة للغاية، ولا بد أن تكون دائماً تحت سيطرة البشر من خلال التحكم في تشغيلها ومراعاة انضباطها في إطارات معينة، وعدم ترك الباب مفتوحاً أمام تطويرها وتعزيزها بعيداً عن التحكم البشري.

ومن ناحية هوك الذي يقود حالياً فريق لتطوير المساعدات الرقمية، فإن في المستقبل سيكون لكل شخص مساعده الرقمي، الذي سيكون بمثابة موجه وناصح وصديق وفي له، يسانده في الحياة، ويساعده على التغلب على عقبات الحياة. وأضاف: «سيكون للمساعدات الرقمية أهداف جمة، مثل الابتعاد عن الهواتف الذكية، وتلبية متطلبات الإنسان بمجرد التحدث إلى المساعد الرقمي، كما سيكون له دور هام في ارتياد الفضاء، وبناء حضارة بشرية على المريخ من خلال تطوير روبوتات تستخدم تقنية المساعدات الرقمية توفيراً للوقت والمجهود وصعوبات نقل المزيد من البشر على سطح الكوكب الأحمر».

محمد فتحي – جريدة “الخليج”

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *