تقف القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي بتجاهل أوامر السائقين في المركبات ذاتية القيادة عائقا أمام استخدام هذه التقنية بشكل كامل دون تدخل لأن التأخر في معالجة المخاطر المحتملة قد يتسبب في كوارث وهو ما يحصل في الوقت الراهن مع سيارات تسلا. ويفسر القلق من استخدام هذه التكنولوجيات المتقدمة كونها لا تستند إلى بيانات تتناسب مع الإدراك البشري باعتبار أن عمليات اتخاذ القرار غير خاضعة للتوقع وتعتمد على الاحتمالات، ما يعني أن استمرار العيوب لا يزال هو المهيمن على تفكير المختصين. وسلّط الحادث الذي تسببت فيه سيارة ذاتية القيادة في الولايات المتحدة مؤخرا الضوء على التحديات المحتملة التي تنتظر التكنولوجيا الواعدة، بينما تواجه تلك المركبات مواقف واقعية تشمل أشخاصا حقيقيين.
وتمنح أنظمة القيادة الآلية وخاصة عالية التطور منها المركبات القدرة على تولي القيادة على الطرقات بالتوافق مع الأنظمة والقوانين الخاصة بالسير في كل بلد تعمل فيه هذه النوعية من السيارات، وفي نهاية الطريق السريع ينتقل التحكم بعده إلى السائق ليكمل المهمة. ويتم تفعيل عملية التسليم من خلال نظام تفاعل متطور جدا بين السيارة وقائدها، وفي حال إخفاق السائق بالاستجابة لطلب تولي القيادة، تعمل التقنية على تحديد منطقة آمنة للتوقف بحيث تقوم بركن السيارة باعتماد مناورة تمتاز بأدنى مستويات المخاطرة لكن لا يمكنها تفادي الحوادث.
وحطمت سيارات تسلا ذاتية القيادة الرقم القياسي في عدد الحوادث بسبب الأخطاء التي ترتكبها، وكان آخرها اصطدام أحد مركبات الشركة بشجرة في مدينة سبرينغ بولاية تكساس الأميركية، مما جعلها تتعرض لانتقادات واسعة. وبهذا الحادث تكون الوكالة الأميركية للسلامة المرورية قد فتحت التحقيق الثامن والعشرين حول حوادث الشركة. وفي وقت سابق هذا الشهر تسبب الحادث المروري القاتل لسيارة تسلا التي كانت تسير من دون سائق خلف المقود إلى تجدد الاهتمام بأنظمة مساعدة السائق التي تقدمها الشركة، فيما اعتبرت جمعية مستهلكين أن من “السهل” قيادة سيارة تحمل هذه العلامة التجارية دون أن يقودها أحد.
وبحسب التحقيقات الأولية فإن السيارة كانت تسير بسرعة عالية ولم يكن هناك أحد في مقعد السائق وقت اصطدامها بشجرة قبل اشتعالها. وعثر على ضحيتين، إحداهما في مقعد الراكب الأمامي والآخر في المقعد الخلفي. وطفت الشكوك على السطح مرة أخرى بشأن وعود تسلا من أنها ستطرح مركبات مستقلة من المستوى الخامس للقيادة الذاتية في المستقبل القريب، والتي يرى مراقبون أنها قد تكون مجرد تقنية أخرى من الشركة لزيادة الإيرادات لا أكثر لأنها لم تصل إلى إقناع المستهلكين بأن مركباتها الذاتية من المستوى الثالث ناجحة.
واعتبر المختصون أن ما حصل يعد لحظة مهمة وحاسمة لاستذكار أن العديد من أنظمة مساعدة السائق تواصل الاعتماد على افتراض أن هناك سائقا يقظا خلف المقود. وحاول رئيس تسلا إيلون ماسك في تغريدة عبر تويتر تبرير ملابسات الحادث قائلا إنه في هذه المرحلة تظهر بيانات القيادة أن نظام أوتوبايلوت لم يكن في وضعية تشغيل كما أن أصحاب هذه السيارة لم يشتروا نظام القيادة المستقلة المتكاملة (أف.أس.دي).
وفي رده على شكوك الخبراء بشأن إضافة تسلا خصائص تنطوي على مخاطر مع إطلاق تسميات مخادعة أحيانا عليها، قال ماسك إن “نظام أوتوبايلوت بنسخته العادية يحتاج إلى خطوط فاصلة للمسارات على الطريق ليكون في وضعية تشغيل، وهو ما لم يكن موجودا على هذا الطريق”. ويمكن لبعض الأشخاص أن يشتروا نسخة أغلى ثمنا تسمى أف.أس.دي رغم أنها تفترض أيضا عدم ترك السائق مقود القيادة. ومع ذلك أثارت ظروف الحادث ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي ما أحيا الجدل حول قدرات برنامج مساعدة السائق الذي طورته الشركة.
وتزامنت تلك المشكلة مع استياء بعض المستهلكين من طرز تسلا خلال معرض شنغهاي للسيارات وهو أمر أثار انتقادات ضد العلامة التجارية، حيث انتشر مقطع فيديو على الشبكات الاجتماعية يظهر سيدة وهي تصرخ بأنها كادت تموت بسبب خلل في نظام الفرامل في سيارتها. وكانت ترتدي قميصا عليه شعار “تسلا” مرفقا بجملة “خلل في المكابح”. وتحذر الشركة باستمرار من أن أنظمة المساعدة على القيادة الموجودة في مركباتها لا تجعلها مستقلة تماما، وبالتالي يبقى الإشراف البشري الدائم على مسار السيارة أمرا لازما، لكن ماسك يروّج بانتظام للتقدم الذي أحرزته مجموعته نحو القيادة الذاتية.
وتعتبر تسلا في هذه المرحلة متخلفة عن منافساتها على غرار جنرال موتورز وفورد، التي تستخدم في أنظمة مساعدة القيادة الخاصة بها تقنيات أكثر تقدما لضمان أن ينتبه السائق إلى الطريق. ويقول خبراء السلامة على الطرق إن الأخطاء البشرية تتسبب في 94 في المئة من إجمالي الحوادث في الولايات المتحدة، ولكن الدراسة التي أجراها معهد سلامة الطرق السريعة الأميركي العام الماضي أشارت إلى أن السيارات ذاتية القيادة التي تعمل بواسطة برامج الكمبيوتر لن يكون بإمكانها سوى منع ثلث حوادث السيارات.
صحيفة العرب