الكتابة في زمن الرسائل المباشرة

الرئيسية » إعلام ورقميات » الكتابة في زمن الرسائل المباشرة

 

أصبح العالم يعيش في زمن الرسائل، إحدى ثمرات الثورة الرقمية وتطبيقاتها في مجالي الاتصالات والمعلوماتية، وعادت مألوفة تماماً، جملة “بإمكانك أن تترك رسالة”، عندما يكون محادثك على الطرف الآخر من الاتصال الهاتفي غائباً.

وأستاذ الفلسفة في مدرسة المعلمين العليا في باريس التي كان قد تخرّج فيها مفكرون، مثل: جان بول سارتر وريمون آرون، يكرّس كتابه الأخير، لمسألة “الكتابة في زمن الرسائل المباشرة”، كما يقول عنوانه.

ينطلق المؤلف في تحليلاته، من توصيف الواقع الذي يعيشه مليارات البشر، حالياً، إذ يمضون قسماً من يومهم وهم يرسلون الرسائل الإلكترونية المختلفة، حسب ما يستخدمونه من شبكات التواصل الاجتماعي أو يتلقونها. النتيجة المباشرة الرئيسة التي يخرج المؤلف بها، أن الحضور الطاغي لمختلف هذه الشبكات، عدّل، بل غيّر، الكثير على صعيد العلاقات الحميمة التي يعيشها البشر، وأيضاً على صعيد العلاقات العامّة.

ونتيجة أخرى يؤكّدها المؤلف، مفادها أن التواصل عبر الرسائل المباشرة، ربما فتح السبل أمام ممارسة حريّات جديدة، ولكن بالوقت نفسه، شكّل تهديداً للخصوصية التي يرغب الإنسان بفطرته، أن تبقى بعيدة عن أنظار الآخرين. ويبين أيضاً، أنه تبدّلت طرق الاتصال والتواصل بين البشر..

في غضون فترة قصيرة من الزمن، شهدت في واقع الأمر، تقهقر طرق التواصل القديمة التي ربما يشكّل ساعي البريد تجسيدها الأخير. وبعد أن كانت الكتابة هي الحامل للعواطف والانفعالات الموجّة للآخر، أصبحت المهمّة موكلة لأدوات نقل الرسائل المباشرة، التي نصل لوجهتها عبر “ضغطة زرّ”.

يوضح جان كلود مونو، أن الرسالة الموجهة تتضمّن عملياً، طلب إجابة وإجابة فورية، إذ إنها تستدعي بالضرورة، ردّة فعل. ويكفي التلكؤ في الرد لتوجيه الاتهام بـ “نقص حسّ المهنة” أو بـ “اللامبالاة”. ومثل هذا التقصير يتطلّب بدوره، غالباً، الاعتذار لعدم الرد أو للتأخير أو للنسيان. وبهذا المعنى، تتضمن أية رسالة مباشرة إنذاراً دائماً لمن يتلقاها . وبالتالي، يمكن أن يكون لها تأثير سلبي في علاقات الصداقة، ويحتمل أن تتوتّر الأجواء.

ويشرح المؤلف، الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه عملية الضغط للقيام بـ “الإرسال”، وما يسميها بـ “الضغطة الحاسمة أحياناً”.

ومن النقاط التي يخلص إليها مؤلف الكتاب، تأكيده أن اجتياح وسائل التواصل المباشرة الجديدة، بمختلف أنواعها وشبكاتها، يؤدي إلى تشتت الانتباه، وبالتالي، إلى عدم “تركيز المعارف” في أدمغة البشر. ومثل هذه الحالة يمكن أن تؤدي إلى فقدان المجتمع كلّه، قدرته على التذكّر على المدى الطويل: ذاكرته الجماعية، ذلك رغم أنها تتسم بتطوير “الذاكرة المباشرة “.

المؤلف في سطور

 جان كلود مونو. باحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي. يعمل أستاذاً للفلسفة في مدرسة المعلمين العليا في باريس. عضو هيئة تحرير مجلّة “إيسبري”، التي تصدر منذ أكثر من قرن. من مؤلفاته: فوكو. شرطة الآداب، ما هو دور القائد في المنظومة الديمقراطية.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *