الغازات الصناعية .. المتهم الرئيسي في الاحتباس الحراري

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » الغازات الصناعية .. المتهم الرئيسي في الاحتباس الحراري

الغازات الصناعية .. المتهم الرئيسي في الاحتباس الحراري استمع

منذ عقد من الزمان يكتشف الكيميائيون المزيد من الغازات الاصطناعية المنتشرة في الغلاف الجوي، والتي لم يلحظها أحد من قبل، مع العلم أن لهذه الغازات قدرة تدميرية للغلاف الجوي أكثر بكثير مما تسببه غازات الدفيئة المعروفة، خصوصاً أكثرها تدميراً وهو ثاني أكسيد الكربون.
وطالما أن هذه الغازات آخذة في الانتشار فإن عملية الإحترار لن تتوقف، ومنذ أن بدأ العالم السويدي سفانتي أرينيوس أبحاثه في العام 1896، يعرف العلماء أن ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء يدفئان الجو. لكن منذ النصف الثاني من القرن العشرين، لم تعد هذه الخاصية حكراً عليهما بل ثمة جزيئات أخرى مثل الميثان، وأكسيد النيتروز (الأزوت) ضالعة في هذا الأمر. واليوم، يكتشف الكيميائيون أيضاً رزمة من الجزيئات الصناعية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

منذ قمة الأرض التي عقدت في ريو في عام 1992، أصبح ثاني أكسيد الكربون العدو الأول للناس لأنه بات رسمياً وبشكل لا يدع مجالاً للشك بين العلماء، أن هذا الغاز المنبعث من احتراق الوقود الأحفوري هو المسؤول إلى حد كبير عن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية

إلى درجة أنه بات راسخاً في عقول الجميع أن مكافحة تغير المناخ تتلخص في مكافحة تزايد ثاني أكسيد الكربون في الجو وكذلك الميثان (CH4) الذي يتسرب كغاز طبيعي من أبخرة الماشية والنفايات، فضلاً عما اكتشفه الكيميائيون حديثاً من غازات أخرى عديدة مسببة للاحترار في الغلاف الجوي والتي لا تقل أهمية عن الغازات المعروفة.

وحتى وقت قريب لم تكن الغازات الجديدة المكتشفة محل شك بل لم يفكر أحد يوماً بمخاطرها نظراً لطغيان غازي ثاني أكسيد الكربون والميثان إلى حد كبير على الظاهرة إلا أن انبعاثاتها المتزايدة على المدى الطويل أحدثت فوضى إضافية في حالة المناخ. وتعتبر هذه الغازات في كثير من الأحيان مركبات صناعية تطرحها المصانع من دون أن تتعرض للمساءلة أو العقوبة، مثل البيرفلوروتريبونيلامين «PFTBA» الذي كُشف عنه في ديسمبر الماضي. ولنا أن نتخيل فقط أن كل جزيء منه يحوي قدرة باعثة على الاحترار تزيد ب 7100 مرة على غاز ثاني أكسيد الكربون CO2. وهذا للأسف، مثال واحد من بين العديد من الغازات الأخرى التي يتعذر نطق اسمها والتي لا يعرفها سوى حفنة من فنيي المختبرات والمهندسين.

وإذا كان تركيز هذه الأنواع الجزيئية في البيئة ما زال ضئيلاً، فهذا يعني أن تأثيرها في مناخ الأرض سيبقى في الوقت الحاضر غير ذي بال. ولكن كل واحد من هذه الغازات يشهد بطريقته الخاصة على عدم قدرة البشرية على الحد من انبعاثاتها في الجو الذي تحول إلى سلة مهملات ضخمة. والواقع أن المسألة ليست بسيطة، فمن كان يظن في منتصف القرن التاسع عشر أن انبعاثات الغاز الكربوني (CO2) ستصبح مشكلة عالمية ؟ ولذا فإن مشكلة هذه الجزيئات التي تظهر الآن تخفي خصائص مخيفة شيطانية مدمرة للبيئة، فقدرتها على رفع درجة حرارة تزيد بعدة آلاف المرات على ثاني أكسيد الكربون فضلاً عن أنها متخمة بغاز الفلور بمعنى أن الروابط بين ذرات الكربون (C) والفلور (F)، أو بين النيتروجين (N) والفلور، لها خاصية فريدة تتمثل في امتصاص جزء كبير من الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأرض، وبالتالي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري، بحسب تفسير يوهانس لوب المتخصص في كيمياء الغلاف الجوي في جامعة إيست أنجليا بنورويتش، في إنجلترا.

أما الخاصية الثانية الهائلة في تدميرها، فتتمثل في أن هذه الغازات تبقى عالقة في الغلاف الجوي لمئات بل آلاف السنين أي أطول بكثير من جزيء نموذجي مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) المعروف بفترة حياة تبلغ 120 سنة، وفق ما يقول بيرس فورستر المتخصص في علم المناخ في جامعة ليدز بإنجلترا.

ويشير الباحث فورستر إلى أن السبب وراء ذلك يعود إلى أن هذه العناصر الصناعية على العكس تماماً من ثاني أكسيد الكربون، ولا تتناسب مع نظام الطبيعة ولذا لا يُمتص عن طريق النباتات أو المحيطات، ولا عن طريق التربة وتتأثر قليلاً جداً بالأشعة فوق البنفسجية في منطقة الستراتوسفير.
ويقول مايكل براذر، أستاذ العلوم في نظام الأرض في جامعة إيرفين بكولورادو، في الولايات المتحدة الأمريكية، إن النتيجة الحتمية لهذه الغازات الضارة هي أنها ستستمر بالتراكم في الغلاف الجو بمعدل مقلق يصل إلى 11٪ سنوياً، وذلك بشكل غير مقيد أي من دون عوائق تكبحها، ويرى جان دانيال باريس، من مختبر علوم المناخ والبيئة، أن هذا الجزء من تاريخ تلوث الغلاف الجوي ظل غير معروف لسبب وجيه هو أن الباحثين لم يوجهوا أدوات بحثهم الخاصة بالكشف عن هذه الأنواع الغريبة من الغازات الضارة بالبيئة بل وضعوا جل اهتمامهم تقريبا على الغازات المعروفة الضالعة في مسألة الاحترار المناخي وذلك بموجب بروتوكول «كيوتو»، في حين أن هذه الغازات الخفية تمر خلسة في شباكهم من دون أن يعيروها أي اهتمام.

ويمكن القول إن كل شيء بدأ يتغير منذ مطلع العام 2000 عندما بدأ الكيميائيون المتخصصون في رصد الغازات التي تدمر طبقة الأوزون استخدام أدوات عالية الحساسية وكانت المفاجأة عندما ظهرت أمامهم في المنحنيات البيانية الخاصة بتحليل الغاز قمم غريبة أدت إلى لفت انتباههم إلى هذا الأمر الخطير. ومنذ ذلك الحين بدأت الاكتشافات تتوالى بشكل مطرد حول هذه الغازات الخفية الضارة بالبيئة.
وتنفذ عشرات المحطات المنتشرة في جميع أنحاء القارات عمليات رصد حقيقية من خلال تثبيت أجهزة استشعار فوق الطائرات التي تقوم برحلات طويلة فضلاً عن أن الباحثين يقومون أيضاً بمراجعة الأرشيفات الضخمة الخاصة ببرنامج العينات المأخوذة من الهواء الذي أنشئ في كيب غريم، في جزيرة تسمانيا أي في مكان بعيد عن العالم الصناعي والقريب من حافة القارة القطبية الجنوبية، إذ إن خلاصة حالة الغلاف الجوي تسجل هناك منذ العام 1978.

خطأ الصناعيين

يشير الباحث ينس موهليه من جامعة سان دييغو ( الولايات المتحدة) إلى أن الخطأ ربما يرجع إلى الصناعيين الذين لا يريدون الكشف بالكامل عن الجزيئات التي يستخدمونها لأسباب تتعلق بالملكية الصناعية. بالإضافة إلى ذلك فإن الاتفاقية الإطار الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تلزم المصانع بالإعلان عن بعض هذه الغازات لا تخص البلدان النامية مثل الصين والهند والبرازيل. ويرى موهليه أن هذه المركبات لو توجد وحدها فربما لا تثير حولها الشك ولكن وجودها مجتمعة مع مركبات أخرى هو الذي سيؤدي إلى رفع معدل آثارها التدميرية خلال قرن أو قرنين قادمين حسب رأي الكيميائيين. ويرى هؤلاء أن الغلاف الجوي ربما يحتوي على العديد من الغازات الأخرى التي لم يتم الكشف عنها بعد لكن مؤهليه يقول بقلق إن حالة الهواء الذي نستنشقه يبدو مخيفاً أكثر من أي وقت مضى مع العلم أن مكافحة تزايد نسبة الغاز الكربوني يجب أن تظل أولوية بالنسبة للعلماء والناس خاصة إذا كان بمقدور النشاط البشري الحد من إطلاق مرفقات هذا الغاز في الغلاف الجوي. ومن هنا فإن تقييد الانبعاثات أياً كان شكلها يجب أن ينبع من خلال القانون إذا لزم الأمر ولو لم يأخذ العلماء الحذر ويتابعوا المسألة عن كثب فإن مخاطر نسيان كل هذه المركبات والسماح لها بالتراكم في الغلاف الجوي سيؤدي إلى تلفه بشكل أسرع وسيكون لذلك مخاطر جمة على الأجيال القادمة.

أخطر 7 غازات

1- فلوريد السلفوريل (SO2F2)، وهو غاز ينتج من الدخان ويستخدم لمكافحة النمل الأبيض كبديل لبروميد الميثيل، وهو مدمر لطبقة الأوزون وأشد من ثاني أكسيد الكربون، في التسبب بظاهرة الاحتباس الحراري ب 4800 مرة (فترة حياته 40 سنة).

2- ثلاثي فلوريد النتروجين، ويستخدم بشكل متزايد في عمليات حفر الإلكترونيات الدقيقة وله قدرة على التسبب بالاحتباس الحراري تزيد ب 17700 مرة عن قدرة ثاني أكسيد الكربون (فترة حياته 550 سنة).
3- رباعي فلورو الميثان: يعد أحد غازات الدفيئة وله قدرة على التسبب بالاحتباس الحراري تزيد ب 6500 مرة عن قدرة ثاني أكسيد الكربون (فترة حياته 50000 سنة).
4- أكتوفلوروسيكلوبوتان: ينتمي إلى مجموعة من المركبات الكيميائية المعروفة باسم الهيدروكربونات المشبعة بالفلور، وهي من غازات الدفيئة القوية مع إمكانات في التسبب بالاحترار العالمي تزيد 3200 مرة على غاز ثاني أكسيد الكربون (فترة حياته 15 سنة).
5- ثلاثي فلورميثيل كبريتيد الفلوريد، له قدرة تزيد ب 18000 مرة على التسبب بالاحتباس الحراري من الغاز الكربوني (فترة حياته 900 سنة).
6- تترافلوروإيثان، له قدرة تزيد ب 1300 مرة على التسبب بالاحتباس الحراري من الغاز الكربوني.
7- سداسي فلوريد الكبريت: له قدرة تزيد ب 22800 مرة على التسبب بالاحتباس الحراري من الغاز الكربوني.

محمد هاني عطوي – جريدة الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *