وفقا لتقارير صادرة عن أجهزة الاستخبارات الأميركية، أجرت الصين تجارب بشرية على عناصر من جيش التحرير الشعبي سعيا منها لتحقيق طموح يتمثل في تطوير جنود بقدرات بيولوجية معززة. وعلى الرغم من أن الخبر يبدو للوهلة الأولى محض خيال علمي، إلا أن التقنيات الحديثة، القادرة على زيادة قوة جسم الإنسان والمقترنة بالتطورات السريعة لتحرير الجينوم، يمكن أن تولد فجر بشر يمتلكون قوى خارقة.
البحث عن الخلود
حلم امتلاك القوة الخارقة ومقاومة الفناء والهلاك حلم قديم، قد يكون جلجامش (ملك الوركاء السومرية الذي حكم بين 2800 و2500 قبل الميلاد) أول من عبر عن هذا النزوع الملحمي للخلود. وتعزى ملحمة جلجامش الأكادية لكاتب اسمه سين – لقي – ونيني، استقى معلوماته من مصادر أقدم. في الملحمة، يصادق جلجامش، وهو نصف إله، إنكيدو “الإنسان البري”؛ ومعا يخوضان المغامرات.
وبعد موت إنكيدو بمرض أرسِل عقابا من الآلهة، يخشى جلجامش على نفسه من الموت، فينطلق في رحلة طويلة بحثا عن الحكيم أوتنابيشتيم، الناجي من الطوفان العظيم، آملا في العثور على الخلود. يفشل جلجامش مرارا وتكرارا بالتجارب التي تُوضع له ويعود إلى وطنه في الوركاء، مدركا أن الخلود بعيد المنال.
لم ينته حلم البشرية بامتلاك الخلود والقوة الخارقة بموت جلجامش؛ من منا لم يسمع عبارة “عقب أخيل”؟ (كناية عن نقطة الضعف البشري). وأخيل (اختصار أخيليس) من الميثولوجيا الإغريقية، عندما كان طفلا، تنبأ له عراف بأن موته سيكون في معركة، ومن أجل منع ذلك قامت أمه ثيتس بتعميده بمياه نهر “ستيكس” الذي يمنح من يتعمد بمائه قوة لا تقهر، ويمنحه الخلود. ولكن، بما أن أمه كانت تحمله من كعب قدمه، لم يصل الماء إلى عقبه؛ وكبر أخيل ليصبح أحد الرجال الأقوياء الذين صمدوا في معارك كثيرة خاضها، إلا أن سهما مسموما أصاب كعبه وتسبب في مقتله.
الجندي الخارق
في النصف الأول من القرن الماضي، أصبح الرجل الخارق (سوبرمان)، الشخصية التي ابتدعها جيري سيغل وجو شاستر أثناء عملهما لدى شركة ناشيونال كومكس، أشهر بطل خارق، وأصبحت مجلة “سوبرمان” (صدر العدد الأول منها في يونيو عام 1938) أشهر مجلة مصورة في العالم، وتمت ترجمتها لأغلب اللغات. وتطورت قصص سوبرمان من صفحات المجلات إلى مسلسلات إذاعية وتلفزيونية ثم إلى أفلام سينمائية وألعاب الفيديو. وتبقى شخصية “مارفل كابتن أميركا” الأقرب إلى ما يجري اليوم من تجارب في الصين وغيرها في مسعى للتوصل إلى “الجندي الخارق”. في مارس 1941 نشرت مارفل كومكس الشخصية. كابتن أميركا صمم ليكون جنديا خارقا حارب دول المحور في الحرب العالمية الثانية. وتوقفت الشركة عن نشر الشخصية مع الإعلان عن نهاية الحرب، ثم عادت بعد بضع سنوات لإحياء كابتن أميركا (عام 1964) وبقيت قصصه تنشر منذ ذلك الحين.
يحمل كابتن أميركا درعا غير قابل للتدمير، وهو شاب نحيل عزز ليصل إلى ذروة الكمال البشري بفضل مصل تجريبي. قرب نهاية الحرب، يعلق مارفل في الثلج ويبقى بحالة إحياء معلقة إلى أن يتم إحياؤه مجددا في العصر الحديث. الجديد في شخصية مارفل هو استخدام العلم لتحقيق القوة الخارقة بدلا من البحث عن معجزات طبيعية. وهو ما يحدث اليوم. حيث بدأت تلوح في الأفق مفاهيم مثل تكامل الذكاء الاصطناعي وأجزاء الجسم الإلكترونية والأطراف ذاتية التجديد إضافة إلى تقنية كريسبر. وهي أمور كما تؤكد التقارير ليست بعيدة جدا. ولإنشاء الجنود الخارقين، تلجأ الصين إلى تقنية كريسبر، وهي تقنية جديدة وبسيطة لكنها قوية لتحرير الجينات. وفي 30 ديسمبر 2019، قضت محكمة صينية بالسجن ثلاث سنوات على عالم الأحياء الصيني، هي جيان كوي، الأستاذ الجامعي الذي عدل في جينات طفلتين توأم خلال مرحلة الأجنة ووصفت المحكمة ممارساته الطبية بأنها غير مشروعة. وكان جيان كوي قد أعلن في نوفمبر 2018 أنه استخدم تكنولوجيا تعديل الجينات المعروفة باسم “كريسبر – كاس 9” لتغيير جينات التوأم، ما أثار رد فعل غاضب في الصين والعالم بشأن أخلاقيات أبحاثه.
وقال العالم الصيني إن تجربته نجحت في تعديل الحمض النووي لأجنة، بحيث يتم إكسابهم مناعة ضد الإصابة بفايروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”. ومن خلال إجراء التجارب على الفئران، أكد ألكينو جي سيلفا، وهو عالم أعصاب بجامعة كاليفورنيا أن “تعطيل الجين له تأثير واضح على الدماغ”. وأن القضاء على الجين لا يجعل الفأر أكثر ذكاء فحسب، بل يحسن أيضا تعافي الدماغ بعد السكتة الدماغية. ويقول عالم الأحياء الروسي ماكسيم سكولاتشيف، المتخصص في العمر المديد في جامعة موسكو، إن أتباع الحياة الأبدية ربما على حق بقولهم إن بالإمكان إبطاء التشيّخ ووقفه حتى. ويضيف “نعتبر أن التشيّخ هو بطريقة أو أخرى برنامج في الجينات والطريقة الوحيدة لمكافحة التشيّخ هي في تحطيم هذا البرنامج أي قرصنته نوعا ما”.
أسئلة أخلاقية
إذا كانت الطريقة العلاجية الجينية المعروفة تقوم على إدخال جينة طبيعية سليمة في الخلايا التي تتضمن جينة خاطئة، لكي تتولى العمل الذي لا تستطيع الجينة الخاطئة القيام به، فإن كريسبر ذهبت أبعد من ذلك. فبدلا من إضافة جينة جديدة، يمكن من خلال هذه الأداة تعديل الجينة الموجودة أصلا، لأهداف منها تصحيح ومعالجة أمراض نادرة تشمل العيوب الوراثية وتحسين المحاصيل. ومع ذلك، فقد أثارت الأداة الطبية بعض المخاوف الأخلاقية. ويعتبر معظم العلماء أنه من غير الأخلاقي السعي للتلاعب بالجينات لتعزيز الأداء البشري. والأكثر من ذلك، أن فكرة زيادة البشر باستخدام كريسبر لا تزال على هامش العلم. لكن هذا لم يمنع الدول من إثارة الدهشة في مزاعم التجربة هذه. وفي تقرير نُشر العام الماضي في جيمس تاون، قدم المؤلفان إلسا كانيا وويلسون فورنديك نظرة ثاقبة على اهتمام الصين بتحرير الجينات.
وتقول إلسا كانيا الخبيرة في الشؤون الصينية في مركز الأمن الأميركي إن هذه الدولة الشرقية لديها اهتمام جديد باستخدام التكنولوجيا الحيوية لمعالجة الأمراض المعدية، واستكشاف الإمكانات العسكرية، وحتى التطبيقات الهجومية للتكنولوجيا الحيوية. ويؤيدها ويلسون فورنديك مستشار في شؤون الصين وضابط سابق في البحرية بما ذهبت إليه.
ولا تقف الولايات المتحدة موقف المتفرج مما يحدث في الصين. ويبحث البنتاغون الآن في مجموعة من التقنيات، مثل التحصين ضد الألم، والتخاطر، والهياكل الخارجية، والروبوتات القابلة للارتداء، لتحسين فعالية جنودهم. وكان الجيش الأميركي قد أعلن عن برنامج لتطوير تقنية قراءة الأفكار في ساحة المعركة، ونجح بحث جديد ممول من قبل مكتب أبحاث الجيش الأميركي في فصل إشارات الدماغ التي تؤثر على الفعل أو السلوك عن الإشارات التي لا تؤثر.
فك رموز الدماغ
يعد البحث الجديد جزءا من خطط علم الأعصاب الأوسع للجيش الأميركي، والتي قد تؤدي في النهاية إلى تواصل الجنود عبر موجات الدماغ. والتزم مكتب أبحاث الجيش (ARO) بإنفاق 6.25 مليون دولار على مشروع إشارات الدماغ على مدى السنوات الخمس المقبلة. وكما هو الحال في كثير من الأحيان، تم تطوير هذه التقنيات الحديثة من قبل الجيش قبل استخدامها في نهاية المطاف لتطبيقات المستهلكين بعد سنوات. بالطبع، لا يضمن أي من هذا أن نرى نتائج ملموسة في وقت قريب. ومع ذلك، فإن المبادرة الجديدة تسلط الضوء على الطرق التي يمكن للتقنيات الجديدة، مثل واجهات الدماغ والكمبيوتر، أن تحدث من خلالها ثورة حقيقية في الطريقة التي نتواصل بها.
ويؤكد علماء الأعصاب في المركز الأميركي أنهم تعلموا فك تشفير وفصل الإشارات العصبية التي توجه السلوك، وهي خطوة مهمة نحو فهم كيفية فك رموز نشاط الدماغ المعقد. وقال مدير البرنامج إن الهدف “أن يتمكن الكمبيوتر في النهاية من تحقيق اتصال مزدوج كامل مع الدماغ”. وتستثمر دول كبرى أموالا ضخمة في تطوير تقنيات تعزز من قوة الجنود. وأنفقت الصين، التي تعد قواتها المسلحة الأكبر في العالم، هذا العام وحده، أكثر من 178 مليار دولار على ميزانية الدفاع. ولكن، على الرغم من أن فكرة الاستحواذ على قوى خارقة تبدو مثيرة للغاية، إلا أن هناك بعض المخاوف الواقعية والأسئلة الأخلاقية التي يجب طرحها. مثل: هل يجب علينا أن نسمح بامتلاك القوة الخارقة والخلود إن استطعنا ذلك؟
إن فكرة إنشاء جندي خارق رائعة، بقدر ما هي مرعبة من الناحية الأخلاقية. ورغم أن الكثير مما يحدث لا يزال افتراضيا، إلا أن فجر الجندي الخارق قادم لا مفر منه.
صحيفة العرب