الطفل الخجول نتاج إفراط في التدليل أو تفريط في العناية

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » الطفل الخجول نتاج إفراط في التدليل أو تفريط في العناية

الطفل الخجولعندما يتلعثم الطفل في الكلام أو يكون قليل الحديث ويتفادى النظر في عيون مخاطبه، وتعلو وجهه الحمرة مع القيام ببعض الحركات العصبية، أو يكون انطوائيا على نفسه، ويجد صعوبة في التحاور/الكلام مع الآخر، وخاصة من هم في وسطه ويقاربون سنه، أو يكون شديد الارتباط بأمه، ويعتمد على محيطه في قضاء أبسط حاجياته، ولا يقوى على مواجهة الحياة/الآخر بمفرده وخاصة عند احتكاكه بالعالم الخارجي، مدرسة كان أو شارعا.. فعندما تتوفر كل أو بعض هذه المؤشرات، ينبغي على الأسرة أن تعلم أن طفلها يعاني الخجل أو الانطوائية، وأن الأمر يتطلب متابعة سليمة لمعرفة مكامن الخلل، والسعي/الإسراع في العلاج حتى لا يتطور الوضع إلى عواقب نفسية واجتماعية في المستقبل القريب.

وفي تعريفهم للطفل الخجول، اعتبر أهل الاختصاص أنه ذلك الطفل الذي تكون لديه حالة عاطفية وانفعالية معقدة تنطوي على الشعور بالنقص‏، وهو أيضا طفل متردد في قراراته، منعزلا عن دائرته‏ ومنكمشا على نفسه، وسلوكه يتسم بالجمود والخمول‏، وينمو محدود الخبرة لا يستطيع التكيف مع الآخرين.

ونظرا لأهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الفرد المستقبلية، فإن مجرد وجود خلل بتربية الطفل، وعدم التعامل مع هذه العملية التربوية بنوع من الكياسة والتوازن والوعي بمدى أهمية تنمية سلوك الطفل خلالها، سيؤدي لا محالة إلى نتائج سيئة وغير مرضية، قد تنعكس سلبا على الفرد والمجتمع.

ويكاد يجمع التربويون على أن خجل الطفل هو نتاج لعوامل كثيرة يختلط فيها النفسي بالتربوي وكذا الاجتماعي. ويأتي على رأس هذه العوامل، الحرمان النفسي للطفل المترتب عن غياب حنان وعطف الوالدين، أحدهما أو كلاهما، وذلك بسبب عدم إبداء العناية والاهتمام بالطفل ومتطلباته، فقد يغيب عن الآباء الدور الكبير الذي تلعبه بعض التعبيرات العاطفية البسيطة/سهلة التنفيذ كالتقبيل والمعانقة والمديح، بعيدا عن التدليل المبالغ فيه طبعا، في تعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل، وإحساسه بالعناية والاهتمام الأبوي وخاصة الأم لما لها من دور/ارتباط وثيق بالطفل في مراحل نموه الأولى. وتفاديا لهذه السلوكيات المضرة بنفسية الطفل، يوصي أهل الاختصاص الأم في علاقتها بطفلها بضرورة احتوائه بعطفها ودفئها، من خلال الكلام معه وقت إرضاعه أو إطعامه أو تغيير ملابسه، كي تتقوى العلاقة النفسية بينهما، وحتى لا يعاني الطفل تهميشا أو بخلا من قبل أمه، ليخلق بعده نوعا من الخجل أو عدم الثقة بالنفس.

ومن المتعارف عليه في جل المجتمعات، أن الجو الأسري/العائلي يلعب دورا مهما في تشكيل شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه، ومدى إحساسه بالأمن وسط أهله. فالعلاقات الأسرية التي يطبعها التوتر والخلافات المستمرة ما بين الوالدين، خاصة بحضور الأولاد، غالبا ما تؤثر بشكل سلبي على نفسية الطفل، وتلقي بظلالها على سلوكياته وتعمل على زرع الخوف بدواخله وعدم الاطمئنان لمحيطه، وبالتالي تخلق لديه حالات من الانزواء والشعور بالخجل. ولمواجهة هذا النوع من الخجل، ينبغي توفير الجو الهادئ للطفل بالمنزل،  بعيدا عن التوتر والمواقف التي تثير فيه القلق والخوف وعدم الآمان.

ونظرا لحساسية المرحلة، فإن تربية الطفل تتطلب سلك منهاج تربوي أساسي/صحيح، تتم فيه السيطرة على سلوكه والعمل على تطويره وتنمية قدراته، من خلال الابتعاد عن كثرة النقد والتهديد أو نهج أسلوب الإهانة والتحقير، خاصة أمام الآخرين، عند إتيانه بعض السلوكيات الخاطئة التي قد تقلق الوالدين وتثير حنقهما، والتي تتطلب منهما عقابا خفيفا بعيدا عن العنف والقسوة والإيذاء النفسي والجسدي، بهدف عدم تكراره للخطأ مستقبلا.

وفي المقابل، يؤكد التربويون على نهج أسلوب الإثابة والمكافأة مقابل سلوك الطفل الجيد، قصد خلق الحماس لديه، وتعزيز/تقوية ثقته بذاته ورفع معنوياتها، حتى يكون مؤهلا لمواجهة المجتمع والتفاعل مع الآخرين دون إحساس بالضعف أو النقص.

وإضافة لما سبق، قد نجد أن الوالدين الخجولين، غالبا ما ينجبون أطفالا يتسمون بالانطواء والعزلة، كون أن الوراثة تلعب دورا مهما في تشكيل شخصية الأطفال. فالاتصالات الاجتماعية للأب الخجول ستكون محدودة، تتسم بالخوف وعدم الثقة، والحيطة والحذر، وأيضا الاضطرابات النفسية والعاطفية التي تعانيها الأم فترة حملها، تؤثر في تكوين نفسية الطفل، وتقوي الاستعداد النفسي لديه للخجل.

وفي محاولة لإبعاد الطفل عن هذه الأجواء وكسر طوق الانطوائية والعزلة، وتربيته على الثقة بالذات، يوصي خبراء التربية بضرورة تشجيع الأسرة لطفلها على حضور الاجتماعات العائلية ودفعه للمشاركة فيها بالحديث وإبداء الرأي، دون أن يتجاوز الحدود المسموح له بها، وعدم تكليفه بالأشياء التي تفوق قدراته البدنية وطاقته الفكرية، وسلك الوسطية في التعامل معه، فلا إفراط في تدليله، ولا تفريط في حبه والعناية به.

 

فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *