السرطان مرض خبيث يودي بحياة الكثير من البشر. حار الطب أمامه ولم تؤدّ الأبحاث الكثيرة في أهم مراكز البحث الطبي في العالم، إلى نتائج حاسمة بالنسبة لطرق معالجته.. إن شبحه مخيف إلى درجة أن الكثيرين لا ينطقون باسمه، بل يشيرون إليه بالقول: “ذلك المرض”.
الأستاذ ذو الشهرة العالمية في مجال الأمراض السرطانية ومدير معهد “غوستاف روسّي” لعلاج الأورام الخبيثة في باريس، توما تورس، يكرّس كتاباً جديداً لموضوع اهتمامه، تحت عنوان “الطب الجديد لعلاج السرطان”.
تتوزّع مواد الكتاب بين ثلاثة أقسام رئيسية: “السرطان اليوم”، “اختراع علم أمراض السرطان”، “نحو طب مشخّص، بمعنى المعالجة تبعاً للشخص المريض”.
الملاحظة الأساسية التي ينطلق منها المؤلف ـ الطبيب، مفادها أن “علم أمراض السرطان يجد نفسه اليوم أمام طريق مسدودة”، ويراوح في المكان منذ عقود عديدة. ويلفت إلى انه اعتمد علم مكافحة الأورام الخبيثة خلال قرن كامل، على أداة وحيدة هي المجهر ـ ميكروسكوب ـ وعلى فحص الخلايا تحته.
والمشكلة الأولى، برأيه، أن الخلايا السرطانية تشابه كثيراً الخلايا السليمة. أما الثانية فهي كون استخدام المجهر قاد إلى تصنيف الأورام الخبيثة، خاصّة أورام الثدي، تبعاً لتشكّلها بينما ربما يتعلّق الأمر بمزيج من الأمراض المختلفة. والرهان الكبير بالنسبة لعلم أمراض السرطان يكمن، كما يرى المؤلف ـ الطبيب، في تصنيف الأورام الخبيثة تبعاً لمسبباتها المرضية، وليس لموضع مكانها في الجسد.
ولذلك، غدا من المطلوب البحث عن آفاق جديدة. والأفق الجديد الذي يؤكّد عليه المؤلف ـ الطبيب، هو التوجّه نحو تبنّي سياسة علاجية محددة، تبعاً للحالات الشخصية. هذا بمعنى تقديم العلاج الأفضل والأكثر فاعلية والأكثر قبولاً لكل مريض. وواقع المعالجة المعتمدة اليوم، يتجه نحو المبالغة في اللجوء إلى الجراحة.. وفي العلاج الكيميائي. وهذا يترافق، كما هو معروف، مع سقوط الشعر وألم نفسي وخوف كبير..هذا فضلاً عن كلفته الغالية بالنسبة لصندوق الضمان الصحّي.
يوضح المؤلف أن مسألة العلاج تبعاً للحالة الشخصية لكل مريض تبدو، حسب التحليلات المقدّمة، مطلوبة عند ملاحظة أن بعض المصابين بورم خبيث لا يقاوم سوى لفترة قليلة من الزمن، بينما يعيش آخرون لعشرات السنوات. ويميل المؤلف للقول إنه ليس هناك “سرطان ثدي” واحد يستوجب علاجاً واحداً.
ذلك أن الأمر يتعلّق بـ “أورام مختلفة”، وحتى لو كانت تتموضع كلها في العضو نفسه من الجسد. ويشير إلى أنه كشف حتى الآن عن خمسة أو ستة أنواع مختلفة، وبالتالي أمراض مختلفة، وكل نوع ينقسم إلى فئات. وما هو متبّع حتى الآن في معالجة السرطان، يشابه تبنّي “القياس الواحد” في عالم الملابس، مع انه كبير بالنسبة للبعض وصغير بالنسبة لآخرين. وبالطبع لن تتعدد أنماط العلاج بمقدار أعداد المرضى، ولكن ينبغي “تكييف العلاج”.
ويرى المؤلف ـ الطبيب، أن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لأورام أخرى، مثل تلك التي تصيب الرئتين.
والنصيحة الأساسية التي يقدّمها المؤلف ـ الطبيب، أن لا يتوجه المرضى إلى مركز العلاج الأقرب جغرافياً، بل إلى الأثر كفاءة.
المؤلف في سطور
عمل توماس تورس، طيلة ربع قرن، مديراً لمعهد “غوستاف روسّي لمعالجة الأورام السرطانية” في باريس. وكان أستاذ أمراض السرطان في جامعة جنوب باريس. حائز على العديد من الجوائز في مجال الطب. لديه دراسات عديدة مهمة في المجال.
البيان