جعلت الكارثة النووية في اليابان، العديد من الدول، تعيد التفكير في تطوير برامجها النووية، في هذا الجانب يشير عدد من الدراسات والبحوث التي صدرت حديثا، إلى أن عصر النهضة النووي العالمي قد خفت بعد حادثة مجمع فوكوشيما Daiichi النووي لتوليد الطاقة الكهربائية، لكن بالمقابل بدأ التركيز أكثر فأكثر على مصادر الطاقة المتجددة.
يشير التقرير الأخير عن حالة الطاقة النووية العالمية إلى أنه ليس فقط القدرات النووية العالمية لتوليد الكهرباء في انخفاض، لكن قد تم تجاوزها أيضا وبسرعة من قبل مصادر الطاقة المتجددة، خاصة من قبل الطاقة الشمسية المعتمدة على الخلايا الكهروضوئية وطاقة الرياح، اللذين شهدا نموا سريعا في السنوات الأخيرة.
منذ كارثة فوكوشيما اليابانية في 11 آذار (مارس) 2011، انخفضت قدرات محطات الطاقة النووية العالمية لتوليد الكهرباء، حيث تم إلغاء العديد من المشاريع المقترحة، كما أن العديد من البلدان تدرس خططا للتخلص التدريجي من محطات الطاقة النووية. معظم القرارات في هذا الجانب تعزى مباشرة إلى حادثة فوكوشيما، على الرغم من أن وقوع الكارثة قد ضخم أيضا من المشاكل الموجودة من قبل مثل ارتفاع التكاليف ومعارضة الرأي العام.
وبعد وصول قدرات محطات الطاقة النووية العالمية لتوليد الكهرباء إلى مستوى تاريخي تجاوز 375 جيجاوات في عام 2010، تراجعت القدرة التشغيلية لمحطات الطاقة النووية في العالم إلى نحو 362 جيجاوات، أي تقريبا القدرة التشغيلية نفسها التي كانت عليها في عام 2002. إذا ما تم أيضا استبعاد نصف محطات الطاقة النووية اليابانية التي من المتوقع أن تظل بشكل دائم خارج الخدمة وثمانية مفاعلات ألمانية مغلقة، فإن هذا الرقم سيهبط دون 350 جيجاوات، هذا أدنى مستوى للقدرة النووية العالمية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
على العكس من ذلك قفزت قدرات مصادر الطاقة المتجددة في عام 2011 إلى أكثر من 1450 جيجاوات، من نحو 450 جيجاوات في عام 2000، أي بنحو ثلاثة أضعاف. وفي هذا الجانب يشير تقرير توقعات الطاقة المتجددة على المدى المتوسط الذي صدر أخيرا، ولأول مرة، عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن قدرات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، باستثناء مصادر الطاقة المائية الضخمة، قد نما بمعدل سنوي تجاوز 16 في المائة بين عامي 2005 و2011، ويتوقع التقرير أن يستمر النمو بمعدل يتجاوز 14 في المائة حتى عام 2017. هذا وتتوقع الوكالة أن يتم بناء نحو 710 جيجاوات من الطاقة المتجددة على مستوى العالم بين عامي 2011 و2017. في حين أن الأرقام بخصوص الطاقة النووية تقريبا ثابتة، حيث يشير تقرير الوكالة في هذا الجانب إلى أن هناك 59 مفاعلا قيد الإنشاء في جميع أنحاء العالم بسعة إجمالية 56 جيجاوات. لكن نحو 43 منها لم تقدم حتى الآن تاريخ التشغيل إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تسعة هي تحت الإنشاء منذ أكثر من 20 عاما وأربعة على الأقل منذ عشر سنوات. في المحصلة، نحو 18 هي رسميا متأخرة عن موعدها على الأقل بسنتين في معظم الحالات.
وعلاوة على ذلك، من 59 مفاعلا قيد الإنشاء هناك 43 في الصين وروسيا والهند، أربعة في أوروبا وواحد فقط في الولايات المتحدة. السبب وراء تراجع الشعور الأوروبي المؤيد للطاقة النووية هو السعر المنخفض لتوليد الطاقة من المصادر الأخرى الذي صرف الاهتمام عن بناء محطات الطاقة النووية الباهظة الثمن في أوروبا. بالنسبة للعديد من شركات الطاقة في أوروبا، عهد بناء محطات الطاقة النووية قد انتهى، على الأقل على المدى المتوسط.
تقرير حالة الطاقة النووية العالمية، الذي حدث دراسة تم إنجازها لأول مرة قبل 20 عاما، يشير إلى أن القدرات التوليدية لمحطات الطاقة النووية العالمية انخفضت أكثر من 4 في المائة العام الماضي إلى 2518 تيراواط/ساعة، هذا الرقم أقل بأكثر من 5 في المائة عن الذروة التي وصلتها عام 2006. ويشير التقرير أيضا إلى أن عامل الحمل العالمي (نسبة طاقة التوليد الكهربائي المتوافرة إلى إجمالي الطاقة الإنتاجية) قد انخفض إلى 76 في المائة عام 2011 من 77 في المائة عام 2010، وأن الطاقة النووية تشكل الآن 11 في المائة فقط من مجموع الطاقة التوليدية للكهرباء في العالم، وهذا المستوى المنخفض لم يسبق له مثيل منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن بلغ ذروته عند 17 في المائة عام 1993.
وتأتي نحو 70 في المائة من القدرات النووية العالمية من ست دول فقط هي: فرنسا، ألمانيا، اليابان، روسيا، كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بحيث شهدت جميع هذه الدول، في العام الماضي، تراجعا في توليد الطاقة من المحطات النووية. بحيث أعادت اليابان فقط مفاعلين من أصل 54 محطة للطاقة النووية منذ فوكوشيما، في حين أن ألمانيا تعهدت بإغلاق منشآتها النووية بحلول عام 2022، والإدارة الجديدة في فرنسا تعهدت بخفض حصة الطاقة النووية في مزيج الطاقة الكهربائية إلى 50 في المائة بحلول عام 2025 من ما يقرب من 75 في المائة الآن.
وقابل هذا الهبوط في قدرات الطاقة النووية العالمية استمرار النمو في قدرات مصادر الطاقة المتجددة، حيث بلغ مجموع القدرات التوليدية لها نحو 4540 تيراواط/ساعة عام 2011، أو 80 في المائة أكثر من الطاقات التوليدية النووية، والتي من المتوقع أن تصل إلى نحو 6380 تيراواط/ساعة عام 2017، حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية. وفي عام 2011 وصلت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة رقما قياسيا تجاوز 260 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بنحو 5 في المائة على عام 2010، ونحو خمسة أضعاف عما كان عليه عام 2004.
وكانت الاستثمارات قوية بصورة خاصة في كل من الولايات المتحدة، الصين، ألمانيا وإيطاليا، وعلى النقيض من ذلك، سعت استثمارات البناء الجديدة في الطاقة النووية جاهدة لكسر حاجز 20 مليار دولار سنويا بحيث خرقت هذا المستوى في عامي 2009 و2010، عندما وصل الاستثمار إلى ما يقرب من 40 مليار دولار، مدفوع بصورة أساسية من قبل الصين، قبل أن تتراجع إلى أقل من عشرة مليارات دولار بكثير عام 2011.
وفي عام 1992 توقعت العديد من الدراسات أن التوسع في مجال الطاقة النووية سيكون بطيئا إلى حد كبير، بصورة رئيسية بسبب حادثة تشرنوبل، وأيضا بسبب تحول العالم إلى مصادر أرخص وأسرع في البناء مثل الفحم الحجري، الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة. الدراسات الأخيرة بعد فوكوشيما رسمت تقريبا الصورة القاتمة نفسها لمستقبل الطاقة النووية.
وقبل وقوع كارثة فوكوشيما في 11 آذار (مارس) 2011، كانت أوساط الصناعة النووية تشير بصورة واضحة إلى أن الصناعة لا تستطيع أن تتحمل حادثا آخر كبيرا مثل تشرنوبل. وكانت الصناعة النووية، على مدى السنوات العشر الماضية قبل الكارثة، تسوق إلى العالم بزوغ عصر النهضة النووي العالمي، لكن في الحقيقة كان العديد من الشركات والمرافق النووية يواجهون بالفعل صعوبات كبيرة قبل وقوع الكارثة. الآن بعد 15 شهرا من فوكوشيما، من المحتمل جدا أن هذا التراجع في الصناعة النووية سيتعجل.
نعمت أبو الصوف
(الاقتصادية غشت 2012)