الطائرات الهجينة تنهض على حطام أحلام الطيران الكهربائي

الرئيسية » علم وحضارة » الطائرات الهجينة تنهض على حطام أحلام الطيران الكهربائي

تتجه رهانات صناعة الطيران بشكل متزايد نحو آفاق الطائرات الهجينة، كحل واقعي، بسبب استحالة تحقيق أوهام الطيران الكهربائي، التي تراود الحالمين من أنصار البيئة بتقليص البصمة الكاربونية الهائلة للطيران التجاري.

لا تريد صناعة الطيران الاصطدام بالجبهة الواسعة لأنصار البيئة لأنها تضم جانبا كبيرا من زبائنها، بعد أن أصبحت أعداد متزايدة تفكر مليا قبل حجز تذاكر الطيران أو شراء منتجات يتم جلبها بالشحن الجوي من مسافات بعيدة.

لكنها تدرك رغم إنفاقها المليارات من الدولارات على تطوير الطائرات الكهربائية، أنها لا يمكن أن تقدم بديلا للطائرات التجارية الكبيرة قبل مرور 40 عاما على الأقل من التطوير المستمر للبطاريات إذا استمرت وتيرة الابتكارات الحالية.

فقاعة الطيران الكهربائي

قد تتمكن الابتكارات المتواصلة في تكنولوجيا البطاريات من طرح التاكسي الطائر على نطاق تجاري لنقل شخص أو شخصين لمسافات قصيرة، أو حتى مركبات طائرة لنقل خمسة أو ستة أشخاص، لكنها لن تستطيع الاقتراب من الطيران التجاري لمسافات طويلة.

أفضل خلايا الليثيوم أيون الحالية لا تزال بعيدة جدا عن إمكانية توفير الطاقة لطائرة قصيرة المدى تتسع لنحو 150 راكبا أو أكثر. وإذا تم تحميلها بالبطاريات اللازمة لتوفير الطاقة فإنها لا يمكن أن تتمكن من الإقلاع بسبب الوزن الكبير لتلك البطاريات.

وفي ظل متوسط الطاقة المطلوبة حاليا لحمل كل كيلوغرام في الرحلات التجارية، فإن تطوير البطاريات لتشغيل طائرات كهربائية بالكامل يحتاج إلى 40 عاما على الأقل وفقا لوتيرة تطوير البطاريات في السنوات الماضية لتتمكن من المنافسة في الطيران التجاري.

ويبدو أن الحل الوحيد الذي سيمكن مصنعي الطائرات من تفادي قتل أحلام الطيران الكهربائي والاصطدام بجبهة أنصار البيئة، إضافة إلى الالتزام بمعايير اتفاقات حماية المناخ، هو في البحث عن مزيج مثالي بين المحركات التقليدية والكهربائية.

ويبدو أن الخطوة الأولى بدأت بالبحث عن حلول تكنولوجية لتصنيع طائرات هجينة تضم محركين أحدهما يعمل بالوقود التقليدي والآخر بالبطاريات التي يجري شحنها في المطار ويتواصل شحنها أثناء التحليق من طاقة الرياح.

ويبدو أن الهدف الواقعي لاقتحام سوق الطيران التجاري يتجه لتصنيع طائرات هجينة قصيرة المدى يمكن أن تحمل 50 راكبا أو أكثر على المسارات الإقليمية ثم توسيع حجمها ونطاق طيرانها مع تطور التكنولوجيا.

مشاريع الطائرات الهجينة

يقول تحليل في مجلة إيكونوميست إن أحد المشاريع في هذا الاتجاه يدعى “بروجكت 804” وهو يبحث عن معادل الطاقة الهجينة من الوقود التقليدي والكهربائي لتحليق سيارة من طراز تويوتا بريوس الهجينة لتوسيع ذلك على نطاق أكبر لاحقا.

الرقم 804 في تسمية المشروع يشير إلى عدد الأميال، التي تعادل 1294 كيلومترا، بين مصنع شركة برات أند ويتني في قرب مدينة مونتريال الكندية ومصنع شركة كولينز أيروسبيس في روكفورد بولاية إلينوي الأميركية.

المشروع تقوده الشركتان التابعتان لمجموعة يونايتد تكنولوجيز، التي تأمل في الاندماج مع مجموعة رايثيون، لتشكيل ثاني أكبر شركة أميركية في مجال الفضاء والدفاع بعد بوينغ.

وتقول مجلة إيكونوميست إن المشروع ليس مجرد طموح وفكرة خيالية، بل إن الطائرة الهجينة التجريبية، التي يسعى “بروجكت 804” لطرحها بحلول عام 2022 ستحدث ثورة في عالم الطيران بخفض استهلاك الوقود والبصمة الكاربونية على مسارات الطيران الإقليمية القصيرة.

ومثلما هو الحال في السيارات، هناك طرق متعددة لبناء طائرة هجينة.

اختارت شركة كولينز أيروسبيس، التي تصنع أنظمة الطائرات الكهربائية وبرات أند ويتني، التي تنتج محركات نفاثة، مزيجا “متوازيا” أي أنها تعمل بمحرك وقود تقليدي مدعوم بمحرك كهربائي يعمل بالبطارية.

ويختلف ذلك عن محرك الهجين “التسلسلي” الذي يتم فيه توفير الدفع بواسطة محرك كهربائي فقط، لكن الكهرباء تأتي من البطاريات أو من محرك الاحتراق التقليدي بحسب الظروف.

كلا النوعين من المحركات الهجينة يهدف للحد من استخدام البطاريات، ويعني ذلك أن حجم البطاريات في السيارة أو الطائرة يمكن أن يكون أصغر وبالتالي أخف وزنا. من أجل اختبارات الطيران يقوم بروجكت 804 بتحوير طائرة من طراز بومباردييه داش 8-100 وهي طائرة ذات 40 مقعدا مدعومة بمحركين توربينيين يشغلان مراوح الدفع في مقدمة كل محرك. ويستطيع كل منها إنتاج 2 ميغاواط من الطاقة.

في تلك الطائرة يتم عادة تشغيل المحركات بكامل طاقتها خلال أول 20 دقيقة خلال الإقلاع والتسلق، ثم يتم خفض طاقة تشغيل المحرك طوال “الإبحار” المستقر وكذلك أثناء الهبوط.

ويستند بروجكت 804 إلى استبدال أحد محركي الطائرة بنسخة أصغر تنتج 1 ميغاوات، وتحصل المروحة على ميغاوات آخر من صندوق بطاريات في الطائرة. ويوضح بول إريمينكو، رئيس قسم التكنولوجيا في مجموعة يونايتد تكنولوجيز، بالقول إن الفكرة تكمن في البحث عن المزيج المثالي من المحركات الكهربائية والتقليدية لإنتاج الطاقة القصوى اللازمة للإقلاع والتسلق.

ويضيف أنه بعد ذلك يتم إيقاف تشغيل المحرك الكهربائي أثناء الرحلة. أما خلال الهبوط، الذي يستغرق عادة نحو 20 دقيقة، فإن المحرك الكهربائي يجمع الطاقة من حركة المراوح مثلما يجري في توربينات طاقة الرياح ليتم شحن البطارية للرحلة اللاحقة أو مواجهة أي طوارئ خلال عملية الهبوط.

وترى إيكونوميست أن تجارب بروجكت 804 سوف تساعد على تحديد كيف يمكن لهذه المحركات الهجينة أن تحل محل المحركات التوربينية في الطائرات الحالية وكيف يمكن استخدامها في أجيال جديدة من الطائرات.

أحلام واقعية

يقول إريمينكو إن تصغير حجم المحركات التقليدية سيؤدي إلى تحسين أداء الطائرة خلال الإبحار. كما أن الجمع الهجين بين محرك كهربائي ومحرك تقليدي في طائرة ركاب لرحلات إقليمية مدتها نحو ساعة واحدة سيؤدي إلى توفير في الوقود بنسبة 30 بالمئة على الأقل.

ويجري حاليا أيضا تطوير أنواع أخرى من الطائرات الهجينة، حيث قامت شركة أمبير Ampaire ومقرها لوس أنجلس برحلة غير مسبوقة بطائرة سيسنا سكاماستر، التي تضم ستة مقاعد بعد تحويرها إلى طائرة هجينة.

وقبل التحوير كانت الطائرة تعمل بمحرك مروحي في المقدمة ومحرك آخر للدفع في المؤخرة.

وقامت الشركة باستبدال المحرك الخلفي بمحرك كهربائي يعمل بالبطارية. وأصبحت هذه الطائرة من أكثر النماذج التي يمكن أن تطلق عليها صفة هجينة.

أما شركة زونوم ايرو التي مقرها قرب مدينة سياتل الأميركية فتعمل أيضا على صناعة طائرة هجينة تحمل 12 راكبا تمزج بين المحركات التقليدية والكهربائية. وتستهدف طرحها في عام 2022.

ورغم أن كل تلك الجهود يمكن أن تفتح آفاقا أوسع تدريجيا للطائرات الهجينة في سوق الطيران التجاري، إلا أنها لا تزال بعيدة عن إمكانية تشغيل الطائرات الكبيرة التي تحتاج إلى محركات ذات طاقة كبيرة تزيد على 20 ميغاواط.

وتقول إيكونوميست إن مستقبل الطائرات الهجينة سوف يعتمد بشكل أساسي على خطط التطوير لدى عملاقي صناعة الطائرات وهما بوينغ الأميركية وإيرباص الأوروبية في ما يتعلق بأجيال طائراتهما المستقبلية.

وربما يكمن بديل المحركات الكبيرة في عدد كبير من المحركات الصغيرة، لكن ذلك يتطلب عددا من القفزات التكنولوجية، ليس فقط في البطاريات ولكن أيضا في التصميم الإيروديناميكي وتوزيع الكهرباء.

رفع كفاءة الطاقة

هناك أيضا جهود كبيرة لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتصنيع طائرات هجينة بطرق تقليدية نسبيا.

وتتعاون شركة إيرباص مع شركة رولس رويس البريطانية لتصنيع المحركات النفاثة وشركة سيمنز الألمانية لتصميم نموذج لطائرة قصيرة المدى للرحلات الإقليمية تضم 100 مقعد أطلق عليها باي 146 (bae 146).

وتشير الخطط إلى أنها ستعمل بأربعة محركات توربينية أصغر حجما مما تحتاجه عادة طائرات بهذا الحجم. ويتم استبدال أحدها بمحرك توربيني كهربائي بسعة 2 ميغاواط مدعوم بمزيج من البطارية والمولد.

إذا سارت الأمور على ما يرام، فسيتم استبدال المحرك الثاني بطريقة مماثلة. ويرتكز المشروع إلى البحث عن مزيج مثال من محركات الاحتراق والطاقة الكهربائية لتصنيع طائرات أكثر كفاءة وأقل استهلاكا للوقود وأقل تكلفة في التشغيل.

لكن الدافع الأكثر إلحاحا هو المخاوف البيئية والالتزام بالمعايير والضوابط، التي تزداد صرامة يوما بعد يوم لخفض مستويات الانبعاثات.

ويبدو أن شركات صناعة الطائرات ستكون مجبرة على تكثيف الاستثمار في ابتكارات الطيران الهجين لأنه الحل الوسط والجيد لمواجهة الضغوط البيئية في ظل استحالة الطيران الكهربائي على المستوى التجاري، إلا إذا حدثت قفزة هائلة في صناعة البطاريات.

سلام سرحان – صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *