الشريف الفقيه القاضي سيدي محمد بن إدريس (1887- 1951)القاضي المستقيم، والمصلح الصبور

الرئيسية » تربية وتكوين » الشريف الفقيه القاضي سيدي محمد بن إدريس (1887- 1951)القاضي المستقيم، والمصلح الصبور

من أسرة شرف وعلم وزهد، تنتسب إلى الأسرة العلوية العبدلاوية الإسماعيلية الشريفة.

ابن الشريف القاضي الولي الصالح الصوفي الناصري المولى إدريس، عاصر السلطان مولاي الحسن الأول، وأبناءه الثلاثة المولى عبد العزيز،المولى عبدالحفيظ، المولى يوسف. والذي كان صاحب إذن بتلقين أوراد الطريقة الناصرية بحاضرة مكناس في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع العشرين.

ولاؤه وإخلاصه:

تميز  بالولاء  والمحبة والإخلاص للدوحة العلوية الشريفة فهو ابن الدار الذي لزم الحضور إلى جانب السلطان رغم إعفاء سلطات الحماية له من القضاء لأنه كان يتمتع بصفة ابن العم التي كان يخاطبه بها كل من السلطانين المولى يوسف وسيدي محمد في رسائلهما للقاضي، وبهذه الصفة رد سيدي محمد بن يوسف على  احتجاج سلطات الحماية” إن الفقيه ابن ادريس يحضر بصفته من العائلة الملكية، وقد دخل القصر الذي هو قصر آبائه وأجداده”.

ظل القاضي من المرافقين للركاب الشريف في جل الرحلات الملكية الداخلية، وكان السلطان سيدي محمد يقصد زيارته بمنزله بحي الاحباس بالدار البيضاء.

وطنيته :

عرف القاضي بتعلقه وشديد محبته للسلطان، ظهر ذلك في خطبه ومحاضراته التي دعا فيها الشعب المغربي إلى التعلق بالعرش باعتباره رمز الآمال لتتحرر الأمة من الاحتلال وتنهض من السبات.

وظف علمه لمساندة العمل الوطني والمشاركة في جل الأحداث الوطنية، ومن ذلك مساهمته في تأسيس الاحتفال بعيد العرش من أجل:

 – التواصل بين العرش والشعب

– وإظهار العز والصولة للدولة المغربية

– ومواكبة الأفكار الجنينية للحركة الوطنية

خطب الفقيه المنبرية بالمسجد الكبير بالحي المحمدي بالدار البيضاء وهي كلها مفعمة بمقاومة أعداء الوطن والدعوة إلى النهوض والتحرر والالتفاف حول رمز الأمة الملك المصلح سيدي محمد بن يوسف.

 فشل سلطات الحماية في تركيعه بالرغم من مختلف المضايقات والاستفزازات وهو العالم الشريف والقاضي النزيه، حيث قامت بعزله السلطات من منصب القضاء لوطنيته.

جعلت من أرض في ملكيته بحي ابن مسيك مطرحا للنفايات البلدية

تصوفه:

خصوصية الفقيه ابن ادريس، تجلت في ارتباطه بمجموعة من الزوايا بالمغرب، غير أنه كان يميل إلى الزاوية التجانية، وكان يلقي دروسا علمية في الزاوية العلمية، المنسوبة لسيدي قدور العلمي بمدينة مكناس.

شديد التردد والاعتقاد في الولي الأشهر، المولى إدريس الأكبر.

علمه:

اشتهر الفقيه كأبرز المحدثين في العهدين اليوسفي والمحمدي.

حفظه للقرآن الكريم بالروايات العشر، وتوليه كرسي الوعظ، وممارسته لخطة العدالة بسماط عدول مكناسة، قبل أن يصبح نائب قاضي الجماعة بالمدينة نفسها.

لنبوغه المبكر وإلمامه بالنوازل والأحكام، عينه السلطان المولى يوسف قاضيا بزاوية زرهون وأحوازها.

عرف القاضي مسارا قضائيا متميزا بعد زاوية زرهون، إذ تولى القضاء بزاوية سيدي عيسى من سوق أربعاء الغرب، ثم مدينة سلا

أظهر القاضي اجتهادا في تطبيق الأحكام، إذ ساهم في وضع أسس التشريع المغربي، وفي تطوير القوانين والنوازل والأعراف المغربية، وله في ذلك مراسلات مع وزارة العدل ومع المجلس الأعلى الشرعينظرا لهذه الخبرة القضائية والتشريعية عينه السلطان سيدي محمد بن يوسف بمقصورة الجلالة الشريفة بالدار البيضاء.

تميز اجتهاده القضائي بالسداد في تنفيذ الأحكام مما خول له الحصول على الدرجة الاستثنائية في منصب القضاء، كما حصل على وسام الرتبة الثالثة من الوسام المحمدي العلوي الشريف.

تدخله لدى الجلالة الشريفة للسماح بتدريس تفسير القرآن الكريم في مساجد المملكة بشرط إجراء امتحان الكفاءة للعالم المفسر.

كان الفقيه العلامة المحدث من العلماء الذين يحضرون المجالس العلمية السلطانية، وقد ألقى مجموعة من الدروس الدينية في حضرة السلطان المغفورله سيدي محمد بن يوسف، ومن ضمنها ختمة في صحيح البخاري ألف فيها تقييدا نفيسا قام الأستاذ إيشرخان بجمعه وضبطه وعانى في ذلك خدمة للعلم والعلماء جازاه الله عن ذلك خير الجزاء.

اشتهر بفتاويه في قضايا شائكة بقيت محفوظة ولله الحمد في الطبعة الحجرية لراية الأبرار.

طبقت شهرته الآفاق بسبب المناظرات التي كانت بينه وبين شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي السلفي إذ كان القاضي من المنافحين عن التصوف السني الخالص والمنتقد لأهل الدعوى والابتداع.

نصحه وتوجيهه الدائم للقائمين بالحقل الديني من الخطباء والوعاظ والنقباء والمرشدين والقائمين بحاجيات المساجد من المؤذنين والحزابين والمنظفين.

شديد الاهتمام بالدروس الدينية التي يلقيها أئمة المساجد على أعواد المنابر.

علاقة الصداقة والمودة مع علماء عصره كالفقيه العلامة محمد الرندة، وشيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي،والفقيه محمد بن محمد العبادي، والفقيه العدل محمد حركات السلاوي، والفقيه العدل محمد بن علي عواد السلوي، والقاضي الخطيب الهاشمي بن عبد الله بن خضراء، والعلامة المؤرخ عبد الله الجراري، والفقيه النبيه محمد بن حسن الحجوي، ومؤرخ الدولة العلوية النقيب عبد الرحمان بن زيدان، والعلامة محمد بن عبد القادر العرايشي، والفقيه النقيب سيدي عبد الكريم بن محمد الشبيهي المؤقت.

انشغاله بهموم وقته وانفتاحه:

استثمر القاضي وسائل زمنه من أجل تبليغ رسالته الإصلاحية، فكان راديو المغرب من أهم الوسائل الاتصالية التي انفتح عليها كغيره من علماء ذلك الوقت، حيث كانت تسمع  محاضرات القاضي عبر الأثير كما النوادي الأدبية التي كانت ميادين للتناظر واختبار الأفكار والتجارب.

انفتاحه على الثقافات الأخرى خصوصا الأدب الفرنسي من خلال الكتب طريق الصحف والمجلات الواردة من المشرق كمجلة الهلال.

كان يدعو دائما إلى الأخذ بوسائل تحديث المجتمع بشق الطرق وبناء المعامل، والاطلاع على تجارب الأمم والتعرف على المخترعين واختراعاتهم.

الشأن التعليمي:

يعتبر التعليم أساس كل نهضة علمية، وأساسه هو التعليم الأولي، ولذلك وضع تقييدا في شأن المعلم والمتعلم.

قدم تقريرا  للمغفور له  السلطان محمد الخامس من أجل إصلاح التعليم الأولي باعتباره أساس كل تعليم مستقبلي.

مصاحبته الدائمة للجلالة الشريفة وأفراد الأسرة الملكية في تدشين المرافق التعليمية (تدشين المدرسة المولوية، ومدرسة لالة عائشة بالمشور السعيد)

حظي بشرف كتابة وإلقاء خطب التأسيس والافتتاح لكثير من المدارس الوطنية.

كان عضوا فاعلا في مدارس أبناء الأعيان والمدارس الوطنية الحرة وساهم في نشاطها وتطويرها بعلمه وماله.

خصص كثيرا من خطبه لترغيب المغاربة وحثهم على إرسال أبنائهم إلى المدارس الحديثة.

جعل من نفسه قدوة بإرسال أبنائه إلى مدارس الدولة والمدارس الحرة. وحرصه على تعليم الأبناء أصول الحضارة المغربية وتاريخها المجيد مع حثهم على الانفتاح على  الثقافة العالمية وتعلم اللغات الأجنبية.

الشأن الاجتماعي:

عرف باندماجه في المجتمع المغربي ومعرفته الكبيرة بتحولاته.

سجل في كتاباته كثيرا من مظاهر التحولات التي شهدها عصره بسبب التسرب الاستعماري، وتدخل سلطات الحماية في القضايا الشرعية المتعلقة بالأحوال الشخصية.

تقويمه للسلوكيات المنحرفة التي عرفها مجتمعه بفعل الاختلاط بأجناس وثقافات أخرى عرفها زمنه إذ عرف بجهده الإصلاحي الاجتماعي من خلال نشر الوعي الديني،

الدعوة إلى منابع الإسلام الصحيح الوسطي والمعتدل بتقويم ما داخل الطرق الصوفية من انحراف وابتداع وادعاء والعمل على ترسيخ مقومات التدين المغربي القائم على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وسلوك الجنيد.

عرف بحسن معاملته لليهود المغاربة على سنن جده المصطفى عليه أزكى الصلاة والسلام، مما جعلهم يلجأون إلى المحاكم الشرعية لفض النزاعات المشتركة مع المسلمين المغاربة فيما بينهم، ولا يرون بأسا في ذلك.

كان للفقيه القاضي معاملات تجارية مع أفراد الطائفة اليهودية المغربية بواسطة الشراكة والقروض.

الشأن السياسي:

مساندة العلامة ابن ادريس لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، استجابة لنداء السلطان سيدي محمد بن يوسف، حيث لم يبخل الفقيه بعلمه وماله حيث تبرع في اكتتاب لصالح فرنسا، كما ساندها بخطبه في الجمعة ومحاضراته، لحث الشعب المغربي على المشاركة إلى جانب الحلفاء ضد النازية.

استقباله لبعض العسكريين من قادة قوات الحلف الأطلسي في حفل ضيافة بمنزله بحي الحبس بالدار البيضاء في 27 يناير 1943.

الشأن القضائي:

تظهر المجموعة المختارة من أجوبة الفقيه القاضي الشرعية والقانونية طول باع العلامة ابن ادريس في النوازل والأحكام.

كان القاضي من المساهمين الفاعلين في المجال القضائي ما يقرب من ربع قرن، ما بين عام 1340/1922 وعام 1363/1944م، محافظا  على المقومات الدينية وموائما  للقوانين مع الشريعة استجابة لتطلبات السياق المعاصر.

إحسانه:

إن عدد الذين كانوا يعيشون في كفالته تحت سقف واحد قارب المائتين

كان منزله العائلي ملاذا ومقرا ومقاما للأرامل والأيتام وللفاقدين للمعيل من الأقارب والأحباب، ومنهم من قادته الظروف لمحكمة الفقيه القاضي فوجدوا أنفسهم بدون كفيل فيتكفل بهم الفقيه القاضي .

وفاته:

في السابع من رمضان الأبرك الكريم من عام 1370ه/1951م عن عمر راوح الرابعة والستين.

عبد الصمد غازي

عن كتاب المؤرخ أحمد إشرخان “العلامة المغربي القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي٬ قضايا في الفكر المعاصر”.

@@

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *