لم يعد مفهوم الاستدامة مقتصراً على الزراعة والطاقة والإنتاج فقط، بل أصبح يشمل قطاعات الأنسجة والبناء أيضاً. وتوفر بعض الجامعات المواد اللازمة أو تمنح الشهادات في هذا المجال، كما تتضمن العديد من الشركات الكبرى أقساماً خاصة لتطوير مفهوم الاستدامة، وتملك الأمم المتحدة مئات المشاريع في هذا المجال، من خلال العديد من الوكالات والبرامج.
لكن هناك العديد من المغالطات حول هذا المفهوم، ومثال ذلك: ترتبط الاستدامة في الزراعة بالإنتاج العضوي غالباً، والذي يشار إليه على أنه طريقة دائمة لتغذية السكان. ووفقاً لمعهد (وورلد ووتش- Worldwatch Institute) فإن “الزراعة العضوية لها قدرة على الإسهام في الأمن الغذائي المستدام، من خلال تحسين حصص التغذية واستدامة سبل العيش في المناطق الريفية، مع التقليل من خطر التعرض للتغير المناخي، وتحسين التنوع البيولوجي.”
لكن، ماذا تعني “الاستدامة” حقاً؟ وما علاقتها بالطرق العضوية لإنتاج الطعام، مقارنة بطرق الزراعة الأكثر تقدماً اليوم؟ يرى البعض أنها مجدية اقتصادياً ومسؤولة اجتماعياً وسليمة بيئياً، وهذه الجوانب مترابطة ومتداخلة وجوهرية لتحقيق مفهوم الاستدامة. فالزراعة التي تستهلك جميع مواردها الطبيعية أو تلوث البيئة، سرعان ما ستخسر قدرتها على الإنتاج. لذلك، ينبغي الاهتمام بهذه الجوانب وجعلها تعمل بتناغم.
وقد وجدت دراسة نشرت في العام الماضي، أن التقليل من تلوث المياه الجوفية ممكن في حال تم توزيع الأسمدة عبر أنظمة الري، وفقاً لحاجة النبات خلال موسم النمو. إلا أن المزارع العضوية تعتمد على السماد الطبيعي، الذي لا تتحدد كميته وفقاً لحاجة النبات. كما وجدت الدراسة أن “الزراعة العضوية المكثفة المعتمدة على المواد العضوية الصلبة- مثل: سماد الروث الذي يوضع على التربة قبل الزراعة- يؤدي إلى تسرب النترات” إلى المياه الجوفية، لاسيما أن العديد من المناطق الأكثر خصوبة في العالم، تواجه خطر الجفاف واستنزاف طبقات المياه الجوفية. وعلاوة على ذلك، يولد السماد العضوي كمية كبيرة من الغازات الدفيئة، كما أنه مصدر البكتيريا الممرضة التي تصيب المحاصيل، وهذا بخلاف الاعتقاد السائد بأنه صديق للبيئة.
ومن ناحية ثانية، قد تكون الزراعة العضوية جيدة في بعض البيئات المحلية على نطاق ضيق، إلا أن المزارع العضوية ستنتج كمية قليلة من الطعام مقارنة بالمزارع التقليدية، وهذا يسبب العديد من المشكلات في الأراضي الزراعية، فيما يتعلق باستهلاك الماء. وقد حددت إحدى الدراسات بعض هذه الضغوطات التي ارتفعت وتيرتها في مجال الزراعة العضوية مقارنة بالتقليدية، وهي: انبعاثات الأمونيا، وتسرب النيتروجين، وانبعاث أكسيد النيتروس من كل منتج.
ويعد انخفاض كمية محاصيل المزارع العضوية أمراً حتمياً، نظراً إلى عدم استخدام الطرق والتكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال. فهذا النوع من الزراعة يستخدم كميات محدودة من المبيدات، ويواجه صعوبات في تلبية الطلب على المخصبات، وينقصه الحصول على الأصناف المعدلة وراثياً. وإذا ما تمت زيادة الإنتاج العضوي، فان قلة المحاصيل قد تزيد الضغط لتحويل المزيد من الأراضي إلى مزارع، واستهلاك المزيد من الماء، وهذا قد يؤدي إلى مشكلات بيئية خطيرة.
وتعرف جامعة ستانفورد الاستدامة على موقعها الإلكتروني بالآتي: “القدرة على توفير احتياجات سكان العالم، من دون تدمير قدرة أجيال المستقبل على توفير احتياجاتهم. وعندما تكون العملية مستدامة، يمكن تكرارها مرات عدة، من دون أي تأثيرات سلبية على البيئة أو زيادة في التكاليف.”
وعليه، يتوافق هذا التعريف مع الفكرة القائلة بأن الاستدامة تصبح إيجابية تماماً، من خلال براعة الإنسان والسعي وراء التقدم- أي العمليات والمنتجات الأكثر فعالية والأقل تكلفة، وفي الوقت نفسه أقل ضرراً للبيئة، وهذا يخالف ما يفعله منتجو الطعام العضوي.
فوربس ميدل ايست