الدين والمجتمع

الرئيسية » الأعمدة » حروف » الدين والمجتمع

يجد الناظر في الدراسات والأبحاث التي اهتمت بالأديان ووظائفها وطبيعة خطابها وسر تأثيرها واستمرارية انتشارها وإشعاعها على مر العصور والدهور وعبر مختلف الشعوب والأعراق،يجد فيها توظيفا لما استجد من المناهج والنظريات والمفاهيم سواء كانت دينية أو إنسانية “مجردة”، مما حفز العقول واستفز النفوس على البحث في شؤون الدين بصفة عامة ومحاولة فك شفراته وألغازه سعيا وراء اصطناع نماذج تأويلية وتفسيرية تفي بغرض الإيضاح لما غمض من أمر الدين، والإفصاح عن حقائق حضوره القوي مهما تبدلت الأزمان واختلفت السياقات.

ولقد عرف مطلع الألفية الثالثة عودة كبيرة للأديان ممارسة ومدارسة، إذ ارتبطت هذه العودة في مجمل الأديان بنزوع سياسي أصولي ومتطرف، مما كان له تأثير كبير على الخرائط الذهنية والسياسية والجغرافية لعالمنا الإسلامي.

وإذا كانت المسألة الدينية فد تمت مقاربتها في ديار الإسلام من لدن مختلف أصناف النخبة المثقفة متوسلين في فهمها بمختلف المناهج والنظريات الأصيلة والدخيلة، فإن طابع المنطق الثنائي قد غلب على طروحاتها، حيث إن هاجس الآخر وحضوره المؤثر بمنظوماته الحضارية قد حكم مختلف تلك المقارنات التي رامت التوفيق والمصالحة، أو الترميم والتجاوز، أو النقد والمخاصمة إلى غير ذلك من أضرب العلاقة التي كانت تعكس وعي أصحابها وشروط المرحلة التي كانوا يفكرون من خلالها، إذ نجد تقابلات من مثل الإسلام والاشتراكية أو الإسلام والرأسمالية و الإسلام والديمقراطية…

ولعل موضوع العلاقة بين الدين والسياسة يمكن اعتباره الإشكال المحوري الذي هيمن على مختلف الأدبيات سواء منها الأكاديمي أو الحركي الميداني مما جعل الباحث أمام زخم هائل من الأنظار والتحليلات منها ما تجاوزه الزمن، ومنها ما لقي فرصته في امتحان التجريب العملي الذي له إكراهاته الواقعية بعيدا عن كل تنظير “حالم”.

ولذلك فقد بات البحث في المسألة الدينية يأخذ أبعادا جديدة في الدرس والتقويم يمكن نعته بمطارحة علاقة الدين بالمجتمع، أو إشكال التدين في حد ذاته وكيف أنه حياة روحية خاصة، يؤطرها نظام قيمي معين ينبغي أن لا يزج به في معارك الساسة الوقتية، والتي لها منطق تدافع قد تفشل فيه البرامج السياسية أو تنجح تبعا لمقدرة أصحابها وكفاءتهم التقنية وتمكنهم من أدوات السياسة التي لها منطقها الخاص، والذي تحكمه آليات وغايات قد تضر بالدين إذا ما زُج به في معاركها التنافسية على السلطة. فقد بات واضحا أن الدين كلما تم استثماره في الحظوظ الدنيوية كلما كان هو الخاسر في بورصة تداول السلطة، وعلى هذا الأساس بدأت أصوات أكاديمية وأخرى انطلاقا من تجارب نقدها الذاتي تنادي بضرورة توقير الجوانب الروحية للمجتمع، والتعفف عن التلاعب بها في حرب التموقع السياسي من أجل ضمان استقلال أكبر للدين، وترقية النقاش السياسي إلى مستويات أكثر عقلانية ، تعتمد تقويم البرامج المقترحة واكتشاف الأفكار المبتكرة  والحلول المبدعة للأزمات، حيث تتبارى فيها العقول والكفاءات على السلطة بدون إلحاق أي ضرر بالرأسمال الوجداني للأمة والذي يشكل سدى وحدتها وتماسكها.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *