الدين الحرية

الرئيسية » الأعمدة » حروف » الدين الحرية

الأفكار مثل أشعة الشمس تشع على جميع الخلق ، ومعيار تفاضلها هو مدى خدمتها للإنسان بما هو إنسان لكي يؤدي دوره الائتماني في هذا الوجود المؤقت والمحدود بالنظر إلى أعمارنا، والدائم والممتد بالنظر إلى الأجيال القادمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والأديان التي توالت وواكبت حيرة الإنسان لتخرجه من عنت المجهول، بعث بها بشر من جنسه لا يدعون المعرفة من عنديتهم، بل كانوا أنبياء و رسلا أتوا بالهدى من لدن ربهم ليزداد الإنسان أنسا بنفسه وغيره حيثما استشعر القرب من ربه، فكانت مهمتهم والتي بلغت منتهاها وكمالها مع البعثة المحمدية الخاتمة، هي تحرير الإنسان من هواجس الخوف وأنواع التسلط التي يمكن أن تمارس عليه  سواء كانت مادية طبيعية أو معنوية غير مرئية ، فكان هذا الخلاص الديني الذي خلص الإنسان من مختلف القيود والأغلال، وزوده بنظام قيمي ،من الواجب عليه فيه أن يستغرق الجهد في كيفيات تنزيله في كل زمان ومكان.

ومن ثم فلا أضر على المجتمع الإنساني من الجرأة على استعمال سامي الأمور وأقدسها في سافل الأشياء وأخسها، كأن يلجأ فرد أو جماعة إلى استثمار الدين في خدمة أغراض نفسية وشهوانية، أو إشباع نهم الرياسة والتسلط تحت مسميات إقامة الدين وإعادة سلطانه، لا يلبث المحقق يرى أن الحوافز المحركة لكل ذلك ليس إلا هوى في النفس.

 والتاريخ الإنساني مليئ بمثل هذه التجارب الأليمة التي استغلت البراءة والفطرة  الإيمانية في سبيل تحقيق منازع عادت بأشنع الآثار، عمل جمهرة من المفكرين والفلاسفة على تحرير الإنسان من جبروتها القاتل ، واجتهد المجتمع في إبداع مؤسسات تقلص من غلواء آلتها التي لا ترحم، والغريب أن دين الإسلام جاء محررا ومانحا للعقل الإنساني مساحات شاسعة لابتكار أنجع الطرق لتدبير اجتماعه وعمرانه ، غير أن آفة اختزاله في أحكام باردة وعدم التعامل معها في نسق أخلاقي حي، يفقدها ديانيتها ويجعلها مجرد ترسانة قانونية تبحث عن من يجيد توظيفها في خدمة الدنيا وليس الدين، وتاريخنا شاهد على اللحظات التي يعلو فيها الصوت الحقيقي للدين كيف أن بني الإنسان بمختلف وجهاتهم يعيشون في أمن وأمان، بل يعرف منسوبهم الحضاري نموا وارتفاعا بخلاف ما إذا هيمن طلب الحظوظ باسم الدين وتسيس أمره، واختلطت المقاصد وتضاربت كيف يعيش المجتمع لحظات الفتن والحروب والصراعات.

فالدين حقيقة إيجابية تضمن التحرر والانطلاق، وهو كسب مجتمعي يلبي حاجيات الإنسان الروحية والقيمية بقناعة وإيمان، دون وصاية أحد أو رقابته أو وساطته كائنا من كان ليمنحك تأشيرة الفوز والفلاح، ولذلك فالسياسة تدافع له شروطه ومقتضياته ، ينبغي أن تحتكم إلى الكفاءة والمصداقية والمسؤولية والمحاسبة والشفافية و القيم التي تواضع عليها المجتمع في مرحلة معينة، وليس أن تبرع في فنون الديماغوجية وألاعيب الكلام ودغدغة العواطف الإيمانية، لأن مثل هذه السلوكات لا تغير من الواقع شيئا بل تزيده احتناقا واختناقا.

الدين رحمة من الله للإنسان، منزه أن تعبث به الأيدي لخدمة نحلة أو فرقة أو طائفة أو فئة أو حزب، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التدين بعيدا عن أصناف الدعاوى وتزكية الذات، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *