التنمية المحجوزة.. قراءة تقويمية واستشرافية للأهداف الإنمائية للألفية - 1: المفهوم والسياقات

الرئيسية » الأعمدة » دراسات استشرافية » التنمية المحجوزة.. قراءة تقويمية واستشرافية للأهداف الإنمائية للألفية – 1: المفهوم والسياقات

 قراءة تقويمية واستشرافية للأهداف الإنمائية للألفية

1: المفهوم والسياقات

لقد تزامن النقاش والجدل حول التنمية بكل أبعادها مع تأسيس الدولة – الأمة، فانكب الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مطارحة قضايا النمو والنماء ورفاهية الإنسان وأمنه واستقراره(1)، وساهمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها العالم منذ الحرب العالمية الأولى إلى ما بعد الحرب الباردة، في إعادة فحص مفاهيم التنمية وأدوار ووظائف الدولة والمجتمع الدولي(2). وقد ظهرت اتجاهات فكرية ومدارس ونظريات متعددة حاولت صياغة منظور متكامل حول التنمية(3). وساهم الفكر ما بعد الاستعماري في توجيه النقاش العالمي حول إنقاذ التنمية في الدول المتعثرة وصياغة إستراتيجية عالمية تحقق تكافؤ الفرص في مواجهة التحديات المعاصرة. وانطلق مشروع بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، تحت رعاية الأمم المتحدة والذي أطلق عليه إعلان الألفية بموجب قرار الجمعية العامة 55/2(4). وتوخى الإعلان تحفيز الدول على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول 2015.

لا يخفى على المتتبع للنقاش الصاخب والدائر في الأوساط السياسية والإعلامية والفكرية في مختلف المنظمات الدولية وغير الدولية(5) وكذا مراكز الأبحاث حول أهمية وقيمة وجدوى هاته الأهداف الإنمائية. وإذا كان الأجل المحدد لتحقيق نتائج فعلية وملموسة لمؤتمر قمة الألفية هو 2015، فإن النظر النقدي والبعيد عن التحيزات السياسية والفكرانية يستدعي مناقشة هاته الأهداف وإمكانية تحققها وبالتالي تقويمها واستشراف مآلاتها.

فما هو المراد بالأهداف الإنمائية للألفية؟ وما هي على وجه التحديد؟ وما هي حصيلة مشروع قمة مؤتمر الألفية؟ وما هي عوائق الوصول إلى هاته الأهداف؟ وما هي دواعي التفاوت بين مختلف الدول في تحقيق هاته الأهداف؟ وهل بالفعل سيسمح السياق العالمي الزوبعي بالوصول إلى هاته الأهداف؟ وما هي عموما مآلات الإعلان عن الأهداف الإنمائية للألفية؟ هاته الأسئلة المتعددة، سنحاول ملامستها وبسط الحديث عنها من خلال ورقات متعددة، وذلك من خلال مقاربة تقويمية واستشرافية لقضايا التنمية. وبالتالي فهاته الورقة هي توطئة عامة لإشكالية التنمية المحجوزة في نظرنا، بحيث رغم توافق الإرادات على إعلان الألفية فإن الأوضاع الجيوسياسية وتضارب المصالح الدولية وتباين استراتيجيات الفاعلين في الاقتصاد العالمي، لا تساهم في تعزيز “أهداف الألفية”.

فما هي أولا دلالة مفهوم إعلان الألفية؟ وما هي طبيعة السياق الدولي الذي تمخض عنه الإعلان؟

أولا: مفهوم الأهداف الإنمائية للألفية

إن الأهداف الإنمائية للألفية هي عبارة عن طموحات دولية، تعكس هواجس مختلف دول العالم وبالخصوص أعضاء منظمة الأمم المتحدة وكذلك المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالقضايا الإنسانية والرهانات الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك فمفهوم الأهداف الإنمائية للألفية يختزل بداخله النقاش الأخلاقي والسياسي والفلسفي لمختلف التيارات السياسية والفكرية المهتمة سواء بتعزيز المنظومة الاجتماعية والحقوقية للإنسان المعاصر أو المعنية بتطوير التنمية الدولية وتوسيع مجالاتها وتتبع نتائجها ومواءمة المخططات الاقتصادية والاجتماعية مع أهداف منظمة الأمم المتحدة.

ولكن رغم اتفاق الدول المعنية بإعلان الألفية (189 دولة) على تحديد الأهداف الإنمائية للألفية، فإن ذلك لا يعني الإجماع الدولي على فلسفة هاته الأهداف والسبل العملية للوصول إليها، وذلك لتباين مستويات الديمقراطية ونجاعة المخططات والبرامج والسياسات العمومية وهشاشة الأنظمة السياسية وكذا الإخلال بالشروط الأخلاقية لتضافر الجهود الدولية لتحقيق الأهداف الإنمائية.

إن إعلان الأمم المتحدة للألفية، هو التزام أخلاقي بمساعدة الدول الفقيرة على تجاوز تعثراتها وإخفاقاتها، وهو كذلك إلزام لهاته الدول بتحقيق الأهداف الثمانية للألفية التي تم التوقيع عليها في سبتمبر 2000، وتتألف من ثمانية أهداف و21 غاية و60 مؤشرا(6) لقياس التقدم في تحقيق الأهداف الثمانية.

إن دلالة مفهوم الأهداف الإنمائية للألفية تجمع بين الواجب الإلزامي للدول المتقدمة بمساعدة الدول الفقيرة وكذلك حق الدول المتخلفة في تنمية إنسانية متكاملة بل إن إعلان الألفية هو كذلك إلزام للدول الفقيرة بمواءمة سياساتها العمومية مع الأهداف المسطرة.

إن صياغة هاته الأهداف لم تنفصل عن طبيعة التفاعلات العالمية والإقليمية.

ثانيا: السياق العالمي لإعلان الألفية / استباق للكارثة الإنسانية

تميز ولوج العالم للألفية الثالثة بالاضطراب والحيرة وسيادة عدم القدرة على التكهن بالمستقبل(7) وتبين المسارات الممكنة، حيث تراكمت الإخفاقات والنزاعات(8) وتوجت بالأزمة المالية لسنة 2008(9) والتي يصعب حاليا معرفة مدى حجم تداعياتها المستقبلية.(10) فهناك مجموعة من الدول مرشحة للإفلاس من المجموعة الأوروبية نفسها مثل اليونان وغيرها، وهناك دول مرشحة للانهيار الكلي والتحول إلى مناطق سوداء ملتهبة في الساحة الدولية، ولذا فإن الأهداف الثمانية لإعلان الألفية الثالثة مهددة بشكل جدي وواقعي.

1. دراسة معهد جالوب/ الحاجة إلى الأمم المتحدة

قبل إعلان الألفية، قام معهد جالوب المتخصص في استطلاع الرأي بإنجاز دراسة استقصائية في عام 1999 شملت 58 ألف من البالغين من 60 بلدا(11) وكان موضوع الدراسة هو معرفة رأي هذه الفئة حول رهانات الألفية، وتناولت الدراسة المحاور التالية(12):

– ما هو أهم شيء في الحياة؟

فكانت الأولوية عند الجميع هي الصحة الجيدة والحياة السعيدة المستقرة ثم بعد ذلك العمل الذي هو مصدر الكسب الدائم والضامن للحياة الكريمة؛ وتم التأكيد على رفض جميع أشكال الصراع وأنواع الفساد(13).

– حقوق الإنسان(14):

عبر المجيبون عن تذمرهم وغضبهم وخوفهم من عدم احترام حقوق الإنسان بحيث أكد 10 في المائة من المواطنين في بعض المناطق على كون حقوق الإنسان لا تحترم بشكل كاف، أما ثلثهم بين بأن حقوق الإنسان منعدمة إطلاقا. وأشاروا إلى انشغال الجميع بظاهرة التمييز على أساس العرق والجنس.

– البيئة(15):

أكد ثلثا جميع المجيبين بأن الحكومات لا تهتم فعليا بالمشاكل البيئية. واستنكر المجيبون من الدول النامية التصرفات غير المسؤولة لحكوماتهم بخصوص الوضع البيئي.

– الأمم المتحدة(16):

بينت الدراسة بأن جل الناس يعتقدون بأن من المهام الأساسية للأمم المتحدة، هي حماية حقوق الإنسان وضرورة تقديمها للمساعدات الإنسانية والحفاظ على الأمن والسلم في العالم.

– الديموقراطية(17):

رغم إقرار جل المجيبين بأن الانتخابات في بلدانهم نزيهة إلا أن ثلثا المجيبين لا يرون بأن إرادة الشعب تحترم في بلدانهم، وذلك حتى في المجتمعات الديمقراطية.

2. تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في الدورة الرابعة والخمسون/هواجس الخطاب الأممي

تعتبر الدراسة الاستطلاعية هي الممهدة لصياغة الأهداف الثمانية للألفية، بحيث أشار إليها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الموجه لجمعية الأمم المتحدة للألفية في الدورة الرابعة والخمسون. ومن خلال النظر في هذا التقرير يفهم السياق العام لإعلان الألفية وخلفياته التي تترجم هواجس قادة العالم وحكوماته؛ وهكذا نلاحظ بأن بنية التقرير تضمنت سبعة محددات:

1.2.قرن جديد وتحديات جديدة:

إن الانتقال إلى القرن الواحد والعشرين هو مواجهة لتحديات جديدة متعددة، ولذلك اقترح الأمين العام آنذاك الابتعاد عن مطارحة القضايا الآنية والتفكير بروح استشرافية واستراتيجية لمستقبل العالم والمنظمة، وبالتالي دورها في الألفية الثالثة. ورغم تأكيده على كون البشرية قد حققت الكثير من المكاسب فإن الواقع طافح بالتناقضات والاختلالات والإخفاقات، ولذا فإن منظمة الأمم المتحدة لها دور كبير في تصحيح هذا الواقع والتفكير في بدائل وحلول عملية استعدادا لرهانات الألفية. ورأى بان “التحدي الأساسي الذي نواجهه اليوم يتمثل في كفالة تحويل العولمة إلى قوة إيجابية يستفيد منها جميع سكان العالم، بدلا من ترك البلايين من الناس يعانون نتائجها السلبية. ويجب بناء العولمة، التي تشمل الجميع، على أساس القوة التمكينية الكبيرة التي يتيحها السوق، بيد أن قوى السوق وحدها لن تحققها والمطلوب هو بذل جهود أوسع لتهيئة مستقبل مشترك، يقوم على إنسانيتنا المشتركة بكل أنواعها”(18).

إن المحور الأول المتضمن في تقرير الأمين العام، ساهم في توجيه أنظار قادة العالم إلى التمسك برؤية مشتركة حول التحديات واستنفار العقول للخوض في التفكير في تحديات الألفية وبالتالي الإلحاح على عدم الاكتفاء بالكلام في المستقبل وإنما التهيؤ له. ولهذا اعتبر مؤتمر قمة الألفية بداية لتجديد كافة زعماء العالم لالتزامهم تجاه الأمم المتحدة، والسعي في تبني الرؤية المشتركة والعمل على تطبيقها.

2.2.العولمة والحكم(19)

تعتبر العولمة وإدارة الحكم محددا ثانيا لسياق الألفية ذلك أنها سياق جديد للتفاعلات الاقتصادية والاجتماعية، وحركية متنامية في مجال التجارة الخارجية وتكنولوجيا الاتصال. ولكنها كذلك سياق جديد للتفاوت الاجتماعي والتناقضات المجالية وبالتالي رفض لتداعيات العولمة وآثارها السلبية بشكل عنيف من طرف الحكومات والأفراد. ولهذا طرح التقرير سؤال كيفية الانتقال من عالم دولي إلى عصر العولمة؟

ولاحظ الأمين العام السابق، بأن الدول الضعيفة هي العائق الكبير(20) أمام تحقيق حكم جديد وفعال ولذلك يتعين العمل على تعزيز قدرتها على الحكم، لا الإمعان في إضعافها؛ كما يتعين على الدول تحمل مسؤولياتها اتجاه مجتمعاتها وكذلك اتجاه المجتمع الدولي.

والحكم الأفضل في نظر الأمين العام السابق “يستلزم زيادة المشاركة، مقرونة بالمحاسبة. ولذلك يجب زيادة إفساح المجال العام الدولي – بما فيه الأمم المتحدة- للمشاركة الفعالة من جانب العناصر الفاعلة العديدة التي تعد مساهماتها ضرورية لإدارة مسار العولمة”(21). كما أكد على ضرورة الوعي بالدور الفعال للشركات العالمية ومساهمتها في تهيئة الحيز الاقتصادي الوحيد الذي نعيش فيه، وتأثيرها على المستقبل الاقتصادي للعالم ولهذا يجب الأخذ بمفهوم المواطنة العالمية للشركات، الذي يفضي إلى تمتع هاته الشركات بحقوق ولكن كذلك بتحملها لمسؤوليات كبيرة. ولا يمكن أن يكون السياق العالمي متكاملا في نظره إذا لم يكن هناك اتساق السياسات، فتكاملية السياسات العمومية في البلدان المختلفة من شأنه توسيع نطاق فوائد العولمة، ولدعم رؤيته القائمة على ضرورة الوعي بالاستفادة من سياق العولمة والتشابك العالمي، استند الأمين العام السابق على معطيات دراسة جالوب التي أشرنا إليها سابقا، والتي تدعم طرح الأمم المتحدة الهادف إلى منح المنظمة دورا حقيقيا في تدبير حاجيات وتطلعات الشعوب.

3.2.التحرر من الفاقة(22)

يعتبر التحرر من الفقر محددا ثانيا في تقرير الأمين العام السابق، وهو الدافع الأساسي لعقد قمة الألفية لأن جميع القضايا الأخرى مرتبطة بهذا الوضع. وينحاز التقرير إلى أطروحة مفادها أن البلدان التي حققت نسبة أعلى من النمو هي البلدان التي نجحت في تحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمار الأجنبي”(23).

ويبدو للأمين الأمين العام السابق بأن التحرر من الفاقة يكمن في تحقيق نمو مستمر وتوفير الفرص للشباب(24) وتحصين الصحة ومحاربة فيروس نقص المناعة البشرية والارتقاء بمستوى الأحياء العشوائية ولذا أشاد ببرنامج “مدن بدول بلا أحياء عشوائية”(25) وطلب من جميع قادة العالم إقرار المبادرة والعمل على إنجاحها وإدراجها في السياسات العمومية.

ومن شروط تجاوز وضع وحالة الفقر، إشراك إفريقيا (26)، وخصوصا منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي هي في حاجة إلى التزام عالمي بتجاوز الفقر فيها. وفي معرض تشخيصه للوضع الاجتماعي والاقتصادي لإفريقيا، أكد على كون الإنتاجية الإفريقية عانت ولازالت من الضعف بسبب سيطرة الدولة على النظم الاقتصادية وسوء إدارتها وعدم قدرة الشركات الخاصة على المنافسة الدولية وامتلاك التكنولوجيا والمعلومات.

كما أن القطاع الزراعي متدهور ولذلك دعا “طليعة خبراء العالم أن يفكروا في وسيلة لإزالة حاجز الإنتاجية الزراعية المنخفضة في إفريقيا. وناشد المؤسسات الخيرية الكبرى، التي حفزت كثيرا من البحوث الجيدة والعملية في مجال الزراعة، أن تنهض للتصدي لهذا التحدي البالغ الأهمية”(27) ونبه كذلك إلى ضرورة معالجة مشكل المنافسة السياسية في إفريقيا التي لا تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة.

واعتبر بناء الجسور الرقمية(28) عاملا آخر للخروج من الفقر، وذلك من خلال تقليص الفجوة الرقمية بين دول العالم وأعلن عن شبكة صحية للبلدان النامية، تهدف إلى تمكين مؤسسات ومستشفيات الدول النامية من المعلومات الطبية. كما أعلن عن خدمة تكنولوجيا معلومات تابعة للأمم المتحدة، وهي عبارة عن اتحاد المؤسسات الطوعية للتكنولوجيا الرفيعة، مهمتها تدريب مجموعات من الدول النامية على استعمال تكنولوجيا المعلومات.

ومن شروط القضاء على الفقر كذلك، خلق سوق عالمي شامل يمكن الفقراء من فرص جديدة لكسب العيش(29)، ولهذا اقترح الأمين العام السابق على البلدان الغنية فتح أسواقها وإعادة جدولة الديون بشكل أعمق وسريع، ومنح مساعدات إنمائية للبلدان النامية موجهة بشكل أفضل. فالتضامن العالمي في نظره قادر على المساهمة بشكل عملي في مواجهة حالة الفقر الشامل، ومن مظاهر هذا التضامن، تمكين الدول النامية من ولوج أسواق الدول المتقدمة دون رسوم جمركية ودون التقيد بحصص والالتزام بذلك(30).

4.2.التحرر من الخوف(31)

اعتبرت الصراعات والحروب والإبادة والتقتيل من مظاهر اختلال الأمن العالمي، فتحقيق أهداف الألفية الثالثة مقرون باتقاء جميع الصراعات المهلكة وتفادي مصادر التوتر وحماية الضعفاء والتدخل لحماية السكان في جميع أقطار العالم، والتشهير بمجرمي الحرب والمزودين لمناطق الصراع بالسلاح. وكذلك تحميل الشركات الكبرى والمصارف العالمية مسؤولية مراقبة عمليات غسل الأموال والعمليات المشبوهة. وبالتالي فالحماية المطلوبة تتجسد في التأكيد على محورية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وإقرار إستراتيجية فعالة لمعالجة معضلة التدخل الإنساني لإيقاف القتل الجماعي. وتعزيز منظومة الجزاءات أو العقوبات والتي هي جزء من أحكام الميثاق الأممي المتعلقة بالأمن الجماعي وهي “سلسلة إجراءات تتراوح بين الإدانة اللفظية المحضة واللجوء إلى القوة المسلحة. وتشمل الجزاءات حظر توريد الأسلحة، وفرض قيود تجارية ومالية، وقطع الروابط جوا وبحرا، والعزل الدبلوماسي(32). كما طالب قادة العالم بضرورة الحد من بيع الأسلحة الصغيرة غير المشروعة، وتقليص الأسلحة وصياغة استرتيجية دولية للقضاء على المخاطر النووية(33).

5.2.ضمان مستقبلنا(34)

إن المستقبل العالمي، رهين بمواجهة التحديات الكبرى، ومن ذلك التغير المناخي، تدهور البيئة والتربة والغابات ومصائد الأسماك واختلال النوع البيولوجي ولذلك طالب الدول الأعضاء بتوفير الدعم المالي الكافي للتقييم الألفي للنظم البيئية، وهي مبادرة كان الغرض منها تحصيل معرفة تفصيلية ودقيقة بالأضرار البيئية وأسبابها وتوعية العالم بذلك، من أجل وضع وصياغة سياسات بيئية صالحة(35).

6.2.تجديد الأمم المتحدة(36)

أكد الأمين العام السابق على عجز الأمم المتحدة لوحدها لمواجهة مختلف التحديات المذكورة، لذلك تعين دعم المنظمة ماليا وتوسيع نطاق استعمالها للتكنولوجيا الرقمية وبناء الشبكات وتوطيد العلاقات مع مختلف مكونات المجتمع المدني العالمي، وحمل جميع الأعضاء على التوقيع والمصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “كي تتوطد وتزدهر المكاسب التي تحققت في مجال تقديم المسؤولين عن اقتراف الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية إلى العدالة”(37). وكذلك إصلاح نظام مجلس الأمن، ليحقق فعالية في الأداء ويكتسب مشروعية غير مشكوك فيها. لذا فالإصلاح الهيكلي الشامل لمنظمة الأمم المتحدة هو الكفيل بتمكينها من أداء الوظائف الموكلة إليها ومواجهة مختلف التحديات المشار إليها ومن ضمنها تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

7.2.تجديد النظر في مقاصد الأمم المتحدة(38)

ذكر الأمين العام السابق بمبادئ الأمم المتحدة المنصوص عليها في الميثاق والمؤسسة لروح الميثاق وهي كالتالي:

  • الحرية؛
  • الإنصاف والتضامن؛
  • التسامح؛
  • اللاعنف؛
  • احترام الطبيعة؛
  • تقاسم المسؤولية.

ورأى بأن تطبيق هاته القيم هو من أولويات المنتظم الدولي في القرن الجديد وهي الضامن لتحقيق الأهداف المعلنة في إعلان الألفية.

لقد قمنا بتلخيص مجمل الأفكار الواردة في تقرير الأمين العام والتي تعكس بحق توجهات المنظمة وتترجم الانشغالات الرئيسية للمنتظم الدولي. وبالطبع فإن هاته الأفكار – المعالم والتي نعتقد بأنها تشكل محددات للخطاب الأممي وهواجسه، هي السياق نفسه الذي أملى على المنتظم الدولي التفكير آنذاك في عقد قمة الألفية. ويبدو أن الخطاب الأممي اتسم بالعلمية في استعراض مختلف المؤشرات الفاضحة للواقع العالمي، كما تميز بنبرة تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم وفي نفس الوقت التحيز لرؤية ليبرالية مشجعة للانفتاح العالمي، مع التقليل من أهمية ومسؤولية الدول الكبرى في عرقلة المجهود العالمي لتحسين الأوضاع التنموية. وهذا ما يستدعي النظر في سياق الأوضاع الجوسياسية لما قبل الألفية، لبيان طبيعة الوضع العالمي قبل إعلان الألفية.

ثالثا: السياق الجيوسياسي لما قبل الألفية / استمرار التدهور

لقد انتهت الحرب الباردة بإعلان فشل النموذج الايديولوجي للإتحاد السوفياتي سابقا وتأثرت الدول المنضوية تحته بتداعيات البريسترويكا وسياسة الجلاسنوست، فأسفرت التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية عن وضع مضطرب وهش، مكن الولايات المتحدة الأمريكية من الاستفراد بإدارة الشؤون العالمية وبالتالي نهاية القطبية والتهليل والاحتفاء بالانتصار الليبرالي وإعلان نهاية التاريخ حسب تعبير فوكوياما(39). وساهم التطور التكنولوجي لما بعد الحرب الباردة في إضعاف المناعة السيادية للدول وخصوصا منها النامية التي لم تعد تتحكم في مجالها بفعل التدفق الهائل للصور والمعلومات وبالتالي لأنماط جديدة من تمثل الواقع وتدبير الفعل السياسي والاقتصادي. فشكلت الثورة التكنولوجية ضربة للأنظمة الهشة غير القادرة على استيعاب التحولات، فبدأ الحديث عن نهاية الحدود(40) (بادي) ونهاية السيادة(41) بفعل التخلي الطوعي للدول عن جزء من سيادتها للتشكيلات الاقتصادية الجديدة، التي أصبحت فيما بعد عبارة عن قلع اقتصادية مما ساهم في تكريس الحرب الاقتصادية غير المعلنة. وتداخل الجنوب والشمال فيما بينهما بفعل ارتفاع معدلات الهجرة(42) والترحال واللجوء السياسي واقتحام المناطق الجديدة من طرف الشركات الكبرى. وهكذا أصبح الجنوب حاضرا في الشمال من خلال العمالة أو الأدمغة المهاجرة، كما أصبح الشمال حاضرا في الجنوب بخبرائه وجيوشه ووكالاته المتخصصة في الاستثمار والارتزاق الحربي والتجسسي وغير ذلك.

ولم تعد هنالك فواصل وحدود بين السياسات الداخلية والخارجية(43)، إذ أصبح التأثير متبادلا بشكل كبير وحاد بين المحلى والكوني.

كما تغير مفهوم القوة(44)، حيث تجاورت الحروب التقليدية مع الحروب غير التقليدية، وتم اللجوء إلى وسائل الحرب غير المتماثلة(45). وتكاثرت مظاهر الاختلال في الاقتصاد الدولي(46)، وتوسع نطاق الإجرام الاقتصادي الدولي وأشكال العنف المنظم وغير المنظم، ومن ذلك الإبادات الجماعية والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والنزاعات الطائفية والعرقية والدينية واستغلال حقوق الإنسان لتقسيم الدول وزعزعة استقرارها.

في هذا السياق برز مفهوم التعاون الدولي لإدارة النزاعات والشؤون العالمية والاعتراف بالقوى الجديدة الصاعدة المنافسة للقطب الوحيد؛ وهي قوى بدورها ساعية ولاهثة وراء النمو المحموم والمتصاعد مثل الصين، وقوى أخرى تبحث عن الزعامة الإقليمية.

إن هذا السياق الذي يختزل في اتساع نطاق الفكر الليبرالي المتوحش القائم على اكتساح الخصوصيات المحلية والمروج لمنطق استهلاكي جديد، خلق جيوسياسة جديدة قائمة على تجديد النظر في مفهوم المجال الحيوي واقتسامه مع فواعل عدة.

ولذا فإعلان الألفية هو توقيت لإعلان الإشراف العالمي على كارثة ستظهر معالمها الأولى أكثر في العقد الأول من الألفية الثالثة.

د. خالد ميار الإدريسي
رئيس تحرير مجلة مآلات، فصلية محكمة تعنى بالدراسات الاستشرافية

الهوامش:

(1)  – د. جمال محمد سالم: معضلة الاختيار: النماذج الأربعة للدولة الحديثة ضمن اتجاهات نظرية، ملحق مجلة السياسة الدولية عدد يوليو 2012، ص: 20-23.

(2) – Catherine Aubertin et Frank-Dominique : (dir) Le développement durable. La documentation Française. 2011 .pp: 9-24

(3) – Ibid. pp : 13-15

(4) – بوابة الأمم المتحدة المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية www.un.org

(5) – تقدر المنظمات الدولية المهتمة بـ 23 منظمة.

وهناك منظمات متعددة ومشاريع مرافقة لمشروع الألفية مثل:

– ميكاه شالينج Micah Challenge

–  ثمانية آفاق للأمل Eight Visions of hope

– وحدة تطوير التعليم Développement Education unit of future  Worlds

أنظر ويكيبيديا (المرامي الإنمائية للألفية).

(6) – بوابة الامم المتحدة المتعلقة بالأهداف الإنمائية.

(7) – Chantale Delsol : l’âge du renoncement. Cerf. 2011. Pp : 8-12

(8) -« La guerre des origines à nos jours » in Les Grands Dossiers des sciences Humaines – hors série n° 1. 2012

– Philippe Baumard : le vide stratégique. CNRS éditions Paris. 2012

أطروحة الكاتب تقوم على عدم قدرة أصحاب القرار على امتلاك رؤية استشرافية وإستراتيجية للتحولات الجيواستراتيجية لما بعد الحرب الباردة وهيمنة الفكر التكتيكي والقرارات المرتبطة باللحظة وتدبير القضايا العاجلة.

(9)  – انظر:

1 – L’état des conflits 2012. in « Diplomatie. Les Grands Dossiers n° : 7. 2012

2 – Géopolitique de la crise. Diplomatie. Hors-série ; n° : 8. Avril 2009

(10) – Virginie Raisson : Atlas des futures du monde. éditions Robert laffont. 2012. Pp : 11-13

(11)- تقرير الأمين العام، الدورة الرابعة والخمسون، جمعية الأمم المتحدة للألفية، 27 مارس 2000 – ص: 11.

(12) – نفس المصدر.

(13)  – نفس المصدر، ص: 14.

(14)  – نفس المصدر، ص: 14.

(15)  – نفس المصدر، ص: 14.

(16)  – نفس المصدر، ص: 14.

(17) – نفسه، ص: 14.

(18)  – نفسه، ص: 3.

(19)  – نفسه، ص: 6.

(20)  – نفسه، ص: 7 – 8 – 9.

(21)  – نفسه، ص: 10.

(22)  – نفسه، ص: 15.

(23)  – نفسه، ص: 17 – 19.

(24) – نفسه، ص: 20 – 21.

(25)  – نفسه، ص: 25.

(26)  – نفسه، ص: 27 – 28.

(27)  – نفسه، ص: 29.

(28)  – نفسه، ص: 30.

(29)  – نفسه، ص: 35.

(30)  – نفسه، ص: 36.

(31)  – نفسه، ص: 41.

(32)  – نفسه، ص: 48.

(33)  – نفسه، ص: 51 – 52.

(34)  – نفسه، ص: 53.

(35)  – نفسه، ص: 58 – 61.

(36)  – نفسه، ص: 66.

(37)  – نفسه، ص: 68.

(38)  – نفسه، ص: 74.

(39)  – انظر: فكوياما: نهاية التاريخ. ترجمة حسن الشيخ. دار العلوم العربية، لبنان. 1993.

(40) –  Badie, B : la fin des territoires, Fayard. 1995

(41) – Camilleri, j. Falk the end of sovereignty. Edward Elgar 1992

(42) – خالد ميار الادريسي: الحرب الاقتصادية. قراءة في المحددات والمآلات، مجلة مسالك، عدد:6، 2007.

(43) – L’atlas des mondialisations. Le monde hors-série . 2011

(44) – Walker : Inside/outside : International relations as political theory. Cambridge University Press, 1993, 41-42

(45) – Serge, sur: « la puissance, définition et caractères ». Trimestre du monde T3, 1995 p : 23

انظر كذلك:

ودودة بدران: مفهوم النظام العالمي الجديد في الأدبيات الأمريكية، مجلة عالم الفكر، العدد: الثالث والرابع يونيو 1995 ص: 27.

(46) – للتوسع في المفهوم انظر الدراسة الهامة:

1- Baud, j : la guerre asymétrique ou la défaite du vainqueur. Rocher 2003

2- L’état des confits 2012.Diplomatie les Grands dossiers, n° 2012

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *