التنمر الإلكتروني الذاتي... خطر جديد

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » التنمر الإلكتروني الذاتي… خطر جديد

التنمر الإلكتروني الذاتي... خطر جديد

يبدو أن جهود مكافحة الترهيب أو التنمر الإلكتروني، الذي أصبح خطراً حقيقياً يهدد المراهقين، سوف تستمر لفترة ليست بالقصيرة، حيث إن محاربة هذه الظاهرة الجديدة والمرتبطة بالتقدم التكنولوجي يحتاج إلى تضافر عدة جهود، سواء على المستوى الطبي أو الاجتماعي وحتى القانوني.

وفي تطور جديد لمخاطر هذه الظاهرة كشفت دراسة أميركية حديثة نشرت في مجلة «صحة المراهقين» (Journal of Adolescent Health) عن ما يسمى بالتنمر الإلكتروني الذاتي (self – cyberbullying) التي ترتبط بتحقير الذات. وعلى الرغم من أن نسبة المراهقين التي تمارس هذا السلوك ما زالت قليلة إلى حد ما، إذ تبلغ نحو 6 في المائة، إلا أنها تثير العديد من المخاوف لدى أطباء النفس على الحالة النفسية السيئة لهؤلاء المراهقين، التي تشير إلى إمكانية الإصابة بالأمراض النفسية، وربما الإقدام على محاولات الانتحار لاحقاً.

التنمر الذاتي

وكانت الدراسة التي تعتبر الأولى من نوعها قد تم إجراؤها على 5600 مراهق من طلاب المدارس الثانوية الأميركية، تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، وتم سؤالهم جميعاً عما إذا كان سبق لهم ممارسة الترهيب الذاتي. ومن هؤلاء أجاب 350 طالباً بأنهم سبق لهم ممارسة هذا السلوك من قبل، وكانت النسبة الأكبر منهم ممن تعرضوا في السابق لمثل هذه المحاولات من الآخرين، قبل أن يبدأوا في توجيه رسائل الإهانة والتحقير إلى ذواتهم. ونشروا رسائل نصية للسخرية من الذات، سواء كان ذلك عبر الوسائط الاجتماعية أو عبر البريد الإلكتروني، وكذلك رسائل الجوال وحتى الألعاب الإلكترونية المشتركة بين شخصين. وكانت نسبة الذكور أكبر من الإناث، حيث بلغت 7 في المائة من العينة، بينما بلغت لدى الإناث 5 في المائة فقط. ولم يكن هناك دور كبير للعرق أو العمر. وحينما تم سؤال هؤلاء الطلاب عن الدافع وراء إرسال هذه الرسائل التي تحمل الإهانة إلى ذواتهم اختلفت الإجابات تبعاً للدوافع، حيث أجاب البعض بأنهم يكرهون ذواتهم بالفعل، وهذه الرسائل انعكاس لهذه الكراهية. وأشار البعض إلى أن الدافع كان جذب الانتباه، حيث إنهم يعانون من الإهمال والتجاهل، وكانت محاولة كسب التعاطف والظهور بمظهر الضحية هي الدافع لدى البعض. وأشار البعض إلى الملل ومحاولة الظهور بمظهر الشخص اللطيف الذي يثير الضحكات واجتذاب السخرية من الآخرين حتى على حساب الذات. وأوضح البعض أن الدافع الأساسي كان الاكتئاب والتفكير في الإقدام على محاولة الانتحار. وأظهرت الدراسة أن نصف الطلاب مارسوا هذا السلوك مرة واحدة فقط، بينما بلغت نسبة الطلاب الذين يمارسون هذا السلوك باستمرار وبشكل متكرر 13 في المائة. وبالنسبة للمراهقين الذين عانوا من المثلية الجنسية كانت النسبة أكثر 3 أضعاف من أقرانهم الآخرين، مما يعكس أزمة نفسية لديهم وعدم تقبل لميولهم الجنسية.

معاناة سابقة

ومن هذه العينة أشار 40 في المائة من الطلاب إلى أنهم تعرضوا للترهيب من الآخرين في المدرسة بشكل أو بأخر. كما أشارت نسبة بلغت 17 في المائة إلى أنهم تعرضوا للترهيب الإلكتروني عبر الإنترنت من قبل. وكان لهذين العاملين الأثر الأكبر في اتجاه هؤلاء الطلاب إلى ممارسة الإيذاء الذاتي الإلكتروني (digital self-harm). وارتفعت نسبة الخطورة في اتجاه هؤلاء الضحايا السابقين إلى الترهيب الذاتي بمقدار 12 ضعفاً مقارنة بالمراهق العادي، وهو الأمر الذي يعتبر من أخطر أضرار الترهيب الإلكتروني، حيث إن الضحية يفقد الثقة في نفسه تماماً، ويبدأ في تحطيم الذات بشكل تلقائي.

وشملت قائمة الأكثر خطورة في ممارسة التنمر الذاتي أيضاً المراهقين الذين سبق لهم السرقة، أو تجربة تعاطي المخدرات، والذين مارسوا العنف تجاه آخرين، أو الذين عانوا من الاكتئاب والمشكلات النفسية. كما شملت أيضاً أولئك الذين حاولوا الإيذاء الذاتي في الحقيقة مثل الذين أقدموا على محاولة إحداث جروح في أجسادهم.

ونصحت الدراسة الآباء والمدرسين والمتعاملين مع المراهقين بضرورة مناقشة تلك الظاهرة، والتعريف بأخطارها التي يمكن أن تصل إلى الإقدام على الانتحار، خصوصاً إذا كان أي من هؤلاء المراهقين قد مارسها بالفعل أو تنامى إلى علمه عن طريق أحد الأصدقاء. كما يجب على الآباء ملاحظة المراهق الذي يتكلم عن نفسه بصورة سلبية أو دائم السخرية من ذاته بشكل يحمل الإهانة، سواء في الحقيقة أو عبر الوسائط التكنولوجية، وهو الأمر الذي يعكس أزمة نفسية تحتاج إلى التعضيد والاحتضان، وليس التوبيخ أو النقد أو السخرية، وأن الطفل الذي يمارس هذا السلوك في الأغلب لا يجد شخصاً يمكنه الوثوق فيه، والحديث عن آلامه وإحباطاته، وهو الأمر الذي يجعله يلجأ إلى الفضاء الإلكتروني راجياً المساعدة من الآخرين.

وحذرت الدراسة من أن النسب الفعلية ربما تكون أكثر من ذلك، خصوصاً أن العدد الذي تمت عليه التجربة كان قليلاً مقارنة بأعداد المراهقين في الولايات المتحدة. وأوضحت أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات والاهتمام بظاهرة التنمر الإلكتروني بشكل عام، وضرورة الكشف الدوري على صحة المراهقين النفسية، ومتابعة ما يكتبه المراهقون على وسائل التواصل، وملاحظة علامات الإحباط والاكتئاب، التي ربما كانت خلافاً للأسلوب المتعارف عليه. وعلى سبيل المثال، فإن الآباء والأقران ربما يظنون أن الشخص الدائم السخرية من الذات، ويطلق الدعابات على مظهره، أو فشله، يتمتع بروح الفكاهة وبعيد عن خطر الاكتئاب، ولكن ربما كان ذلك دليلاً على نظرة شديدة السلبية والدونية للذات تستلزم التدخل بل والعلاج حتى لا يتطور الأمر إلى الإقدام على الانتحار، للتخلص من احتقاره لنفسه.

د. هاني رمزي عوض – الشرق الأوسط

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *