التقنية والمنظومة التعليمية

الرئيسية » تربية وتكوين » التقنية والمنظومة التعليمية

التقنية والمنظومة التعليمية

واجه العالم في الآونة الأخيرة تغيرات متنوعة وتحديات كثيرة، لا تتناسب قوة وحجمًا مع المدة الزمنية التي وجدت فيها، بل إنها فرضت نفسها على كل مناحي الحياة البشرية عامة والمجالات الحيوية منها خاصة، ومنها المنظومة التعليمية التي كان لها النصيب الأوفر من الأثر والتفاعل، إذ حظي التعليم بكل جوانبه ومؤسساته ووسائله بحظ هائل من مظاهر التقنية المختلفة والمتنوعة. كما أصبح لزامًا على رجال التربية والمختصين أن يواجهوا تلك التحديات بالأساليب العصرية والوسائل الحديثة؛ حتى يستطيعوا التغلب على ما يواجههم من مشكلات، ويدفعوا بالتعليم إلى الأهلية اللائقة للقيام بمسؤوليته في تطوير المجتمع والنهوض بأبنائه وشبابه.‏

وعلى الرغم من أن التقنية كانت نوعاً من الكماليات والترف، وخضع دورها في البداية لأن تكون مواد مساعدة للمعلم والكتاب المدرسي، يقتصر هذا الدور على إثراء عملية التعليم والتطوير من خبرات المدرس،  بل ارتبط نجاحها بمدى قناعة المعلم بها وإيمانه بجدواها وفائدتها ومردودها التفاعلي، ونسبة إقناعه لطلابه بقيمتها التربوية والعلمية، إلا أن الأمر قد اختلف شكلًا ومضمونًا الآن، إذ أصبح توظيف التقنية في خدمة التعليم في جميع المدارس والمجتمعات ضرورة حتمية؛ مواكبةً لتغيرات العصر وتطوراته، وسد الحاجة الملحة إلى فئة العمالة الماهرة في جانب العمل في كل المجالات.‏ كما طالت التقنية المواد العلمية التي يتلقاها الطالب، وبات تدريبهم عليها واستخدامهم لها أمرًا لا بديل له، حيث غزت التقنية بأدواتها وأساليبها سوق العمل العام والخاص، وممارسة عملهم بوسائل تقنية متطورة جدًّا هو الواقع، إذ إن الطرق التقليدية يقل وجودها فيما سيقدمه الخريج بعد نزوله سوق العمل مهما كانت طبيعة المجال الذي تخصص فيه.

ولا شك أن أهمية استخدام التقنيات الحديثة في التعليم، قد أكدها الكثير من أهل الاختصاص والمشتغلين في ميدان التقنيات التربوية؛ نظرًا للدور الذي تؤديه في العملية التربوية بكل جوانبها وتفاصيلها، والذي يتمثل في تحسين نوعية التعليم وزيادة فاعليته، وذلك عن طريق حل المشكلات  التعليمية مثل ازدحام الفصول وقاعات المحاضرات، بالإضافة إلى مواجهة النقص في أعداد هيئة التدريس المؤهلين علميًّا وتربويًّا، وكذلك مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة باختلاف شرائحهم ومستوياتهم، كذلك دورها في تدريب المعلمين على إعداد الأهداف والمشاركة في إنتاج المواد التعليمية وطرق التعليم المناسبة، ومواكبة النظرة التربوية الحديثة التي تجعل المتعلم محور العملية التعليمية.‏ كما تحقق التقنية زيادة المشاركة الإيجابية للتلاميذ في العملية التربوية، وضمان حضورهم الذهني وتفاعلهم وانسجامهم مع المعلم وقت الدرس، بل إنها تنمي قدراتهم على التأمل ودقة الملاحظة، واتباع التفكير العلمي للوصول إلى حل المشكلات، وهذا يضمن بدوره تحسين نوعية التعليم ورفع مستوى الأداء عند التلميذ، وهذا كله شريطة توظيفها بشكل جيد يُفيد الطلاب ويُساعِدهم في عملية التحصيل الدراسي، مع ضمان عدم إساءة استخدامها فيما يضرُّ الطلاب، من إدمان الطلاب على الحواسيب والأجهزة الإلكترونية، وتَضييع الوقت أمام تلك الأجهزة فيما لا ينفَع، إلى جانب الاعتماد الكلي عليها وإغفال الدور المُهمِّ للعقل، الذي هو الركيزة الأساسية في العملية التعليمية.

كما لا ينبغي تجاهل دور التقنية في انتشار التعليم بشكل كبير، فأصبح الجميع يتعلم، لا يقف التعلم عند زمان ولا مكان، بل تخطى كل الحدود والتضاريس، حيث جعلت من العالم قرية صغيرة مترابطة، وأسهمت في ظهور أشكال جديدة للتعلم، مثل التعليم المفتوح والتعلم عن بُعْد، ووفرت للمُعلِّمين الوقت والجهد في تحصيل المعلومات وتحضير دروسهم، إلى جانب التواصل السهل مع طلابهم.

مجلة الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *