تعاظم خلال السنوات الأخيرة، إنتاج المحتوى، ووصل إلى معدلات غير مسبوقة تاريخياً من حيث الحجم والنوع، بسبب الزيادة الكبيرة في أدوات توليد المحتوى، مثل الكاميرات والاجهزة المحمولة والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر مختلفة الأنواع وغيرها، الأمر الذي جعل من المحتم الوصول إلى طرق جديدة ترفع من قدرات وسعات أوعية تخزين واستيعاب المحتوى.
ويُعد «التخزين الذري» من المجالات الجاري استكشافها، ويجري العمل عليه منذ فترة، إذ نشرت مجلة «نيتشر» لتكنولوجيا «النانو»، الأسبوع الماضي، نتائج مشروع بحثي نفذه فريق من العلماء الدنماركيين، وتوصلوا من خلاله إلى «وحدة تخزين ذرية» في مساحة طابع البريد تستوعب 500 تيرابايت من البيانات، وهي سعة يمكن أن يخزن بها جميع الكتب التي عرفتها البشرية طوال تاريخها، على هيئة نصوص مكتوبة.
وتشير البحوث الرامية إلى إحداث نقلة «دراماتيكية» في عالم التخزين في طريقين، الأول هو التخزين الذري، والشركة الرائدة فيه هي «آي بي إم» الأميركية، والمسار الثاني هو استخدام الحمض النووي كوعاء تخزين، وتعد «مايكروسوفت» الأميركية من أشهر المستثمرين فيه.
التخزين الذري
وبدأت شركة «آي بي إم» التخزين الذري منذ أكثر من 30 عاماً مضت، وفي عام 2012 أعلنت تحقيق نتائج مبشرة فيه، حينما كشفت أن باحثيها استخدموا جهازاً يطلق عليه «مجهر المسح النفقي»، لإجراء هندسة ذرية لمجموعة من الذرات المغناطيسية مضادة للحديد موضوعة في أزواج. وتمكنت هذه المجموعة الذرية من تخزين «بت»، وهو أصغر وحدة بيانات على الإطلاق، لساعات في درجات حرارة منخفضة.
وبالاستفادة من اتجاهات الدوران المغناطيسية المتناوبة، فقد تمكنوا من إثبات القدرة على وضع أكثر من «بت» مغناطيسي متجاور تفصل بينها مسافات أقل بكثير من تلك التي كانت ممكنة من ذي قبل، الأمر الذي زاد من الكثافة التخزينية المغناطيسية بشكل كبير جداً.
ولخصت «آي بي إم» نتائج هذه التجربة في نجاح باحثيها في تخزين «بت» من المعلومات ضمن ما لا يجاوز 12 ذرة مغناطيسية فقط، في حين أن وحدات التخزين المغناطيسية الحالية تخزن كل «بت» على نحو مليون ذرة، وهذا يعني أنه بالإمكان بناء وحدة تخزين أكثف بـ100 مرة على الأقل من الأقراص الصلبة ورقاقات الذاكرة الجامدة الحالية.
فريق هولندي
وتمضي النتائج التي أعلن عنها فريق الباحثين الهولنديين، الاثنين الماضي، في مسار «آي بي إم» نفسه، ولكن بطريقة مختلفة ومبتكرة، إذ استخدموا «مجهر المسح النفقي» ذي الإبرة الحادة فائقة الدقة، والذي يعمل في مساحة طولها 96 نانومتراً وعرضها 126 نانومتراً (النانو متر جزء من مليار جزء من المتر)، وذلك في نشر وتثبيت ذرات من الكلور واحدة تلو الأخرى بين الثنايا والفجوات الموجودة بذرات سطح مصنوع من النحاس.
وأشار الفريق إلى أن كل ذرة كلور تمثل «بت» من المعلومات، وكل ذرة كلور أو «بت» لها موضعان على السطح المكون من ذرات النحاس، ويمكن «زحلقتها» أو جعلها تنزلق في واحد من هذين الموضعين، فإذا كانت ذرة الكلور في الموضع الاعلى، يكون هناك فجوة أو فراغ تحتها، وهنا يطلق عليه رقم (1)، وإذا كان الفراغ أو الفجوة في الموضع الأعلى وذرة الكلور في الأسفل، يطلق عليها الرقم (صفر)، وبهذه الطريقة يكون قد تم التوصل إلى النظام الثنائي المتبع في تخزين البيانات بين «الصفر» و«1».
واستخدم الباحثون الذين يعملون في «معهد كالفي لعلوم النانو» بجامعة «ديلفت» هذه الطريقة في بناء وحدة ذاكرة مكونة من كتل، وكل كتلة أو مجموعة تضم 8 «بايت»، وتم إعطاء علامة مميزة لكل كتلة، وهذه العلامة مصنوعة من نمط الفجوات أو الفراغات نفسه، ليسهل تخزين وقراءة البيانات.
وقال الباحثون إنهم استوحوا هذا الكشف من تقنية «كيو آر كود» التي تستخدم غالباً لمسح تذاكر السفر وحفلات الأوبرا، وهذه العلامات تعمل وكأنها «كيو آر كود» دقيق ومصغر جداً، وتحمل المعلومات حول الموقع المحدد لكل كتلة على طبقة النحاس.
مضاعفة التخزين
خلاصة هذه التجربة هي الوصول إلى وحدة ذاكرة ذرية تخزن البيانات على النحاس بكثافة تصل الى 500 تيرابايت على البوصة المربعة، أي 500 ضعف كثافة التخزين الموجودة على أفضل وحدة تخزين يتم تسويقها تجارياً الآن.
وعلى المستوى النظري، فإن هذه الكثافة التخزينية ستسمح بتخزين كل الكتب التي تم إنتاجها بواسطة البشر لتكتب على مساحة تعادل طابع بريد واحد، كما قال عضو الفريق، الباحث ساندر أوتي، في بيان أصدره حول هذه النتائج.
وعلى الرغم من المستقبل الواعد لهذه الطريقة، فإنها لاتزال غير جاهزة للاستخدام في العالم الواقعي حتى الآن، فخزن المعلومات المستقر فيها قد لا يتم إلا تحت درجة حرارة 77 كيلفن (سالب 196 درجة مئوية)، ولاتزال عملية الكتابة والقراءة المفردة بطيئة بمقياس الدقائق، لكن الدكتور أوتي يقول إنه «عبر هذا الإنجاز اقتربنا بالتأكيد بخطوة كبيرة» من الهدف.
تخزين الحمض النووي
أما جهود «مايكروسوفت» التي تشاركها فيها جامعة بوسطن، فتركز على استخدام الحمض النووي كوعاء لتخزين البيانات والمعلومات.
ووفقاً لموقع «بيزنس إنسايدر» فإن «مايكروسوفت» اشترت 10 ملايين جزيء من الحمض النووي من شركة «تويست بيوساينس»، في سان فرانسيسكو، لاستخدامها في أبحاثها على الحمض النووي الاصطناعي في تخزين البيانات، وهو ما يهيئ الفرصة للوصول إلى وعاء تخزين يوفر إمكانية حفظ ملفاتنا ومعلوماتنا لأكثر من 2000 سنة، وهي إمكانية هائلة مقارنة بوحدات التخزين الصلبة «هارديسك» أو وحدات الفيديو الرقمية، التي يمكنها حفظ البيانات لمدة 100 عام على الأكثر. وحققت «مايكروسوفت» نتائج واعدة في هذا المسار، إذ نجحت تجارب محدودة لها في تشفير البيانات في الحمض النووي الاصطناعي، وإعادة استرجاعها وقراءتها مرة أخرى بدقة 100%.
ووفقاً لتقديرات إدارة البحوث في «مايكروسوفت»، فإن الملليمتر المكعب الواحد من الحمض النووي يمكنه تخزين تريليون غيغا من البيانات.
الإمارات اليوم