على شبكة الإنترنت، تحاول الشخصية الافتراضية المماثلة لك (الأفاتار)، أن تجرب الملابس التي تريد شراءها، وفي المنزل، يمكن للروبوت الأليف اللعب مع الأطفال. أما أنت فيمكنك أن تدير الأجهزة الرقمية الخاصة بك عن طريق الفكر. هذا الأمر ليس مجرد خيال علمي، بل هي مشاريع حقيقية متقدمة يجري العمل عليها على قدم وساق كي ترى النور في المستقبل، فهل تعتقد أن ذلك موجود بالفعل؟
ربما يقول أحدنا إنه فيما يتعلق بالمستقبل، غالباً ما تكون الوعود مجرد أوهام ولا يتاح لها فرصة كي تتحقق على أرض الواقع، ولكن من ينظر إلى الماضي القريب يجد أن الكثير من المشاريع الخيالية أنجز بالفعل. قبل 4 سنوات فقط كنا نتحدث عن «الواقع المضاف» وكنا بالكاد نلفظ كلمة «سحابة»، للتعبير عن «برنامج الويب». وكنا نحلم بتقنية 4G وفجأة بتنا نرى النجاح الباهر الذي حققته هذه التقنية للتصفح بسرعة على الهاتف المحمول. وكنا نتصور فقط ظهور الأجهزة اللوحية (التابلت) بشاشاتها التي تعمل باللمس، وكذلك الهواتف الذكية ودخولها في جميع المجالات، من الصورة، والشراء، والتخزين، غيرها.
كل شيء حدث بسرعة. ولكن ماذا حدث بالفعل، وماذا يعني كل هذا؟ عندما نفكر في ذلك، نشعر كأننا أصبنا بالجنون، فزمن التكنولوجيا المتطورة يبدو أنه أسرع من مرور السنوات في حياتنا. ولكن هذه المرة قررنا أن نأخذ زمام المبادرة لنعرف كيف سنعيش بعد 20 عاماً، وهل ستجعلنا هذه التكنولوجيا خالدين؟ للتأكد من هذه النقطة الأخيرة، أراد آلان داماسيو، أحد العباقرة الفرنسيين المعاصرين المتخصص في أدب الخيال العلمي، أن ينفذ إلى بصيرة ستيف جوبز، ويقول لنا مرحباً بكم في عالم المستقبل.
يضعنا داماسيو أمام موجة غير مسبوقة من الابتكارات التي تنتظرنا في العقدين القادمين، في كل المجالات من الصحة والاتصالات والطاقة والترفيه، فجميع الأنشطة البشرية ستجد نفسها انقلبت رأساً على عقب، إذ يجري حالياً الإعداد لهذا المستقبل الرائع بتكنولوجياته الجديدة المبهرة.
والآن دعونا نحلم قليلاً، ففي عام 2036 ستأتي سيارتك وحدها إليك لتصطحبك إلى حيث تشاء، وسيصبح الجهاز اللوحي الخاص بك مرناً مثل الورق، وستتمكن من التواصل مع جهاز الكمبيوتر الخاص بك عن طريق الفكر، وستقرأ رسائل بريدك الإلكتروني على عدساتك اللاصقة، وستفتح الأبواب أمامك بمجرد أن تشير إليها بإصبعك. نعم، كل هذا سيكون حقيقة، فجميع الابتكارات المستقبلية هي تطبيقات لتكنولوجيات وضعت بالفعل، ويجري اختبارها في المختبرات.
من كان يتصور قبل 20 عاماً، أن يستخدم الإنسان أجهزة تلفاز فائقة مسطحة في غرفة المعيشة، وأن يترجم له النص إلى أي لغة، وهو يتحدث في هاتفه مع شخص آخر؟ يرى الخبير الاقتصادي مارك جيغه، المتخصص في الابتكار، أن التسارع الذي نراه في تطور التكنولوجية لم يسبق له مثيل، وهذا الأمر سيستمر ولسنا سوى في البداية، ويمكن أن نطلق على ما نحن فيه اليوم «الثورة الكوبرنيكوسية الجديدة». ورغم الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم، فإنه يعيش في نفس الوقت موجة غير مسبوقة من التغير التكنولوجي، وكل عام، نجد أن عدد شهادات براءات الاختراع تزداد بشكل جنوني، إذ وصل عددها إلى مليوني شهادة في عام 2012.
ويضيف جيغه أن الكثير منها سيفضي في بضع سنوات أو عقود إلى استخدامات غير متوقعة من شأنها أن تغير حياتنا جذرياً، أما في الوقت الراهن، فيظهر تأثير هذه الثورة في الغالب في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكنها تنتشر كالنار في الهشيم في مجالات الصحة والطاقة والنقل والبيولوجيا، أو المواد بشكل عام إلى درجة أن هذه التقنيات ستندمج تدريجياً، وتعمل على تحويل جميع الأنشطة البشرية.
ويحذر الفيزيائي بيير بابون من أن هذا التطور المفرط سيثير حتماً مشاكل أخلاقية وفلسفية، ويخشى أن يظهر ما يمكن وصفه بحالة التجرد من الإنسانية في مجتمع محوسب بأكمله، ولكن رغم ذلك فإن هناك تطورات متوقعة تنتظر الإنسان وتعمل لمصلحته.
كان ألبرت أينشتاين يقول: «أنا لا أفكر في المستقبل، لأنه سيأتي إليّ في وقت قريب جداً»، والآن نستعرض معاً كيف سيكون العالم في عام 2036، في بعض المجالات:
– تخزين البيانات الخاص بك في حمضك النووي: في مجال الاتصالات سيتغير شكل الأجهزة الخاص بك وتصبح خاضعة لدماغك أي أنك ستخزن بياناتك الخاصة في حمضك النووي (DNA) فالجزيء الشهير حلزوني الشكل، الذي يحمل الشيفرة الوراثية لجميع الكائنات الحية، سيستخدم كوسيلة لتخزين البيانات الرقمية.
ويتميز DNA بكثافة تخزين ضخمة تبلغ لمليوني جيغابايت للغرام الواحد، مع قدرة على الاحتفاظ بالبيانات عدة ملايين من السنين. ففي يوليو/تموز 2012، تمكن فريق من العلماء في جامعة هارفارد من تخزين كتاب كامل في بيكوغرام من الحمض النووي (يوجد تريليون بيكوغرام في الغرام). ويقول العلماء إن 4 غرامات تكفي لتخزين كل المعلومات التي تنتجها الإنسانية لمدة سنة، هذه التكنولوجيا تعاني من عيبين في الوقت الراهن، فهي مكلفة للغاية كما أن استرجاع المعلومات المخزنة يعد بطيئاً جداً، ولكن استثمارها على المستوى التجاري، لن يبدأ قبل 10 سنوات بفضل التقدم المذهل لآلات التسلسل.
– إدارة الحاسوب والتلفاز بالفكر، إذ يمكن للشخص أن يوجه الروبوت نحو الجهة اليمنى، بمجرد إقفاله قبضة يده اليمنى وكذلك الحال إذا أقفل يده اليسرى، حيث يتوجه الروبوت نحو اليسار. ويقول كارل لافلور، وهو أحد علماء المستقبليات: «لنتصور فقط أننا بإغلاق قبضتي يدينا، يمكننا تحريك طائرات دون طيار صعوداً أو هبوطاً، إنه أمر شبيه بالسحر، فالشخص يضع خوذة فوق رأسه مرتبطة ب 64 قطباً كهربياً وتولد تياراً في الدماغ ومن ثم يتم استقبال هذه الإشارة عن طريق جهاز الكمبيوتر وتحويلها إلى أمر يدير الطائرات بالواي فاي فقط. والآن يمكنك أن تتخيل هذه التكنولوجيا تطبق على آلات تستخدمها في عالمك اليومي فبمجرد سماع أغنية تعجبك مثلاً، وتريد أن ترسلها على الفور من مكبرات الصوت في غرفة المعيشة إلى صديقك، عليك فقط أن تقرر عقلياً هذه العملية ليتصل هاتفك الذكي برقمه على الفور».
كل ذلك سيتم تفعيله من خلال تقنية الواجهات الإيمائية بين الدماغ والحاسوب التي تجرى عليها الاختبارات في بعض المختبرات اليوم، بل وفي غضون سنوات قليلة ستساعد هذه الأنظمة الأشخاص من ذوي الإعاقة أو الذين يعانون مرض الأعصاب من الحصول على ميزة التنقل الحر، حسب وصف البروفيسور بن هي، المسؤول عن المشروع بجامعة مينيسوتا، فمثلاً يمكن لهؤلاء التحكم بكرسي متحرك عن طريق طرف صناعي.
وتعمل بعض المختبرات على تطبيقات استهلاكية، إذ يطور باحثون في INRIA بفرنسا ألعاب الفيديو التي يمكن تشغيلها والتحكم بها عن طريق الفكر والدماغ، ويطلق عليها Mindshooters، إذ يمكن مثلاً تدمير سفن الفضاء من خلال التركيز على مناطق معينة في الشاشة، كما يتم تطوير لعبة BrainArena، وهي لعبة تشبه بونغ، ولكن دون مقابض.
شركة نيسان تعمل من جانبها على تطوير تقنية متصلة بالدماغ للمساعدة في القيادة، بينما تسعى شركة هاير الصينية للتحكم بأجهزة التلفزيون من خلال الفكر. وفي المجال الطبي، سيتم طرح Mindwalker وهو أول هيكل خارجي للمصابين بالشلل في الأطراف الأربعة على أن يكون التحكم به من خلال الدماغ، ومن المتوقع أن يصل إلى السوق في غضون 5 سنوات. وحالياً هناك جهاز أقل تطوراً، يسمى «خوذة إيبوك»، صممتها EEG ويجري تسويقها بنحو 300 دولار، وهي تسمح للمرء مع بعض التركيز، بتحريك شخص ما في اللعبة. ووفقاً للخبراء، فإن جميع أنواع هذه الواجهات المعرفية ستبدأ في غزو حياتنا اليومية خلال 10 أعوام مقبلة.
– التابليت في جيبك: هل تعلم أن مثل هذا القرص المرن يوجد بالفعل وهو بسمك 0.4 مم، وارتفاع يبلغ 20 سم ويتميز بشاشة مرنة لكنها ستكون غير قابلة للكسر في عام 2030. وكان مختبر هيمون ميديا لاب، في جامعة كوينز في كندا، عرض في عام 2013 في معرض لاس فيغاس قرصاً نموذجياً، لهذه التابليت المستقبلية التي ستكون فائقة الليونة، وفائقة الرقة ولذا سيطلق عليها التابليت الورقية بشاشة العرض الإلكترونية ذات الخصائص المذهلة. على سبيل المثال، يكفي طي بعض المناطق في الشاشة حتى تتغير الصفحات ونعمل على تكبيرها أو زيادة السطوع عدة أضعاف.
والحقيقة أن الجامعة الكندية ليست هي الوحيدة التي تعمل على هذا النوع من التكنولوجيا، بل عملت شركة LG وسامسونغ وسوني، أيضاً على عرض شاشات مرنة لتجهيز هواتفهم الذكية بها في المستقبل القريب. ولكن قبل أن نتمكن من ثني الجهاز أو وضعه في الجيب، يبقى علينا التغلب على مسألة صعبة فإذا كنا نعرف بالفعل تصنيع شاشات قابلة للطي، فإنه لا يزال أمامنا مشكلة في إنشاء مكونات هذه الشاشة كالمعالج والذاكرة والبطارية وغيرها، ولذا لا بد أن ننتظر 15 أو 20 عاماً.
– يمكنك أن تقرأ بريدك الإلكتروني على عدسات لاصقة وهو أمر لم يُرَ وغير معروف من قبل، فالشاشة الملصقة على الشبكية ستمكننا من تصفح الإنترنت. ومع نهاية ديسمبر 2012، أدرج باحثون في مركز مايكروسيستمز للتكنولوجيا في جامعة غنت شاشة LCD على سطح منحنٍ لعدسة لاصقة. وعلى عكس التجارب السابقة، استُخدم كامل سطح العدسة، وهو أمر يحدث لأول مرة في العالم، حتى ولو أن الأمر لا يتجاوز سوى عدد قليل من وحدات البكسيل في الأبيض والأسود، لأنه من المستحيل أن يتمكن حامل العدسات من استعراض الصورة لعدم وجود مسافة كافية مع شبكية العين.
وإضافة إلى خيارات العرض على العيون، سيتمكن الأطباء من تصنيع قزحية صناعية للحد من الضوء الواصل إلى العين، ولكن الخطوة التالية هي التي تدعونا إلى الحل، وسنرى ظهور نظام متكامل لعرض المعلومات يُلصق على شبكية العين، وستصبح نظارات غوغل أمام هذه التقنية أثراً من الماضي، بل ربما سنراها وضعت في المتحف. هذه الشاشة ستمكنك من عرض الرسائل الإلكترونية الخاصة بك، ومن تصفح الويب أو قراءة المعلومات أثناء القيادة. ولا شك أن ذلك سيؤدي إلى زيادة عدد البكسلات على الشاشة، وربما السماح بظهور الشاشة الملونة وبالطبع حل مشكلة إمدادات الطاقة اللازمة للسماح بنقل البيانات. ومن الحلول الممكنة أن يزود الجسم البشري نفسه النظام بالطاقة وهي وعود يتوقع العلماء تحققها خلال 5 أو 10 سنوات.
– نقل معلومات بواسطة المصافحة: عند الخروج من محل المشتريات وأنت مثقل بالأحمال فلن تحتاج لإخراج دفتر الشيكات أو بطاقة الائتمان، بل تكفي لمسة من يدك في مكان مخصص لدفع المبلغ المستحق. هذا المشروع يجري إنجازه حالياً في مقر شركة جيمالتو الفرنسية الرائدة في مجال الرقائق الإلكترونية. فمثلاً يمكن للمرء تناول طعام الغداء وهو يحمل معه جهازاً صغيراً يسمى «eGo»، في ساعته أو في المشبك المعدني لحزامه، ويمكن للجهاز أن يبث في جميع أنحاء الجلد إشارة يمكن التعرف إليها عن طريق جهاز خاص عند نقطة الخروج من المكان. وببساطة، يكفي أن تسلم بيدك على هذا الجهاز، وهو عبارة عند يد إلكترونية لدفع ثمن الوجبة. التطبيقات المستقبلية والموجودة بالفعل، لهذه التكنولوجيا لا نهاية لها. فمن الممكن على سبيل المثال فتح الباب دون استخدام أي مفتاح، بل عن طريق لمس القفل فقط، وكذلك نقل البيانات الشخصية لأي هاتف عن طريق أخذه في اليد أو المرور عبر بوابات مترو الأنفاق دون استخدام بطاقة الاشتراك. هذا المبدأ المتمثل في نقل البيانات الجسم البشري ليس جديداً.
في عام 2005، أعلنت شركة الهاتف اليابانية NTT عن نقل البيانات بين نقطتين من الجسم بسرعة اتصال ADSL. وحصلت شركة مايكروسوفت مؤخراً على براءة اختراع لنظام مماثل. وخلال 5 أو 6 سنوات يمكنك تبادل بطاقات العمل أو إضافة أحد الأصدقاء في الفيسبوك بمجرد مصافحة بسيطة.
– الإنترنت فائق السرعة في وسط الصحراء: يحلم عملاق التصفح غوغل أن يكون المزود السوبر للإنترنت، وأن يكون قادراً على توفير الشبكة لثلثي سكان العالم غير القادرين في الوقت الراهن على الوصول إليها. ولهذا السبب تمخض مختبره «XLab»، الذي اخترع بالفعل نظارات غوغل والسيارة دون سائق، عن فكرة مجنونة وهي نشر جيش من البالونات التي تطير مع الرياح على ارتفاع 20 كيلومتراً فوق رؤوسنا. وعلى الأرض تحتاج فقط لهوائي معين وربما لاشتراك، لوصلك مع المناطق النائية جداً. ويجري حالياً اختبار هذه التكنولوجيا في سماء نيوزيلندا، حيث أطلق 30 بالوناً في يونيو/ حزيران الماضي.
– إدارة الأجهزة بالأعين: في المستقبل ستختفي فأرة الكمبيوتر (الماوس)، وسنتمكن من التحكم بأجهزتنا بمجرد النظر إليها. هذا هو مبدأ «العين المتتبعة» الذي يترجم مسار حركات البصر والعين ويحولها إلى أوامر حاسوبية. فمثلاً، إذا كنت تقرأ كتاباً إلكترونياً يكفي أن تحرك عينيك فجأة نحو اليمين لقلب الصفحة. وإذا استصعب معنى كلمة عليك يكفي فقط أن تحدق بها لبضع ثوان، وسيظهر تعريفها أمامك. هذه التقنية تعمل المجموعة اليابانية NTT دوكومو وفوجيتسو، على تطويرها، وثمة النموذج الأولي اللوحي الذي يسمى iBeam ويعمل بالفعل بهذه التكنولوجيا، التي لن تسوق قبل 10 سنوات.
– سوف نجد أن التطبيقات والمتصفحات ستتجاوز مدى رغباتنا، وستوفر محتوى إضافياً لطلباتك قبل صياغتها في جمل. وهذا ما تختبره غوغل حالياً، من خلال أداة المعرفة البيانية. فعند إجراء بحث عن ليوناردو دافينشي، مثلاً تظهر الأداة فوراً مقترحات حول أعماله وحول أعمال لرسامين آخرين. والتطبيق MindMeld سيأخذنا أبعد من ذلك. فهذه التكنولوجيا ستحلل المحادثات وتوفر في الوقت الحقيقي محتوى، يتعلق بالرحلات، إذا كنت تتحدث عن أيام العطل بل التقنية ستتمكن من تخمين ما تود طرحه في المناقشة.
محمد هاني عطوي – صحيفة الخليج