سمح التقدم الحاصل في مجال الخلايا الجذعية للعلماء بزرع أشكال مختلفة من الأنسجة في المختبر، لكن بقي بعض أنواع الأنسجة بعيد المنال. الخلايا الجرثومية التي تنتج الحيوانات المنوية، أي تلك التي تكون عملية تطورها متخصصة جداً، من بين الخلايا التي أغفل عنها الباحثون.
نُشرت دراسة حديثة من إعداد جامعة ستانفورد في مجلة “تقارير الخلية”، وقد أشارت إلى أن المشكلة قد تكون أبسط مما ظن العلماء سابقاً. رصد الباحثون إمكانية الحصول على خلايا جرثومية متطورة جزئياً من خلال إنتاج خلايا جذعية انطلاقاً من الخلايا الجلدية المأخوذة من ذكور راشدين ووضعها في أنابيب تصنيع الحيوانات المنوية عند الفئران. افترض الباحثون أن وضع الخلايا في خصية البشر، بخصائصها المميزة والواسعة، سيؤدي على الأرجح إلى تصنيع حيوانات منوية فاعلة.
استنتجت دراسة سابقة بقيادة الباحثة رينيه ريجو بيرا، وهي المشرفة على الدراسة الحديثة، إمكان تصنيع خلايا جرثومية بدءاً من الخلايا الجذعية الجنينية ثم زرعها في المختبر. لكن تتطلب تلك العملية شكلاً معقداً من الهندسة الوراثية، ما يعني أنها لن تنتج أطفالاً أصحاء. وحتى لو نجحت الخلايا الجذعية الجنينية في إنتاج حيوانات منوية فاعلة، فقد تحمل المعطيات الوراثية الخاصة بالجنين وليس الأب المحتمل.
استكشفت الدراسات اليابانية وسائل أخرى لابتكار حيوانات منوية في المختبر عبر استعمال الفئران. في إحدى المحاولات، أنتج الباحثون حيوانات منوية فاعلة لدى الفئران انطلاقاً من الغدد التناسلية المأخوذة من مواليد جدد ذكور. وفي تجربة أخرى، أنتجوا حيوانات منوية وبويضة انطلاقاً من خلايا جلدية راشدة ومأخوذة من حيوانات من الجنسين. لا يمكن تجربة الوسيلة الأولى على البشر لأسباب أخلاقية، وقد أدت التجربة الثانية إلى مشاكل وراثية. لكن يمكن أن تسمح الوسيلة الثانية لأي ثنائي من السحاقيات بإنجاب طفل ينتمي وراثياً للشريكتين معاً.
تطور الخلايا
ركزت دراسة جامعة ستانفورد على العقم عند الذكور. فقارنت تطور خلايا الحيوانات المنوية انطلاقاً من خلايا جذعية مأخوذة من رجال يواجهون مشكلة غياب النطاف (شكل وراثي من العقم حيث يعجز جسم الرجل عن تصنيع الحيوانات المنوية)، بخلايا مأخوذة من رجال يتمتعون بخصوبة طبيعية. تفاجأ الباحثون حين لاحظوا أن الخلايا الجلدية لدى الرجال العقيمين طورت خلايا جرثومية، لكن يبقى عدد الخلايا عند الرجال الخصبين أكثر بخمسين أو مئة مرة.
قال مايكل أيزنبرغ، اختصاصي في أمراض المسالك البولية، وهو لم يشارك في الدراسة: “يوفر البحث خطوة مهمة ولافتة لتحقيق الوعد بابتكار علاج بالخلايا الجذعية لمعالجة غياب النطاف، وهو أخطر شكل من العقم لدى الذكور. تكشف الدراسة بكل وضوح عن أهمية العوامل الوراثية في تكوّن الحيوانات المنوية، لكنها تشير أيضاً إلى إمكان تجاوز عدد من تلك الضوابط”.
يظن الباحثون أن الرجال المصابين بفقدان النطاف ينتجون الحيوانات المنوية في مرحلة معينة ولكنهم يفقدون لاحقاً كمية الخلايا الجذعية اللازمة لتنفيذ هذه العملية. لذا قد نتمكن من إعطاء الرجال المصابين بهذه المشكلة الوراثية نطاقاً محدوداً من الخصوبة عبر جمع وتجميد الأنسجة في مرحلة شبابهم، على أن يتم زرعها لاحقاً في الخصيتين. (تحذير: الخلايا الجذعية التي لم تصل إلى أنابيب الفئران تحولت إلى أورام بدل أن تصبح خلايا جرثومية).
عند التمكن من إنتاج خلايا إنجابية في المختبر، سنوفر بذلك أداة مفيدة للدراسات المستمرة عن كيفية تطوير تلك الخلايا المهمة. وهكذا ستنشأ على الأرجح رؤية تفيد في إطلاق محاولات متنوعة لتصنيع الحيوانات المنوية في المختبر.
قالت ريجو بيرا: “نحلم بأن نستعمل هذا النموذج لإعداد خارطة جينية تبيّن خصائص الخلايا الجرثومية البشرية، حتى خلال المراحل المبكرة جداً”.
وكالات