حسب الأمم المتحدة فإن العقد الفائت هو العقد الأشد حرارة في التاريخ، وأن عام 2019، الذي شهد العديد من الكوارث الطبيعية، يسجل نهاية عقد بلغت خلاله الحرارة درجات استثنائية، تبعه ذوبان للجليد، وارتفاع قياسي لمستويات البحار في الكرة الأرضية، نتيجة لتأثيرات الغازات الدفيئة التي تنتجها الأنشطة البشرية.
وأشارت دراسة أجرتها “الجمعية الملكية للأرصاد الجوية” في المملكة المتحدة إلى أن سكان المدن هم الأكثر عرضة للتأثر بارتفاع درجات الحرارة، وذلك بسبب ما يعرف بتأثير الجزر الحرارية الحضرية؛ إذ يؤدي نقص الغطاء النباتي في المدن، والحرارة التي تختزنها المباني إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذه المدن إلى مستوى يفوق درجات حرارة ما يحيط بها من مناطق.
في حين خلصت دراسة أُعدت ضمن مشروع “يوروهيت” -الذي تم بتنسيق من المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية- وشملت تحليل تأثير الموجات الحارة على تسع مدن أوروبية، إلى أن أعداد الوفيات خلال الأيام الحارة زادت بنسبة تتراوح بين 7 في المئة في ميونخ و33 في المئة في ميلانو.
محاكاة المناخ
وتشير دراسة نُشرت في مجلة “نيتشر” إلى أن العديد من المدن الساحلية المنخفضة -بما فيها أبوظبي ودبي والدوحة والظهران السعودية وبندر عباس الإيرانية- تعد أكثر عرضة لخطر تجاوز درجات حرارة المصباح الرطب سقف ما يحتمله الجسم البشري، في غضون بضعة عقود، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
وبحلول عام 2100، يمكن أن يتسبب تفاقم الاحترار في معاناة أكثر من مليار شخص من الإجهاد الحراري، عندما يكون الجسم غير قادر على التهدئة بشكل كاف عن طريق التعرق. ويؤدي هذا إلى ارتفاع درجة الحرارة الداخلية بسرعة، ما قد يترتب عليه في النهاية تلفُ الدماغ والأعضاء الأخرى.
وتوصلت دراسة في مجلة “ساينس” في سبتمبر إلى أنه إذا لم يتم تقليل الغازات الدفيئة بشكل كبير، فإن درجات الحرارة العالمية ستصل إلى مستويات لم نشهدها خلال 50 مليون سنة بحلول عام 2300. وتظهر استطلاعات الرأي في جميع أنحاء العالم أن الناس قلقون بشأن تغير المناخ ولكن نادرا ما يناقشونه. وهذا ما دفع باحثين إلى تطوير تطبيق جديد يتيح للناس استكشاف كيفية تأثير الاحتباس الحراري على المناخ المستقبلي لبلداتهم ومدنهم.
ويعتمد تطبيق “إي إس دي ريسيرش” المتاح للتنزيل المجاني من متجري أبل وغوغل، في توقعاته لدرجات الحرارة وهطول الأمطار على بيانات من ستة مراكز أبحاث عالمية. ويمكن للمستخدمين أن يعرفوا الحالة التي ستكون عليها مساقط رؤوسهم في عام 2100، إذا كان الاحترار العالمي يقتصر على أقل من 3.6 درجة فهرنهايت، على النحو الذي دعا إليه اتفاق باريس للأمم المتحدة عام 2015.
ويكشف السيناريو الثاني عن نتائج مستويات الانبعاثات “المعتدلة” في عام 2100، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية زهاء 7.2 درجة فهرنهايت. وليتمّ ذلك يكفي أن يكتب المستخدمون اسم موقعهم وسيعرض التطبيق محاكاة للمناخ الحالي ومشاريع المستقبل. وطُوّر التطبيق من قبل شركة “إرث سيستم داتا” بالتعاون مع مركز “تيندال” لأبحاث تغير المناخ، التابع لجامعة إيست أنجليا.
واقع افتراضي
ونقلت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية عن عالم المناخ كريغ والاس، مؤسس الشركة، قوله “يمكننا الآن تصور أي بيانات عالمية عالية الجودة بما في ذلك المناخ والصحة والدخل والتركيبة السكانية، وأي شيء يحتاجه المواطنون العالميون والشركات وصانعو السياسات لإظهاره أو تذكره بلمسة من الإبهام”.
وقال مدير مركز تيندال، آشر مينز، إن التطبيق “يضمن إتاحة البيانات المناخية للمواطنين العالميين دون تفسير من قبل السياسيين أو الإعلام أو الناشطين أو أي شخص آخر”. وفي محاولة لتسليط الضوء على الآثار المحتملة للتغيرات المناخية، أنشأ العلماء في جامعة ولاية بنسلفانيا غابة افتراضية، ودعوا “الزوار” إلى التحقق من نوع التغيرات التي قد تخضع لها بسبب تغير المناخ.
وقام الباحثون في الجامعة بدمج عدد كبير من البيانات من نماذج تغير المناخ ونماذج الغطاء النباتي والنماذج البيئية، لإعادة إنشاء غابة في العصر الحديث، وقاموا بعد ذلك بتطبيق سيناريوهين مختلفين في المستقبل: سيناريو أساسي وسيناريو حار وجاف.
ودُمج عدد لا يحصى من نقاط البيانات لإعادة إنشاء الجزء السفلي بدقة، أو الشجيرات والنباتات التي تنمو تحت المظلة الرئيسية، بالإضافة إلى مجموعة الأشجار في الغابات، والتي يمكن للمستخدمين استكشافها في الوقت الحاضر، وكذلك في عام 2050. وقال ألكسندر كليبل، أستاذ الجغرافيا في الجامعة، “المشكلة الرئيسية التي تحتاج إلى معالجة هي أن تغير المناخ هو مجرد فكرة مجردة”. وعلى وجه الخصوص، اعتمد الفريق على نموذج “النظام البيئي للغابات على نطاق المناظر الطبيعية لمحاكاة العمليات البيئية الأساسية” ودمجه مع نموذج كمبيوتر تم إنشاؤه إجرائيا لملء الغابة الافتراضية وفقا لقواعد إرشادية معينة.
وأفاد الباحثون بأن “نهجنا في إنشاء تجارب عميقة للغابات في ظل تغير المناخ يمكن أن يسهل التواصل بين الخبراء وصناع القرار وعامة الناس”. ويجري تشجيع المستخدمين على مقارنة أنواع الأشجار التي تعيش وتزدهر في كل سيناريو مستقبلي، بهدف إضافة منظور كبير لبيانات وتحذيرات تغير المناخ في الوقت الحاضر.
روبوتات جوية
ومؤخرًا طور باحثو كلية لندن الإمبراطورية طائرات مسيرة لتتبع التغيرات البيئية في الغابات ورصد التغيرات الحرارية والرطوبة والضوء فيها، بالإضافة إلى حركات الحيوانات والحشرات في بيئاتها الطبيعية. وتنبه هذه الطائرات إلى حدوث الحرائق، وتقدم بيانات قيمة عن أثر التغير المناخي والأنشطة البشرية على العالم الطبيعي.
ويتطلع الباحثون إلى استخدام طائراتهم المسيرة في بناء شبكة حساسات لتعزيز بيانات أنظمة الغابات البيئية وتتبع المناطق الحيوية التي تصعب الملاحة فيها، كغابات الأمازون المطيرة، بعد أن أظهرت التجربة أن تركيب الحساسات ليس سهلًا في الغابات الكثيفة والشاسعة، فضلًا عن الأخطار المحدقة بمن يتسلق الأشجار لتركيبها.
وقال ميركو كوفاك، وهو مدير مختبر الروبوتات الجوية من قسم الملاحة الجوية في الكلية، “تبرز العراقيل عندما نحاول رصد أنظمة الغابات البيئية، لكن طائراتنا المسيرة ستنشر شبكة متكاملة من الحساسات لتعزيز البيانات البيئية ورفع دقتها. وهي بمثابة سكان اصطناعيين يقيمون في الغابة ويراقبون أنظمتها البيئية، لتوفير البيانات اللازمة لحماية البيئة”.
وجُهزت الطائرات المسيرة بكاميرات للتعرف على الأهداف المناسبة، بالإضافة إلى مادة ذكية تغير شكلها عند تسخينها لإطلاق السهام، ما يمكنها من الالتصاق بالأشجار. وهي قادرة كذلك على الجثوم على الأغصان كالطيور لتجميع البيانات دون حساسات، فتعمل كحساسات نقالة. اختبر الباحثون طائراتهم في معهد أبحاث “إي إم بي إيه” بسويسرا وعلى الأشجار في حرم جامعة لندن.
ويتحكم البشر حاليًا في هذه الطائرات، إذ يستخدمون وحدات تحكم ويختبرون عبر عدسات الكاميرا الأشجار المستهدفة ويطلقون السهام نحوها. وتكمن الخطوة التالية في إضافة ميزة التحكم الذاتي واختبار نجاحها في الغابات الكثيفة دون إرشاد بشري.
وصرح المؤلف المشارك أندريه فرهينا من قسم الملاحة الجوية بقوله “علينا تجاوز الكثير من التحديات قبل طرح الطائرات رسميًا في الغابات، مثل تحقيق توازن حريص بين المدخلات البشرية والمهمات المؤتمتة بما يضمن استخدامًا آمنًا وتكيفًا مع البيئات غير المتوقعة”.
وقالت الشريكة المؤلفة سلوى حمازة من قسم الملاحة الجوية “نهدف إلى طرح تصميم جديد وإستراتيجيات تحكم لتشغيل الطائرات في الغابات بكفاءة. وسنستغل الآليات الذكية وأحدث تقنيات الاستشعار لاستحداث منصات أفضل أداء وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة”.
ورغم أن معظم التهديدات المتأتية من ظاهرة التغير المناخي ستلحق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقا -وذلك لأن أغلبية بلدانها ذات مناخ صحراوي حار- إلا أن الوعي المسجل لدى مواطني المنطقة هو الأدنى عالميا. وقد تبرر الصراعات والاضطرابات السياسية التي تشهدها دول المنطقة تدني مستوى الوعي البيئي لدى المواطن العربي المنشغل بتحديات قد تبدو بالنسبة إليه اليوم أكثر إلحاحا.
صحيفة العرب