نعيش في ما يعرف بالعصر الرقمي، حيث يكثر استعمال الإنسان العصري لأجهزة الكمبيوتر وتتراجع بقوة الكتابة بخط اليد على الورق. لكن كما هو مؤكد علميا، فإن الحرف المكتوب يعكس شخصيتنا، ويطور المهارة الحركية الدقيقة، ويعزز الذاكرة، ويستخدم أيضا كطريقة للاسترخاء.
أجهزة الكمبيوتر باتت تحتل حيزا كبيرا من حياة الناس، لدرجة أنهم باتوا لا يستخدمون الورق العادي أو خط اليد إلا لكتابة الملاحظات الصغيرة. لكن يجب على المرء أن يسأل نفسه أحيانا: متى كتب صفحة كاملة بخط اليد؟ أو متى قرأ بشكل متواصل صفحة مكتوبة بخط اليد؟ وهل يمكنه التعرف الى خط صديقه أو زميله في العمل؟
آخر استطلاع أوروبي أفاد بأن خمسة في المائة من الذين شاركوا في الاستطلاع لا يكتبون بخط اليد أبدا، وأفاد %31 منهم بأنهم يكتبون أحيانا، و%15 بأنهم يكتبون بشكل نادر.
وقد تبين أن النساء يكتبن بخط اليد أكثر من غيرهن، وأن هناك عوامل أخرى تؤثر في شخصيتنا، وفي ما إذا كنا نفضل الكتابة بخط اليد أو على جهاز الكمبيوتر. وترتفع حصة الكتابة بخط اليد مع التقدم في العمر، وتنخفض مع ارتفاع نسبة التعليم ومعدل الدخل. فهذه الفئة من الناس تستخدم أجهزة الكمبيوتر أكثر من غيرها.
يساهم التوقف عن الكتابة بخط اليد في خفض قدرات الذاكرة وأسلوب التعبير. فالإنسان العصري بات يتوقف عن التفكير بشكل وأسلوب الكتابة، لأن الجهاز يقوم بذلك نيابة عنه، ولأنه يعلم أنه سيكون قادرا في وقت لاحق على تعديل الجملة كما يحب، وبسرعة فائقة. حتى أن الكمبيوتر يكون قادرا على مراقبة الأخطاء المرتكبة بالاعتماد على الوظيفة الخاصة بذلك.
لقد اكتشف العلماء من خلال مجموعة من الدراسات أن الكتابة بخط اليد تقوي وتعزز مشروع التعليم. وقبل عامين قدم علماء جامعة إنديانا الأميركية نتائج دراستهم التي قاموا خلالها بتقسيم أطفال ما قبل المرحلة الدراسية إلى مجموعتين، الأولى كانت تتعلم الكتابة على جهاز الكمبيوتر، والثانية بخط اليد، وبمساعدة الرنين المغناطيسي راقب العلماء ما الذي يجري في رؤوس هؤلاء الأطفال، فتبين لهم أن ادمغة هؤلاء الذين كانوا ينقرون الاحرف على جهاز الكمبيوتر لم تع الفوارق بين اشكال الاحرف، بعكس الاطفال الذين كانوا يكتبون بخط اليد.
الخطاب المكتوب بخط اليد يكون ذا مستوى اعلى، حيث يجب على الانسان ان يعي مسبقا ما الذي يريد ان يقوله، والا اضطر للتشطيب واعادة الكتابة، كما يجب التركيز اكثر خلال الكتابة، لانه لا مكان هنا للتسرع والعجلة، شكل الحرف وطريقة وضعه في الفسحة المحددة يدعمان الابداع والتصور، لان الخط المكتوب لا يكون روتينيا ومملا مثل ذلك الذي يشكله الكمبيوتر.
فالكتابة بخط اليد تتم من خلال حركة أعقد من تلك التي تتم على الكمبيوتر، وتفاعل العضلات يفعّل بدوره مركز المخ، مما يؤدي تاليا إلى تثبيت المعلومة في الذاكرة، والمساعدة في مشروع التعليم، لأن التركيز خلال الكتابة بخط اليد يكون أفضل وأكثر.
لهذا السبب تحرص بعض الشركات خلال اختيار موظفيها الجدد على تحليل خطاباتهم المكتوبة، لانها تؤمن بأن الخبراء سيكتشفون من خلال الخط جوانبهم الضعيفة والقوية، وما اذا كانوا ملائمين لهذا النوع من العمل.
للكتابة بخط اليد منفعة اخرى لا تقدر بثمن في عصرنا السريع هذا، فهي نوع من انواع الاسترخاء، حتى ان الفرع العلمي الذي يهتم بهذا الامر يزعم بأن تغيير شكل الحرف يؤثر في الشخصية، والفرد الذي يشعر بعدم توازن داخلي يتعلم الكتابة بطريقة مختلفة، ليكون قادرا عندئذ على تحقيق التوازن المطلوب.
القبس – حسن عزالدين