اضطرابات الكلام لدى الأطفال

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » اضطرابات الكلام لدى الأطفال


التأتأةتختلف قدرة الأطفال على النطق والكلام من واحد إلى آخر، فمنهم من يتأخر في البدء في إخراج الكلام وإصدار التعابير مقارنة بمن هم في سنه، ومنهم من يجد صعوبة في إخراج الكلام بصورة طبيعية، وبحروف سليمة، بحيث يكون كلامه عبارة عن حروف متقطعة وصعبة الفهم والالتقاط، أو يتم تكرير الحرف الأول من الكلمة عدة مرات، وتنتابه حالة من التأتأة أو التهتهة كلما حاول التواصل مع الآخر، نتيجة تردده عند الحديث، بشكل يجعله يشعر بالخجل ويحس بالاضطراب والقلق، مما يولد لديه إحساسا بالنقص والانطواء، كون طريقة كلامه تختلف عن الآخرين، وتظهر عليه بعض التغيرات الجسمية والانفعالية خاصة على مستوى الوجه وحركة اليدين والتعرق في بعض الأحيان.

وقد أثبتت بعض الدراسات المهتمة بهذه النوعية من المشاكل والاضطرابات المعيقة للكلام، أن معدل التعثر الطبيعي في الكلام يكون لدى 90 بالمائة من الأطفال بعكس التأتأة الحقيقية التي تحدث لدى 1 بالمائة منهم، في حين  70 بالمائة منهم  ينطقون الكلمات بوضوح منذ بداية تعلم الكلام، أما المتبقين ممن تتراوح أعمارهم ما بين سنة و أربع سنوات، فيكون لديهم عسر نطق طبيعي، ويتلفظون بالعديد من الكلمات التي لا يستطيع ذويهم أو الآخرين فهمها.

وتضيف الدراسة أن المدة الطبيعية التي تسيطر فيها التأتأة على الطفل أو ما يعرف بالتعثر الطبيعي في الكلام، تكون ما بين شهرين أو ثلاثة أشهر إذا تم التعامل مع الحالة بالطريقة السليمة، أما عسر النطق الطبيعي فهو ليس قصير الأمد، ولكنه يتحسن تدريجيا مع نمو الطفل على مدى عدة سنوات، يصبح خلالها الكلام مفهوماً تماماً عند 90 بالمائة من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم أربع سنوات وعند 96 بالمائة من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم خمس إلى ست سنوات، إلا أن إهمال الحالة وعدم معالجتها تزيد من حدة التأتأة الحقيقية وتستمر إلى سن البلوغ.

ويرجع المختصون حدوث وتكرار حالة التأتأة وانعدام الانسيابية والسلاسة في الكلام، إلى العديد من المسببات التي تتمثل في  نظرية التداخل السمعي، بحيث يكون السبب في هذا الوضع هو وجود خلل في الإدراك السمعي، ويكون غالبا عبارة عن تأخر في وصول المعلومات المرتدة. إضافة إلى النظرية الأخرى والمتمثلة في اضطراب التوقيت، وهي التي تفسر المشكل على ضوء التناول النفسي وتؤكد على حدوث تشوش في توقيت حركة أي عضلة، لها علاقة بالكلام مثل الشفتين والفك، وهو ما يتطلب من الناحية العضوية سلامة الأذن المستقبلة للأصوات، وسلامة الدماغ المحلل لتلك الأصوات، حتى يتمتع الطفل بنطق صحيح وسليم. 

ويعرف علماء التحليل النفسي، التأتأة بكونها عارض عصابي تكمن خلفه رغبات عدوانية مكبوتة، مما يعني أن التأتأة تأجيل مؤقت للعدوان، معتقدين أن عدم تعبير الطفل عن مشاعر الغضب يعتبر سببا رئيسيا للتعلثم. 

ويعتبرون أيضا أن الأسباب النفسية للتلعثم في الكلام، هي وليدة أوضاع اجتماعية يعيشها الطفل، تتمثل في الجو الأسري المضطرب المتسم  بكثرة الجدل العنيف والصراعات التي من شأنها أن تخلق لديه خوفا وقلقا نفسيا، مع الإحساس بانعدام الأمن والطمأنينة، مما يولد لديه مجموعة من المخاوف والوساوس والصدمات الانفعالية والشعور بالنقص وعدم الكفاءة، خاصة في مواجهة تلك الانتقادات التي يحاصره بها الأهل من أجل تصحيح كلامه، أو الضغط عليه لإخراج الكلام قبل أوانه، وكذا أساليب التربية والتنشئة الاجتماعية التي يطبعها العقاب الجسدي والإهانة والتوبيخ والتي غالبا ما تؤدي إلى إصابة المتلقي بآثار نفسية وإحباطات من شأنها أن تعيق عملية الكلام عند الأطفال، فغالبا ما يلجأ الآباء إلى إهانة الأبناء أمام الغرباء وتوبيخهم ومعاملتهم دون احترام أو مراعاة لنفسيتهم . 

وقد يلاحظ أن بعض الأطفال يستمرون في استخدام لغتهم الطفولية بسبب الدلال وتشجيع الكبار لهم على هذه الألفاظ الطفولية غير السليمة، وبالتالي يتعلمون عادات سيئة في نطقهم للكلام، دون أن يكون لديهم عيب بيولوجي أو اضطراب نفسي.

وللتغلب على هذه الاضطرابات في الكلام أو ما يعرف بالتأتأة والتلعثم، فإن أهل الاختصاص ينصحون الأسرة بتحري الأسباب التي تجعل هذا الطفل يتلعثم في كلامه ولا يحسن النطق، ففي حالة الاضطراب النفسي، فإن العلاج يكمن في التقليل من الانفعال والتوتر النفسي لدى الطفل ومساعدته على الخروج من دائرة الخجل والانطواء، وتعويده على مواجهة الآخرين وزرع الثقة في نفسه وعدم معاملته بقسوة أو جبره على الكلام، والحد من الانتقادات التي تنصب على طريقة كلامه وتعبيره وتفادي السخرية والاستهزاء من كلامه.
في حين يبقى إخضاعه لجلسات وتداريب النطق الصحيح لدى أخصائي علاج نطق، خطوة ضرورية ومكملة للعلاج النفسي، على أن يرتكز العلاج البيئي على إدماج الطفل المتلعثم في الأنشطة الاجتماعية كي يتدرب على التفاعل مع المحيطين به بشكل يساعده في بناء شخصيته وتنميتها بعيدا عن الشعور بالنقص والخجل.

فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *