إيقاف وتشغيل الدماغ.. أمل جديد ضد الغيبوبة

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » إيقاف وتشغيل الدماغ.. أمل جديد ضد الغيبوبة

إيقاف وتشغيل الدماغ.. أمل جديد ضد الغيبوبة

وجدت دراسة أمريكية فريدة من نوعها، نشرتها دورية «نيو ساينتيست» ديسمبر/‏كانون الأول الماضي، وقام بها مجموعة من الباحثين من جامعة ستانفورد جنوب شرقي سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، أن الدماغ البشري ينتقل بين اليقظة واللاوعي بشكل مستمر. وأشار الباحثون إلى أنه في حال معرفة المسارات الدماغية أو المناطق العصبية المسؤولة عن يقظة الشخص وفقدانه للوعي، فقد يؤمن ذلك حماية لأدمغة المصابين خلال الحوادث، وإخراجهم من الغيبوبة التي يمكن أن تصيبهم.
في دراسة أخرى، أجراها عدد من الباحثين في عام 2007، استخدموا فيها التحريض العميق للدماغ لإيقاظ رجل من حالة شبه غيبوبة تسمى «Minimally conscious state»، كانت النتائج رائعة، بحسب الباحثة جين لي من جامعة ستانفورد الأمريكية. إذا استطاع الأطباء من خلال هذه العملية الجراحية تحسين حالة الرجل الصحية بشكل منقطع النظير. فقبل العلاج، كان يعجز عن التواصل ولم يكن يتمتع بقدرة تلقائية للسيطرة على أطرافه، وحينما استخدم الباحثون التحفيز أو التحريض العميق على دماغه في منطقة «المهاد» أو «الثلاموس» (وهو المركز الذي يرسل إشارات إلى جميع مناطق الدماغ)، استعاد قدرته على الكلام والتحرك تدريجياً.
ويعرف التحريض العميق للدماغ، بأنه عملية جراحية يقوم خلالها جهاز يدعى باسم «المُحرض العصبي» بإصدار إشارات كهربائية صغيرة جداً إلى مناطق الدماغ التي تتحكم بالحركة، وغالباً ما يتم استخدام هذه الطريقة لمعالجة الرعاش الناتج عن داء باركنسون. وتُجرى العملية خلال وضع جهاز في منطقة المِهاد في الدماغ، يشبه إبرة طويلة، ليرسل تحريضاً كهربائياً إلى الأجزاء العميقة من الدماغ، ويطلق على هذا الجهاز اسم «مَسرى». ويستطيع المريض تشغيل الجهاز المزروع، أو إيقافه، وعند تشغيله فيمكن أن يقلل أعراض المرض ما يحسِّن وظيفة واستخدام هذا الجزء من الجسم، وتعود الأعراض من جديد بمجرد إيقاف الجهاز، فأسلوب التحريض العميق للدماغ يساعد على تقليل الأعراض لكنه لا يشفي من المرض.

وفي المقابل، فإن استخدام هذه العملية على عدة أشخاص آخرين لم تأت بنتائج جيدة، لأن الأقطاب الكهربائية في عملية التحفيز العميق للدماغ لا يمكن ضمان وصولها إلى المنطقة الصحيحة، ما يعكس صعوبة السيطرة على هذه العملية. وبحسب لي فإن عملية التحفيز للدماغ تستخدم غالباً من دون معرفة كيفية تحفيزها للدوائر الكهربائية في الدماغ. وحاول فريق الباحثة لي استخدام طريقة أكثر دقة لتحفيز المهاد، خلال تجاربهم على الفئران، فوضعوا جينات في دماغها تنشط مع الضوء داخل مجموعة صغيرة من خلايا المهاد، وتسمى هذه التقنية «علم البصريات الوراثي». وهي تقنية تعتمد على استخدام مزيج من تقنيات البصريات وعلم الوراثة للسيطرة على نشاط الخلايا العصبية الفردية في الأنسجة الحية. وبهذه الطريقة تمكن الباحثون من تنشيط الدماغ بطريقة تشبه التحفيز العميق، وخلالها تمكنوا من السيطرة بالكامل على العمليات التي كانت تجري في دماغ الفئران. وبعد استخدام هذه الطريقة اكتشف الباحثون أن تنشيط خلايا المهاد بقوة 10 هيرتز تجعل الفئران تفقد وعيها، وإذا نشطت بعد ذلك بتردد يتراوح بين 40 و100 هيرتز، تستيقظ مجدداً.

من الواضح أن تحفيز الخلايا الدماغية يؤدي إلى أمور لا تصدق، وفيها اختلافات غريبة، ولمعرفة هذه الاختلافات استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد ما يحصل للدماغ، واكتشفوا أن التحفيز عالي التردد في المهاد، يعزز النشاط الكهربائي في القشرة الدماغية، ما يؤدي إلى إيقاظ الفئران، أما التحفيز المنخفض، فأعطى أثراً مخففاً وأفقد الحيوانات وعيها.

من شأن معرفة تأثير التحفيز على هذه المناطق من الدماغ أن يسهم في علاج إصابات داخل الجمجمة، المعروفة بإصابات الدماغ الرضية أو Traumatic brain injury، والتي تحدث عندما تتسبب قوة خارجية في إحداث جرح مؤلم في الدماغ. وبحسب أنيل سيث، مدير مساعد في مركز «ساكلر لعلوم الوعي» في برايتون البريطانية، فإن مثل هذه الأبحاث تسهم في تحسين العلاجات التي يأخذها الأشخاص الذين يدخلون في حالة غيبوبة. وتقول لي: «إن الشخص يفقد وعيه إذا لم يتواصل المهاد مع أجزاء مختلفة من دماغه أو إذا نشط بقوة غير مناسبة».
وفي تجربة قام بها محمد قبيسي من كلية الطب وعلوم الصحة التابعة لجامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية واشنطن، بالاعتماد على تجارب فريق الباحثة جين لي، استطاع الغوص في أعماق الدماغ البشرية بالكشف عما يمكن تسميته بالمفتاح، الذي يستطيع به الباحثون غلق المخ، وإجباره على النوم، فنجح القبيسي في تعطيل إيقاف وعي امرأة تخضع لعلاج الصرع عبر تحفيز جزء دماغي يتواصل مع المهاد واسمه «كلاوسترم»، وهو عبارة عن شريط رقيق من الخلايا العصبية يوجد بين أجزاء المخ، وتبين بعد هذه العملية أنه مع بدء تعريض «الكلاوسترم» لترددات كهربية عالية يفقد الإنسان وعيه التام، ويعد هذا الاكتشاف ذو أهمية كبرى للعلماء سيسهم في معرفة كيفية عمل المخ وكيفية التحكم فيه مستقبلاً.
ويصف القبيسي هذه الدراسات على عمل الدماغ بأنها بالغة الأهمية لأنها تمكن الأطباء من مساعدة الأشخاص الذين تعرضوا لإصابات دماغية أو إيقاظ كل من يفقد وعيه.

لا يتوقف العلماء عن إجراء الدراسات والأبحاث التي من شأنها أن تسهم في تحسين حياة الإنسان نحو الأفضل. ويركز الباحثون بشكل أكبر على دراسة الدماغ كونه مصدر كل شيء ومحرك كل الأعضاء في الجسم، من هنا يحاولون معرفة إمكانية تشغيل أو إطفاء الدماغ عند الحاجة، أو بمعنى آخر إيقاظه أو وضعه في حالة اللاوعي، وفي حال تمكن العلماء من التحكم في إيقاف وتشغيل الدماغ، سيُحل اللغز الذي يكتنف طريقة عمل ووعي وإدراك المخ البشري، ما يفتح المجال أمام فهم أكبر للدماغ البشري وعمله ما ينتج علاجات جديدة.

إبراهيم باهو – جريدة “الخليج”

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *