إشكالية العلاقة بين الثقافة العربية والعولمة

الرئيسية » تربية وتكوين » إشكالية العلاقة بين الثقافة العربية والعولمة

اليونيسكو تحتفل باليوم العالمي للغة العربية

يبحث الكتاب في مفهوم الثقافة باعتبارها منهج الحياة المجتمعية، بما هي حاملة للقيم ومعبرة عن نظرة الإنسان إلى الوجود، وإلى دوره في هذا الوجود. كما يبحث في إمكانيتها الطبيعية وقدرتها على التفاعل والاختلاط والتأثير والتأثر في العلاقة مع ثقافات الآخرين، وفي أهميتها في ترسيخ الهوية على اختلاف أوجهها.

من هذا التحديد، ينطلق الباحث ليقرأ علاقة الثقافة العربية بالعولمة، وفي كيفية تعامل العرب مع العصر الذي يعيشون فيه وتقصيرهم عن بلوغ درجاتها العالية إلا بما تتيحه نتاجاتها كمادة استهلاكية.

على العرب، كما يقول الكاتب، أن يتعلموا استيعاب التكنولوجيا الحديثة بذكاء واستثمار نوعي، وعلى الأصعدة كلها، وخصوصاً تكنولوجيا الإعلام والاتصال. فالتدريب على استعمالها وإدخالها في بعض قطاعات حياتنا اليومية، لا يلغي العمل على صنع الذهنية العلمية والمعرفية وجعلها من الأولويات. وهذا كله يتطلب معرفة ما هم العرب عليه اليوم مقارنة مع البلدان المتقدمة، في مجالات العلم والمعرفة والتكنولوجيا، ليتمكنوا من تحديد موقعهم في العالم.

ويرصد الباحث في هذا المجال، نسباً هائلة بين ما ينفقه العرب على البحث العلمي وما ينفقه الغرب.إذ إن نسبته عند العرب متدنية بينما في تبلغ النسبة في الغرب ما يتعدى الـ 8.2 بالمئة، ذلك تبعاً لتقارير الأمم المتحدة لعام 2002.

هذه الأرقام تبين لنا مدى تأخر العرب في ميدان البحث العلمي والتطور التكنولوجي، وعمق الهوة بينه وبين العالم المتقدم، وهذا ما يرتب على المجتمعات العربية مسؤوليات كبيرة تجاه حاضرهم ومستقبلهم.

أهمية الاستيعاب التكنولوجي تتطلب تغييراً جذرياً في ممارسات الجهات الحكومية، التي تتطلب إعلاء شان البحث العلمي والتطور التكنولوجي، وتغيراً في نظرة المجتمع الى العلم والى العلماء، وبث الروح النقدية في شرايين المجتمع وعبر نسيجه الاجتماعي، وهذا مرتبط بمدى تجاوب الجهات الرسمية المسؤولة والمؤسسات والجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب، وأيضاً هيئات المجتمع المدني.

إذا كان على العرب العمل على صنع النظام العالمي الجديد المأمول بالتعاون والمشاركة مع أوروبا وبقية الدول المتقدمة، كما يقول الباحث، فعليهم مسؤوليات وتبعات تستدعي منهم قراءة عقلانية لواقعهم، ليتبينوا أماكن الخلل والضعف والتقصير والتردي على كل المستويات، ثم لينطلقوا في عملية البناء والترميم، من أجل تمكين أفراد المجتمع من ممارسة حقهم في البحث والمشاركة والعمل والممارسات المجتمعية شتى.

وبرأي الكاتب، فإن الحصول على هذه القيم غير ممكن إلا إذا تمثلت الدول المعنية قيم النظام العالمي الجديد، وأرست أسساً جديدة تمكن العرب من التلاقي في ما بينهم متجاوزين عقدهم الكيانية والقطرية والدينية والمذهبية والطبقية.. وكذا بينهم وبين العالم المتقدم.

ويورد المؤلف في سياق بحثه، مراتب وقيم تلزم العرب بتبنيها ليحفظوا لأنفسهم مرتبة متقدمة في النظام العالمي الجديد. فعليهم أولاً التعاون مع الآخر والاعتراف به واعتبار الإنسان هو القيمة الكبرى في الوجود. ليعيش العرب في قلب العصر، في بدايات القرن الواحد والعشرين عليهم استيعاب التكنولوجيا الحديثة وخصوصاً تكنولوجيا الاتصال والإعلام، وهذا يتطلب وعياً للذات وموقعها من العالم وعلاقة هذه الذات بالآخرين.

ويستعيد الكاتب ما كان عليه العرب في العصر العباسي، وتحديدا دور السلطة في تشجيع العلم والعلماء، وفي تعميم أهمية التجربة العلمية ودورها في استنتاج القوانين العامة للعلم عن طريق الافتراض والبرهان وتثبيت النتائج. كل ذلك في مناخ من الإيمان الديني والانفتاح والتسامح والحوار بين المذاهب الفكرية والدينية للوصول الى الحقائق المؤيدة للعقل. ويسترسل الكاتب في إظهار ما كان عليه العرب من نبوغ واستشراف آفاق فكرية وعلمية وبلوغهم تخوم المستحيل في الطب وعلم الفلك والفلسفة. ويرى أنه ليس بكثير على العرب أن يعاودوا فعل ذلك في القرن الواحد والعشرين إن شاؤوا.

وفي هذا الإطار، يدرج المؤلف نص المقابلة التي أجراها مع المفكر هشام شرابي، إذ يظهر فيها موقع أميركا في العالم وعلاقتها بالعرب، وكيفية التعاطي مع المسألة الفلسطينية من الداخل والخارج. لا يُقصر بحثه على موقع العالم العربي من النظام العالمي الجديد وما هم بحاجة إليه ليلحقوا بركبه، حيث يفسح صفحات كتابه ليدرس كيفية تعامل بلدين كبيرين مع ظاهرة العولمة، محكومين بأيديولوجيتين متقابلتين وشموليتين في تعاطيهما في أمور الاجتماع والسياسة: الصين الشيوعية وتركيا المسلمة. وإن كانت ذات نظام علماني.

ويبحث الكتاب في الفصول اللاحقة تداعيات العولمة وتأثيرها في السلوك اليومي للناس، عبر العلاقات داخل الأسرة العربية ومعها، من خلال: اللباس.. وتحديداً لباس المرأة العربية، كيفية التعاطي مع كبار السن ووجهة المنطق المعولم في هذا المجال.

وينهي الكتاب بقراءة تحليلية لمؤلفات ثلاثة، لها علاقة بالعولمة على المستوى المحلي، تعود لأدونيس عكرة وعدنان السيد حسن وفريدريك معتوق.

المؤلف في سطور

عاطف عطية. أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية. له مؤلفات عديدة، منها: المجتمع، الدين والتقاليد، البيئة والإنسان، الدولة المؤجلة، المدنية العربية بين التحولات الاجتماعية وتغيرات المجال.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *