على غرار أسماء نجوم السينما وكرة القدم، تتردد في منازل كوريا الجنوبية ومقاهيها أسماء مشاهير اللاعبين المحترفين لألعاب الفيديو، ويُشاهد ملايين الأشخاص منافسات الألعاب التي تُعرض على شاشات التلفزيون، وتُخصص «نافر»، بوابة الإنترنت الأكبر في البلاد، قسماً خاصاً لتغطيتها.
وتجذب منافسات ألعاب الفيديو اهتمام آلاف المشجعين في الولايات المتحدة وأوروبا، لكنها في كوريا الجنوبية، وأكثر من أي مكانٍ آخر في العالم، تغلغلت شيئاً فشيئاً داخل ثقافة البلاد، وصار من الشائع التردد على نوادي اللعب والنقاشات الساخنة حول الفرق.
وبهذا الاتجاه، تُقدم كوريا الجنوبية، كما فعلت سابقاً، لمحات مبكرة عن التحولات المرتبطة بالتكنولوجيا قبل توسعها عالمياً، مثل الانتشار الواسع لاتصال النطاق العريض، والهواتف الذكية.
وتحظى البلاد بمكانة رائدة في منافسات ألعاب الفيديو، التي عادةً ما يُطلق عليه e-sports أو الرياضات الإلكترونية، وفقاً لما تناوله تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.
وتتضمن الرياضات الإلكترونية في كوريا الجنوبية منافسات منظمة، وفرقاً من اللاعبين المحترفين، تتلقى دعماً مالياً جيداً، وملاعب ضخمة تمتلئ بالمشجعين المتحمسين للاعبيهم المفضلين، وتجلى ذلك في المباراة النهائية لبطولة العالم للعبة «ليغ أوف ليجندز» League of Legends، التي تُعد واحدة من أكثر ألعاب الفيديو شعبية في العالم.
وأقيمت المباراة في 19 أكتوبر الجاري، بحضور ما يزيد على 40 ألف مشجع في ملعب لكرة القدم، شهد سابقاً منافسات الدور نصف النهائي في كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها كوريا الجنوبية واليابان في عام 2002.
وجلس على المنصة الرئيسة فريقان يتألف كلٌ منهما من خمسة لاعبين أمام شاشات الحواسيب، يستخدمون الفأرة ولوحات المفاتيح للتحكم في الشخصيات الخيالية للعبة، ومحاولة تدمير خصومهم، في الوقت الذي يُعرض المشهد على ثلاث شاشات عملاقة.
وحظي فريق «سامسونغ وايت» Samsung White بلاعبيه الكوريين الجنوبيين بالنصيب الأكبر من تشجيع الجمهور المتحمس، لتنتهي المباراة بفوزه ببطولة العالم للعبة «ليغ أوف ليجندز»، وجائزة مالية قدرها مليون دولار، على حساب منافسه فريق «ستار هورن رويال كلوب» Star Horn Royal Club، الذي يتألف من ثلاثة صينيين وكورييَّن.
وليس غريباً أن تُمثل المهارة العالية للاعبي كوريا الجنوبية مبعثاً للفخر الوطني في البلاد، وفي الآونة الأخيرة، سادت مشاعر الخوف والضيق بين المشجعين من احتمال إخفاق فريق «سامسونغ وايت» في تحقيق فوز كبير في جولة سابقة من البطولة؛ نتيجة خسارته مباراة، من أصل أربع مباريات خاضها، لمصلحة فريق «تيم سولوميد» Team SoloMid من أميركا الشمالية.
وفي البحث عن العوامل التي منحت الرياضات الإلكترونية كل هذه الشعبية في كوريا الجنوبية، تختلف تفسيرات اللاعبين والمختصين، إلا أن جميعها تقريباً تُرجع البداية إلى سنوات نهاية التسعينات من القرن العشرين؛ فاستجابة للأزمة المالية في آسيا حينها، ركزت حكومة كوريا الجنوبية على تحسين الاتصالات والبنية التحتية للإنترنت.
وبحلول عام 2000، نشأ مجتمع نابض بالحياة من اللاعبين، ويرجع الفضل أساساً إلى مقاهي الإنترنت، أو ما يعرف بـ«بيه سي بانغ» PC bang، التي اعتمدت على الاتصالات الجديدة، وشكلت النوادي تجمعات للعب يقيس فيها اللاعبون مهاراتهم، تماماً كتجمعات ممارسة رياضة كرة القدم أو السلة.
وأسهمت الحكومة في دعم الرياضات الإلكترونية بإنشاء «الرابطة الوطنية للرياضات الإلكترونية»، وانطلق عمل المحطات التلفزيونية الرخيصة بفضل البُنى التحتية الجديدة، وكان من الطبيعي أن تُركز إحداها على الرياضات الإلكترونية، ثم تبعتها قنوات أخرى.
وقال المُعلق على الرياضات الإلكترونية، جوناثان بيليس: «قبل 14 عاماً، كان لديك حكومة منحت موافقتها على الرياضات الإلكترونية، وجرى تنظيمها بشكل مهني، وعُرضت على شاشة التلفزيون، لذلك صارت شيئاً رائجاً، بهذه الطريقة انتشرت كرة القدم في مختلف أنحاء العالم».
وفي نموذج للبدايات، سرعان ما انتقلت منافسات اللاعبين المحترفين من مقاهي الإنترنت إلى قاعات الفنادق، ومنها إلى الملاعب الرياضية، وذلك بفضل الاستثمارات والمساعدة التنظيمية من شركة «بليزارد إنترتينمنت»Blizzard Entertainment، التي أصدرت في عام 1998 لعبة «ستار كرافت» StarCraft، التي نالت الشعبية سريعاً في أوساط اللاعبين المحترفين في كوريا الجنوبية.
وتطور الأمر سريعاً، حتى إن المباراة النهائية لبطولة المحترفين للعبة «ستار كرافت» في عام 2004 جذبت 100 ألف مشجع على شاطئ «جوانجالي» الواقع جنوب مدينة بوسان.
ومع ذلك، احتفظت نوادي الألعاب بمكانتها كساحة مهمة للاعبين، وتغص مقاهي الإنترنت في منطقة «كانجدونغ» السكنية جنوب العاصمة سيؤول بطلاب المدارس الثانوية، الذين يجلسون على مقاعدهم المريحة أمام شاشات الحواسيب يتبادلون الحديث حول خطط اللعب، ويصيحون فرحاً تارة، وإحباطاً تارةً أخرى، وينظر هؤلاء الشباب إلى الألعاب كجزء أساسي من حياتهم وعالمهم.
وكحال الرياضات العادية، بدأت الشركات قبل نحو عقد من الزمان تستشرف نتائج واعدة من عقود رعاية نجوم الألعاب الإلكترونية، واتجهت شركات مثل «سامسونغ» و«سي جيه جيمز» CJ Games، إحدى أهم مطوري الألعاب الكوريين، قبل فترة لرعاية فرق من اللاعبين تعيش معاً في منازل مشتركة، وتتدرب 12 ساعة يومياً.
وامتد هذا الطابع الاحترافي إلى خارج كوريا الجنوبية، وفي السنوات الأخيرة اتجه الرعاة في الدول الغربية لتجميع اللاعبين معاً في دور للتدريب، لكنْ قليل من اللاعبين فقط هم من يتعاملون مع الألعاب بالجدية نفسها القائمة في كوريا الجنوبية، وربما يرجع ذلك بعض الشيء إلى أجواء النجومية التي تحيط باللاعبين الكوريين، على غرار ما يحظى به مشاهير السينما والغناء.
وروى خجلاً أحد لاعبي فريق «سي جيه إنتوس»، الذي يحظى برعاية «سي جيه جيمز»، وحل في المركز الثاني في بطولة العالم للعبة «ليغ أوف ليجندز» لعام 2012، متابعة إحدى المعجبات له في المباريات على مدى عامين، والتقاطها صوراً له، لينتهي الأمر بإرسالها ألبوماً من الصور.
لكن هذا البريق لا يُشكل وحده حياة لاعبي الرياضات الإلكترونية؛ فعليهم التدرب واللعب بشكل متواصل، وقضاء أيامهم أمام شاشات الحواسيب، إذ إن الالتزام يساعد فرق كوريا فيما تخوضه من منافسات، محققة مرتبة متقدمة في لعبة «ليغ أوغ ليجندز» تفوق فرق الكثير من الدول الغربية، التي زار بعضها كوريا للتعرف إلى طرق التدريب، وسعت لمحاكاة المنازل المشتركة ومنهج التدريب، لكن دون أن تنجح في بلوغ مقاصدها في معظم الأحيان. ولا يخلو الأمر من مشكلات، كالمخاوف بشأن احتمال أن يقود الهوس الأحادي لدى اللاعبين، الذي يُركز فيه العقل على هاجسٍ واحد، إلى الإدمان، إضافة إلى الضرر الناتج عن قضاء الكثير من الوقت في اللعب.
الإمارات اليوم