أراضي أوروبا الزراعية تتقلص داخل البحر

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » أراضي أوروبا الزراعية تتقلص داخل البحر

يرتبط النشاط الزراعي بالتغيرات المناخية على كوكب الأرض بشكل وثيق ينعكس على إنتاج المحاصيل وأساليب زراعتها ومواسمها وطرق العناية بها، مما يحدث المزيد من انعدام التوازن البيئي على كوكب الأرض، بالإضافة إلى نتائج التغيرات الكارثية في مساحة الأرض الزراعية بسبب عوامل التصحر أو الغرق في مياه البحار والمحيطات بسبب ارتفاع منسوب المياه على بعض شواطئ الدول الخصبة، وتعاني قارة أوروبا من تقلص حاد في بعض المناطق بشكل يتطلب التدخل السريع لإنقاذ ما سيضيع منها من دون انتظار لحل دولي لمشكلة الاحتباس الحراري والتي تتطلب عقوداً للالتزام بها، ويرصد بعض العلماء بعض الحلول السريعة والغريبة التي تجنب تفاقم الموقف مثل التحكم في مياه الفيضانات التي أغرقت أوروبا الصيف الماضي والامتناع عن حرث الأرض.

على الجانب الآخر من وقوع النشاط الزراعي كضحية للتغيرات المناخية تمثل بعض أنشطته في زيادة عملية الاحترار العالمي مما يزيد من آثار المناخ على الزراعة والأرض نفسها، منها على سبيل المثال المبيدات الحشرية وانبعاثاتها الخطرة والتي يجب أن يتم تقليلها بنسبة 50% حتى عام 2050 للحفاظ على مستويات حرارة الأرض بحيث لا تزيد على درجتين إضافيتين عن المعدل الحالي . وبالإضافة لتأثر المحاصيل الزراعية بعدد من الآفات والأمراض والجفاف تارة وزيادة مياه الأمطار وموتها تارة أخرى، تتسبب التغيرات المناخية بتقليص الأراضي الزراعية بصورة حادة، وهنا تكمن أخطر المشكلات التي تواجه البشرية، فعوامل التصحر والغرق أبرز ما تعانيه الدول في جميع أركان العالم، وفي أوروبا برزت حلول غريبة عدة من شأنها وقف تلك الظاهرة . وتمثل الفيضانات عبئاً كبيراً على الحكومات الأوروبية لتسببها كل عام بتلف آلاف الأطنان من المحاصيل الزراعية، وشهدت خلال الأشهر الستة الماضية أمطاراً شتوية مستمرة جرفت فواكه وخضروات آلاف الأفدنة إلى مصبات الأنهار في البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، إضافة لاقتلاع طبقة سميكة من الأراضي الطينية نفسها باتجاه المياه، كما تحولت بعض المزارع والحقول إلى بحيرات لم تجف إلى الآن بسبب كونها في منخفض وسط التلال ولا يتم تصريف مياهها بسبب التربة المضغوطة، كما شوهدت المياه بلونها الأحمر في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا تصب في البحر الرواسب المشبعة بالكيماويات والأسمدة التي ذهبت هباءً، وما يقدر بألفي طن من خيرة أنواع التربة تمت إزاحتها إلى الأنهار في كل دولة على حدة، وتعاني الحكومات كل عام آثار الفيضانات، إذ تتطلب مواجهتها نحو 32 مليار دولار سنوياً في أوروبا وتتكلف حماية كل مزرعة نحو 150 ألف دولار، وتقوم الحكومات حالياً ببناء السدود وزرع المزيد من الأشجار وحفر باطن الأنهار لتكون أعمق وتستوعب المزيد من المياه، ولكن مع تزايد أعداد المزارع أصبحت تلك الحلول مستحيلة، وبرزت حلول أخرى أكثر فعالية أهمها التوقف عن حرث الأرض، فبدلاً من حرث بقايا المحاصيل السابقة يمكن أن يتم غرس أو حفر البذور مباشرة في الأرض لتتم العملية الحيوية تحت بقايا المحاصيل السابقة، وتأتي فائدة تلك الخطوة بحسب دراسة أعدتها جامعة أكسفورد البريطانية في جعل سطح التربة كما هو ليزيد من سماكة السطح وإكسابه قدرة كبيرة على امتصاص مياه الأمطار في المستقبل لاستيعاب كمية أكبر منها وتقليل فرص التآكل على المدى الطويل.

ومن المعروف أن الحرث يطلق غاز الكربون من أسفل التربة مما يزيد من كفاءتها، وأوضح التقرير إن الكربون يتم إطلاقه بأية حال عند احتباسه بكميات كبيرة في التربة، فحين التوقف عن الحرث لسنوات يتم انطلاقه على مراحل مما يقلل من الاحتباس الحراري ويزيد مناعة التربة من الإغراق في المياه، كما أن للتربة قدرة طبيعية على التكيف وإعادة التوازن إليها طبيعياً ولكن في وقت أطول نسبياً، كما أن بقايا المحاصيل بعد تحللها ستكون غذاءً مكملاً للمحاصيل الجديدة بجانب الجذور، ويقول التقرير رداً على الاتهامات حول كيفية تجنب الآثار المترتبة على توقف الحرث، إن فريقاً من اختصاصي المبيدات يعملون حالياً على نوع من مبيدات الأعشاب للتخلص من بقايا الأعشاب الضارة من المحاصيل السابقة وسرعة تحللها وإيقاف المادة الفعالة بها.

ولم تكن زيادة كفاءة التربة على امتصاص المياه ومكافحة التآكل الهدفين الوحيدين لتوقف الحرث، بل تأتي في المقدمة العوامل الجوية المصاحبة لأنشطة الحرث مثل العواصف الثلجية والرياح العاتية والأعاصير وغيرها، فعلى سبيل المثال حينما قدم الأوروبيون للزراعة في السهول الأمريكية الشمالية والجنوبية كانوا قد تعودوا على تقنيات كانت تستخدم في أوروبا على الرغم من تغير الظروف المناخية، فمع تواجد العواصف وغيرها في أوروبا، إلا أنها لا يمكن مقارنة شدتها بالأعاصير والعواصف الأمريكية، لذا فاستخدام التقنيات نفسها كان وقعها كارثياً، وتجدر الإشارة إلى أن الفترة ما بين ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي واجهت الولايات المتحدة أكبر موجة جفاف في تاريخها، وتم التعامل مع التربة بالتقنيات القديمة نفسها إلى أن واجهت السهول العظمى في الولايات الشرقية لجبال “روكي” هبوب رياح عاتية.

وتسببت أعمال الحرث للتربة الجافة إلى تحويل نحو 850 مليون طن من سطح تربة السهول العظمى الزراعية إلى غبار يتناثر في أجواء القارة، خلال 5 سنوات فقط، وهو ما كون ما يعرف بالعواصف الترابية التي وصلت إلى العاصمة واشنطن نفسها في أقصى شرقي الولايات المتحدة.

وبالانتقال إلى أوروبا يسود اعتقاد خاطئ بخاصة في بريطانيا، بأن من يمتلك محراثاً أو جراراً ضخماً فإنه بالتأكيد يمتلك مزرعة غنية، ولكن على العكس من تلك الفكرة السائدة يحافظ المزارع البريطاني جون شيري على مزرعته البالغة ألفي فدان بحالتها الطبيعية وعدم حرثها لمدة 15 عاماً في مقاطعة اكسفوردشير البريطانية، حيث تتموج مزرعته عبر التلال مما يجعل من مساحتها ضخمة مقارنة بالسهول المسطحة، ومن الواضح ملاحظة لون التربة الأسود الداكن بسبب تحلل بقايا المحاصيل، وعلى الرغم من بذل العاملين في الأرض مجهوداً كبيراً إلا أن شيري يرى بأنها حافظت على عناصر التربة الغذائية، كما أنها في مواسم الأمطار تبدو نقية تماماً من برك المياه على عكس ما يجده في المزارع والإقطاعيات المجاورة، ويقول شيري، إن مزرعته بحالة جيدة جداً على الرغم كونها مملة بالنسبة للعمال والمزارعين بداخلها.

الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *