يتكون العمود الفقري للإنسان من عظام متعددة تحتوي على 33 فقرة، مرصوصة فوق بعضها بشكل رأسي، وبين كل فقرة توجد منصات دائرية واقية بها مادة الهلام، التي تساعد على لين الفقرات عند الحركة، ومن المعتقدات الخاطئة عند بعض الأشخاص أن جميع إصابات العمود الفقري أو آلام الظهر والرقبة هي انزلاق غضروفي، وهذا غير صحيح؛ حيث إن حالات الانزلاق الغضروفي هي أكثر شيوعاً في أسفل الظهر، وتصيب من الرجال ضعف عدد النساء، وخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 سنة، وفي السطور القادمة يخبرنا الخبراء والاختصاصيون عن هذه الآلام وأسبابها وأنواعها تفصيلاً.
تقول الدكتورة ناردين توداري مرقص، مختصة الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل، إن آلام العمود الفقري التي تستهدف الرقبة والظهر من أكثر المشكلات التي يعانيها عدد كبير من الناس مع اختلاف أعمارهم، وهذه الآلام يمكن أن تكون بسبب ضعف العضلات، التهابات الأوتار أو الأربطة، خشونة المفاصل الصغيرة في العمود الفقري، خشونة وتآكل الغضاريف، وأيضاً الانزلاق الغضروفي «الديسك»؛ ولذلك ينبغي التمييز ما بين آلام الظهر الحادة، وآلام الظهر المزمنة؛ حيث إن أغلبية آلام العمود الفقري الحادة تزول في غضون أربعة إلى ستة أسابيع، بينما الآلام المزمنة تدوم أكثر من ستة أشهر، ويعد الفحص الطبي الجيد، وإجراء الأشعة اللازمة من أهم الإجراءات الضرورية لتحديد السبب الحقيقي ومصدر الألم، وبالتالي تحديد خطة العلاج الصحيحة، والجدير بالذكر أن هناك تقدماً علمياً هائلاً حدث في الطب في السنوات الأخيرة، ما نتج عنه علاج أغلب حالات آلام العمود الفقري بدون جراحة وبنسبة نجاح عالية، كما أنه وجد حديثاً أن السبب الحقيقي لحدوث آلام العمود الفقري هو التقلص المزمن للعضلات على جانبي العمود الفقري، ما يؤدي إلى حدوث العقد العضلية، التي تسبب كل هذه الآلام الشديدة.
العقد العضلية
تشير د.ناردين إلى أن العقد العضلية هي مجموعة مـن الألياف العضلية المتقلصة بين مجموعة أخرى من الألياف العضلية السليمة، ويحتفظ هذا الجزء المتقلص أو العقد العـضلية بداخلها بالمواد الناتجة عـن الاستقلاب، والتي تهيج الأعصاب والأوعية الدموية الصغيرة، التي تمر خلالها، وربما تسبب أيضاً الألم في مناطق أخرى من الجسم، كما يمكن أن تتسبب في حدوث الصداع والأرق وقلة النوم والاكتئاب واضطرابات القولون، كما وجد أن هذه العقد العضلية تتكون بسبب الإجهاد العضلي الزائد، القلق، أو بسبب مشكلات العمود الفقري مثل الانزلاق الغضروفي أو الخشونة وتآكل الغضاريف، وفي كل هذه الحالات يكون سبب الألم هو وجود هذه العقد والتي تتسبب في قصر طول العضلات وبالتالي الأوتار وتظل هذه العقد موجودة ربما لمدة سنوات، ويظل المريض في معاناة شديدة يذهب من طبيب لآخر إلى أن يتم تشخيص هذه العقد العضلية وعلاجها والتخلص منها، وحينئذ تزول هذه الآلام، وتعد الطريقة الفاعلة للتخلص منها هو الحقن الموضعي الذي يعمل على إزالة هذه العقد، وإعادة العضلات وأوتارها لطولها الطبيعي وتخليص العضلات من المواد المتراكمة المسببة للألم.
تضيف: الحقن هو علاج آمن، وليس له أي أضرار أو آثار جانبية، بشرط أن يتم بالطريقة الصحيحة، ولابد أن يعقبه تمارين تقوية وإطالة للعضلات، مع الحرص على تعديل وضعيات الجلوس والوقوف لتقليل الأحمال على العمود الفقري والأعصاب، وهذا يعد أكثر أماناً وفاعلية من استعمال المسكنات أو الكورتيزونات التي تؤثر في الجسم وتضر المعدة والكبد والكلى.
إصابات العمود الفقري
يذكر الدكتور عادل الرجولة مختص العلاج الطبيعي للعمود الفقري والمفاصل والإصابات الرياضية، أن إصابات العمود الفقري تختلف عن أمراض العمود الفقري، وهي في الغالب تنجم عن حدوث كسر نتيجة لحادث ما أو سقوط أو خلع أو تمزق في المفاصل والأربطة، والتي تصل في بعض الأحيان للفقرات، وعادة ما تترافق هذه الإصابات مع رضوض في الرأس، الصدر، البطن، والأطراف، وربما لا تكتشف إلا في مراحل متأخرة، أوعند حدوث مشاكل ومضاعفات، وفي الغالب يشكو المريض من آلام خاصة عند تحريك المنطقة المصابة، ووجود أذية في الحبل الشوكي، أو الأعصاب؛ حيث إنه سيعاني ضعفاً أو شللاً في الأطراف أو تنميلاً وخدراً أو فقداً للحس في اليد أو الرجل، ومن أكثر الأسباب التي تزيد من تأزم الحالة هو تجاهل الآلام، ما يجعلها صعبة التحكم والعلاج، وتتطلب مراحل متقدمة كالجراحة؛ ولذلك يجب على كل شخص يشعر بعدم الارتياح، والقدرة على ممارسة نشاطه اليومي بشكل طبيعي، أن يتجه للطبيب المختص ليكشف عن الأسباب التي تحول بينه وبين نمط حياته المعتاد، خاصة في وجود تنميل في الأطراف أو القدمين.
أمراض العمود الفقري
يبين د.عادل أن أمراض العمود الفقري وآلام المفاصل تعد من أكثر الأمراض الشائعة في الوقت الحالي، والتي يطلق عليها أمراض العصر، وهي لا تقتصر على فئة عمرية معينة كما يعتقد البعض، وإنما تنتشر بين الكثير من الأشخاص؛ نتيجة نمط الحياة غير الصحي والجلوس الخاطئ، وممارسة تمارين أو رياضة معينة غير مناسبة؛ ولذلك فإن مضاعفات الإصابة بأمراض وإصابات كثيرة ومتعددة، ويعتمد علاجها على تشخيصها ونوعها، وتتمثل في: الديسك، الانزلاق الغضروفي، هشاشة عظام الفقرات المكونة له، وضيق القناة الفقارية أو اعوجاج في العمود الفقري، يتم علاج هذه الإصابات عادة في البداية بشكل طبيعي أي يدوي، وهذا في حال الكشف عنها مبكراً وزيارة الطبيب المعالج، وربما تتأزم بعض الحالات محدثة ألماً حاداً، وعدم قدرة على الحركة؛ وذلك نتيجة لإهمال وتجاهل الآلام البسيطة، التي كان يشعر بها الشخص منذ وقت، وتشتمل أعراض هذه المضاعفات على: حدوث آلام في أسفل الظهر تمتد إلى الرجلين، الإحساس بالانزعاج أثناء الجلوس لفترات طويلة، الشعور بالألم لمجرد حمل وزن خفيف، شعور ألم في منطقة الأضلاع والقفص الصدري، وآلام أسفل الظهر والآلام القطنية، والتي تمتد لتصل لعضلات الأرداف والساقين.
نصائح وقائية
يفيد د.عادل بأن أساليب العلاج تختلف باختلاف المشكلة التي يعانيها المريض، فهناك مضاعفات لا تستوجب أكثر من أخذ قسط من الراحة لعدة أيام، وتجنب الحركات العنيفة، وبذل الجهد الكبير، ومنها ما يتم علاجه يدوياً أو بطريقة ميكانيكية، وهناك أيضاً العلاج بالأساليب الحديثة المتقدمة، التي تمزج بين العلاج الطبيعي وتتمثل في الإبر الجافة، الليزر، والموجات الفوق صوتية، وتعد الجراحة آخر العلاجات التي يلجأ إليها الطبيب؛ حيث إنه يتم اللجوء إليها في حال التأكد من عدم استجابة المريض لأي طريقة علاجية أخرى.
الانزلاق الغضروفي
عن معالجة أسباب حدوث الانزلاق الغضروفي أو«الديسك»، يوضح الدكتور سوميت باترا، مختص جراحة العظام، أن هناك عدداً من العوامل التي يمكن أن تزيد الضغط والشدّ على العمود الفقري مثل الانحناء بشكل ملتوٍ، والوظائف التي تنطوي على رفع الأغراض الثقيلة أو رفعها بشكل غير صحيح، والوظائف التي تتطلب الجلوس لوقت طويل، ولا سيما القيادة، والوزن الزائد أو السمنة، والرياضة التي تعتمد على حمل الأوزان، مثل رفع الأثقال، والإصابة المؤلمة في الظهر، كالسقوط أو التعرض إلى حادث، كما يلعب التدخين دوراً أيضاً في ذلك؛ حيث يؤدي إلى فقدان الأقراص مرونتها الطبيعية أو إضعاف نسيجها.
يستكمل: مع التقدم في العمر، تبدأ أقراص العمود الفقري بفقدان محتواها السائل، ما يجعلها أقل مرونة وأكثر عرضة للتمزّق، يحدث الانزلاق الغضروفي عندما يتمزق الغشاء الخارجي للقرص، ما يؤدي إلى انتفاخ داخل الهلام خارج القرص، كما يمكن للقرص التالف الضغط على الحبل الشوكي بأكمله أو على عصب واحد، أو أن يتسبب القرص المنزلق في حدوث ألم في منطقة القرص البارز وفي منطقة الجسم التي يتحكم فيها العصب الذي يضغط عليه القرص.
أعراض الانزلاق الغضروفي
يشير د.سوميت أن معظم الأشخاص الذين يعانون الانزلاق الغضروفي يعانون أيضاً أعراضاً مثل الألم في الظهر، الذي يبدأ ببطء ويزداد سوءاً مع مرور الوقت، كما يمكن أن يتسبب انزلاق في غضروف الرقبة في حدوث آلام بها، أو تنميل أو إحساس بالوخز في الرقبة أو الكتف أو الذراع أو اليد وضعف في عضلات اليد، في حين أن الانزلاق الغضروفي في أسفل الظهر يمكن أن يسبب آلام الظهر أو التنميل أو الإحساس بالوخز في الظهر أو الأرداف أو الأعضاء التناسلية أو الساقين أو القدمين والضعف في عضلات الساق أو القدم، ومن المضاعفات التي يمكن أن تحدث للمريض هي:
• العصب الوركي الذي يمتد من الجزء الخلفي من الحوض، من خلال الردفين وأسفل الساقين إلى القدمين، وإذا كان القرص المنزلق يضغط على العصب الوركي، فربما يؤدي إلى ألم في الساق أو الورك أو الردفين، وهذا هو العارض المعروف باسم عرق النسا.
• متلازمة ذنب الفرس هي حالة خطرة؛ حيث يتم ضغط الأعصاب في أسفل الحبل الشوكي، ويمكن أن تشمل الأعراض آلاماً أسفل الظهر، تنميلاً في الفخذ، شللاً في إحدى الساقين أو كلاهما، وفقدان السيطرة على الأمعاء أو المثانة. وهنا يتوجّب على المرء أن يطلب المساعدة الطبية الفورية؛ لأن الأعصاب المتحكمة بالمثانة والأمعاء يمكن أن تتضرر بشكل دائم إذا لم يتم علاجها على الفور.
علاج الانزلاق الغضروفي
يذكر د. سوميت أن علاج الانزلاق الغضروفي عادةً ما يشمل على مجموعة من العلاجات الطبيعية والأدوية مثل: مسكنات الألم ومستحضرات تليين العضلات لتخفيف الألم، كما يمكن أيضاً إعطاء حقن الكورتيزون في العمود الفقري السفلي للمساعدة في تقليل الألم والالتهاب، وربما يُنظر في الجراحة لتحرير العصب المضغوط وإزالة جزء من القرص المنزوع في الحالات الشديدة، أو إذا استمر الألم لمدة أطول من ستة أسابيع مع وجود ضعف تدريجي في العضلات، الهدف من الجراحة هو قص قطعة القرص المنتفخة، هذا هو المعروف باسم «استئصال القرص» ويمكن القيام به في عدة طرق، منها استئصال القرص المجهري، أو بالمنظار، استبدال القرص بقرص اصطناعي.
يضيف: ربما يحتاج المريض بعد الجراحة، للراحة التامة في أول يومين لتسريع عملية الشفاء وضمان ممارسة التمارين الرياضية بشكل لطيف وعدم وضع ضغط على الظهر، وتعد السباحة مثالية من الطرق التي تساعد على العلاج؛ حيث إن الماء يدعم الوزن ويضع ضغطاً قليلاً على المفاصل الأخرى.
تشخيص الانزلاق الغضروفي
يعد الفحص بالرنين المغناطيسي (MRI)له فاعلية عالية في تشخيص موضع وحجم الانزلاق الغضروفي، ويمكن من خلاله أيضاً تحديد الأعصاب المصابة، كما أن الفحص المقطعي يؤدي إلى تحديد أحد الأقراص المنزلقة، أما الأشعة المقطعية، فعلى الرغم من عدم فاعليتها في كثير من الأحيان، فمن الممكن أيضاً أن توضح مكان القرص المنزلق، أما الأشعة السينية، فتستخدم بشكل عام كاختبار للبحث عن الأقراص المنزلقة؛ حيث إنها لا تظهر سوى العظام ولا توفر رؤية للأعصاب والحبل الشوكي.
راندا جرجس – جريدة الخليج