عبد السلام طويل – مسارات https://www.massarate.ma مسارات للرصد والدراسات الاستشرافية Mon, 12 Apr 2021 10:37:28 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.1.6 دور التعددية الثقافية في تعزيز الوحدة الوطنية https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9.html#respond Tue, 22 Sep 2015 09:55:29 +0000 http://www.massarate.ma/?p=41275 انتهى بنا التحليل في الحلقتين السابقتين إلى أن التعددية الثقافية تعبر عن الكيفية التي يتعين بمقتضاها إرساء بنيان التضامن السياسي والاجتماعي في مجتمع متنوع ثقافيا، بما يكفل احترام مكونات هذا التنوع والتكيف معها. وسعيا لبلورة هوية سياسية جامعة، لابد من جذب مختلف الجماعات الفرعية باتجاه الاندماج المؤسساتي، وهو الاندماج الذي يعمل تدريجيا على توليد الشعور بالانسجام أو التطابق النفسي بين مختلف هذه المكونات الثقافية الفرعية والثقافية الجامعة، مع ما يستتبعه ذلك من تحديات تعكسها الخبرة الأوروبية المعاصرة.

 ذلك أن المؤسسات العامة تجمع المنتمين إلى شتى الجماعات الفرعية، فتكون هذه المؤسسات ذات امتدادات متشعبة شاملة المجالين الشخصي والسياسي لأعضائها؛ فعلى الصعيد الشخصي، تعنى هذه المؤسسات بتلاقي الناس من مختلف الانتماءات، فيوطدون، بذلك، علاقاتهم المتبادلة التي ترتبط على نحو وثيق الصلة بحياة هذه الجماعات في بيئاتها وأماكن تواجدها. أما على الصعيد السياسي، فتعنى  تلك المؤسسات بتعليم الناس كيفية التعامل والتعايش والتفاوض مع بعضهم البعض، رغم اختلافاتهم..

وهكذا، سينتهي المطاف بالاندماج المؤسساتي، بفعل عامل الزمن، إلى بلورة مِزاج عام يوحد الجماعات الثقافية التي تعيش على رقعة جغرافية معينة، بحيث يتحول إلى ثقافة مشتركة تتعايش بموجبها الجماعات الثقافية. فيتكون لدى أعضائها حِسُّ الانتماء إلى وطن مشترك ومؤسسات سياسية مشتركة. ومع ازدياد نطاق هذه الهوية المشتركة ورسوخها، ستختفي بمرور الزمن وضعية الأكثرية – الأقلية، لنكون أمام واقع قائم على أساس الهوية المشتركة التي تعبر عن جميع مكوناتها دون فقدان الأخيرة لخصوصياتها الثقافية.

لقد تميزت الكتابات المبكرة بتناولها لموضوع التعددية الثقافية بصورة مباشرة، بحيث ركزت على أهمية الانتماء الثقافي للجماعة وخصوصيتها الثقافية، سواء باعتبارها من “الموروث النفسي-الجسدي” الذي لا يقبل التغيير والتحويل لدى “كولين”، أو من منطلق أن استمرارية هذا الموروث وتناميه سيفاقم من مشكلة كيفية “التعايش بين الجماعات الفرعية المتباينة”، وهي المشكلة التي شدد هوبهاوس على ضرورة معالجتها قبل انفلاتها وتهديدها لوجود الدولة-الأمة نفسها.

والحاصل، أن هذا النقاش الفكري يقع، بالأصالة، ضمن الإطار المرجعي للفكر الليبرالي، من منطلق أن الاتجاه المدافع عن الجماعات الثقافية الفرعية يعد في الجوهر اتجاها ليبراليا ناقدا لليبرالية الفردية التي تمثل الاتجاه المهيمن في الفكر الليبرالي المعاصر، وفي نفس السياق، تندرج نظرية ما بعد الحداثة والنسبية الثقافية، وهي اتجاهات جديدة تتميز بتركيزها على أهمية الجماعات والولاءات الجماعية، فضلا على نقدها الحاد لليبرالية الفردية وأسسها الفكرية.

ففي المرحلة الأولى تم التركيز على نقد الأساس الفكري لليبرالية المتمثل في الفردية ومفهوم الذات، وذلك من خلال الرفع من مكانة الجماعة باعتبارها صاحبة المقام الأسنى مقارنة بالفرد. سعيا لإصلاح الاختلال الحاصل في المجتمعات الغربية على مستوى العلاقة بين الجماعة والفرد؛ بما يحقق صالح الفرد والجماعة معا.

 ثم تطور التداول في المرحلة الثانية سعيا للتوفيق وتحقيق الانسجام اللازم بين الحقوق الجماعية والفردية، وإقامة نوع من الشراكة المتكافئة بين الأكثرية المهيمنة والأقليات. أما منذ تسعينيات القرن العشرين، فقد انصب التداول الفكري حول إعادة تقييم مشروع بناء الدولة-الأمة والكيفية التي يجب أن تتعامل بموجبها هذه الدولة مع الأقليات. وأساس ذلك هو أن المساواة والحرية على المستوى الفردي لم تعودا كافيتين لتلبية مطالب الجماعات الفرعية، لأن الوعي بالتباين الثقافي لدى هذه الأخيرة أصبح من القوة بمكان نتيجة السياسات المتبعة في مشروع بناء الدولة-الأمة بصورة عامة.

وهكذا يبدو أن هذا التوجه المتزايد في أوساط النخب الغربية بمثابة تراجع فكري نحو تبني الطروحات الليبرالية التي سادت في فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث تم فيها التركيز على حقوق الأقليات ومبدأ تقرير المصير، ولكن مع تسجيل فارق أساسي مفاده أن الغرض من ذلك إبان تلك الفترة كان متمثلا في استخدام حقوق الأقليات كأداة رئيسية لتفكيك الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية-المجرية، ثم الحؤول دون قيام مثل هذه الدول مجددا، وذلك من خلال التدخل في شؤونها الداخلية، وتسييس أقلياتها، بهدف تصفية كيانها السياسي لاحقا. أما في يومنا الراهن، فإن النخب الغربية تعمل على تبني التعددية الثقافية بهدف المحافظة على كيان الدولة-الأمة ومنعها من الانهيار.

د.عبد السلام طويل

رئيس تحرير مجلة الإحياء

أستاذ زائر بكلية الحقوق، جامعة محمد الخامس/ السويسي / سلا

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9.html/feed 0
“التعددية الثقافية”: نظرية سياسية أم أيديولوجيا؟ https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%b8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d9%85.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%b8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d9%85.html#respond Tue, 08 Sep 2015 11:07:39 +0000 http://www.massarate.ma/?p=40964 تعد التعددية الثقافية من قبيل الاتجاهات الفرعية في الفكر الليبرالي التي تندرج تحديدا ضمن إطار “الليبرالية الاجتماعية”. ويمكن تقسيم هذه الاتجاهات الفرعية بدورها إلى نوعين من مستويات الالتزام بالتعددية: حيث يعرف النوع الأول باتجاه التعددية الثقافية الصلبة، تلك التي يدافع عنها كيملكا وتايلور ووالزر، حيث يتم التشديد في ظل هذه التعددية الثقافية على حقوق المواطنة المتميزة أو الخاصة لصالح الأقليات، وذلك استنادا إلى الثقافة التي تنتمي إليها كل منها. حيث يعمد أنصار هذا النوع إلى الدفاع عن الحقوق الثقافية للأقليات، مع المحافظة على التزامهم بالليبرالية في الوقت ذاته كل تبعا لاتجاهه الفرعي. أما النوع الثاني، فيتعلق بالتعددية الثقافية الرخوة، ويدافع عنها أكيرمان.

ومن جهة أخرى، فإن التعددية الثقافية تعد في عمقها تجربة حياة، وتجربة عيش في كنف مجتمع أقل انعزالية وضيقا في الأفق، وأكثر حيوية وتنوعا ولو كان أقل تجانسا. فالتعددية الثقافية، بهذا المعنى، تنشأ من تجربة العيش المشترك في مجتمع تعددي ومتسامح فكريا، له تكوين متنوع من الوجهة الثقافية والاجتماعية، وهو التكوين الذي يجعل الموقف من شتى التشكيلات الثقافية الفرعية موقفا متفتحا وإيجابيا، يقوم على تكريم الناس وتقديرهم واحترام حقهم في اختيار طريقة الحياة التي تناسبهم وتعبر عن هويتهم بما لا يخل بوحدة الجماعة وانسجامها..

فالتعددية الثقافية، ضمن هذا التصور، تحيل إلى منظور فكري، وإلى آليات محددة للتعامل مع الواقع المجتمعي المتنوع، بما يسمح بالمشاركة في الشأن العام وصناعة القرار لصالح مختلف المكونات الثقافية الفرعية داخل الجماعة، والاعتراف بإسهاماتها المميزة في المجتمع.

ترتقي التعددية الثقافية في الأدبيات السياسية والسوسيولوجية المعاصرة كشرط محدد للعيش المشترك إلى مستوى المفهوم الإجرائي الذي يسعى إلى التدبير العقلاني والوظيفي لواقع التعدد والتمايز الثقافي في كنف المجتمع الواحد، كما يسعى إلى قبول ورضا كافة تلك المكونات بواقعها المجتمعي المتعدد والاعتراف به رسميا، من خلال النظر إليه كمحصلة ناجمة عن تراكمات تاريخية وثقافية تتميز بقدر كبير من الرسوخ.

وبناء على هذا الاعتراف، يتم إقرار آليات محددة في كيفية التعامل مع هذا التنوع الثقافي. وفي حالة تحقق مثل هذا الاعتراف وتلك الآليات، يجري وصف المجتمع بكونه مجتمعا تعدديا يتبنى التعددية نهجا للتسامح والتعايش بين مختلف مكوناته الثقافية، بينما مفهوم التنوع الثقافي يشير إلى تنوع الواقع المجتمعي وتعدد مكوناته الثقافية ليس إلا.

وفي مستوى ثالث؛ تتحدد التعددية الثقافية بكونها سياسة عامة معنية بتلبية احتياجات الجماعات الثقافية على صعد التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.

من خلال ما سلف؛ نخلص إلى أن التعددية الثقافية تتحدد بكونها أولا نظرية تفسيرية تسعى إلى عقل الواقع الاجتماعي المتعدد، وثانيا بكونها سياسة في التعامل مع التنوع الثقافي، بحيث تستند إلى فكرة المشاركة الجماعية الديمقراطية من طرف مختلف الجماعات الثقافية على أساس المساواة والعدالة الثقافيتين، والاعتراف رسميا بكون تلك الجماعات متمايزة ثقافيا، ومن ثم تطبيق ذلك عمليا من خلال سياسات محددة تسعى إلى مساعدة تلك الجماعات وتعزيز تمايزها الثقافي في كنف الأمة الجامعة.

فمع أن التعددية الثقافية تعد، من وجهة نظر البعض، بمثابة أيديولوجيا؛ أي “نسقا من المعتقدات المترابطة والمنظمة”، إلا أنها تظل قابلة، مع ذلك، للتشكيك والدحض. فهي تركز اهتمامها تحديدا على كيفية التعامل مع التنوع الثقافي داخل الدولة، وطبيعة علاقة الدولة بمكوناتها الثقافية، وماهية المرجعية الفكرية التي ينبغي الركون إليها لضمان شرط المعاملة العادلة مع سائر مكوناتها. فهي بإيجاز من قبيل النظريات السياسية لا الأيديولوجيات.

د.عبد السلام طويل

رئيس تحرير مجلة الإحياء

أستاذ زائر بكلية الحقوق، جامعة محمد الخامس/ السويسي / سلا

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%b8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d9%85.html/feed 0
التعددية الثقافية وتدبير الحاجة إلى الاختلاف والاعتراف – 1 https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89.html#respond Tue, 01 Sep 2015 10:29:21 +0000 http://www.massarate.ma/?p=40730 بالإمكان أن نستشكل مسألة التعددية الثقافية في صلتها بالدولة على الشكل التالي: إذا كانت الدولة واحدة، والواقع المجتمعي متنوعا ثقافيا؛ فهل من الواجب جعل هذا الواقع انعكاسا لوحدة الدولة أم جعل الدولة انعكاسا للتنوع الثقافي؟ هل يتعين إخضاع التعددية الثقافية للمجتمع إلى منطق أحادية الدولة الصارم، وذلك بغية الحفاظ على استمرارية تماسك الدولة والحؤول دون انقسامها وتصدعها؟ أم أن هذه الاستمرارية وهذا التماسك يتعين أن يتحقق من خلال الاعتراف بواقع التعددية ضمن الوحدة وبما يعززها؟ كيف يمكن المواءمة بين ضرورة الوحدة السياسية والتضامن المجتمعي من جهة، وأهمية التنوع الثقافي من جهة أخرى؟

سنرى من خلال هذه التأملات كيف أن الخيار الأمثل يتمثل في السعي إلى صياغة نظرية معاصرة تنتهج نهجا وسطا للتوفيق بين كلا الاتجاهين، من منطلق أن وحدة الدولة لا تقتضي أُحادية ثقافة المجتمع، وأن التنوع الثقافي لا يفضي بالضرورة إلى تشظية الدولة وانقسامها. وتعرف هذه النظرية بتسمية “التعددية الثقافية” Multiculturalisme. وهي من قبيل نظريات ما بعد الحداثة التي تتميز بتركيزها على أهمية الوعي بالذات الجماعية..

إن مبدأ التعددية لا يتحقق إلا من خلال الإيمان بوجود العديد من طرق الحياة العقلانية التي تسمح لنا بأن نعيش حياة كريمة. كما يتحقق من خلال القدرة على الاختيار الحر لنمط الحياة الإنسانية الذي يليق بنا كبشر. علما أن التعددية والتنوع إنما يكونان في إطار الوحدة الجامعة والروابط المشتركة؛ فالشرائع المتعددة، على سبيل المثال، “لا تتأتى تعدديتها إلا في إطار الدين الواحد، والحضارات المتعددة لا تتأتى تعدديتها إلا في إطار المشترك الإنساني العام. وبذلك، فإن التعددية هي تنوع قائم على تميز وخصوصية، فهي لا يمكن أن توجد إلا بالمقارنة بالوحدة وضمن إطارها، فلا يمكن إطلاق التعددية على التشرذم والقطيعة التي لا جامع لآحادها، ولا على الأحادية التي لا أجزاء لها”.

ضمن هذا المنظور، يوظف المفهوم باعتباره مفهوما جامعا يستبطن مجموعة كبيرة من السياسات المعنية بتوفير مستوى معين من الاعتراف الرسمي والدعم للجماعات الفرعية غير المهيمنة، سواء أكانت تلك الجماعات من المهاجرين أو الأقليات القومية أو السكان الأصليين.

تستخدم الأدبيات المعاصرة مصطلح “التعددية الثقافية” كمصطلح شامل يغطي مساحة واسعة من السياسات التي تستهدف توفير مستوى معين من الاعتراف العام، ومساندة مختلف الثقافات الفرعية الأمر الذي يستوجب بلورة أنواع مختلفة من السياسات لأنواع مختلفة من الجماعات الثقافية الفرعية.. وهكذا يتصل مفهوم التعددية الثقافية اتصالا وثيقا بمفهوم “سياسة الاختلاف”، وهو المفهوم الذي بمقتضاه يتعين “معاملة الأشخاص المختلفين بشكل مختلف نسبيا وفقا لثقافتهم المميزة.”

كما أن التعددية الثقافية تقوم على افتراض أن سياسات الاعتراف ومساندة التنوع الثقافي من شأنها أن “توسع مجال الحرية البشرية” و”تقوي الحقوق الإنسانية”، وتخفف من التراتبية العرقية والعنصرية، وتعمق الديمقراطية والعيش المشترك.

ومع ذلك، فإن التعددية الثقافية، من منظور ليبرالي، تعد ظاهرة أكثر تعقيدا مما يعتقد الكثيرون، وهي ليست مبدأ واحدا أو سياسة واحدة، وإنما هي مظلة تستوعب أساليب تختلف بشكل كبير من تجربة إلى أخرى، كما أن كل واحد من هذه الأساليب يتميز بتعدد أبعاده وتعقدها، مثلما تتميز بتعدد تطبيقاته.

والدليل على ذلك أن تطبيقات التعددية الثقافية لم تعد تنحصر في الأبحاث والدراسات الثقافية والفلسفية، وإنما تعدت ذلك إلى الجوانب التربوية والتعليمية، حيث جهد دعاة التعددية الثقافية لإحداث تغييرات عميقة في طريقة تفكير المجتمعات الغربية وتعاملها مع الأقليات القومية والإثنية والدينية، ثم تحويل طروحات المساواة الثقافية والنسبية الثقافية والحقوق الجماعية وغيرها إلى فلسفة عامة لهذه المجتمعات، لتنعكس مضامينها الفكرية في الحياة اليومية، لتغدو التعددية الثقافية، تبعا لذلك، بمثابة منهج للحياة والتفكير، لا مجرد طريقة لتدبير التنوع الثقافي.

د.عبد السلام طويل

رئيس تحرير مجلة الإحياء

أستاذ زائر بكلية الحقوق، جامعة محمد الخامس/ السويسي / سلا

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89.html/feed 0
في الحاجة إلى الشورى https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%88%d8%b1%d9%89.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%88%d8%b1%d9%89.html#respond Wed, 09 Apr 2014 11:09:15 +0000 http://www.massarate.ma/?p=33131 ما دامت رؤية الناس للخير والشر تتغير تبعا بتغير العقائد والمجتمعات والتطورات الاقتصادية والسياسية فلا يمكنهم أن يهتدوا إلى نظام مستقر ثابت الدعائم. ووعيا من الهدي القرآني بهذه الحقيقة ومراعاة منه لها فقد “بين للناس أن مقياس كل مصلحة هي الخلق المستمد من الفطرة والقائم على أساس العمل لمرضاة مثل أعلى هو غاية الإنسان من الحياة ومن العمل”.

ومن هنا تنبع الحاجة الماسة لتفعيل مقصد الشورى باعتبارها “ألفة للجماعة، ومسبارا للعقول، وسببا إلى الصواب..” كما ذهب إلى ذلك الفقيه المالكي أبي بكر بن العربي في أحكامه؛ خاصة وأن الشورى فضلا عن إسهامها في التمييز بين الخير والشر بين الصواب والخطأ،  فإنها تسهم في الموازنة والمفاضلة بين صواب وأصوب، وحسن وأحسن من أجل اتباعه والأخذ به ما أمكن.

ولأن الشورى، في امتدادها الأفقي والعمودي الذي يشمل النظام الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والسياسية في كليتها، عادة ما تؤدي إلى تلافي الخطأ واجتنابه، و تحري الصواب والتمسك به، أو إلى الارتقاء إلى درجات الصلاح والإتقان الممكنة من خلال الإفادة من مختلف الآراء والاجتهادات؛ وهي بذلك تسهم في سداد قراراتنا واجتهاداتنا وتحالفاتنا وسياساتنا وسائر أضرب تصرفتنا.

وفي هذا السياق نجد إجمالا مكثفا لوظائف الشورى ومقاصدها فضلا عن الوصول إلى الصواب والأصوب، والحسن والأحسن في: الخروج من الأهواء والاعتبارات الذاتية، ترسيخ قيم النسبية والتواضع، تحقيق العدالة والإنصاف، إشاعة مناخ الحرية والمبادرة وتحرير الطاقات في البناء والإبداع، وتنمية القدرة على التفكير والتأمل، والتحفز لتنزيل ما تم التشاور حوله، والعمل على دعمه والدفاع عنه، وإشاعة مشاعر الألفة وتعزيز مطالب الوحدة، والاستعداد لتحمل التبعات والنتائج مهما كانت سلبية، الإسهام في تدبير الاختلاف والتنازع، ومنع الاستبداد والطغيان. كما تسهم في إطالة عمر نظام الحكم وضمان استقراره من خلال تجديد الإجماع حوله..

وبالمقابل فإن كلفة غياب مقصد الشورى عن حياة الأمة تكون بالغة الوخامة لأن غيابها يفضي، لا محالة، إلى التفرد والتعسف والظلم والطغيان والأثرة..ولأن الشورى نقيضة الاستبداد؛ فما أن تحل وتترسخ وتسود في صياغة السياسات العامة للجماعة الوطنية حتى يضمحل الاستبداد ويغيب، وما أن تغيب الشورى حتى يخيم الظلم ويعم الطغيان إيذانا بأفول الحضارة والعمران.

والحق في ممارسة الشورى، كمدخل للإسهام في تدبير الشأن العام للجماعة الوطنية، مثلما يؤدي إلى حماية الشعوب من استبداد حكامها وسوء تدبيرهم للشأن العام، فإنه يؤدي إلى حماية الحكام أنفسهم من نزعة الاستبداد ومن القابلية للاستبداد.

وهي القابلية التي تتسع كلما اتسع الفراغ الدستوري والمؤسسي الشوري الضامن للحقوق والحريات العامة؛ استلهاما لروح الشريعة وتحقيقا لمقاصدها الكلية في العدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية..كما أن هذه القابلية تتسع كلما تجاهل ذوي الأمر حقيقة أن السلطة بطبيعتها تغوي على حد تعبير صاحب “روح القوانين” منتيسكيو.

ومن حسنات انفتاح الفقه السياسي الإسلامي على الفكر السياسي الحديث الارتقاء بالشورى من مجرد استبانة الرأي إلى حيازتها لقوة الإلزام القانوني. وسلطتها في تحديد الإطار القانوني الذي بمقتضاه يتم رسم السياسات العامة للدولة من خلال المؤسسات التشريعية.

ولا شك أن تفسير الاستمرارية التاريخية التي تميز نظام الملكية بالمغرب يعود، أول ما يعود، إلى تمثله لمبدأ الشورى؛ باعتبارها منظومة للقيم، وآليات لتدبير الشأن العام للجماعة الوطنية: خبرة تاريخية شورية معيارية تعززت بمنظومة دستورية قانونية ومؤسسية ديمقراطية حديثة..

د.عبد السلام طويل

رئيس تحرير مجلة الإحياء

أستاذ زائر بكلية الحقوق، جامعة محمد الخامس/ السويسي / سلا

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%88%d8%b1%d9%89.html/feed 0
دور الإصلاح الدّينيّ في تكييف العلاقة بين السّياسة والدّين https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%91%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%91-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%83%d9%8a%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%91%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%91-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%83%d9%8a%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9.html#respond Tue, 25 Feb 2014 09:54:35 +0000 http://www.massarate.ma/?p=32444 بدعوة كريمة من “منتدى حوار الحضارات والأديان والثّقافات” بدولة تونس الشقيقة، ومؤسّسة كونراد أيدناور شرفت بالإسهام بمداخلة حول موضوع: “دور الإصلاح الدّينيّ في تكييف العلاقة بين السّياسة والدّين: دراسة مقارنة بين التّجربة الغربيّة والتّجربة العربيّة الإسلاميّة”، وذلك ضمن ندوة علمية دولية حول:”الدّين وثقافة الدّيمقراطيّة ومفهوم الدّولة: الإشكاليّات والمقاربات” شاركت فيها نخبة متميزة من الباحثين من فرنسا وإيطاليا وألمانيا و المغرب والجزائر والبلد المضيف تونس.

وقد حاولت أن أبرز في ورقتي كيف أن الإصلاح الديني يمثل مدخلا حاسما في تدبير العلاقة بين الدين والسياسة باعتبارها علاقة تاريخية، وذلك انطلاقا من منظور مقارن خلصت من خلاله إلى أن الحداثة السياسية المعاصرة تجد أصولها التكوينية في الدين نفسه.

وفي هذا الإطار أوضحت كيف أن إصلاح الشأن الديني بالمغرب أسفر عن تكييف وظيفي مقاصدي ناجع للعلاقة بين الدين والسياسة انطلاقا من مؤسسة إمارة المؤمنين باعتبارها قطب الرحى للمؤسسات الدستورية الوطنية، ومصدر توافق وإجماع بين مختلف النخب بما فيها النخب الحداثية..

كما خلصت إلى أن المحددات التي حكمت هذه العلاقة في المجتمعات الإسلامية الحديثة تكاد تمثل مسارا معكوسا لما شهدته المجتمعات الغربية المسيحية منذ القرن السادس عشر؛ وتفسير ذلك أن مرحلة السيادة الدينية الإسلامية الوسيطة شكلت مرحلة بناء للإمبراطورية وتأكيد استقلالية الدولة والسلطان، وتأكيد مدنية رجل الدين.. كما شكلت مرحلة مفاصلة وتمييز واضح بين صلاحيات مجال الدين ومجال السياسة، وذلك بموازاة تمايز العلوم العقلية عن العلوم الدينية واستقلالها عنها.

وهو المعطى التاريخي والحضاري الذي جعل العصر الإسلامي الوسيط ينعت بعصر الازدهار والتنوير على النقيض من العصور الوسطى الأوروبية التي عادة ما توسم بعصور الظلمات التي تضافر فيها الاستلاب الديني النابع من طغيان الكنيسة والفكر اللاهوتي، بالاستلاب السياسي المرتبط بضعف الدول الملكية، ونـزعات الملوك والأمراء المتواصلة وهشاشة سلطاتهم، وبالاستلاب الاقتصادي والاجتماعي الناشئ عن غياب الإبداع والاكتشاف، ونقص المعارف، وسيطرة الجهل والأمية، ونقص التربية والتهذيب المدني والأخلاقي.

بالإمكان أن نفسر هذا الازدهار العلمي والسياسي والاقتصادي الذي طبع العصر الإسلامي الكلاسيكي بانتصار الدولة حتى في صيغتها السلطانية، على احتمال نشوء “كنيسة إسلامية” أو كهنوت إسلامي بما يحيل إليه من “سلطة دينية مركزية ومنظمة تحتكر الشرعية في القول والعمل في كافة مجالات الحياة”، وتفرض على أتباعها التقيد الحرفي بتعليماتها والركون إليها في كل ما يصدر عنهم من فعل أو قول.

وفي هذا الإطار فقد تم اعتبار أن التجربة الحضارية الإسلامية قد شهدت نشوء تقاليد ثابتة في بناء حقل الفضاء العام، وتحديد الصلاحيات الخاصة بعلماء الدين ورجال الحكم، ومجال عمل كل منهم ونفوذه؛ فاختص الفقهاء بالمسائل الدينية والفقهية منها بوجه خاص، واختص الحكام بكل ما يتعلق بميدان السيادة؛ من سلطة وقوانين وقرارات الحرب والسلام وسياسات المال والاقتصاد، والقضاء..

رغم أن السيادة تعود تاريخيا إلى السلطة الزمنية المتمثلة في رجال الدولة، إلا أن السلطتين، في حقيقة الأمر، قد تعايشتا، وهو التعايش الذي أسفر عن تفسير وتأويل للدين مختلف تمام الاختلاف عن حيثيات التجربة المسيحية البابوية؛ نظرا لقيامه على التسامح مع التعددية المذهبية، وتجنب التكفير، والقبول بالاختلاف في التأويل والتفسير للنصوص المرجعية بما فيها القرآن نفسه، كل ذلك في إعلاء واضح لمرجعية العقل.

وهو ما يترجمه ويكثفه، أحسن ما يكون التكثيف، مفهوم الاجتهاد الذي يجعل من العقل شريكا في فهم النص وتأويله، بل شرطا لهذا الفهم، ملغيا بذلك كل شرعية محتملة لسلطة لدنية ملهمة تملك التأويل الصحيح والوحيد للنص، كما يعبر عنها مفهوم العصمة البابوية وأحادية الرأي التي تمثلها..

ويصل التمايز بين التجربتين الحضاريتين والتاريخيتين العربية الإسلامية من جهة، والغربية المسيحية من جهة أخرى إلى الحد الذي يجري فيه نعث المناخ الذي حكم العصر الإسلامي الكلاسيكي بـ”المناخ الليبرالي”؛ بدعوى إتاحته لتبلور “فسحات من الحرية والانعتاق لم تعرفها المجتمعات المسيحية في القرون الوسطى، عمقت عند المؤمن شعورا بالمقدرة على المبادرة والمغامرة دونما خوف”، وفي ظل هذا المناخ الليبرالي لم يعد الدين دافعا لليأس والشك والقلق وعدم اليقين، ولا باعثا على التزهد والانسحاب من الدنيا والانكفاء على دور العبادة.. وإنما أصبح مناسبة لبعث الثقة في الذات..

وكان طبيعيا أن يحرر هذا التأويل طاقات الأفراد ويضفي على الوجود في هذه الحياة قيمة ومكانة أسمى، كما صار من مبادئ الإسلام رعاية شؤون الدنيا والآخرة، وتلبية حاجيات الجسد والعقل والروح معا، ليصبح البحث عن السعادة والطيبات قيمة أخلاقية ومكونا أصيلا من مكونات المنظومة التربوية الإسلامية.. تغذي “نـزوع الأفراد وطموحهم إلى العمل والإنتاج ومراكمة الثروات والاستمتاع بها”، توسيعا لدائرة الإنتاج والاكتشاف والإبداع اللازم لتحقيق كل ذلك.

وهو ما عبرت عنه أجلى تعبير ظاهرة الرحالة المسلمين بحثا عن المعرفة، وكذا تنقلات المتصوفة ارتيادا لعوالم روحية غنية وفريدة. وبالمقابل فإن غياب مثل هذه الحرية الدينية والفكرية كشرط لأية نهضة حضارية هي التي تفسر تحويل القرون الوسطى الأوروبية إلى حقبة مظلمة تفتقر فيها المجتمعات للنظام والاستقرار والمعرفة والحياة المدنية والأخلاقية، كما تفسر استغراقها في “الحروب الداخلية والخارجية والتوسع في سبيل السلب والنهب والسيطرة (الحروب الصليبية)”

ومع أن هذا الازدهار العلمي والفكري الذي طبع العصر الإسلامي الوسيط وميزه عن نظيره الأوروبي حدا بالعديد من الباحثين إلى القول بوجود بذور علمانية في الفكر العربي الإسلامي، إلا أن وجود نـزعات وتوجهات عقلية تعلي من شأن الاجتهاد والرأي على حساب الإتباع والنقل لا يعني بالضرورة وجود العلمانية بالمعنى الحديث للمفهوم.

وتفسير ذلك أن الإشكالية لم تكن مطروحة في الفكر الإسلامي أصلا كما لم تكن مطروحة في الفكر اليوناني الكلاسيكي؛ بفعل غياب أي تحدي موضوعي لسلطة الكنيسة كسلطة طامحة إلى فرض سيادتها العليا على السلطة الزمنية. غير أن هذا لا يعني نفي حقيقة وجود العديد من مظاهر وأشكال التمييز بين السلطتين الدينية والسياسية في التجربة التاريخية العربية الإسلامية، وهو تمييز تم بصورة عفوية وطبيعية طالما استقرت السيادة أو السلطان الأعلى لرجل الدولة لا لرجل الدين..

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%91%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%91-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%83%d9%8a%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9.html/feed 0
تدبير المغرب للتعددية الثقافية https://www.massarate.ma/%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9.html#respond Tue, 21 Jan 2014 13:36:23 +0000 http://www.massarate.ma/?p=32073 تعد التعددية الثقافية تاريخيا محددا بنيويا أساسيا لمختلف المجتمعات الإنسانية،  فالتعددية الإثنو-ثقافية تحيل إلى معطى يمتد بعيدا في التاريخ الإنساني، وهو المعطى الذي عملت العولمة ومختلف الضغوطات التي تمارسها الديناميات المتصلة بتنامي الهجرة والانفجار الديمغرافي على تكثيفه وتسريع وثيرته.

فهي ليست خاصة بالمجتمعات الحديثة، غير أن الجديد في الأمر أن الدولة المعاصرة أمست مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، أن تأخذ بعين الاعتبار التعددية الثقافية التي تميز مجتمعها في إطار سياسة للاعتراف une politique de reconnaissance. والجديد أيضا أن التعددية الثقافية باتت تراهن على إرساء شكل للاندماج السياسي والاجتماعي يختلف عن النموذج الذي أرسيت على أساسه الدول الوطنية.

وهوما استوعبه النظام السياسي المغربي مبكرا؛ حيث اعتمد مبدأ التعددية السياسية منذ أول دستور اعتمدته المملكة بعد الاستقلال، ونصت عليه سائر الدساتير اللاحقة. ولم يكتف المشرع الدستوري المغربي بإقرار هذا المبدأ بصيغة الإيجاب والتأكيد، وإنما شدد على اعتماده بصيغة النفي حينما أكد على أن نظام الحزب الواحد ممنوع بمقتضى القانون.

وفي الخطاب الملكي التاريخي للتاسع من مارس من سنة 2011، قرر جلالة الملك محمد السادس إجراء تعديل دستوري شامل، يرتكز على سبعة مرتكزات أساسية في مقدمتها؛ “التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة”، و”تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور اللأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني”، وكذا “دسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات”..

وهو ما وجد ترجمته القانونية في دستور 2011، الذي أضفى عمقا دستوريا على تعددية أبعاد الهوية الثقافية المغربية في كنف وحدة الأمة، وذلك بتنصيصه في الديباجة على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعا..”.

وهي التعددية التي جاءت محكومة بمحددين اثنين؛ الأول يلتزم بـ”حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء. والثاني يؤكد على “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي، أو الجهوي، أو اللغة أو الإعاقة، أو أي وضع شخصي، مهما كان”.

وفي الفصل الخامس ترتقي التعددية الثقافية إلى مستوى المبدأ الدستوري؛ فبعد تذكيره أن اللغة العربية تظل هي اللغة الرسمية للدولة، وأن هذه الأخيرة تلتزم بحمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها، يؤكد أن الأمازيغية تعد أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

كما يؤكد أن “الدولة تعمل على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.”

ولوضع كل ذلك موضع التنفيد تقرر إحداث “مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره.”

وبهذا تنجلي المعالم الكبرى للفلسفة السياسية التي يندمك عليها المنظور الإستراتيجي الجديد الذي بلوره المغرب بقيادة ملكية حكيمة في مطلع الألفية الثالثة لعلاقة السلطة بالمجتمع في كنف الدولة ووحدة الجماعة الوطنية التي تغتني وتتقوى بتعدد روافدها ومكوناتها ومقوماتها الثقافية والحضارية..

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9.html/feed 0
سؤال الهوية من البعد التعاقدي إلى البعد التعارفي https://www.massarate.ma/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%82%d8%af%d9%8a.html https://www.massarate.ma/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%82%d8%af%d9%8a.html#respond Mon, 16 Dec 2013 10:06:49 +0000 http://www.massarate.ma/?p=31659 يحيل مفهوم “الهوية الثقافية” إلى شعور أفراد جماعة من الجماعات بالانتماء إلى ثقافة مشتركة. فهو يحيل إلى الجماعة وما تؤمن به من معتقدات وأفكار وتصورات، وتمثلات عن أصولها الاجتماعية وموطنها وموروثها التاريخي وطريقة عيشها، وما يترتب عن ذلك من دور فعال في ربط أعضاء الجماعة ببعضهم البعض، على النحو الذي يجعلهم متماثلين في نمط حياتهم، ومعتقداتهم، وكذلك يجعلهم متباينين على ذوي الثقافات الأخرى وأنماط حياتها. وهكذا تنهض الهوية الثقافية بوظيفتين جوهريتين:

1. تكسب أعضاءها؛ حس الانتماء المشترك من خلال تعزيز الاعتقاد بتماثلهم في الأصول والمعتقدات والموروث الثقافي والخبرة التاريخية..

2. تقوم بدور المصفاة، وذلك بفرز كل ما لا ينتمي إليها وتمييزه عنها؛ فهي بذلك تميز بين المنتمين إليها وغير المنتمين إليها. وبذلك فإن الهوية الثقافية لا تتحدد إلا من خلال تباين الذات وتمايزها عن “الآخر”.

وفي هذا السياق فإن سؤال الهوية عادة ما ينطرح لدى الأيديولوجي والسياسي في سياق وظيفي يستهدف الحشد والتجيش لتشكيل قوة إستراتيجية أو قوة سياسية أو مجرد جماعة ضغط لانتزاع مطالب محددة.

وبهذا فإن سؤال الهوية يستدعي طرح أسئلة فرعية أساسية:

– “من نحن؟”؛ بحيث كلما كانت هناك أزمة هوية ناتجة عن ظرفية اقتصادية، سياسية أو اجتماعية كلما أخذ هذا التساؤل بعد إستراتيجيا.

واقتضى الأمر إيجاد جواب ناجع عن هذه الوضعية من خلال حشد الناس ضمن مجموعة من المثل والرموز والقيم والمطالب..

غير أن سؤال “من نحن؟” يستهدف، أبعد من عملية الحشد وأبعد من ضرورة التعارف بين الأصدقاء بتحديد الأعداء.

ولذلك فإن سؤال “من نحن؟” في غياب فلسفة غيرية من شأنها أن تأخذ صيغة: “من هو عدوي؟”.

وهكذا يغدو هذا السؤال إقصائيا بشكل جوهري؛ بحيث نجده يقسم الناس، من الناحية الأيديولوجية، بين أصدقاء وأعداء.

وهو ما جعل البعض يعمم الحكم معتبرا أن خطاب الهوية (Le discours identitaire )  خطاب إقصائي بطبيعة؛ فبرسمه لمجال الحشد والتجميع يقوم بتحديد الآخر كخصم، بل كعدو (فعلي أو محتمل).

فالوظيفة الأولى لخطاب الهوية باعتباره إيديولوجيا تكمن في ضرورة التعرف بين أصدقاء يشاركون في معركة سياسية على نفس الجانب، في مواجهة جانب الأعداء.

ولذلك كل معسكر يحتاج إلى علامات ورموز، وشعارات، سعيا لتجميع وحشد أنصاره وإقصاء الآخرين، وهكذا يبدو خطاب الهويات وسياسات الهويات وكأنها خطابات وسياسات للإقصاء المتبادل..

ولتجاوز هذا البعد الإقصائي اقترح الفيلسوف الأمريكي “رورتي” (Richard Rorty) تجاوز تساؤل (من نحن؟) والاستعاضة عنه بسؤال (من نكون؟) (?Qui sommes-nous). فمن نكون؟ تحدد “النحن” بالنظر إلى باقي الأنواع، مع التركيز على ما يشكل الجوهر الإنساني. هناك، إذن، عودة إلى السؤال الكانطي عن الماهية الإنسانية فيما يتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية والسياسية.

لكن، رغم أهمية التصور الذي يقدمه “رورتي” إلا أنه لا يكفي لحل إشكالية الهوية. وهي الإشكالية التي يقدم التصور الإسلامي من خلال منظومة قيمه في التعددية، والاختلاف، والغيرية، والمساواة، والحرية.. إطارا بالغ الغنى لمعالجتها معالجة منفتحة جامعة ومستوعبة؛ كفيلة بتجاوز البعد التعاقدي إلى البعد التعارفي والتراحمي..

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%82%d8%af%d9%8a.html/feed 0
في العلاقة بين الديمقراطية و التنمية https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%85%d9%8a%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%85%d9%8a%d8%a9.html#respond Thu, 05 Dec 2013 11:27:26 +0000 http://www.massarate.ma/?p=31402 بدعوة كريمة من جمعية البحوث والدراسات لاتحاد المغرب العربي أسهمت بدراسة حول بناء “الدولة الوطنية الحديثة وصعوبة الانتقال اديمقراطي في الوطن العربي”، وذلك ضمن فعاليات الندوة العلمية الدولية التي نظمتها الجمعية يومي الأربعاء والخميس الموافق لـ 27و 28 نوفمبر 2013، بمقر مؤسسة الأرشيف الوطني التونسية. بمشاركة نخبة من الباحثين المغاريين حول موضوع : أية تنمية وأية ديمقراطية في مرحلة الثورات العربية

 انطلقت في مداخاتي من التأكيد على أن عمليات الانتقال الديمقراطي رغم أنها تختلف باختلاف التجارب التاريخية، إلا أن هناك العديد من الفرضيات التي تحاول أن تفسر صعوبة الانتقال نحو الديمقراطية.. غير أن التفسير الذي يهمنا أكثر من غيره في هذا المقام هو الذي يعلل صعوبة الانتقال نحو الديمقراطية في المجتمعات العربية بإشكالية بناء الدولة الوطنية الحديثة باعتبار أن هذه الدولة تعاني، في كثير من الحالات، من عدم اكتمال بنائها المؤسسي، وعدم رسوخ شرعيتها، وخضوعها لمنطق العصبيات التقليدية.. مما يجعلها غير مؤهلة لاحتمال التعددية السياسية وتكريس  قيم المواطنة وسيادة القانون التي تقع في صلب العملية الديمقراطية.

كما انطلقت من فرضية مفادها أن التنمية الإنسانية الشاملة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وفي ضمانها لجميع الأجيال المتعاقبة من الحقوق والحريات الإنسانية، لا يمكن تصورها إلا في كنف دولة ديمقراطية؛ تضمن التداول السلمي على السلطة بناء على الشرعية الانتخابية القائمة على سيادة الأمة وسمو القانون.

 وهو ما يضمن تفعيل المنافسة بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية على أساس البرامج الإصلاحية، ويعزز شرعية الأداء. ويعيد الاعتبار لإرادة الأمة التي تتحقق حريتها من خلال تعدد الخيارات أمامها. كما أن الدولة الديمقراطية من خلال تمثلها لقيم ومبادئ وآليات الحكامة الجيدة تسهم في تفعيل آليات محاربة شتى مظاهر الفساد، وتعمل على حماية المال العام خاصة فيما يتصل بإجراءات وشروط إبرام الصفقات العمومية..

وبناء على هذا المنظور التفسيري فقد دللت على أن نجاح المغرب في الاستيعاب الإيجابي لمضاعفات الحراك الثوري العربي يعود بالأساس إلى توافره على النصاب الضروري من تماسك البناء المؤسسي القانوني والدستوري لدولته. وهو ما تعزز بمسلسل من الإصلاحات السياسية والتنموية والحقوقية التي تم الانخراط فيها انطلاقا من تسعينيات القرن الماضي..

وهي الإصلاحات التي تم تدشينها بتعديلين دستوريين خلال حقبة التسعينيات؛ الأول سنة 1992 والثاني سنة 1996، وهي التعديلات التي جاءت تعبيرا عن التفاعل المثمر بين الإرادة الملكية والمذكرات المطلبية الإصلاحية لأحزاب الكتلة الديمقراطية؛ حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وحزب الإستقلال وجزب التقدم والإشتراكية.

وهي التعديلات الدستورية التي تم تعضيدها بجملة من المكتسبات الحقوقية وبوجه خاص تجربة العدالة الانتقالية التي قادتها هيئة الإنصاف والمصالحة في مرحلة دقيقة ومهمة في سيرورة التطور الذي عرفته بلادنا، منذ بداية التسعينات..

وتعتبر هيئة الإنصاف والمصالحة، كآلية للعدالة الانتقالية، ثمرة من ثمرات هذا التطور التدريجي، الصعب والمركب في حل المشاكل والملفات المرتبطة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومحصلة التفاعلات والمناقشات على مستوى الطبقة السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع المدني، للبحث عن أحسن السبل لتسوية نزاعات الماضي وحلها بشكل عادل ومنصف، وبذلك شكل نموذجا فريدا في فضائنا الحضاري العربي والإسلامي وتجربة متميزة على الصعيد الكوني.

فمن ضمن حوالي أربعين تجربة عبر العالم، تم اعتماد أول تجربة للإنصاف والمصالحة على هذا النمط، في ظل استمرارية النظام السياسي الملكي القائم باعتباره نظاما دستوريا وديمقرطيا وبرلمانيا، وفي سياق مراجعة تاريخية بالغة الجرأة والثقة في الذات الحضارية.

وهو النظام الذي يتمتع فضلا عن شرعيته الدينية والتاريخية، وشرعية الأداء في تدبير السياسات العامة والإستراتيجية للدولة في مختلف المجالات التنموية، بشرعية نضالية تجد ترجمتها في ملحمة الملك والشعب في مواجهة كل المآمرات الاستعمارية، وهي الملحمة التي تم تتويجها باختيار السلطان محمد الخامس للمنفى إلى كورسيكا تم إلى مدغشقر بدل الإذعان إلى المخططات الاستعمارية الرامية إلى إغراء الأسرة المالكة بامتيازات خاصة مقابل التفريط في السيادة الوطنية. وهو الاختيار الذي يفسر كيف أن زعيم اليسار في المغرب، وأحد أقطاب الفكر الماركسي على الصعيد العالمي الأستاذ المهدي بن بركة هو من تكفل بتنظيم عودة السلطان وأسرته الملكية من المنفى.

وهي الشرعيات التي تم تكثيفها في الشرعية الدستورية الحديثة القائمة على فصل السلطات وتعاونها، وسيادة الأمة، وسمو القانون، واستقلال القضاء، وضمان الحقوق والحريات كما هو متعارف عليها دوليا، وبما لا يتعارض مع روح الإسلام ومقاصده السمحة. وفي هذا السياق فقد أبرزت أن الوثيقة الدستورية الحديثة تعد، في عمقها، امتدادا عصريا لعقد البيعة القائم تاريخيا وشرعيا على الشورى واختيار الجماعة من خلال أهل الحل والعقد لأولي الأمر.

كما أبرزت في الورقة كيف أن هذه الأضرب من الشرعية والفاعلية التاريخية هي التي جعلت المؤسسة الملكية القائمة على إمارة المؤمنين تمثل قطب الرحى بالنسبة للإجتماع السياسي المغربي، وتتمتع بقدرة لافتة على استيعاب مختلف القوى الوطنية؛ سواء تعلق الأمر باليسار مع حكومة التناوب التوافقي، أو الإسلاميين المعتدلين مع حزب العدالة والتنمية..

كما أوضحت كيف أن منطق التراكم التدريجي الذي حكم هذه الإصلاحات هو الذي يفسر استجابة المغاربة، في سوادهم الأعظم، للمضمون الإصلاحي التي استبطنه دستور 2011، الذي عرض خطوطه الكبرى جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي تزامنا مع هذا الحراك الاجتماعي المغربي الذي راهن على الملك في إحداث الإصلاحات ولم يطالب برحيله كما رأينا في دول أخرى.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%85%d9%8a%d8%a9.html/feed 0
نظرات في المسألة الثقافية – 4 https://www.massarate.ma/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-4.html https://www.massarate.ma/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-4.html#respond Mon, 28 Oct 2013 11:57:34 +0000 http://www.massarate.ma/?p=30461 استكمالا لما أثير في الحلقة الأخيرة، فلا سبيل لمواجهة ما جرى نعته بـ “الداروينية الثقافية” إلا بفعل الممانعة. لكنها ليست أية ممانعة؛ إنها الممانعة التي تنهج استراتيجية الدفاع الإيجابي القائمة على التمسك بانفتاح الثقافة العربية الإسلامية على الثقافة الكونية، والانتظام معها وضمنها في جبهة الدفاع عن القيم الثقافية التي تتهددها ثقافة العولمة. وتوضيحا لهذا المعنى يؤكد عبد الإله بلقزيز أن: “ثقافتنا جزء من الثقافة الكونية المعرضة لخطر السحق من مصادر عدوان مشترك. فلا معنى لأن نلوذ بذواتنا وحدنا ونعزل أنفسنا عن العالم بدعوى تميزنا وتمايزنا. ليس أمنا ثقافيا هذا، إنه الانتحار الثقافي”.

وفعل “الممانعة الثقافية” الذي يتم التعويل عليه في هذا الإطار لدمغ “الداروينية الثقافية” ومقاومتها يتحدد من خلال؛

 أولا: العلاقة بين الخاص والمحلي الذي تدافع عنه الممانعة تلك من جهة، والعام والكوني الذي تفترض فيه مغايرة تهددها من جهة ثانية..

ثانيا: الأساليب والآليات المختلفة التي تتوسل بها عملية الممانعة الثقافية وكذا الأشكال التي تكتسيها..

ثالثا: التخوم التي قد تصل إليها (الممانعة) فتحددها كفعل ثقافي تاريخي مشروع، أو كفعل سلبي انتحاري.

يبرز المؤلف كيف أن الممانعة الثقافية تظل محكومة بإستراتيجيتين؛ “استراتيجية الدفاع الذاتي المتحرك، واستراتيجية الدفاع السلبي المنكفىء. الدفاع الأول شرعي، لأنه من طبيعة أية ثقافة تخوض المنافسة.

وما يعزز شرعيته، من وجهة نظر بلقزيز، أنه “دفاع لا يتخندق وراء تحصينات ماضوية، بل يتحرك إلى مناطق الخصم، ويتعلم من أساليبه، ومن الأسباب التي صنعت قوته. أما الدفاع الثاني، فشرعيته انتقالية واضطرارية، وهو يتحكم على نفسه بالهزيمة بسبب اقتصاره على مصادر ضعيفة الطاقة في المواجهة. يقيم الأول جدلية متوازية بين الأنا والآخر، بين المحلي والكوني، فيحفظ ذاتيته من التبديد، ويزودها بحاجات جديدة تنمي من قدرتها على البقاء. أما الثاني، فيقيم العوازل بين الحدين فينتصر للأنا على الآخر، وللخصوصية على الكونية، مغامرا بتعريض ذاتيته إلى التضحية الخارجية من ثقافات أقوى، وإلى التآكل والضمور الداخليين..”

وفي هذا السياق يستهجن الكاتب رأي من يعتبر أن الدفاع عن الخصوصية الثقافية لا يعبر إلا عن “محاولة يائسة للتفلت من أحكام قانون الكونية الذي بات ينتظم الثقافة (أو الثقافات) في العالم المعاصر، فيوحد قواعدها ومعاييرها ويرفعها إلى حالة إنسانية عامة تتخطى حدود الجغرافيا الاجتماعية.”

ليبرز، بعد ذلك، أن وعي الثقافة لا يستقيم دون رؤية ذلك التوتر الذي يعتمل فيها بين خاص يحيل إلى المجتمع، وعام يحيل إلى الإنسانية. ومع أن الكاتب لا يجادل في أن الثقافات تتداخل في ما بينها تداخلا وثيقا يوحد ،إلى مدى كبير، قواعدها وقيمها، ويوسع من دائرة المشترك في ما بينها إلى الحد الذي قد تبدو فيه وكأنها ثقافة واحدة، أو قل تنويعات مختلفة على ثقافة واحدة، إلا أنه يشدد على أن هذه الطبيعة الكونية للثقافة لا تعني، بأي حال من الأحوال، المطابقة الكاملة في الشخصية الثقافية، أو التماهي التام بين الثقافات.

كل ما هنالك؛ أن وجود ما هو عام ومشترك بين مختلف الثقافات، بفعل وحدة التجربة الإنسانية كونيا، لا ينفي أن لكل ثقافة شخصيتها التي بها تتميز وتتمايز عن سواها من الثقافات، بحيث أن كل مجتمع يتمثل ما هو عام وكوني ويعيشه انطلاقا من خبرته وتجربته التاريخية الخاصة..

وبهذا المعنى تغدو الخصوصية بمثابة “الشكل الاجتماعي الخاص للتعبير عن الكونية الإنسانية بوصفها كونية متعينة، أي متحققة في حقل تاريخي مادي، هو المجتمع”؛ بإراداته واختياراته ومشاعره وتطلعاته الخاصة التي لا يمكن إخضاعها للتكميم. وهكذا إذا جاز لنا ان نتحدث عن كونية في العلم فلا يمكن الحديث عن كونية في الثقافة..

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-4.html/feed 0