Papers – مسارات https://www.massarate.ma مسارات للرصد والدراسات الاستشرافية Mon, 12 Apr 2021 10:26:43 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.1.6 عودة الشرق إلى الغرب https://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8.html https://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8.html#respond Mon, 13 Aug 2012 13:53:41 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=9083 كتب باولو كويلو، أو كويلهو كما يحب البعض ترجمة الإسم إلى العربية، حوالي ست عشرة رواية، وباع حتى الآن ما يزيد على ثلاثين مليون نسخة من رواياته بشتى اللغات، وينطبق عليه عنوان روايته الأخيرة”أن تكون كالنهر الذي يسيل”، فهو لا يتوقف عن الكتابة. وحين تقرأ له تكاد تخال أنك تقرأ لكاتب عربي، أو كاتب يريد أن يكون عربيا، أو كاتب عاش طويلا بين ظهراني العرب. وكلما تقرأ تتذكر خطوات خورخي لويس بورخيس في قلب الظلام متوكئا على عصاه، وهو يسير بين أروقة الكتب العربية في المكتبة العجيبة التي ابتكرها. فهذا الضرير الأرجنتيني كان مهووسا بالتراث العربي، مثل جاره البرازيلي الذي يحرص في كل رواياته على أن يستحضر الشرق، ليس بالمعنى الغرائبي الذي نقب فيه إدوارد سعيد فوجده في بطون الكتب الغربية في عصر الأنوار ورواياته، بل بالمعنى الصوفي العامر بالكلم.

ورغم أن كويلو، أو كويلهو، كتب كتبا قبل روايته الشهيرة”الخيميائي”، إلا أن هذه ما أدخله إلى العالمية من بابها الواسع. و”الخيميائي” رواية عربية بلغة برازيلية، تسبح بك في أساطير الشرق والحكمة الشرقية، وتعكس صراع الإنسان في البحث عن المعنى في غابة اللامعنى، حتى أن طفولة بطلها الطفل سانتياغو تكاد تكون قريبة من طفولة نبي الإسلام، فهو أيضا يرعى الغنم، ويذهب للخلوة، لكن في إحدى الكنائس، ويرى رؤيا، فيذهب إلى عجوز عجرية لتفسر له رؤياه، ثم يلتقي برجل عربي فيتكشف بأن الرجل يعرف حلمه الذي رآى وكثيرا من خصوصياته وأسراره، ويحار القارئ ما إن كان الرجل هو ورقة ابن نوفل، كما في سيرة ابن هشام، وما إن كان كويلو، أو كويلهو، قد قرأ السيرة.

وفي روايته ما قبل الأخيرة”الظاهر” ينسج كويلو، أو كويلهو، حكاية على لسان بطل تهجره زوجته الصحافية التي ذهبت لتغطية أخبار الحرب في العراق، فيفقد أثرها بشكل نهائي، ويعيش طيلة الرواية في صراع مرير بهدف البحث عنها، وما أن يجدها حتى يفقدها مرة أخرى. وقد حرص الكاتب البرازيلي على أن يسير في طريق بورخيس، مقتبسا عنوان روايته من قصة قصيرة كان الكاتب الأرجنتيني قد كتبها في نهاية الأربعينات، وفيها يقول بورخيس إن معنى الظاهر هو كل شيء أو فكرة أو شخص يستحوذ على الإنسان فيتملكه بنوع من الجنونية أو القداسة، وهذا ما عكسه الكاتب البرازيلي في روايته، ذلك أن”إستير”، بطلة الرواية، ليست في النهاية سوى تلك الفكرة الجميلة التي تملكت بطل الرواية وجعلته لا يرى العالم إلا من خلالها، بحيث تصحبه في كل مكان وفي كل لحظة، إلى حد أنه لا يستطيع أن يفهم معنى لحياته من دونها.

غير أن ما يثير هو النجاح الذي الكبير الذي أحرزه كويلو، أو كويلهو، بأعماله الروائية التي تجعل الشرق مكونا رئيسا من مكوناتها. فهذا النجاح هو نجاح لتلك الثقافة الشرقية التي تمتح منها تلك الأعمال الروائية، والنجاحان معا يظهران شساعة هذه الثقافة والحاجة إلى توصيلها فنيا إلى العالم. وأعتقد أن الإقبال الكبير على أعمال كويلو، أو كويلهو، يترجم رغبة القارئين غير العرب في معرفة الثقافة الشرقية بشكل عام، سواء منها العربية أو الآسيوية، وتكشف عودة الشرق ليسكن عقل الغرب اليوم، بعدما سكن قلبه في الماضي كشيء غريب وخارج عن المألوف، فمنذ أعمال كلود ليفي شتراوس الذي كسر ثنائية المتحضر والبدائي، وأكد أن البدائية لها ثقافتها هي أيضا، حصل تحول في النظر إلى الثقافات غير الغربية لدى الغربيين، حتى ولو أن الإعلام استمر يمشي بنفس الطريقة غير معني بنتائج الأنثروبولوجيين، لكن العمل الفني يمكن أن يكون تصحيحا لهذا الوضع الشاذ، في زمن يتحدث فيه الجميع عن تواصل الحضارات، مثلما يفعل باولو كويلو، أو كويلهو كما يحب البعض ترجمة الإسم إلى العربية.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8.html/feed 0
في مائدة المتنبي 2/3 https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a-23.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a-23.html#respond Mon, 06 Aug 2012 13:32:47 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=8732 لا نعرف صورة المتنبي، ولا أحد رآه، ولكن وزارة التربية الوطنية نشرت له رسما في النصوص الأدبية القديمة، فبقينا مشدودين إلى تلك الصورة التي يظهر فيها أبو الطيب فتى وسيما وعليه سمات التمرد، مثل «تشي غيفارا» العصر العباسي. إلا أن الرسم الذي وضعه جبران خليل جبران، الأديب اللبناني الذي كان يمثل بالنسبة إلى لبنان ما كان يمثله أبو القاسم الشابي بالنسبة إلى تونس أو أرثور رامبو بالنسبة إلى فرنسا، بدا فيه المتنبي في صورة مفعمة بالحياة، وقد وضع على رأسه كوفية عليها حزام يحوط الرأس، مثل سكان الخليج، وربما كان ذلك نسبة إلى الزي الذي كان يلبسه الكوفيون زمن المتنبي. فقد كان جبران مأخوذا بشيخ الشعراء العرب، ويقول اللبنانيون إنه ـ أي جبران ـ كان وحيد عصره، مثلما كان المتنبي، الذي شبه نفسه بالنبي صالح وسط قومه، بينما أخذ جبران ذلك الشعور بالعزلة عن العصر وألف كتابه الشهير”النبي”.

وقد تعرض المتنبي، في حياته كما بعد موته، للعديد من الانتقادات والتهجمات. ومن الطرائف التي تروى عنه أن شخصا ما كان يكرهه ولا يطيق سماع اسمه، وكان كلما سمع بوجوده في بلدة هجرها، لكنه كلما انتقل إلى بلدة نائية إلا وسمع به، حتى نزل يوما بين ظهراني أهل بلدة فسأل عن المتنبي فلم يجد أحدا سمع به. وذات يوم ذهب للصلاة في أحد مساجد البلدة فسمع الخطيب يردد بيت المتنبي:

أساميا لم تزده معرفة

وإنما لذة ذكرناها

فخرج لا يلوي على شيء. وقد لا تكون القصة صحيحة، إلا أنها تصور لنا قوة حضور المتنبي في عصره، حتى إن ناقدا فرنسا، هو ريجيس بلاشير الذي شرح ديوانه بالفرنسية، قال إن موت المتنبي لم يضع حدا في بغداد للخصومة التي كان يضمرها الكتاب والشعراء والنقاد له، وقد تجلى ذلك في صمت الأصفهاني عن ذكر المتنبي في كتابة الشهير”الأغاني” والمرزباني في “الموشح”.

وكان خصومه يقولون عنه إنه يؤلف أشعاره مقابل المال، بينما قال عنه المعجبون به إنه لم يكن يمدح من أجل المال ولكن من أجل قضايا كان يؤمن بها، فيما رفعه البعض إلى درجة القديسين. وفي زمنه هجاه أحد الشعراء وقال:

أي فضل لشاعر يطلب الفضل

من الناس بكرةً وعشيًّا؟

عاش حينا يبيع في الكوفة

الماء وحينا يبيع ماء المحيَّا

وهذا ما قال عنه طه حسين، الذي يبدو أنه كان معجبا أكثر بأبي العلاء المعري، الذي جاء بعد مرحلة المتنبي بسنوات، للشبه بين الإثنين في العمى وفقدان البصر. فقد قال عن المتنبي إنه كان يبيع ماء وجهه لممدوحيه، هذا في الوقت الذي يقول آخرون إن المتنبي كان يمدح، في الحقيقة، نفسه، من خلال مدح الآخرين، قصد إثارة الانتباه إليه. فحين يمدح فهو يدخل ذاته في جزء من بناء القصيدة، وكأنه يقول للممدوح: أنا الذي تنازلت تواضعا وجئت أمدحك. وحين يهجو، يعمد إلى التنقيص من قيمة خصمه، وكأن لسان حاله يردد: كلكم حقراء وأنا الذي يلمس الثريا. انظر إليه وهو يفاخر بعظمته والمجد الشعري والسياسي الذي حصله، ويقول إن الزمان أعطاه كل ما يريد، وإنه لم يعد يقنع بأن يعطيه الزمان متفضلا عليه، بل هو الذي يشترط على الزمان ما يعطيه:

أعطَى الزّمان فَما قَبِلت عطَاءَه

وأراد لي فأردتُ أن أتخيرَا.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a-23.html/feed 0
في مائدة المتنبي 3/1 https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a-31.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a-31.html#respond Wed, 01 Aug 2012 09:07:28 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=8311 لم يثر شاعر من شعراء العربية من الاهتمام به لدى القراء والنقاد مثلما أثاره أبو الطيب المتنبي طيلة القرون الماضية، لدرجة قيل فيه إنه الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. وقد ظل يلهم الشعراء في كل عصر، ويجلس سلطانا غير منافس على عرش الإبداع الشعري دون أن يفقد قدرته على التجدد المتواصل باستمرار، حتى إنه أصبح بابا خاصا في الشعر الحديث، بحيث قل من لم يفرده بقصيدة تتغنى به أو تلبسه لبوسات البطولة العربية أو الزعامة الأدبية وتحوله إلى رمز من رموز النهضة العربية والإسلامية المنشودة، مثلما فعل عشرات الشعراء المحدثين والمعاصرين كمحمد مهدي الجواهري وأحمد شوقي وعلال الفاسي وعبد الله البردوني وسواهم كثير، وقل أن تجد شاعرا عربيا لم يذكر اسم المتنبي في قصائده. والمتنبي من هذه الناحية نموذج للبطولة العربية المفتقدة، أو يمكن القول إنه قريب من مفهوم البطل الإشكالي في الأدب العربي، بالمفهوم الذي صاغه الناقد المجري جورج لوكاتش، ذلك البطل الذي يرفض أن يتصالح مع واقعه الفاسد، ويخفق عندما يريد تحقيق هذه المصالحة المطلوبة.

ومنذ أن ظهر المتنبي على سطح الكلام الشعري ودفع الباب ودخل، قلب المقاييس السائدة في القول الشعري وفي ترجمة الواقع والتعبير عنه، إلى حد أن ظهرت في القرن الرابع الهجري مدرسة نقدية كاملة تدور حول شعره، وبدأت معركة نقدية ظلت مستمرة حتى القرن العشرين الميلادي. فقد جاء المتنبي بشيء لم يألفه الناس، وأصبح ظاهرة جديدة كما يقول الناقد الفلسطيني الراحل إحسان عباس في كتابه المرجعي تاريخ النقد الأدبي عند العرب، والذي يضيف أن النقاد في ذلك العصر وجدوا أنفسهم أمام طريقة جديدة قديمة لا ينفع فيها ما اعتمدوه من مقاييس عمود الشعر.

صدم المتنبي كما يقول عباس الذوق العربي مرتين: مرة بشخصيته المتعالية، ومرة بجرأته الشعرية الكبيرة، فتفرق فيه النقاد والفقهاء بين محبذ ورافض، وأثيرت معركة أدبية كانت بمثابة بداية التجديد في المنظور النقدي العربي وفي القوالب والموضوعات الشعرية، وثارت معركة بين عشرات النقاد الذين حاولوا البحث عن عيوبه أو عن محاسنه، كل بناء على مقاييس معينة، ومن بين هؤلاء اللغوي ابن جني، الذي وضع تفسيرا لديوان المتنبي لكي يثبت لأعدائه أسباب دفاعه عنه، والصاحب بن عباد، الذي كتب رسالة سماها الكشف عن مساوئ المتنبي. لكن المعركة حول المتنبي في ذلك العصر فجرت قضية مهمة وجديدة في تلك الحقبة ما يزال النقد العربي المعاصر يعيشها، وهي العلاقة بين الدين والفن، إذ رأى البعض أن المتنبي في بعض أشعاره ينحو منحى غير ديني، ملتقطين بعض أبياته المبتورة من قصائده، مؤولينها تأويلات مختلفة للقول بأن المتنبي ملحد أو مارق أو زنديق.

وفي الثلاثينات من القرن العشرين تجددت المعركة حول المتنبي لفترة طويلة، وكان بطلاها كل من طه حسين ومحمود محمد شاكر، إذ اتهم هذا الأخير ذاك الأول بسرقة بعض أفكاره من مقالات نشرها في إحدى الجرائد، ثم جمعها في كتاب عنوانه المتنبي: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، وتضمينها في كتابه مع المتنبي، ولكن الخلاف بين الرجلين لم يكن حول المتنبي نفسه، فقد كانا شديدي الإعجاب به، اللهم ما آخذه شاكر عليه من الإكثار من المصطلحات الفلسفية والصوفية التي أفسدت شعره، وإنما كان الخلاف حول تفسير العديد من الأبيات وحول جذور المتنبي وانتمائه الاجتماعي وقناعاته السياسية وتربيته، حيث كان شاكر يعتمد منهج الذوق والمقارنة، وكان طه حسين يبني مواقفه على الشك والتساؤل، دون أن يغيب عنه المنهج الذوقي أيضا، بسبب الإعجاب المفرط بشعره، حتى إنه في خاتمة كتابه ذي الأربعمائة صفحة قال: ومع ذلك فما أكثر ما بقي في نفسي من المتنبي!. وقد انضم إلى هذه المعركة عبد الوهاب عزام، الذي ألف كتابا أسماه ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام، ومصطفى صادق الرافعي، الذي كتب في وحي القلم قائلا: إن هذا المتنبي لا يفرغ

 ولا ينتهي، فإن الإعجاب بشعره لا ينتهي ولا

يفرغ، وقد كان نفسا عظيمة خلقها الله كما أراد، وخلق لها مادتها العظيمة على غير ما أرادت، فكأنما جعلها بذلك زمنا يمتد في الزمن.

ولكن هذه المعركة لم تنته حتى اليوم، فما زالت الكتب والدراسات حول شعر المتنبي تتهاطل تباعا، كأن الرجل ما يزال حيا بيننا، ولعل بعض النقاد الذين يضعون أنفسهم ضمن دائرة الأدب الإسلامي أرادوا بعد هذه القرون التي انصرمت إنصاف الرجل الذي أثيرت حوله معركة الفن والدين، فظهرت كتب تدور كلها حول محور واحد: الطابع الإسلامي لشعر المتنبي، أو الأبعاد الإسلامية في شعره، لإبعاد شبهة الزندقة أو الإلحاد عن بطل الشعر العربي الخالد.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a-31.html/feed 0
دوستويفسكي https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b3%d8%aa%d9%88%d9%8a%d9%81%d8%b3%d9%83%d9%8a.html https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b3%d8%aa%d9%88%d9%8a%d9%81%d8%b3%d9%83%d9%8a.html#respond Mon, 23 Jul 2012 14:08:45 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=7901 ما زال الروائي الروسي فيدور دوستويفسكي، الذي عاش في القرن التاسع عشر، يأسر القراء في كل مكان من العالم وما زالت رواياته تترجم وتعاد ترجمتها وتكتب عليها الهوامش والترقيعات، وما زالت المجلات الثقافية والأدبية العالمية تعيد تقديمه للقراء مجددا في كل مرة، مثلما فعلت”ماغازين ليتيرير” في أحد أعدادها السابقة.ويقول النقاد إن نصوص صاحب”الجريمة والعقاب”من الصعب إخضاعها للترجمة بشكل نهائي وناجز، وإنها من النصوص المنفلتة التي تنطبق عليها المقولة الرائجة”الترجمة خيانة”، ولكن ما العمل مع من لا يريدون تعلم الروسية؟.

يقف دوستويفسكي إلى جانب تولستوي وجوجول وتورجينيف ومكسيم غوركي، زعماء روسيا القرن التاسع عشر الأدبيين، شاهدا على أن البشرية لا تزال تقرأ تلك النصوص بعد قرن من كتابتها وبشكل يومي، لأنه في الوقت الذي يكون فيه قارئ في آسيا قد أنهى قراءة رواية له يكون قارئ آخر في أمريكا قد فتح الصفحة الأولى منها. هكذا عبرت نصوص دوستويفسكي والآخرين حدود التاريخ وكانت تستقر مع كل جيل، ولذلك يعتبر النقاد أن روايات دوستويفسكي ما زالت تتربع على عرش الحداثة الأدبية بعد مائة عام من كتابتها. لكن ما هو السر؟.

النقاد الذين ساهموا في تحرير ملف المجلة الفرنسية الشهيرة أجمعوا على صعوبة تفكيك جميع شفرات أو طلاسم النص الدويستويفسكي، وهكذا نكون أمام معادلة سيئة، وهي أن عبقرية الكاتب تقابل هنا جهالة القارئ، وأن لا وجود لقارئ عبقري أو على الأقل قارئ يكون في مستوى الكاتب لدى كتابة عمله، لأن العمل أحيانا قد يتجاوز صاحبه مع الوقت ويصبح هو نفسه مضطرا لمنح تفسيرات جديدة لقضايا سابقة طرحها فيه. ولكن دوستويفسكي استمر حاضرا لهذا السبب بالذات، أي غياب تفسير نهائي لأعماله الروائية، فالألغاز لديها دائما القوة على البقاء لأنها تتحدى الناس وتحفزهم، وهذا هو أيضا ما جعل لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة تعيش من القرن السادس عشر إلى اليوم، لأن الجيوكاندا ظلت توهم البعض بأنها ضاحكة وتوهم آخرين بأنها مبتئسة، ولو أجمع الناس على أمر واحد لما وصلت إلينا أو لما كان لها هذا الحضور في التراث الفني لعصر النهضة في أوروبا.

كاتب افتتاحية العدد اعتبر بأن الكاتب، حصرا، ظل في روسيا بمثابة”البديل”الذي يتم اللجوء إليه في غياب وجود بديل سياسي، وأن هذه المسألة بقيت موجودة في روسيا منذ القرن الثامن عشر. أما جورج بيفات، الناقد المختص في أدب دويستويفسكي، فقد أكد بأن جميع من قرأوا هذا الأخير أهملوا الجانب الأكثر أهمية فيه، وهو أنه لعب دور المحرض السياسي في مواجهة سلطة قيصرية غاشمة. لقد رأى دوستويفسكي أن روسيا القرن التاسع عشر هي مجتمع عبودي بامتياز، وفي كتابه”مذكرات منزل الأموات” يعطي صورة ساخرة عن ذلك الوضع الطبقي حينما كان على متن عربة تجرها الجياد، فالقيصر يضرب الأعيان، والأعيان يضربون المواطنين، والمواطنون يضربون الجياد. ورغم أن الكثيرين رأوا في أدب دويستويفسكي إرهاصا بالثورة الروسية، التي حصلت بعد رحيله بسنوات، إلا أن الثورة هي أول من حاربه رغم أن الكثيرين أطلقوا عليه وقتها لقب”نبي الثورة” ، فقد منعت بعض أعماله في عهد لينين، ثم منعت جميعها في عهد ستالين، ولم يرفع عنها الحجر إلا مع ظهور البيريسترويكا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي التي مهدت لتفكك الاتحاد السوفياتي، الذي كان بمثابة”منزل أموات” بالنسبة للقوميات المتعددة، وذلك لأن الثورة الروسية ظلت ترى فيه المحرض الدائم ضد الأوضاع الفاسدة، وهذا يعني ـ بالنتيجة ـ أن تلك الأوضاع بقيت قائمة، لأن ما قامت عليه هو نفسه ما ظل دوستويفسكي يحاربه طيلة حياته: تحويل البلاد إلى معتقل كبير والحد من حرية الإنسان.

وبالرغم من مرور قرن على كتابات دويستويفسكي إلا أن أدبه ما يزال ـ كما كان دائما ـ يقرأ من زوايا عدة، فهو ملحد لدى البعض، ومؤمن لدى آخرين، ومتمرد أو مسالم بحسب النقاد، ومريض نفسيا أو عبقري بحسب المحللين لأدبه، ولعل هذا ما جعل الثورة الروسية تحاربه بدل أن تجعل منه تراثا قوميا أو عالميا، مثلما فعلت اليونسكو عام 1981 في الذكرى المائوية لرحيله، إذ حاولت أن تقرأ فيه الرجل الذي يدعم الإيمان الديني في الوقت الذي كرست هي نفسها لمحاربته، بسبب قولته الشهيرة”إذا أثبت لي أحدهم أن المسيح بعيد عن الحقيقة، وأن الحقيقة توجد خارج المسيح، فسأختار المسيح”، القولة التي سوف يحرفها ألبير كامو فيما بعد ليقول”إذا خيرت بين أمي والعدالة فسأختار أمي”.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%af%d9%88%d8%b3%d8%aa%d9%88%d9%8a%d9%81%d8%b3%d9%83%d9%8a.html/feed 0
فرنسية من بني عثمان (2) https://www.massarate.ma/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-2.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-2.html#respond Mon, 16 Jul 2012 14:04:22 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=7456 قلت في الحلقة السابقة إن رواية كينيزي موراد De la part de la princesse morte تحاول أن تذهب إلى التفاصيل التي لا يعكسها المؤرخ لمرحلة سقوط الإمبراطورية العثمانية، وهنا يكمن جزء من قيمتها، إلى جانب الأجزاء الأخرى ومنها الجزء الفني، لكن ما يعطيها أهميتها من الناحية الأدبية والتاريخية هو أن المؤلفة ذاتها تعد واحدة من بنات المرحلة، وتنتمي إلى قطعة من التاريخ العثماني، على الرغم من أنها ولدت خارج تركيا وتربت في سويسرا، لكنها حملة معها التركة الثقافية للإمبراطورية العثمانية، وحساسية الانتماء إلى الشرق ثقافيا. فقد ولدت الكاتبة لأم تنتمي إلى الأسرة الحاكمة، فوالدتها هي ابنة واحدة من بنات السلطان عبد المجيد الذي أسقطه عبد الحميد الثاني من الحكم. بعد سقوط الخلافة العثمانية هاجرت أسرتها إلى لبنان، حيث كبرت والدتها (سلمى في الرواية)، وخلال كل تلك المراحل يبدأ الوضع المادي للأسرة في التراجع، وتصبح الحلي التي نقلتها معها من تركيا الوسيلة الوحيدة للدخل عبر بيعها تباعا لتجار الحلي والنفائس، لكن حتى هذه الأخيرة تبدأ في النضوب، وأخيرا تضطر الأم (حاتيجي) للموافقة على تزويج سلمى من حاكم إحدى ولايات الهند الخاضعة للاستعمار البريطاني، هي ولاية “بادالبور” (وهو عنوان الراوية الثانية للكاتبة). يتم الزواج وتنتقل سلمى إلى الهند لكي تعيش وسط مجتمع شرقي تقليدي، ولأن التقاليد جرت هناك على أن المولود إن كان بنتا يربى وسط الحريم ويفقد صلته بالأم، قررت سلمى بعد أن انتفخت بطنها أن تلتمس من زوجها السماح لها بالسفر إلى فرنسا”لأن الطب هناك متقدم والوضع بدون مخاطر”، وذلك لأنها قررت بينها وبين نفسها إن كان المولود ولدا رجعت إلى بادالبور، وإن كان بنتا بقيت هناك إلى الأبد. يوافق الزوج وتسافر بطلة الرواية ويكون المولود بنتا. وخلال تلك المرحلة من انتظار الوضع إلى ما بعده وتربية البنت يتراجع الوضع المادي للأم وتضطر للانتقال إلى فندق بئيس، ومعها الخادم”زينيل” الذي رافقها طيلة مسارها منذ طفولتها وكان بمثابة الوالد. وضع مادي مزرِ زاد منه احتلال ألمانيا النازية لباريس حيث فرضت حالة الطوارئ ولم يعد الناس يجدون الخبز لأنفسهم ولا الحليب للرضع، ووسط هذا البؤس تموت الأم في لحظة يائسة فيحمل الخادم البنت ـ المؤلفة ـ إلى السفارة السويسرية، المكان الوحيد الذي كان مفتوحا في باريس ويسمح له بتقديم المساعدات لمن يتقدمون إليه، وتشاء الصدف أن تكون زوجة السفير موجودة في تلك اللحظة فتقرر أخذ البنت وتبنيها بعد معرفة الحكاية، وهكذا تكبر الكاتبة.

هذه فقط حبكة الرواية، لكن مشاهدها الخلفية غنية بالمعطيات التاريخية والسياسية التي تضيئ تلك المرحلة. فقد نجحت الكاتبة في أن تنقل مخاض نهاية الباب العالي واستيلاء كمال أتاتورك ـ الذي كان يعشق المال والخمر والعربدة ـ على الحكم بدقة عالية، وعكست كيف كان أتاتورك نفسه ابن القصر الذي انقلب عليه وكيف ساهم القصر في تسويق صورته كبطل قومي عندما أرسله السلطان إلى الأناضول لقيادة معركة ضد الإنجليز، وكيف أن السلطان كان يقدم العون للجنود المحاربين بعيدا عن أعين الإنجليز مخاطرا بموقعه، ويعمل على إخفائهم داخل القصر رغم الجواسيس، ثم كيف شجع السلطان أتاتورك على تولي رئاسة أول برلمان أنشأته تركيا، وكيف نجح في الانقلاب على السلطان بدعم إنجليزي وفرنسي لإسقاط الخلافة. لقد قدمت الكاتبة أتاتورك كرجل سفاك للدماء متعطش للسلطة ويغدر بأقرب المقربين إليه، فمباشرة بعد توليه رئاسة البرلمان لجأ ـ عبر شبكة المصالح التي أنشأها ـ إلى التضييق على السلطان من خلال إصدار قانون يقضي بالتقليص من الميزانية التي كانت مرصودة للقصر، ثم عمل بعد ذلك على إصدار قانون يمنع رفع الآذان في المساجد، ثم تتالت حملات التضييق على السلطان بشكل تدريجي حتى اضطر هذا الأخير -وحيد الدين- إلى اختيار الهجرة إلى سويسرا بإرادته، بعدما أدرك أنه لم يعد يمتلك أي سلطة في البلاد، وأن أتباعه ومؤيديه كلهم إما قتلوا أو هربوا من البلاد خوفا من أتاتورك الذي نجح في إنشاء دولة بوليسية، استكملها بإصدار قانون ينص على شنق أي شخص يدعو إلى رجوع السلطان من المنفى أو يطالب بإرجاع الخلافة، وشنق الكثيرون وهاجر آخرون لأن الأتراك كانوا ضد سياسة أتاتورك، لكنهم خضعوا بسبب الإرهاب الذي فرضه على الجميع.

بالطبع لا يمكن اتهام الكاتبة بأنها منحازة إلى الخلافة العثمانية، لكنها حاولت أن تعكس الحقيقة التاريخية لمرحلة تنتمي إليها، وحاولت في نفس الوقت تعزيز هذه الحقائق بوثائق صادرة في صحف تركيا في تلك المرحلة، وهي صحف كانت خاضعة لأتاتورك الذي عمل على تصفية بعض الصحافيين لكي لا يقولوا الحقيقة للشعب، ولكي يروج أكاذيب ضد السلطان لتجييش الناس ضده، منها مثلا أنه عندما خرج من البلاد أخذ معه بردة النبي التي كانت موجودة في استانبول، مع أن هذا لم يكن صحيحا، كما تقول الكاتبة نفسها.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-2.html/feed 0
فرنسية من بني عثمان (1) https://www.massarate.ma/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-1.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-1.html#respond Mon, 09 Jul 2012 13:37:23 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=7046 إذا كان عمل المؤرخ يقتصر على سرد الأحداث الكبرى فإن عمل الروائي يتجاوز ذلك إلى البحث في الأحداث الهامشية الصغيرة والتفاصيل التي يغفلها المؤرخ لأنه لا يحتاج إليها، وإذا جاز استعمال نوع من الاستعارة فإن المؤرخ حين يكتب عن السفن الحربية ونشاط القراصنة فوق سطح البحر يكتب الروائي عن الحيتان الصغيرة تحت السطح وكيف تتفاعل مع تحرك السفن في الأعلى. هذه المقارنة تصلح مدخلا للكلام عن رواية كينيزي موراد “De la part de la princesse morte”، فقد كتب الشيء الكثير عن سقوط الإمبراطورية العثمانية بجميع اللغات، وقسط معتبر مما كتب بغير العربية نقل إليها، ولكن المعالجة الروائية تظل مدخلا مهما يساعد على قراءة تلك المرحلة، ليس لأنها تعكس الحقيقة بشكل مطلق ولكن بالعكس، لأنها لا تفعل ذلك، وتحافظ على صدقية الأحداث التي يذكرها المؤرخ لكنها تزيد عليها بالغوص في أعماق المجتمع لكي تترجم لنا ما حصل في أعماق المجتمع، من زاوية المعالجة الروائية التي تعتمد عنصر الخيال كواحد من عناصر أخرى، مع أن الكتابة التاريخية نفسها هي نوع من الرواية للماضي.

أثارت الرواية جدلا واسعا وجلبت العديد من القراء وترجمت إلى عشرات اللغات، لأنها تعالج قضية قرأ عنها الغربيون ما كتب لهم عنها بطريقة موجهة، فالغرب هو صاحب تسمية “الرجل المريض” التي أطلقت على الإمبراطورية العثمانية، وهي تسمية أطلقت في وقت دقيق كانت جميع القوى الغربية تتسابق عليها لكي تأخذ حصتها، تماما كما نرى في الأفلام الوثائقية مجموعة من الذئاب تحاول أن تسقط بقرة وحشية لا تريد أن تستسلم ثم يبدأ كل واحد منها في الأكل من الجانب الذي يقابله. لعب ذلك الإسم دورا دعائيا أولا، لأنه كان موجها لإقناع العرب بأن المظلة العثمانية على وشك الانهيار وبأن عليهم أن يضعوا أيديهم في أيدي دول الغرب لإنقاذ أنفسهم، وقد خدع العرب كما بات معروفا اليوم، وقصة الشريف حسين أمير مكة ولورانس العرب معروفة للجميع، فقد خدع الأمير لأن بريطانيا لم تف بالوعد الذي أعطته إياه بتنصيبه ملكا على دولة عربية متحدة رسمها في خياله، ووجد في الأخير أنه حارب إلى جانب الأوروبيين لطرد العثمانيين من الحجاز ونجد ولكنه لم يكسب شيئا. حارب لكي يرجع إلى البيت وتأكل بريطانيا الغلة، والغريب أن حركة الشريف حسين ضد العثمانيين سميت بـ”الثورة العربية الكبرى” عام 1916، أثناء الحرب العالمية الأولى، أي في نفس السنة التي وقعت فيها اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة بين فرنسا وبريطانيا من أجل تقاسم النفوذ في المشرق العربي. كانت بريطانيا وفرنسا تحثان العرب على القتال ضد العثمانيين لكي يتم عزلهم في النهاية والانفراد بهم، وهذا ما حصل، ولنا أن نتصور كيف أن تاريخ العرب الحديث مزور إلى أقصى حد، كأن الذي كتبه هم الغربيون، وهنا يمكننا التساؤل: هل هذا تاريخ حقيقي أم رواية كاذبة؟

بالرغم من أن المؤلفة لا تسعى إلى إعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة، إلا أنها تسقط في هذا الأمر بطريقة غير مباشرة لدى مصادفتها للأحداث السياسية في الطريق وهي تروي قصتها. فالكاتبة الفرنسية تنتمي إلى الأسرة العثمانية التي حكمت جزءا كبيرا من العالم الإسلامي خلال قرون، وجدها الأعلى، والد جدتها لأمها، هو السلطان مراد الخامس الذي أسقط عن الحكم من قبل عبد الحميد الثاني عام 1909 وعاش تحت الإقامة الإجبارية حتى وفاته عام 1918، بينما بقيت أسرته الصغيرة، أي جدة الكاتبة ووالدتها التي كانت آنذاك في مرحلة الطفولة، تحت الإقامة الإجبارية إلى عام 1922 تاريخ مغادرة السلطان وحيد الدين محمد بن عبد المجيد تركيا إلى سويسرا.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-1.html/feed 0
الترجمة وواجب الاحترام https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d9%88%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d9%88%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85.html#respond Mon, 02 Jul 2012 15:18:26 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=6680 قبل سنوات أشار تقرير التنمية البشرية العربي إلى أن العرب يترجمون 330 كتابا في السنة، ولكنه زاد فقال إن إسرائيل تترجم 15 ألف كتاب، بينما تترجم اليابان ما يزيد على 30 مليون صفحة في العام الواحد. الفجوة بين هذه الأرقام الثلاثة كافية لكي تقنعنا بأن العرب يجب أن يكونوا مهزومين، ومن غير المنطقي ومن غير المقبول أن ينتصروا في أي معركة دخلوها. وبخلاف عرب اليوم، والذين لا يعرف أحد هل هي عرب عاربة أم مستعربة، ترجم العرب القدماء أمهات المعارف، حتى أن الغرب ما كان له أن يعرف الفلسفة اليونانية لو لم يحفظها العرب من الضياع.

ومع أن ما يترجمه العرب اليوم قليل جدا، فإن الكثير من هذا القليل لا يستقيم أن تطلق عليه كلمة ترجمة. فعندما ترجم العرب في الماضي كان بين أعينهم هدف خدمة الثقافة العربية وضخ دماء جديدة فيها عبر تطعيمها بفكر جديد، وهو ما يسمى اليوم بالتثاقف، أما ترجمات اليوم فهي تشكو من غلبة الهاجس التجاري عليها، وسيطرة التسرع وضمان الوصول السريع إلى السوق، في منافسة غير شريفة تفتقد أدنى شروط المنافسة. وهناك من التراجمة، حتى لا أقول المترجمين، من يتطاول حتى على نصوص لا يعرف أصولها الثقافية لكي يتمكن من الحفاظ على مناخ النص المترجم، ومن الطرائف أن أحد هؤلاء، من المشرق، ترجم رواية البرازيلي باولو كويلو”إيل زاهير” بكلمة “الزهير”، وهي كلمة لا معنى لها، ولو كلف نفسه التفكير قليلا وقرأ النص بعناية لأدرك أن الكلمة الحقيقية هي “الظاهر”، لكنه ترجم الكلمة ترجمة حرفية.

وقبل عدة سنوات قام ترجمان سوري، يدعى ذوقان قرقوط، بالسطو على كتاب عبد الله العروي “تاريخ المغرب”، ونشر الترجمة تحت عنوان “تاريخ المغرب:قراءة في التركيب”، في أردأ ترجمة على الإطلاق. يومها قام العروي بإعادة كتابة كتابه بالعربية تحت عنوان “مجمل تاريخ المغرب”، وقال في مقدمته: “هذه هي طامة الترجمة التجارية البيروتية التي تضر بسمعة المؤلفين وتخرب الثقافة العربية المعاصرة، إذ تجعل المثقفين يتناحرون على نصوص لم يفهموها لأنهم تعرفوا عليها بكيفية ناقصة مشوهة”، وأضاف في مكان آخر”لم يبق مبرر لترويج كتاب قرقوط وأصبح من واجب الناشر أن يسحبه من السوق”.

وطيلة أزيد من عقدين ظلت ترجمة كمال أبو ديب لكتاب إدوارد سعيد “الاستشراق” هي الوحيدة المتاحة في المكتبات العربية، وهي ترجمة فيها من التكلف والحشو الشيء الكثير، لأن الناقد السوري أراد أن يضيف على كتاب المفكر الفلسطيني دون أن يكتفي بالترجمة، كنوع من التعالم وإبراز القدرات، فجاءت الترجمة شبه ممسوخة، إلى أن ظهرت ترجمة جديدة محترمة قام بها محمد عيتاني.

وبسبب هذا التخوف من تلاعب التراجمة بالنصوص اختار المفكر الجزائري الراحل محمد أركون أن يكون له مترجم خاص لكتبه، هو السوري هاشم صالح، ولذا فإن هذا الأخير كان يترجم وكأنه يعرف ما يريد أركون أن يقوله. وقد عرف القراء العرب مترجمين أكفاء شكلوا مدرسة حقيقة في مجال الترجمة، من بينهم مثلا سامي الدروبي الذي نقل الروايات الروسية الكبيرة إلى العربية، ووضع أجمل الترجمات على الإطلاق لروايات فيودور دوستويفسكي، وعبد الرحمان بدوي الذي نقل الكثير من الأعمال الألمانية في الفلسفة والفكر والفن والأدب إلى العربية ولا زالت ترجمته لرائعة غوتو”فاوست”هي الأجمل، وجبرا إبراهيم جبرا الذي نقل أعمال شكسبير إلى اللغة العربية في أرقى حلة، وجورج طرابيشي الذي عكف على ترجمة الأعمال الماركسية وأعمال سيجموند فرويد، ومحمد عيتاني، وهو غير عيتاني المذكور أعلاه، الذي ترجم العديد من الأعمال من بينها كتاب العروي ذائع الصيت “الإيديولوجية العربية المعاصرة”، وهؤلاء كانوا يترجمون على ثلاثة مستويات من الاحترام: احترام النص، واحترام القارئ، واحترام أنفسهم في الأساس.

وقد تبنى المجلس الأعلى للثقافة في مصر مشروعا للترجمة أطلق عليه اسم المشروع القومي للترجمة، ولكن تكفي قراءة كتابين أو ثلاثة لكي يتبين للمرء أن هناك نوعا من التسرع والارتجال والنزوع التجاري، وهيمنة المصريين خلافا للعنوان القومي الذي أعطي للمشروع. وقبل ثماني سنوات تم إنشاء المنظمة العربية للترجمة في بيروت، كهيئة مستقلة للترجمة، قامت حتى الآن بترجمة أو إعادة ترجمة كتب هامة في مجالات مختلفة، تعكس الاحترافية والمهنية، وهي تجربة غنية تضاف إلى تجربة المجلس القومى للثقافة والفنون والآداب في الكويت، الذي لا يزال يقدم خدمة للثقافة العربية ويوفر كل شهر كتابا للقارئ العربي بثمن بخس.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d9%88%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85.html/feed 0
صرخة المورو https://www.massarate.ma/%d8%b5%d8%b1%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b1%d9%88.html https://www.massarate.ma/%d8%b5%d8%b1%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b1%d9%88.html#respond Mon, 25 Jun 2012 14:10:48 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=6124 مثلما شغل أبو عبد الله الصغير، آخر سلاطين غرناطة، العرب قديما وحديثا، شغل الإسبان بالقدر نفسه، فالرجل يقف على جسر بين العرب والإسبان. وبينما يشكل بالنسبة إلى العرب والمسلمين رمزا لوجودهم في أقاصي أوربا، يشكل بالنسبة إلى الإسبان رمزا لآخر احتلال عربي في الجزيرة الإيبيرية، وفي كلا الحالتين يمثل رمزا لماض تفرقت حوله وجهات النظر. لكن في الوقت الذي ينظر إليه العرب كبطل للخيانة، بسبب تسليمه مفاتيح غرناطة للملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، ينظر إليه بعض الإسبان كضحية لهذه الخيانة لا كمسؤول عنها، لأن الملكية في إسبانيا لم تحترم شروط المعاهدة التي أبرمت بينها وبين آخر من تبقى من العرب والمسلمين في المدينة.

من بين أقدم الشعراء الإسبان الذين تغنوا بأبي عبد الله الصغير، ومأساته التاريخية الكبرى، بيدرو أنطونيو دي ألاركون. ولد ألاركون في غرناطة عام 1833 ومات في مدريد عام 1891. وفي غرناطة فتح عينيه على الآثار الباقية للعرب هناك، وعلى حكايات أبي عبد الله الصغير التي دخلت المخيال الشعبي الإسباني بشتى الأشكال، بما فيها الشكل الكاريكاتوري الذي يحاول أن يسخر من الرجل ويحوله إلى دمية بين أيدي الملكين الإسبانيين. وخلال رحلته الأدبية أنشأ ألاركون، إلى جانب آخرين، حركة أدبية وفنية سميت بـ”العادات الأندلسية” كانت تركز على استعادة العادات التي كانت سائدة في الأندلس العربية، باعتبارها جزءا من التاريخ الإسباني الذي لا يمكن التنكر له.

وقد كتب ألاركون قصيدة مطولة تحت عنوان “صرخة العربي” أو “صرخة المورو”، تغنى فيها بآخر ملوك غرناطة، متحسرا على المصير الذي لقيه في آخر حياته، قال فيها:

عندما نظر أبو عبد الله الحزين

إلى أسفل كان هو، كانت حياته وروعته

ومنذ ذاك الوقت لم تتم رؤيته

أبدا، أبدا

لكن عندما نفكر فيه

يكون الألم أكبر، واحتضاره وحشيا

ومن عينيه تخرج صرخة البكاء

وبنبرة جنائزية ومتأوهة

يصدر آهة تصل إلى جماعته…

ثم يقول ألاركون متحسرا على مأساة الملك الصغير الذي تنكرت له حتى حاشيته في السنوات الأخيرة قبل سقوط غرناطة:

من كان؟ هل كان سيموت؟

لماذا كل تلك القسوة؟

لماذا لم يكن هناك أي صوت للرحمة أو الأمل؟…

لكن الشاعر الإسباني لا يعتبر ما حصل لأبي عبد الله مأساة شخصية، بل يسحبها على أسرته النصرية الحاكمة بأسرها، ثم على بني جنسه أجمع، قائلا: “يا لسوء حظ نسل الملوك العرب”.

وهناك شاعر إسباني آخر، معاصر هذه المرة، تغنى بمحنة أبي عبد الله الصغير في أشعاره. إنه أنطونيو غارسيا فاركاس، الذي كتب قصيدة بعنوان “بوأبديل”، حيث يستعيد فيها معارك الملك الصغير مع خصومه السياسيين، مثل عمه الزغل الذي نافسه على الحكم وشن عليه حربا ضروسا، انتهت بتفكيك المجتمع الغرناطي مما سهل مهمة المسيحيين. يقول فاركاس مخاطبا أبا عبد الله:

لم تكن استراتيجيا ولا شاعرا فحلا

ولا رجلا على حدة في مجال المعرفة

أيها الملك الصغير

يا أبا عبد الله الذي أطيح به

أيها الملك الصغير الحميم الكبير

في قصر الحمراء الذي يشرئب إلى الهواء

لقد سلمت غرناطة بكبرياء جميل

دون أي إزعاج

ودون قطرة دم.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%b5%d8%b1%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b1%d9%88.html/feed 0
النسق المهدوم https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%af%d9%88%d9%85.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%af%d9%88%d9%85.html#respond Mon, 18 Jun 2012 15:26:23 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=5378 يروي الراحل عبد الوهاب المسيري، رائد الدراسات في الصهيونية واليهودية في العالم العربي وصاحب الموسوعة الشهيرة، في كتابه “رحلتي الفكرية – في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية”، أنه خلال إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية صودف أن صدم ابنه سيارة أحد الأمريكيين، فاحتج هذا الأخير، وحضر المسيري إلى عين المكان فعرض على الشخص، وكان يهوديا أمريكيا، إصلاح الخطأ وشراء أحد المصابيح التي تضررت بسيارته، وتم الاتفاق على ذلك، ولكن الشخص في ما بعد رجع إلى المسيري وطلب منه مبلغا أقل مما تم الاتفاق عليه، ولما سأله عن السبب قال إنه وجد مصباحا أقل ثمنا في السوق السوداء، وأصر المسيري على أن يعطيه المبلغ كاملا، وفق تسعيرة السوق الحقيقية، لكن الرجل بقي متشبثا بموقفه ورفض أن يأخذ أي مبلغ آخر.

واستنتج المسيري من تلك الحكاية أن الناس تفكر وفق الأنساق الثقافية التي تعيش فيها، وأن أخلاقيات المعاملة والسلوك الإنساني تبقى واحدة في كل مكان وفي كل ثقافة، لأنها فوق جميع الأنساق الثقافية، ويضيف الخبير الراحل أن حاجة المجتمع العربي إلى تلك الأخلاقيات، خصوصا في المجالين الثقافي والإعلامي، حاجة ملحة بسبب ما يطبع حياتنا من ترد أخلاقي يضبط سلوك الفرد والجماعة، مؤكدا على الترابط القوي والمتين بين الأخلاق والتنمية.

وما من سبب قوي يربك المجال الثقافي والإعلامي في حياتنا مثل غياب الضوابط الأخلاقية والمحددات القيمية في سلوكنا اليومي. يكاد المواطن العربي يعيش بثلاثة أبعاد كامنة في شخصيته الواحدة، في انقسام شيزوفريني غريب. وقد درس محمود حجازي في كتابه الشهير”سيكولوجية الإنسان المقهور” هذا الانقسام في داخل الشخصية العربية واستطاع، إلى حد، أن يصل إلى أن المواطن العربي يخفي بداخله شخصيات متنافرة ومتضاربة في العديد من الحالات، حسب الأوضاع والمواقع الاجتماعية وحسب الظروف الخارجية. في غالب الأحيان يلعب الإعلامي العربي دور الواعظ ومقدم الدروس للآخرين حول الديمقراطية والسلوك الأخلاقي والمواطنة، ولكنه في حياته اليومية يكون شخصا آخر يخفي في باطنه رجلا متعطشا للبطش والسلطوية والإعجاب المرضي بالذات، ويتستر على أخطائه بينما لا يتوانى في الكشف عن عورات الآخرين. وعلى المنبر يلعب المثقف دور الداعية الذي لا يكف عن إسداء الدروس وتحديد مكامن الخلل في مجتمعه، لكنه في حياته الواقعية يعيش شخصية أخرى لا علاقة لها بوضعية الوقوف على المنابر والندوات واللقاءات التي لا تتطلب سوى لعبة التقمص، في عملية مسرحية مثيرة للغثيان. يشبه هذا الوضع حالة بطل إحدى مسرحيات الكاتب الألماني برتولد بريخت. كان بطل بريخت صاحب معمل كثير السكر، وعندما يكون مخمورا يعامل عماله بكثير من الأدب وحسن السلوك والتهذيب، وحينما يصحو من السكْرة تذهب الفكر ويعود إلى شخصيته الحقيقية، الرجل الحقود الذي يبطش بكل شخص، حتى أصبح عمال المعمل يتمنون أن يظل سكران طيلة الليل والنهار.

وقد اهتم الكثير من المفكرين والباحثين العرب بدراسة أسباب وعوامل تأخر الإصلاح والتنمية في العالم العربي، على الرغم من كثرة المشروعات الفكرية التي طرحت طيلة قرن كامل، والتي فشلت في أن تجد لها مصداقا على الأرض، منذ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمان الكواكبي وسواهم، وصولا إلى محمد عابد الجابري وبرهان غليون وعبد الله العروي وغيرهم كثير، ووجد هؤلاء عاملين أساسيين وراء الخلل، غياب التواصل بين المثقف والسلطة التي يمكنها أن تعتمد تلك المشروعات الفكرية في إنتاج أنماط سياسية من الحكم يمكن أن تؤدي إلى خلق مناخ ديمقراطي وتكريس التنمية، ثم غياب القناعة الكافية بتلك المشاريع، ليس لدى المواطن فحسب، بل لدى المثقف نفسه الذي يقف وراء تلك المشروعات ويحاول أن يبشر بها. ظل الجميع منذ بداية القرن العشرين يضع لبنة على ما وضعه سابقوه، ولكن البيت لم يكتمل، لأن النسق الثقافي والأخلاقي الذي يتحدث عنه الراحل المسيري، الأساس الذي يبنى عليه، نسق مهدوم.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%af%d9%88%d9%85.html/feed 0