interview – مسارات https://www.massarate.ma مسارات للرصد والدراسات الاستشرافية Thu, 28 Feb 2013 13:43:49 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.1.6 جان جويبو: الغرب ليس رديف الحداثة https://www.massarate.ma/%d8%ac%d8%a7%d9%86-%d8%ac%d9%88%d9%8a%d8%a8%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d8%b1%d8%af%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d8%ac%d8%a7%d9%86-%d8%ac%d9%88%d9%8a%d8%a8%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d8%b1%d8%af%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9.html#respond Wed, 04 Jul 2012 11:30:27 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=investigations&p=6772 نشر الإصدار الأخير المشترك بين كل من La Vie  وLe Monde (رقم 7 يونيو 2012)، حوارا هاما مع المفكر والمحلل الفرنسي جان كلود جويبو، حول عدة قضايا تهم الحضارة الغربية الحديثة والنموذج الغربي، حيث يقترح مفهوم الحداثة الممتزجة كما يعيد النظر في مفهوم المركز والمحيط من خلال استبدال مفهوم مفهوم الحضارة بمفهوم الثقافة.

جان جويبو

نحن بنظركم في “بداية عالم جديد”، على ماذا ترتكز التحولات الكبرى في الوقت الراهن؟

ما نعيشه منذ عشرين عاما هونقلة هائلة، كالتي تحدث كل ألفي أوأربعة آلاف سنة. فمنذ مطلع الثمانينيات ونحن نعيش أربع ثورات متزامنة بحيث تغير الوضع في كل مجالات الحياة الإنسانية: ثورة اقتصادية مع العولمة، وثورة رقمية وسِبِرنتيقية أدت إلى ولادة شبه كوكب، وهوالقارة السادسة، وثورة جينية تحول الدعائم التي تقوم عليها الإنسانية، ووجوه ارتباطنا بالحياة والاستنساخ البشري وشجرة الأنساب، وثورة بيئية مع تنامي الوعي بأننا لن نستطيع التطور بنفس الحال الذي كنا عليه منذ الألفيات السالفة.

إن هذه الدواعي الأربع تجعلنا نعيش تحولا مهما يمكن أن يضاهي ما حصل في العصر الحجري الحديث منذ 12000سنة، والذي انتقل بنا من الصيد إلى تربية الدواجن، ومن القطف إلى الزراعة ومن الترحال إلى الاستقرار.

 تقولون أيضا بأننا نسير إلى “حداثة ممتزجةmétisse ” ماذا تعنون بذلك؟

تشَكَّل تمثلنا للعالم بالصورة التالية: الغرب هوالمركز الذي يشع على المحيط، والغرب هوالذي يجسد الحداثة أما المحيط فيجسد التقليد والتأخر. فالمركز يبقى مصدر إشعاع سواء كان بطريقة عنيفة من خلال الكشوفات أوالاستعمار، أوالتأثير الثقافي، أومن خلال الهيمنة التكنولوجية.

تداركت الثقافة الأوربية تأخرها في بداية القرن السابع عشر، بالنظر إلى بعض الحضارات الأخرى، أكبر وأقدم، كالهند والصين، والتي تقدمت عليها لتصير مهيمنة.

إن هذا التمثل للعالم طيلة أربعة قرون قد عفى عليه الزمان، وأصبح منذئذ متهافتا.

هل هي نهاية الهيمنة الغربية؟

إلى حدود التدخل الأمريكي في العراق، اعتقد المحافظون الجدد أن بمقدورهم الحفاظ على التفوق الغربي على باقي العالم، وتبين الآن بأن ذلك أصبح مستحيلا. إذ الولايات المتحدة لم تعد تمتلك الوسائل للانتصار في العراق أوأفغانستان، فحكم العالم أصبح بعيد المنال عنهم. واعتقد البعض الآخر بأن الغرب يبسط يده على التكنولوجيا العالية، إذ يقولون لا بأس من أن يصنع الصينيون جوارب بأثمنة بخسة، فنحن نصنع الطائرات الباهضة الثمن والتي نمتلك تكنولوجيتها، وقد تبين أن هذا محض وهم، فثمة بلدان كالهند أصبحت منافسة لنا في هذا الميدان.

بعد أيام من خسارة مصرف ليمان برادرز Lehman Brothers، يوم 15 شتنبر2008 والتي أدت إلى الأزمة المالية التي بلغت ذروتها في الغرب، عرفت الصين أول خروج لرائد فضاء صيني للفضاء، كانت إشارة من طرف خفي من لدن التاريخ. وفي الشهر الموالي أطلقت الهند أول بعثتها الفضائية إلى القمر.

إننا ندخل وضعا جديدا لا يوجد فيه مركز واحد بل مراكز متعددة، لم يعد بمقدور أحد اليوم أن يقول بأن أحدها سيصير مهيمنا، ومن ثم لم يعد الغرب رديف الحداثة.

بكلمة ممتزج métisse، هل تعنون ضمنا أن الزواج بين الأعراق في ازدياد أكثر فأكثر؟

لا، أنا أناشد حداثة ممتزجة، وليس مجتمعا ممتزجا، إذ تمازجية الثقافة يمكن أن تكون مصحوبة بتمازجية الناس غير أن هذا ليس قاعدة مطردة، وأحسن مثال هم اليابانيون الذين أخذوا بنصيب من الجميع منذ عصر ميجي، ولكن مجتمعهم لا يمتزج.

تعارضون بحزم أطروحة صراع الحضارات لصمويل هنتنجتون، ولكن من جانب آخر لا تستبعدون كون الحداثة الممتزجة تخلف عنفا، أليس هناك تناقض؟

مراحل الحداثة كانت دائما مصحوبة بالصد والرفض، وهذا حال إيران الآن، وسوف تكون هناك ردود أفعال ولكنها داخل أوطانها. فالعالم الإسلامي اليوم يعاني من أصولية تريد إيقاف الصيرورة الحداثية، سيكون هناك عنف، لا أعلن بأن العالم سيكون ناعما وبدون مشكل، ولكنه عالم لا يطابق تحاليل صراع الحضارات. فصمويل هنتنجتون يتكلم عن الحضارات السبع الكبرى وكأنها وجدت وحدات خالدة، والواقع بخلاف ذلك منذ قرون!

فالصين الحالية قد أعيد تشكيلها ومرت بتناقضات مثلها مثل الغرب، ونفس الشيء بالنسبة للهند التي جعل أدبها من هذه المنازعة موضوعه الأساس.

هل يبقى الرهان على الديمقراطية في الحداثة الممتزجة؟

هناك رؤيتان خاطئتان، تلك التي تقول بأن كل البلدان ستتوصل طال الزمن أو قصر لديمقراطيتنا، ومن ثم يجب تلقينها لهم، وهو الأمر الذي لم يفلح في العراق ولن يفلح في أي مكان. والتحليل الثاني هو الآخر خاطئ كليا يرى بأن الحرية لا تعنيهم، فهم ينتمون إلى ثقافة أخرى، غير أن الثورات الشبابية التي برزت في 2011 بتونس ثم بمصر وبشكل إشكالي أكبر بليبيا إلى اليمن وسوريا أو المغرب أظهرت عوار هذه الرؤية الثقافوية culturaliste.

لا نعرف بعد ماذا يمكن أن يسفر عنه “الربيع العربي” المتنوع، ونخشى ابتداء من إمكانية مصادرته من قبل الإسلاميين، ولكن علينا أن نتحلى بالصبر ولا نطالب العلم العربي بإنجاز “التحرير” libération، الديمقراطي  في أشهر قليلة والذي تطلب منا نحن الغربيون قرابة قرن من أجل استكماله.

لا شك أن حركات مشابهة تحصل في أجزاء أخرى من العالم، فالمجتمع الصيني المهتم جدا بالحريات، هو بصدد إعادة اختراع ميكانيزمات ديمقراطية على مقاس النظام وذلك بردها إلى خطابها الخاص. أما إيران فمازالت تحت حكم ثيوقراطي ظلامي، غير أن المجتمع المدني يشهد دينامية مدهشة، بتعبير آخر هناك أشكال ديمقراطية تتبرعم وتصاغ قريبة وبعيدة في نفس الآن مما لدينا، في حين تظهر مقاربات مطابقة adaptée لحقوق الإنسان، فهي لن تخضع بالضرورة إلى نوع من الاستنساخ لنماذجنا.

هذه الحداثة الممتزجة واعدة إذن بأشياء جيدة؟

في رأيي نعم، ولكن شيئين يقلقاني، الأول هو شعور الناس بأن إعادة هذا التشكيل الكوني سيسلبهم هويتهم. فهذا الجزع الهوياتي يكاد أن يوجد في كل مكان: انطوائيات الغرب على القرية أو الطائفية، والقوميات الصغيرة في الإمبراطورية السوفيتية السابقة، إلى آخره.

إن إهانة الإسلام هي التي تولد الإرهاب، وإهانة الهنود بالهند بتقنوية علمية معجبة بالذات هي التي تنقلب بهم في بعض الأحيان إلى رؤية ارتدادية، هي الحركة الثقافية للهندوة (نسبة للهند) l’hinduva، (hindouité) والتي تغذي الحزب الأصولي الهندي Bharatiya Janata Party.  في حين يمكن أن تكون لنا هوية قوية، محفوظة ومحمية، ولكن منفتحة. فهذه إحدى رهانات الغد.

القلق الآخر، إيكولوجي، حيث لا يجرؤ أي رجل سياسة على قول: نحن أهل الغرب أمام إفقار، ولا يمكننا فعل شيء آخر إلا القبول بإفقارنا، لأن نموذجنا قد انتشر في باقي العالم، والأرض لا تتحمل ذلك.

هل تستطيع الديمقراطية الصمود أمام الإفقار؟

لا نعرف، فالمجتمع يمكن أن يفقر في أوقات الحرب لأن هناك تهديدا خارجيا، بخلاف وقت السلم فإنه لا يقتدر على ذلك إلا إذا شعر الناس بأنهم في مجتمع عادل تتساوى فيه الجهود. غير أن مجتمعاتنا أصبحت ظالمة أكثر فأكثر، والفوارق تتفاقم.

هل نسير نحو صدام حضارات من نوع اقتصادي بين الصين التي تريد بسط نفوذها على الموارد الطبيعية والأراضي لإمداد تقدمها والغرب مثلا؟

بكل تأكيد. ولكن لن يكون صراع حضارات، بل سيكون تنافسا امبرياليا كلاسيكيا، إنه احتكاك بين البلدان من أجل اقتسام ما تبقى من خيرات العالم. عدا عن ذلك، أعتقد بأن فكرة حضارة لا تعني شيئا مهما. فالكلمة تقترح شيئا ثابتا لصيقا بالتاريخ.

عندما تكون أستاذا بجامعة بركلي، وأنت من أصل صيني، فأنت صينوأمريكي، تدرس بجامعة أمريكية وفي نفس الوقت تشتغل على ثقافة بلدك الأصلي من خلال أعمالك، إذ تحول من الداخل ثقافتك الأصلية. في أي حضارة أنت إذن؟ في مهوى يتم فيه لب الإبداع الثقافي والفني حاليا.

هذا هو الذي يسفه طروحات صامويل هنتنجتون الذي تتبدى عنده الحضارة كسياجات إسمنتية مغلقة.  

هل تستبدلون حضارة بمصطلح آخر؟

بمصطلح ثقافة، لأن الثقافة تمازج، فنحن أنفسنا مولدون metises، منذ أمد بعيد، إذ ثقافتنا، ومعجمنا الفرنسي وطريقتنا في النظر للأشياء ومأكلنا وهندستنا، هي رومانية ويهودية ومسيحية ومسلمة، فمفهوم الثقافة يبدولي أكثر سعة من حضارة.

ترجمة: عبد الصمد غازي

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%ac%d8%a7%d9%86-%d8%ac%d9%88%d9%8a%d8%a8%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d8%b1%d8%af%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9.html/feed 0
الفنانة التشكيلية الشابة العراقي: أرسم لإسعاد الناس وهذه رسالتي الفنية https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b4%d9%83%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%a3%d8%b1%d8%b3.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b4%d9%83%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%a3%d8%b1%d8%b3.html#respond Mon, 11 Jun 2012 14:25:35 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=investigations&p=4811 في مظهرها الشاب تبدو كأنها تضع خطواتها الأولى في عالم الفن، لكن تجربتها الممتدة إلى حوالي ثماني عشرة سنة، تقول أنك أمام فنانة لها مكانتها الفنية في مجال التشكيل ببلادنا؛ إنها الفنانة الشابة إلهام العراقي عُمري التي عادت للتو من تركيا متوجة بثاني جائزة تقديرية بمعرض إسطنبول الدولي للتشكيل بعدما سبق لها أن نالت إعجاب النقاد وزوار معارضها بكل من المجر وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية

الفنانة التشكيلية الشابة العراقي

المعرض الدولي لأسطنبول توّجها في الشهر الماضي

هل يمكننا أن نعرف البدايات الأولى للفنانة الشابة إلهام العراقي عُمري، خاصة أن المتتبع للشأن الفني ببلادنا يلحظ أنك رغم صغر سنك فقد اقتحمت عالم الفن منذ أجل غير يسير؟

 فعلا ربما يبدو أني حديثة العهد بالمجال الفني، لكن الواقع هو عكس ذلك، بحيث إشتغلت في مجال الفن منذ وقت ليس قصيرا، وتحديدا تصل مسيرتي الفنية إلى 18 سنة بما فيها المرحلة التي لم أكن أعرض فيها لوحاتي. وقد بدأت ميولاتي الفنية تظهر على تصرفات منذ طفولتي وهو ما تنبه إليه والدي وأقاربي، فساعدني الأهل على ممارسة هواياتي الفنية المختلفة كالرقص والموسيقى. كما أنني منذ الصغر كنت ميالة إلى الاقتراب من جلسات النساء والفتيات الأكبر مني سنا، واللائي كن يلتهين بصناعة الأقمشة (الطرز والكروشي)، وهو ما كان يترك أثره بداخلي وأنا مازلت طفلة. كما أن المدارس في زمن ما كانت تلقن التلاميذ ربما يومين في الأسبوع مبادئ الفن عبر مشاغل تعليمية كنا نقوم فيها بصناعة أشياء ورسم لوحات، وهو ما لم يعد اليوم متوفرا للأسف بمدارسنا التعليمية الابتدائية بالخصوص. وبعدما حصلت على شهادة البكالوريا في الشعبة العلمية وبعد إنهائي لمرحلة دراستي العليا قبل سنتين في مجال التسيير، ازداد شغفي وحبي للفن فأردت أن أصقل موهبتي الفنية وقررت الالتحاق بمشغل إحدى الفنانات المقيمة بالدار البيضاء وهي “مدَام دُومينيك” من أجل التلقين العلمي والأكاديمي لمبادئ الفن؛ حيث أمضيت سبع سنوات خضت فيها في عوالم الفن وتعلمت أسسه ومبادئه العلمية، كما اطلعت أثناء هذه المرحلة على مختلف ضروب الرسوم واللوحات. ورغم أني أنشأت شركتي الخاصة في مجال النشر والغرافيك إلا أنني ظللت شغوفة برسم اللوحات.  عرضت في أكثر من بلد، منها فرنسا وتركيا والمجر والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها.

لوحة 1

 أية مدرسة تنتمي إليها الفنانة إلهام العراقي؟

 مدرستي هي مدرسة الفن بصفة عامة، حيث يلتقي الرقص بالموسيقى والفن وغير ذلك، إنه الفن الذي يستمد من الجمال الكوني لهذه الأرض، ومن الطبيعة وغروب الشمس ولغات الإنسان وتعددهم. لقد خضت فيب تجارب مختلفة بما في ذلك الكاليغرافيا التي لي فيها لوحات عدة نالت إعجاب المتتبع والإنسان العادي. كما أن لوحاتي بالإضافة إلى أنك تجدها في بعض الأحيان تتناغم مع عالم الموسيقى بحيث أعزف أيضا على آلة البيانو، إلا أن هذه اللوحات يغلب عليها الضوء الخافت الذي ينبع دوما من هذه الألوان التي أستعملها كثيرا، وهي الألوان التي يمكننا تصنيفها ضمن خانة الألوان الساخنة أو الحارة، وخاصة منها الميالة إلى اللون البُني والألوان البنية. إنها الألوان التي أرتاح بالاشتغال فيها، والتي تعتبر عالمي الخصوصي والطابع المسيطر على أركان وزوايا مشغلين وعلى ريشتي، فتأتي بالنتيجة لوحاتي عبقة بهذه الألوان المتوجة باللون الأصفر الداكن المعبر عن تلك الإنارة التي تحضر بقوة في كل لوحاتي. إنها الألوان أيضا التي تستطيع أن تفجر هواجسي الفنية وتبلور ما أتخيله وأفكر فيه على صفحات لوحاتي، ولذلك أكون راضية مرضية عندما انتهي من رسم إحدى لوحاتي وقد عبقت بهذه الألوان، التي تفرض نفسها علي رغم محاولاتي في بعض الحظات استراق جمالية الألوان الأخرى، لكنني أجدني أسيرة هذه الألوان التي حدثتكم عنها فأستسلم طوعا أو كُرها لريشتي المنغمسة في هذه الألوان الساخنة.

 هل هناك اتصال وتعاون بينك وبين باقي الفنانين والفنانات المغاربة الآخرين؟

 بكل صراحة اشتغلت لسنين في محرابي البعيد عن أي اتصال بالآخر، ويمكنك أن تعتبر ذلك ليس كبرياء بل هو تواضع وخجل واستحياء، وكنت دوما أسأل نفسي هل استطعت توفير تراكم فني، على المستويين الكمي والنوعي، أستطيع به مضاهاة الآخرين، بما يخدم الفن طبعا والعالم الفني الجميل، وكان جوابي في كثير من الأحيان، هو أنه علي العمل والإبداع أكثر والتسلح بمزيد من التجربة، حتى أضمن لشخصي مكانا في هذا العالم المغري بالعمل الجاد والعطاء غير المتناهي. لكن مع ذلك وفي السنوات القليلة الأخيرة بدأت أنفتح على محيطي الفني، أقصد وطنيا بعدما تجولت في كثير من البلدان عارضة لوحاتي التي لقيت ترحيبا وتشجيعا كبيرا في عدد من الدول كهنغاريا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. ولذلك بدأت لا أتردد من حين لآخر في زيارة معرض لهذا الزميل أو ذاك، وبهذه المدينة أو تلك. وفي هذا الإطار يمكنني الإشارة إلى مبادرة أطلقتها في شهر ماي الأخير في المعرض التابع لمسجد الحسن الثاني، وقد جمعت أزيد من 80 فنانا وفنانة من مختلف المدن المغربية وتبادلوا خلال هذا اللقاء تجاربهم ومشاغلهم المتعلقة بالمجال الفني وهمومه وآماله، وكانت مبادرة تستحق التنويه والإشادة بحق.

لوحة 2

 هل يمكن أن نقول أن إلهام باتت من الفنانين والفنانات الذين يوصفون بأنهم أسرى مشاغلهم الفنية؟

 يمكنك قول ذلك لكن تلك الأسيرة بمعناها النبيل المتحرر والمنطلق في عوالم الفن غير المتناهية؛ بحيث عندما تلج مصنعك الفني فإنك فعلا تودع عالما خارج الجدران الأربعة التي تؤطر فضاءك هذا الصغير، لكن صدقني أن ذلك يكون فقط بابا لولوج عوالم كثيرة لا تحدها حدود، تتشكل بالخصوص من أفكار متزاحمة في مخيلتك، ومن ألوان منسابة تنتظر فقط تلك المساحات البيضاء المنتظرة لريشتك كي تأخذ مكانها وتتبدى في أحلى صورها، فتكون المناسبة مناسبات للسفر والتحليق في أجواء هذه العوالم غير المتناهية.

لوحة 3

 سبق أن ذكرت أنك عرضت بعدد من الدول. هل حصلت على جوائز ببعض هذه المعارض؟

 فعلا أشكرك على هذا السؤال؛ بحيث ذكرني بمناسبة ستبقى عزيزة وغالية في مساري الفني؛ حيث شاركت في معرض بإسطنبول بتركيا، نُظم في شهر ماي الأخير، وأقام المشرفون على المعرض مسابقة منحوا خلالها ثلاث جوائز، حصلت فيها على الجائزة الثانية بعد المرشحة الأمريكية التي جاءت في المرتبة الأولى، وقد شارك في هذه المسابقة الفنية نخبة من الفنانين العالميين المشهورين. غير أن أكبر جوائزي هي عندما أستطيع نيل رضى المتطلع إلى لوحتي، وعندما يكون الزائر لأحد معارضي مفتتنا بإحدى لوحاتي فيخوض معي حوارا حول الألوان وحول ماهية وخلفيات تواجدها هنا وغير تواجدها هناك، وعندما يقتنع هذا الزائر بما رسمته يمكنني وقتها ان أكون سعيدة، لأنني بكل بساطة أدخلت السعادة بلوحتي على الآخرين، وهذه هي رسالة الفن السامية، وهي إسعاد الناس.

حاورها نورالدين اليزيد

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b4%d9%83%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%a3%d8%b1%d8%b3.html/feed 0
المفكر اللبناني رضوان السيد: لا نقبل أن تسيطر الأحزاب الإسلامية على مؤسساتنا الدينية https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d9%84%d8%a7-%d9%86%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a3%d9%86.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d9%84%d8%a7-%d9%86%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a3%d9%86.html#respond Thu, 07 Jun 2012 09:06:03 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=investigations&p=4433  في حواره الذي خص به موقع مسارات، نجد الباحث والمفكر اللبناني الدكتور رضوان السيد، يحذر من أن تختطف الأدوار الأصلية والتقليدية للمؤسسة الدينة من المجتمع لتصبح في يد الحزبيين الإسلاميين، مؤكدا على أن المؤسسة الدينية هي في الأصل نابعة من الأمة والمجتمع ويجب أن تبقى خاضعة لهذه الأمة، ورافضا في ذات السياق أية سيطرة للحزبيين الإسلاميين على مؤسساتنا الدينية.

المفكر اللبناني رضوان السيد

اعتبر أن المقاصد الشرعية دعوة لتصحيح الرؤى

ماهي دواعي وغايات تنظيم ندوة تبحث في مقاصد الشريعة الآن وفي هذا الزمن؟

 نعم الآن وفي زمن التغيير هناك إشكاليات كثيرة بعضها يتصل بالشأن العربي والإسلامي، والبعض منها يتصل بدور الدين في هذه المرحلة، في ظل ظهور الإسلام السياسي والحزبي. وفي الحالتين معا، أي سواء في التفكير في الشأن العام أو في التفكير في إشكاليات ظهور الإسلام السياسي والحزبي، فإن المقاصد الشرعية هاهنا تلعب دورا كبيرا؛ لأنها دعوة لتصحيح الرؤية فيما يتعلق بالأهداف البعيدة والأصلية والأساسية للشريعة، ولأن مقاصد الشريعة تكون مركزية الإنسان في هذا الكون، وتكون في صالح الناس إذا أُنزلت لصون ضروريات هؤلاء الناس؛ وفي الحالتين فإننا بصدد إيلاء الأهمية إلى الشأن الإنساني. ودور الشرائع والأخلاق الدينية هو صون حاجيات الناس، وفي الحالتين أيضا يصبح التفكير في مسألة التغيير من وجهة نظر هذين البابين؛ من وجهة نظر تصحيح المرحلة الماضية من جهة إهمال الشأن الإنساني والاجتماعي والسياسي، والأمر الثاني من جهة التفكير في المستقبل القريب والبعيد من حيث العناية بالشأن الإنساني السياسي والاجتماعي.

أثارني في مداخلتكم القيمة نقطتان قويتان، إن صح القول، دكتور، وتتعلق الأولى بتحذيركم الشديد مما قد يقوم به من أسميتهم “الحزبيون الإسلاميون” في التأثير على أبنائنا، والنقطة الثانية تتعلق بإعادة هيكلة الحقل الديني في الدول العربية والإسلامية. ماذا كان قصدكم من ذلك الكلام؟

 كان القصد هو أن المؤسسة الدينية الإسلامية لها عدة مهام، كالقيام والإشراف على العبادات وتعليم الناس هذه العبادات، والقيام أو الإشراف على إصدار الفتاوى، والقيام أيضا بمسألة الإرشاد العام والتعليم الديني، وهذه المهام سواء أقصرت في أدائها الدول أو لم تقم بها على الوجه المرجو، فإنه ليس هناك غيرها من يقوم بها، أو يقوم بتعليم الدين لناشئة المجتمع وغير ذلك. والذي يحدث الآن بل ومنذ العقود الماضية، فقد تعرضت الدولة في أداء مهامها الأربعة، التي ذكرتها، إلى تحديات من جانب السلطات، في بعض الحالات، ومن جانب الإسلام الحزبي، في حالات أخرى. وهذا الأخير أي الإسلام الحزبي هو البارز حاليا، والذي يريد القيام بأدوار التعليم أو أداء وظيفة إصدار الفتوى، وغير ذلك، وبطُرقه الحزبية الخاصة. وقد قلنا دوما أن هذه المؤسسة ضرورية جدا لبقاء التربية الدينية وبقاء الأخلاق الإسلامية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل محلها مؤسسات حزبية، ذات وجهات نظر أو اجتهاد خاصين، وذات إدارات خاصة داخل الصراع السياسي؛ حيث تريد هذه الجهات الحزبية أن تستغل الدين في هذا الصراع من أجل الوصول إلى أغراضها. لذلك على المؤسسة الدينية أن تعود إلى أصولها؛ لأن المؤسسة الدينية في الأصل، والتي تتجلى بالخصوص في المدارس وبيوت العلم وبيوت الدعوة، وغير ذلك، أنشأتها الأوقاف وأنشأها المجتمع الإسلامي. وبالنتيجة ومادامت عناية الدول تنحسر ومادامت الأحزاب السياسية الإسلامية تتقدم، فإنه ينبغي أن لا نقبل أن تسيطر هذه الأحزاب على المؤسسة الدينية، وأن نعود بهذه الأخيرة إلى الأصل، بحيث يتولى المجتمع الإشراف عليها، وتظل خاضعة للشأن الديني الإسلامي العام الموكول للجماعة أمر تدبيره.

في هذا السياق، دكتور، ألا ترون أن زمننا الحالي هو زمن هذه الأحزاب السياسية التي تتحدثون عنها؟

 لا بالعكس ! أنا رأيي هذا الزمن ليس زمن هذه الأحزاب الإسلامية، بل ما نراه هو مجرد ردة فعل عن تأزمنا الذي عرفناه نتيجة تأزم الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وخاصة في المرحلة الماضية، بحيث أن الناس ونتيجة لوجود عدة أسباب منها انتشار الاستبداد لجأوا إلى هذه الحزبيات الدينية، ولذلك فإن نجاحات هؤلاء هي من مخلفات المرحلة الماضية وحسب، حيث وثق الناس بهم، وركنوا إليهم في مواجهة بعض السلطات الاستبدادية التي كانت قائمة، والتي كانت تسلب من المسلمين كراماتهم وحرياتهم وحقوقهم. أما الآن فالمجال العام انفتح، وجميع فئات المجتمع بإمكانها وتستطيع التحدث والتصرف، بسبب انتصار حركات التغيير، لذلك وفي نظري فإن الإسلاميين سيظهر قصورهم خلال سنين قليلة وأجل قصير، نتيجة مزجهم السياسة بالدين، وإدخال الدين في الصراع السياسي، وغياب الكفاءة لديهم أيضا في معالجة قضايا الشأن العام، وبسبب ما سيحدثونه وبدأوا يحدثونه من خلافات. كل ذلك سيدعو الناس إلى الانصراف عنهم. وأنا أرى شخصيا أن بروزهم المبالغ فيه هو فقط نتاج من نتاج المرحلة الماضية، وليس بسبب كفاءتهم مثلا أو بسبب كونهم يعالجون قضايا مبادئ الكرامة والعدالة والحرية وصلاح حال مجتمعنا وأمتنا بطريقة أفضل من طُرق غيرهم.

حاوره: نورالدين اليزيد

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d9%84%d8%a7-%d9%86%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a3%d9%86.html/feed 0
الباحث العربي بأمريكا فرغلي: العرب في مفترق طرق وعليهم اختيار دعم لغتهم https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a8%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d9%81%d8%b1%d8%ba%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d9%85.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a8%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d9%81%d8%b1%d8%ba%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d9%85.html#respond Mon, 07 May 2012 10:19:48 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=investigations&p=1820 الباحث العربي بأمريكا فرغليبرأي الدكتور علي فرغلي الباحث بإحدى جامعات كاليفورنيا بالولايات المتحدة والذي يشتغل بعدد من المؤسسات التي تبحث في علاقة اللغات بالحاسوب، فإن العرب في مفترق طرق هم ولغتهم العربية، بحيث إذا لم يبادروا إلى دعم المزيد من الأبحاث بخصوص اللغة العربية وجعلها تساير متطلبات العصر، فإن مستقبل لغة الضاد سيكون في خطر، لذلك على العرب أن يجعلوا لغتهم العربية هي أولى أولويات اهتمامهم

من خلال مداخلتكم بالندوة يبدو أنكم تشخصون مجموعة من المعيقات التي تعتري تقدم اللغة العربية؛ برأيكم أستاذ أي مستقبل للغة العربية في ظل التكنولوجيا والتقنية الجديدة؟

 لنقلها بكل صراحة مستقبل اللغة العربية هو مرهون بما يمكن لأبناء هذه اللغة أن يقدموه إلى لغتهم الأم، وذلك من خلال مدى إمكانية توفير العرب لوظائف جديدة لهذه اللغة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الاعتماد بشكل أساسي على اللغة العربية في التعليم ولاسيما في التعليم العالي، وليس الاعتماد بالدرجة الأولى على اللغات الأجنبية. كما أن الاعتماد على استعمال الحاسوب وملاءمة اللغة العربية بالطريقة التي يمكن للآلة ولتطبيقات الحاسوب تحويلها وقراءتها، من شأن كل ذلك أن يعطي دفعة قوية للغة العربية.

كما جاء في مداخلتكم أيضا يعتبر التشكيل (الشكل) باللغة العربية واحدا أيضا من المعيقات التي تحول دون تقدم اللغة العربية ومجاراتها للتكنولوجيات الحديثة؛ كيف إذن يمكن جعل اللغة العربية تتخطى هذا العائق؟

بكل تأكيد هذا صحيح عندما سيتمكن العرب من القدرة على قراءة اللغة العربية بدون استعمال التشكيل وذلك من خلال البحث عن وسائل وطرق أخرى بديلة لهذا التشكيل، وكذا من خلال القدرة على جعل اللغة العربية قادرة على استعمال الحاسوب وتطبيقاته، والعكس أيضا صحيح أي قدرة الحاسوب على قراءة اللغة العربية، وهو ما يتأتى من خلال قابلية اللغة العربية على التحويل إلى أرقام مشفرة، وقتئذ يستطيع الحاسوب قراءة لغتنا بدون استعمال حركات التشكيل، وحينها كذلك ستتمكن لغتنا الأم من كسب الرهان ورفع كل التحديات.

إذن هل هناك إمكانية لتحويل التشكيل الذي يسمى بالأداة التقليدية والكلاسيكية لقراءة اللغة العربية، إلى رقم وبالتالي قابلية اللغة لعربية للحوْسبة وقراءتها آليا؟

هذا ممكن والأمر يرتبط فقط بمدى اهتمام العرب بلغتهم وذلك بتخصيص إمكانات مادية لمزيد من البحوث في هذا المجال. ومن اللازم في هذا السياق أيضا النهوض بأعمال الخبراء الذين يشتكون كثيرا من ضعف الدعم المادي وتشجيعهم، وهو ما يؤثر بالنتيجة على أعمالهم ومشاريعهم لتطوير اللغة العربية وجعلها قادرة على مسايرة متطورات التقدم التقني والتكنولوجي، بل ومواكبة التطورات التي وصلت إليها نظيراتها من اللغات الأخرى، التي يبدو أن مسؤولي دول تلك اللغات يجنون ثمار دعمهم المهم والكبير لأبحاث خبرائهم المنصبة على تطوير اللغة وجعلها مقروءة حاسوبيا.

تم التقاط نقطة مهمة خلال الندوة المتعلقة بالمعالجة الآلية للغة العربية، وهي أن الأجانب أصبحوا أكثر اهتماما منا باللغة العربية وخاصة عندما يتعلق بالجانب الرسمي العربي، ما سبب هذا الغياب برأيكم؟

هو بكل تأكيد غياب وعي لدى الجهات القادرة على اتخاذ القرارات، كما أن الأمر يتعلق بتخصيص ميزانيات مهمة ربما لأولويات غير أولوية اللغة مع العلم بالأهمية القصوى للغة الشعوب، وهو ما يمكنه للأسف أن يؤثر سلبا وبالضرورة على مستقبل لغتنا العربية. إن مسألة تمويل الأبحاث المتعلقة باللغة العربية تصبح مسألة مصيرية لاسيما في ظل عولمة اللغات وفي ظل حوسبتها، وهو ما يتطلب الابتعاد ما أمكن عن التعاطي الضيق مع اللغة العربية والمقتصر فقط على الطابع المناساباتي. وبدل ذلك ينبغي رصد كل الطاقات والإمكانات، وبلادنا العربية تتوفر على الشيء الكثير من ذلك، من أجل جعل اللغة العربية قادرة على رفع التحديات، وهذا ليس بالأمر الهين مادامت اللغة العربية لغة طبيعية وحية وقابلة على التأقلم مع المستجدات في عوالم التقنية والتكنولوجيا.

بصفتكم باحثا في مجال اللغة لاشك أنّ لكم نظرة حول مستقبل اللغة العربية، كيف ترون هذا المستقبل؟

 

بالفعل المستقبل آت لاريب، وعندما يتعلق بمستقبل لغتنا العربية فإن المعطيات المتوفرة لدينا حاليا، وما نعيشه من وضع لا يسر بكل تأكيد كل الغيورين على هذه اللغة، فإن هذا المستقبل يمكن أن يكون مشرقا، كما يمكن أن يكون مظلما، وذلك بالنظر إلى مدى اهتمام أهل هذه اللغة بها وليس اهتمام الأجنبي؛ إن العرب هم الآن في مفترق طرق بخصوص التعامل مع لغتهم الأم، وبيدهم وعليهم الاختيار إما هذه الطريق أو تلك؛ إما مستقبل زاهر لهذه اللغة أو لا قدر الله مستقبل غامض لن تكون فيه القدرة للغتنا على مواجهة قوة باقي الغات الأخرى. وإذا ما استمر العرب في نهج نفس السياسات غير المهتمة بمستقبل اللغة وبتحدياتها ولاسيما استعمالها في المجالات الحيوية كالحوسبة مثلا، فإن ذلك سيكون مضرا كثيرا بلغتنا العربية، أما إذا تم تغيير تلك النظرة للغة وتم استثمار كل الطاقات والإمكانات من أجل جعل اللغة قادرة على مواجهة متطلبات عصرنا الحديث وخاصة القدرة على المعالجة الرقمية، وقتئذ فإن مستقبل اللغة العربية سيكون زاهرا وعظيما بلاشك.

 حاوره: نورالدين اليزيد

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a8%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d9%81%d8%b1%d8%ba%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d9%85.html/feed 0
الخبير اللغوي الحنّاش: العربية هي الأكثر استجابة للعصر لكن يجب دعمها بالبحث العلمي https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d9%88%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d9%91%d8%a7%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d9%88%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d9%91%d8%a7%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83.html#respond Mon, 07 May 2012 10:14:04 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=investigations&p=1814 الخبير اللغوي الحنّاشفي الحوار التالي الذي خصّ به موقع “مسارات” الباحث المغربي في مجال هندسة اللغة العربية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس”، محمد الحنّاش، نقف عند تحذيرات العالِم والخبير في مجال تخصصه من كون لغة الضاد باتت في وضع لا تُحسد عليه، بالنظر إلى عجزها على مجاراة واقعنا الحالي الذي تسيطر عليه التكنولوجيا الحديثة، والتي تفرض ضرورة قابلية لغات العالم لأن تحول إلى أرقام حتى يمكن للآلة قراءتها بشكل سليم، فهل لغتنا العربية قادرة على رفع هذا التحدي؟

أولا لنبدأ بتعريف مختصر لهذا التخصص في مجال اللغة العربية؛ ماذا تعني هندسة اللغة العربية؟

بالفعل هذا التخصص هو من التخصصات الحديثة، والذي يبحث في الإمكانيات والوسائل التي من شأنها أن تجعل اللغة العربية تتجاوب مع مستجدات التكنولوجيا والتقنية الجديدة، وبالتالي نقل المجتمع العربي إلى ما يسمى اقتصاد المعرفة، وأن لا يبقى المجتمع العربي مجرد مستهلك لما تقدمه لنا اللغات الأخرى الأجنبية. وفي هذا الإطار من المفروض علينا كعرب أن نكون منتجين للمعرفة بلغتنا الأم لغة حرف الضاد، مع المحافظة بطبيعة الحال على مقومات هويتنا التي تقوم على هذه اللغة والتي هي لغة القرآن، وكذلك مع المحافظة على ثقافة المجتمعين العربي والإسلامي، لكن دون إغفال التعاطي الإيجابي مع التقنية والتكنولوجيا الحديثة. وإذا أردنا أن نحمي لغتنا العربية، فلن يتم ذلك برفع الشعارات والارتكان إلى العاطفة، بل إننا نحتاج في هذا الشأن إلى مجهودات علمية ملموسة، ومن ذلك استعمال الأدوات الحديثة التي توفرها لنا التكنولوجيا حتى نُعرّف العالم كله بهذه اللغة، وحتى يَعرف العالم أيضا أن لغتنا هي بحق الأكثر استجابة لمتطلبات العصر والتقنيات الجديدة من نظيراتها من اللغات الأخرى، وهذه ليست مزايدة أو مجاملة لفائدة هذه اللغة الطبيعية طبعا، وإنما هي حقيقة تبثت علميا.

في هذا الإطار تم طرح العديد من الأفكار التي تروم ضرورة تطوير إمكانات لغتنا العربية حتى يمكنها مجاراة باقي اللغات الأخرى ورفع التحدي أمام التكنولوجيا الحديثة. هل ترون أن مثل هذه الندوات العلمية كفيلة بجعل اللغة العربية قادرة على رفع هذا التحدي؟

بطبيعة الحال من خلال مثل هذه الندوات واللقاءات التي يشارك فيها علماء وخبراء عرب بالإضافة إلى نظراء لهم من دول أجنبية أخرى، يمكن تبادل الأفكار والإطلاع على ما استجد في مجال البحث اللغوي. ولا يمكننا الاكتفاء مثلا بما يقدمه لنا علماء وخبراء أجانب بشأن لغتنا، والذي يكون أحيانا عبارة عن أفكار متداولة لدينا ولا تحمل أي جديد يذكر. لأن دعم لغتنا العربية هو من صميم وواجب أهلها الذين عليهم الاهتمام أكثر بمجال البحث فيها، وعليهم أيضا بضرورة إعادة توصيف هذه اللغة؛ لأن طريقة التوصيف المعمول بها حاليا، وخاصة فيما يتعلق بالنحو والصرف والعروض وما إلى ذلك، وإن كان كل ذلك يعتبر مهما جدا فإن علينا إعادة توصيف هذه الأدوات حتى نستطيع إدخال لغتنا إلى الآلة التي لا تفهم الطريقة الكلاسيكية لتوصيف اللغة، وإنما تفهم فقط اللغة الرياضية التي يمكن لأي لغة أن تُبرمج في إطارها، وبالتالي قراءتها بدون لبس أو عُسر. وهناك نماذج كثيرة عن مثل هكذا استعمالات، تماما كما هو الشأن بالنسبة للترجمة والبحث مثلا عبر الموقع العملاق غوغل، وهو ما يعني أن لغتنا لها مقومات من أجل رفع هذا التحدي، وما ينقص هو فقط القدرة على تفعيل ذلك والاستثمار في مجالات البحث، مما يتطلب بالضرورة رصد إمكانات مادية لهذا الغرض من أجل مزيد من البحث.

جاء في حديثكم توصيف “الأدوات الكلاسيكية” وتقصدون بذلك بالأساس مسألة النحو والصرف باللغة العربية؛ هل يعني ذلك أن هذه الوسائل أو الأدوات لم تعد كافية أو متجاوزة، وبالتالي ضرورة البحث عن أدوات جديدة أو بديلة؟

نعم بكل تأكيد فإن مسألة النحو والصرف والبلاغة والعروض لا يمكن للحاسوب استعمالها بالطريقة السابقة الكلاسيكية أو التقليدية، بل إننا نحتاج إلى إعادة توصيف نظام اللغة العربية بطريقة رياضية دون أن نفرط بطبيعة الحال في مقومات لغتنا الأم؛ فالمسألة هنا لا تتعلق باللغة في حد ذاتها بل إننا نتحدث عن أدوات النحو والصرف، لأن هناك أدوات نحوية وصرفية قطعت مع النظم القديمة والتقليدية، وذلك عبر التغيير في المقاربة أو التوصيف أو المرادف، وهذا ما يحتاج إلى عمل جديد. وكما جاء في إحدى المداخلات بالندوة الحالية (الندوة الرابعة للمعالجة الآلية للغة العربية) فإن التدوين يحتاج إلى تشفير وهو ما يعتبر عملا مهما وليس بالأمر الهين. وفي هذا السياق فإننا نشتغل على برنامج جد ضخم بشراكة مع منظمة “أليسكو” (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، ويتعلق الأمر بتشفير البيانات من أجل بناء محللات نحوية ومحللات دلالية وأخرى تتعلق بالإملاء. كل ذلك ليس ممكنا بالطرق التقليدية بل يتطلب أدوات جديدة قادرة على مواكبة هذه المستجدات فيما يتعلق بالتقنية والتكنولوجيا الحديثة.

أكيد أستاذ مثل هذه المشاريع تتطلب إمكانيات ضخمة. برأيكم هل تقوم الجهات الرسمية العربية بما يلزم من أجل دعم اللغة العربية وجعلها أكثر قابلية لمجاراة التقدم الآلي والتقني؟

للأسف ليست هناك إمكانيات مخصصة لهذا الإطار البحثي والعلمي، وأكاد أقول أن مستوى الدعم الرسمي العربي لهذه البحوث التي تُعنى باللغة لا تتجاوز رقم الصفر، والذين يقومون بمجهودات في هذا الإطار هم أفراد خبراء وعلماء ومهتمون، وبإمكانيات هي في الغالب إمكانيات شخصية، وأحيانا أخرى اعتمادا على تمويلات خارجية من منظمات ومؤسسات مهتمة بهذا المجال. وهناك من ينفق الملايين من الدولارات من أجل أن تكون لغته قادرة على مجاراة التطور التكنولوجي وخاصة من أجل القدرة على التعامل مع محرك البحث الشهير غوغل، لكن عندنا نحن العرب ليس هناك اهتمام يذكر. وإذا لم يتم تدارك الأمر وتقديم الدعم اللازم للغتنا العربية فإن هذه الأخيرة ستبقى حلقة مفقودة. وللمفارقة الغريبة فإن الظرفية الحالية تعرف إقبالا متزايدا على تعلم اللغة العربية، ويمكننا القول أنها في لحظة ازدهار، وفي الوقت الذي على المسؤولين استغلال هذا المعطى، فإن ما يحصل هو العكس، بحيث إن الجهات المعنية بدعم هذه اللغة لا تنفق عليها ما يلزم من تمويل ولا تقوم بواجبها إزاءها، وكل ما هنالك هو مجهودات فردية ودعم من منظمات من هنا وهناك. وفي هذا السياق يبرز دور منظمة “أليسكو” التي رغم أن لها أفكارا من أجل تطوير اللغة فإنها في حاجة هي الأخرى إلى دعم حقيقي من الجهات الرسمية العربية، بحيث تصبح عاجزة عن مواصلة السير في غياب هذا الدعم العربي المنشود، ليبقى الحل الوحيد والأساسي هو الاعتماد على التطوع كما هو الشأن حاليا حيث نتطوع إلى جانب زملائنا لتقديم أفكار تصب في خدمة اللغة العربية.

إن مشاريع مهمة تبحث في اللغة العربية تحتاج إلى إمكانات مادية محترمة تقدر بملايين الدولارات، بينما نرى أنها لا تخصص لها غير بضعة آلاف من الدولارات، وهذا شيء غير كاف من أجل التوصل إلى نتائج علمية قادرة على خدمة اللغة، بل إنها ربما أموال تكفي فقط وبالكاد لاستضافة الباحثين وإقامتهم خلال ندوة من الندوات. وأما تمويل مشروع علمي بمعنى الكلمة فإنه يتطلب إيواء فريق خبراء بدولة من الدول بشكل دائم على شكل إقامة معاهد مثلا ثم الإنفاق على أبحاثه وباحثيه. وفي هذا الصدد فإن للمغرب إمكانات مهمة جدا وبنيات تحتية قادرة على لعب مثل هذا الدور، بحيث يوجد ببلادنا معهد التعريب التابع لمنظمة الجامعة العربية، كما لدينا معاهد وكليات ومراكز في المستوى، وهو ما ينبغي أن يتم استغلال ذلك بشكل جيد، لكن للأسف فإن الأمور لا تتخذ هذا المسار. وعموما يمكننا القول أننا نحن العرب على مستوى البنيات اللوجيستيكية ضعاف ولا نرقى إلى مصاف الدول المتقدمة التي ترعى لغاتها بشكل جيد، وبالنتيجة فإننا لا نستطيع استغلال إمكانات لغتنا، رغم أن القاعدة هي أنه بدون لغتنا الأم الطبيعية فإننا لن نتمكن من التقدم، على اعتبار أنه لا اللغة الفرنسية التي تعرف تراجعا في السنوات الأخيرة ولا اللغة الإنجليزية يمكنهما أن يساهما في تقدّمنا؛ صحيح لا يجب علينا أن نغفل هاتين اللغتين والاستفادة منهما، لكن وحده الاهتمام بلغتنا هو الكفيل بجعلنا نتبوأ مصاف البلدان المتطورة، وهذا لن يتأتى إلا ببناء نموذج حاسوبي ومعولم استنادا إلى لغتنا الأم، حتى نجاري ونضاهي لغات العالم التي تستطيع التكيف مع الآلة.

حتى لا نكون سوداويين، أستاذ، في ظل هذا الوضع الضبابي، كيف تستشرفون مستقبل اللغة العربية؟

نعم إنه مستقبل مرهون بنوايا أهل هذه اللغة وبمدى استعدادهم لتقديم الدعم اللازم لها، لأن لغتنا للأسف في وضع خطر بل لا نبالغ إذا قلنا أنها تنتحر، وللأسف فإن الناس لا يعرفون مدى جسامة هذه الوضعية وخطورتها، وكل ما يتم الحديث عنه هو وجود لوبي فرنكفوني أو أنغلوساكسوني أو غير ذلك؛ أما ماذا فعلنا من أجل إنقاذ اللغة فلا شيء حصل، وكل ما هناك هو مجرد كلام في كلام وشعارات ترفع في مناسبات مختلفة. وبالمناسبة وفيما يتعلق بالمغرب هناك مشروع أكاديمية اللغة العربية الذي نخشى أن تسيطر عليه عقليات قديمة وتقليدية، أو ذات مآرب خاصة بدل عقليات تستطيع تحقيق الأهداف النبيلة للبحث، والتي وحدها يمكن أن تخدم الأمة وثقافتها وحضارتها، وهذا لن يتأتى إلى بضرورة بناء نسق هندسي للغة يمَكنها من الوقوف جنبا إلى جنب مع نظيراتها من اللغات الأجنبية الأخرى.

حاوره: نورالدين اليزيد

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d9%88%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d9%91%d8%a7%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83.html/feed 0
مشاكل العالم تستدعي حلولا تقنية وأخلاقية في آن https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d8%ad%d9%82-%d8%a3%d9%8a-%d8%a8%d9%84%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d9%85%d9%86%d8%b9-%d9%83%d9%84-%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%b9.html https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d8%ad%d9%82-%d8%a3%d9%8a-%d8%a8%d9%84%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d9%85%d9%86%d8%b9-%d9%83%d9%84-%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%b9.html#respond Wed, 25 Apr 2012 17:21:37 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=investigations&p=1391  خالد حاجي

لائحة عريضة من العناوين التي يحفل بها هذا الحوار، مع المفكر المغربي خالد حاجي، من  الرسائل الفنية والأدبية والفكرية التي جاءت في آخر أعماله الروائية (رواية “عبد الرحمن والبحر” وصدرت عن المركز الثقافي العربي)، إلى قراءة المعارك السياسية والسياسية التي اندلعت خلال السنين الأخيرة في القارة الأوروبية بخصوص التعامل مع موضوع الهويات الوطنية، ومنها قضايا أزمة المآذن، قلاقل النقاب.

ما يُميز أعمال خالد حاجي ـ والتي تعرفنا عليها في دراساته التي كانت تُنشر في مجلة “المنعطف” المغربية، أو التي جاءت في كتابه القيّم “من مضايق الحداثة إلى فضاء الإبداع الإسلامي والعربي” (الصادر عن المركز الثقافي العربي)، أو مداخلته في أنشطة “منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين” ـ أنها حافلة بالأسئلة والأجوبة في آن: لسنا أمام جهاز مفاهيمي يحتكر النطق باسم “الحقيقة العلمية”، وإنما أمام جهاز مفاهيمي يفاجئك بأسئلة مضادة، مؤسسة في الغالب الأعم على شعار/خيار “النقد المزدوج”، ويُدلي فيما بعد باجتهادات معرفية، من باب الإسهام في البحث عن أجوبة عملية على أسئلته وأسئلتنا في آن، ومُجمل الأسئلة الراهنة التي تؤرق بال العقل العربي الإسلامي المعاصر والعقل الغربي المعاصر.

هذه بعض مقدمات الحوار..

+ أشرتم في خاتمة مبحث “الجميل والقبيح” الصادر مؤخرا في شهرية “الدوحة” (ضمن ملف حول “احتلال العقول”) إلى أنه مع ابن عربي، نجد الحضارة الإسلامية تستوعب الآخر استيعاب مُحبّ، وعند ابن تيمية، ومن خلال استقراء لاميته التي يتحدث فيها عن أصول الاعتقاد والمذهب وغيره، نصطدم بروح انغلاق تعكس سياقا آخر يسود فيه الحرص على ترسيخ العقيدة والوجود العقدي للأمة.

هل يمكن لانفتاح خطاب ابن عربي، نموذجا، أن يفسر لنا بعض أو أهم أسباب ولع العديد من الغربيين بالخطاب الصوفي، إلى درجة اعتناق بعضهم للإسلام؟

++ بداية، أود الإشارة إلى أنني بالوقوف عند ابن عربي وابن تيمية لا أصدر عن محور الاستقطاب المعهود الذي يملي المفاضلة بينهما، بقدر ما أروم التنبيه على طبيعة السياق الذي أنتج كلا منهما، داعيا إلى الاستفادة من تجربتيهما، ومن تجارب أخرى كثيرة، انطلاقا من موقعنا نحن اليوم كذات حية لها أسئلة جديدة، تقتضي تركيب أجوبة جديدة. ففكر ابن تيمية وبلاغته يُجسّدان مرحلة من مراحل الحضارة الإسلامية، حيث كان الحرص على تثبيت الهوية العقدية للأمة مشروعا أمام تحديات الواقع ومداهمة القوى الخارجية. أما فكر ابن عربي فيعكس مرحلة من مراحل انفتاح الحضارة العربية الإسلامية وإقبالها على الآخر بروح انفتاح عالية.

المقصود من وراء هذا الحديث هو لفت الانتباه إلى حقيقة مغيبة مؤداها أنه لا توجد حضارة يلازمها الانفتاح ملازمة جوهرية، وأخرى يلازمها الانغلاق ملازمة جوهرية. بل كل حضارة تعرف سياق انغلاق وسياق انفتاح تمليها موازين القوى والعلاقة مع المحيط الخارجي.

ولا عجب في أن يجد الغربيون في خطاب ابن عربي، أو الخطاب الصوفي عموما، مَنفَذا للتمفصل مع الحضارة العربية والإسلامية ومدخلا للتعارف معها، حتى أن بعضهم كتب “إما أن يكون الإسلام روحيا/صوفيا أو لن يكون” (إيريك جوفروا). فهؤلاء يجدون في بلاغة التصوف ما به يؤلفون بين الانتماء الثقافي والحضاري للغرب من جهة، وبين الانتماء العقدي والروحي للإسلام من جهة أخرى. من الطبيعي جدا أن يرفض هؤلاء كل أنواع التوسع في بلاغة العقيدة التي تلغى  معها تجاربهم الفنية والروحية والفلسفية التي كانت هي الأصل في التقائهم بالإسلام، ويلوذون ببلاغة الانزياح الصوفية التي تستوعب الكثير من التجارب المتناقضة تحت لواء الإسلام ورايته. حقيقة أن التوسع في بلاغة العقيدة يربط بين عقيدة التوحيد المقبولة والمرحب بها من طرف الكثير من الغربيين، وبين أشكال ثقافية غريبة ومرفوضة. لذلك فباللجوء إلى بلاغة التصوف يطلبون بلاغة تفصل بين عقيدة التوحيد وبين بعض الأشكال الثقافية المستصحبة من العالم الإسلامي.

غير أنه، وبالمقابل، لا يخفى أن هناك قوى غربية نافذة في عالم السياسة والاستراتيجية، ومقربة من مراكز صنع القرار، قوى ترى في التصوف الحلقة الأضعف في الحضارة الإسلامية وبالتالي المدخل المناسب لإخضاع أبناء هذه الحضارة ثقافيا واقتصاديا وسياسيا لنفوذ العولمة والسياسات الغربية. نشير هنا إلى برنارد لويس وكتابه عن الإسلام والحداثة، وكيف أن هذا المفكر يعلي من شأن التصوف على حساب السلفية لأغراض لا علاقة لها بتطلعات المتصوفة وتشوفاتهم…لا عجب أن يختار حراس عقائد الغرب السياسية والدينية الاشتغال على التصوف بغرض تحقيق التمفصل مع العالم العربي والإسلامي تمفصلا يضمن نشر قيم الغرب وتفوق منظومته الحضارية.

إذا كان الغربيون يجدون في بلاغة التصوف ما يشجعهم على الاقتراب من الإسلام ومنظومته الروحية وتجاربه الثقافية والحضارية، فما عسانا نحن نجد في هذه البلاغة؟ بغض النظر عن تنوع التجارب الصوفية وتفاوت أصحابها من حيث الورع والصدق وإخلاص النية، يظل التصوف جزء من التراث والواقع الإسلامي لا سبيل إلى إقصائه. بعيدا عن السقوط في تنزيه التصوف وأصحابه، أو تبديعهم وتكفيرهم، نحتاج إلى روح نقدية جديدة تتوخى التقاط الأسئلة الجوهرية التي حاول المتصوفة الإجابة عنها، فالإفادة منها. ولعل أهم سؤال يواجه به المتصوف المنظومة الفقهية الإسلامية هو السؤال المتعلق بصيغ التوفيق بين “المغلق والمطلق”، بين الداخل والخارج. هذا سؤال يطرح في كل السياقات الحضارية، على اختلاف الحضارات.

ولعل حظوظ الحضارات، ومنها الحضارة الإسلامية، في التوسع والاستمرار، تكبر وتصغر بحسب قدرتها على التقاط هذا السؤال ثم الإجابة عنه. إذا كان الفقهاء في المنظومة الحضارية الإسلامية هم فرسان المغلق، أو الداخل؛ فإن المتصوفة هم فرسان المطلق، أو الخارج. والحضارة الإسلامية تبلغ ذروتها حين يتم التواصل بين هؤلاء.

إن التناغم بين الفقه والتصوف يعين العقل العربي الإسلامي في تحصيل أسباب وسبل الانفتاح، كما يدفع إمكان الوقوع في آفة الانحلال. أما من الناحية الإجتماعية والسياسية، فما أحوج المجتمعات العربية والإسلامية إلى خطاب يمزج بين الفقه والتصوف مزجا يخلق أجواء الانفراج، تفاديا لأسباب الانفجار.

في واقع ا لأمر، إن سؤال التصوف، مثل سؤال المرأة والفن والأقليات، يضع المجتمعات العربية والمسلمة في زمن العولمة أمام خيارين لا ثالث معهما: إما الانفراج أو الانفجار. فأما التفريج فيأتي من الداخل، بفضل قوى ذكية وحكيمة؛ وأما التفجير فيأتي من الخارج، بفعل قوى متربصة. وعلينا نحن أن نختار. والمسؤولية هنا طبعا لا تقع على عاتق الشعب دون الحكام، ولا على عاتق الفرد دون الجماعة…إنها مسؤولية الجميع، مسؤولية حضارية مشتركة.

+ نقرأ للمفكر الجزائري محمد أركون في كتابه “قضايا في نقد العقل الديني”، أن “تجاوز التضاد بين الحضارات لم يتم عبر الدعوة إلى اتباع الروحانية والأخلاق، لأن المواعظ الأخلاقية لا تحل شيئا”، مضيفا أن “الأخلاق التقليدية عفا عليها الزمن ولم تعد قادرة على التأثير في الحياة الحديثة، بحكم مقتضيات الاتجاه اليوم، نحو فضاء جديد للمعرفة والتأويل والممارسة العملية”.

كيف تقرؤون هذا التقييم الأركوني؟

++ يصح كلام أركون من وجه، وقد لا يصح من وجوه. ولعل القول بعدم قدرة الخطاب الأخلاقي على حلّ مشاكلنا في عالم اليوم، يجب ألا يكون مسوغا للدعوة إلى نبذ الأخلاق، أو طرح الدعوة إليها جانبا. حين نتحدث عن الأخلاق إنما نتحدث عن منطق النبوة القائم على أساسين اثنين: الأمل والشهود. فأما الأمل فمصدره الإيمان القوي في الممكن، في إمكان أن يحمل الغيب ما يغير سياق الأمور؛ وأما الشهود فمعناه أن أصحاب الدعوة الأخلاقية، على خلاف الفاعلين السياسيين، لا يطلبون الفعالية السياسية، بقدر ما ينبهون الناس إلى ضرورة الأخلاق لأجل تجنب ما قد تكسبه أيديهم من قوارع وتجنيه صناعتهم من كوارث. قد يُلتفَت إلى الخطاب الأخلاقي وقد لا يُلتَفت إليه! هذا الخطاب يضع الناس أمام مسؤولياتهم، وعليهم أن يختاروا.

وأما ما يبشر به أركون من “فضاء جديد للمعرفة والتأويل والممارسة العملية”، فهذه أمور إذا لم تزد الطينة بلة وتُعجّل بنهاية الحضارة وكساد العمران، فهي لن تحدث تغييرا يذكر. فهل عند أركون وصفة عملية لحل المشاكل المستعصية في عالم البيئة والسياسة والعلاقات الدولية اليوم فيخرجها لنا! غاية ما يدعونا إليه هو الاستسلام لموازين القوى العالمية والرضوخ للنظام القائم تحت ذريعة الامتثال للأمر الواقع. والحقيقة أن الدعوة إلى الامتثال إلى الواقع دعوة لا تخلو من صواب متى ما جاءت مشفوعة بالدعوة إلى الأخلاق. وما المانع في أن نجمع اليوم بين “المعرفة والتأويل والممارسة العملية” وبين الدعوة إلى الأخلاق! مشاكل العالم اليوم لا تستدعي حلولا تقنية فقط، بل أكثر ما تستدعيه حلولا أخلاقية بالدرجة الأولى. فالإنسان كائن أخلاقي…قد تبلى أشكال الوعي وأنماط تمثل الأخلاق، ولكن لا تبلى الأخلاق. وقد نتفق مع أركون لو كان المقصود بـ”الأخلاق التقليدية” الوعي التقليدي بسؤال الأخلاق. هناك ضرورة لتحديث سؤال الأخلاق على ضوء مستجدات الواقع الكوني.

+ تبنّيتم بشكل صريح، في كتاب “من مضايق الحداثة إلى فضاء الإبداع الإسلامي والعربي“، خيار النقد المزدوج للعقل العربي الإسلامي والعقل الغربي في آن، وفي إطار النقد الموجه للعقل الأول، استشهدتم مثلا، بطبيعة التناول الإعلامي العربي لذكري مرور ثلاثين سنة على اندلاع ثورة 68، حيث استنتجتم أننا لا نملك الشجاعة الكافية لنتحول إلى دارسين لتاريخ الغرب ولحضارته.

منْ مِنَ المسلمين اليوم، يبقى مُؤهّلا أكثر لتولي هذه المهمة الأخلاقية والمعرفية في آن؟

++ لماذا الطاووس لا يحسن الغناء، على الرغم من جمال صورته وريشه؟ عن هذا السؤال يجيب المثل العامي المغربي بأن السبب في قبح صوت هذا الطائر هو قبح رجليه. حين ينظر المسكين إلى رجليه ويقارن قبحهما بجمال ريشه، يشق عليه الأمر فيبدأ في العويل والصراخ، عوض الغناء مثل باقي الطيور. صرخة الطاووس ليست صرخة المزهو بنفسه، بقدر ما هي انتحاب اليائس من الطمع في تمام الجمال وكماله. ينطبق مثل الطاووس علينا، شرقا وغربا، مسلمين وغير مسلمين، عرب وغيرهم. فما أحوجنا إلى النظر إلى مواطن القبح فينا حتى لا نكون ضحية الانتشاء بالذات والزهو بالنفس. لا يخلو أحد من العيوب. لا الذات منزهة عن الخطأ ولا الآخر. من هنا يصح توجيه النقد إليهما معا. من العبث توجيه النقد للآخر بغرض تنزيه الذات، أو العكس. فحيثما وليت وجهك وجدت ما يستحق النقد.

هناك خط رفيع يفصل بين النقد المتبصر والنقد المتهافت، سواء نقد الواقع الغربي أو نقد الواقع العربي الإسلامي. فالنقد لن يكون نقدا بناء إلا إذا انبنى على معرفة بموضوع النقد. ومن الواضح أن الكثير من النقد عندنا ينبني على جهل، وتدفع أصحابه الرغبة في احتلال المواقع.

صحيح أن الخطاب الأخلاقي لا يُجَسّده حزب أو جماعة أو جهة معينة. دعاة الأخلاق يعتبرون أنفسهم مجرد إصبع يشير إلى حقيقة متعالية، كلما برزت هذه الحقيقة وتجلت في الأذهان اختفوا عن الأنظار. وهؤلاء موجودون في كل أرجاء العالم، في كل الأحياز الثقافية والحضارية. قد يكون من المبالغة ربط البطولة الأخلاقية بالمسلمين. من ينظر إلى واقعنا يجد أننا لا نقدم نموذجا أخلاقيا متماسكا. بل قد نكون أبعد من غيرنا، متدينين وغير متدينين، امتثالا للأخلاق التي نُبشّر بها في حياتنا وسلوكنا. وصحيح أيضا أن الغرب لم يعد يقدم نموذجا للأخلاق. لذلك فالمطلوب هو تحقيق قدر من التوافق الأخلاقي حول مجموعة من السلوكيات والأفعال بغرض تحديد وجهة لخلاص العالم؛ لم يعد المطلوب هو الإثبات النظري أو الإفحام العقلي بجدوى وأحقية “الأخلاق الإسلامية”، أو “الأخلاق المسيحية” أو “الأخلاق العلمانية”. الأمر أثقل من أن ينهض به أتباع ملة واحدة، أو شعب واحد، أو جهة واحدة. والحق أن أكثر أنواع النقد الأخلاقي عندنا نفاذا وعمقا، هي أكثرها اطلاعا على الفكر الغربي وتتبعا للنقد الغربي ذاته للحضارة. لا يمكننا نقد الواقع الحضاري الحالي نقدا أخلاقيا دون تحصيل وعي شامل بالواقع الحديث، والغرب كما لا يخفى أكثر التصاقا بهذا الواقع، صنعا وتأثيرا وتحويرا ونقدا.

أما بخصوص معظلة الفتاوى، فهذا موضوع آخر. ظني أن أهمية الفقه لا تكمن في صياغة الفتوى فحسب، بل الأهم هو تأطير السؤال. نحن في حاجة ماسة إلى ذهنية فقهية تحدد مجالات الاسئلة بحسب السياق. كثيرا ما أفاجأ هنا في أوربا بأسئلة غريبة أظن أن السبب وراء طرحها هو الذهنية الفقهية الموجودة. أليس غريبا أن يسأل بعض الشباب في أوربا “هل يجوز إفشاء السلام أو مد اليد إلى الجار غير المسلم؟” هذا سؤال مستورد من بيئة آخرى، من فضاء ثقافي ومكان حضاري بعيدين، ولربما قد يجده طارحوه في كتب قديمة مرتبطة بسياق آخر، أو يصدرون في طرحه عن تصورات تحكمها روح التشنج في العلاقة بين الذات والآخر… لو بقي الإنسان على فطرته، لما طرح هذا السؤال إطلاقا. فهذا السؤال يبدو سؤالا خارج الزمن وخارج المكان، وبعيدا عن المنطق العقلي السليم. حتى والفقيه يفتي بجواز إفشاء السلام على الجار غير المسلم، يكون في الجواب مضيعة للوقت والجهد، وظهور بمظهر غير لائق بالمسلم. فمشكلتنا ليست في طبيعة الفتاوى الغريبة التي تصدر هنا وهناك، بقدر ما هي مشكلة عجز عن تأطير العقل المسلم وترقيته إلى درجة يحسن معها طرح السؤال واختياره. وظني أنه لن يتأتى لنا هذا الأمر حتى نرفع جاهزية المسلم الثقافية ونمكنه من التواصل مع العالم الحديث المحيط به ونرسخ وعيه بحيثيات السياق التاريخي الراهن.

+ تنتهي روايتك الأخيرة “عبد الرحمن والبحر”، برؤى تفاؤلية، في عمل إبداعي مليء بالتساؤلات والرموز والأسئلة المعلقة، ويعرف تشابكا بين عوامل الذات والغير (الآخر)، ومقتضيات علاقتنا بأسئلة الحداثة، دون الحديث عن قلاقل تشابك إنسانية المسلم (والعربي) مع إنسانية الغربي، أو دلالات استلهام والإحالة على عبد الرحمن المجذوب وابن خلدون ونيتشه من خلال شخصية زارادشت وحي بن يقظان..؟

هل نحن إزاء عمل روائي صرف، أم إزاء عمل فلسفي تحت غطاء روائي على غرار رائعة “عالم صوفي”، للروائي النرويجي جوستن غاردر، وإذا كان الأمر كذلك، وهو ما نرجحه، فلماذا هذه الانعطافة على عمل روائي، عوض الاقتصار على تحرير متن فلسفي أو فكري صريح؟

++ رواية “عبد الرحمن والبحر” هي محاولة لمد الجسور ما بين الذات و”آخَرِها”، محاولة لتعيين سبل الخروج الصحيح من عالم الصمت إلى عالم الصوت، ومن مغارة التعبد نحو شطآن العشق، من التراث إلى الحداثة… الطريق صعب ومحفوف بالمخاطر والمهالك، وأسباب التشاؤم أقوى من أسباب التفاؤل. غير أن الأحداث تتناهي بعبد الرحمن إلى ضفاف الأمل، فيعيش على الأمل في أن يجد في مقبل أيامه ما يسعفه في التوليف بين متناقضات الروح والجمع بين أطرافها الموزعة بين ميولات وأهواء متنافرة.

البعد الصوفي حاضر بقوة في الرواية. فعبد الرحمن ينتقل من مقام إلى آخر، ومن حال إلى حال. تتقلب به الأيام من وضع إلى وضع، من مكان إلى مكان، من لقاء أناس إلى لقاء أناس آخرين؛ ولعل هذا التقلب ذاته هو أهم عنصر من عناصر صنع الحبكة الدرامية ونسج خيوط الرواية. ولعله لا مجال لإخفاء مظاهر التأثر بشخصية عبد الرحمن المجذوب وزرادشت وحي بن يقظان وغيرها من الشخصيات التي تحسب على ضرب من ضروب التصوف بمعناه العام.

ولعل السر في لجوئي إلى الرواية، عوضا عن الاكتفاء بالمتن الفكري أو الفلسفي الصريح، هو شعور بوجود رسائل لا ينقلها إلا القالب الفني، الروائي والشاعري. باللجوء إلى الحجج والبراهين وأنواع الاستدلال المختلفة إنما يخاطب الإنسان عقل القارئ ويتوخى بلوغ النتائج المفحمة لهذا العقل. أما باللجوء إلى القالب الفني، خصوصا ما تعلق منه بفنون الكلمة، فالكاتب يخاطب مخيلة القارئ وينفذ إلى أعماق من الروح فيحرك ساكنها ويسكن متحركها. وجدت في القالب الروائي ما يوسع حيز البيان، ومع التوسع في البيان تزيد إنسانية الإنسان سعة، ذلك أن ما يميز هذا الإنسان عن سائر المخلوقات هو كونه كائنا بيانيا. يفهم العالم ويعبر عنه بواسطة الكلمة وأشكالها وفنونها، ومنها فن الرواية.

منتصر حمادة


]]>
https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d8%ad%d9%82-%d8%a3%d9%8a-%d8%a8%d9%84%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d9%85%d9%86%d8%b9-%d9%83%d9%84-%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%b9.html/feed 0