selections – مسارات https://www.massarate.ma مسارات للرصد والدراسات الاستشرافية Thu, 28 Feb 2013 14:47:59 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.1.6 الإسهام المغربي “الأخلاقي” في التراث الإسلامي https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html#respond Thu, 11 Oct 2012 12:44:38 +0000 http://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html الإسهام المغربي "الأخلاقي" في التراث الإسلامي

يشهد التاريخ على أصالة وتجدر العطاء المغربي، ويتعلق الأمر بجميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية والعلمية، بحيث نجد العديد من أمهات الكتب تتحدث عن إسهامات قيمة لمغاربة فضلوا مغادرة الديار والأهل من أجل تلقين العلم والأخلاق الحميدة لأناس يشتركون معنا في العقيدة والمصير المشترك، وكذلك كان دأب “الأخلاقيين” المغاربة في أرض الكنانة في قرون خلت     

يوم كان يحج المغاربة إلى أرض الكنانة لحماية عقيدة أهلها

 لاشك أن الكثير من المتتبعين والدارسين لتاريخ العلاقات الدولية ومنها العلاقات العربية العربية، يقفون عند العديد من المحطات التي تبرز عمق الروابط بين المغرب وباقي الأقطار العربية وغيرها من البلاد الأخرى؛ إلا أن ما يستدعي أكثر من وقفة هو متانة العلاقة التي طبعت التعاون فيما بين شعبي المغرب أرض الكنانة (مصر)، حيث تذكر الكتب التاريخية أن حكام مصر لم يجدوا في وقت من الأوقات بُدا من طلب مساعدة المغرب لمحاربة فساد الأخلاق وغزو بعض الأفكار لأهل مصر، حيث استجاب “الأخلاقيون” المغاربة لدعوة أشقائهم، وحطوا رحالهم بين ظهرانيهم لتبليغ رسالة سامية تتعلق بتهذيب النفس والحفاظ على معاني الدين الحنيف النبيلة والصافية.

ولق عُرِف المغاربة في المشرق، منذ أن أخذوا يفدون عليه بعد الفتح الإسلامي، بالعكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، حتى فاقوا غيرهم عددا ومَدَدا في المجاورة بالحرمين الشريفين والحرم الأقصى، واشتهروا عند أهله بكونهم من أشد المسلمين تمسكا بالكتاب والسنة عند انتشار البدع وظهور الفساد، حتى وقر في القلوب أنهم هم المقصودون بالحديث الشريف الذي رواه مسلم في كتاب “الإمارة”؛ “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”. كما شَهِد رجال الأخلاق بالمشرق لنظرائهم من المغاربة برسوخ القدم في التربية الخلقية والتزكية الروحية، وقدَّموهم على أنفسهم في إرشاد من يقصدهم، طلبا للتخلق والتحقق بمكارم الأخلاق.

وفي ثنايا مقالة علمية قيمة للدكتور طه عبد الرحمن، الباحث في كلية الآداب بالرباط، منشورة بمجلة التاريخ العربي، نتساءل معه بأنه إذا كان الأمر كما سلف، أليس معنى هذا أن العطاء المغربي في باب التربية الدينية والخلقية كان وافرا؟ ولعله كان أوفر في هذا الباب منه في أبواب الثقافة الإسلامية الأخرى؛

 تميز المغاربة بالعمل الخُلقي

 برأي الباحث فإن العطاء المغربي الذي غلب على المصريين الاستمداد منه تعلَّق أساساً بالعمل الخُلُقي الذي تميز به المغاربة الوافدون عليهم. ويشرح ذلك في عدد من المحطات العلمية، بحيث ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن العمل الخلقي المغربي انتقل إلى الديار المصرية، لكن انتقاله إليها لم يكن بطرق نظرية تقوم على الرواية والكتابة، وإنما بطرق عملية تقتضي التنقل إلى عين المكان والإقامة به. وقد أخذ الأخلاقيون المغاربة ـأساتذة وتلامذةـ يفدون على أرض الكنانة في طريقهم إلى أداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول عليه السلام. وقد يختار بعضهم الإقامة بهذه الأرض المباركة؛ وتَذْكر المصادر أن أشهر من أقام بها منهم في مطلع القرن الرابع أبو الخير الأقطع التيناتي (ت343)، والذي كان أوحد عصره في التحقق بخلق التوكل، ثم تفيض في سرد أسماء من جاء بعده في القرون الموالية إلى أن تذكر الوافدين منهم في القرن الرابع عشر الهجري؛

واتخذ تنقل العمل الخلقي المغربي إلى الديار المصرية أشكالا مختلفة نذكر منها؛ تنـقل الأسـاتـذة المغاربة إلى مدن وقرى مصرية معينة مثل الإسكندرية أو قنا أو طنطا أو الفسطاط أو القاهرة أو الفيوم، إلخ. وتنقل أتباعهم من أهل الغرب الإسلامي (أي “المغرب الأقصى” و”الأندلس” و”المغرب الأوسط” و”إفريقية”)إلى مصر والانتشار بأقاليمها المختلفة. ثم عودة المصريين إلى بلادهم بعد الأخذ عن الأساتذة المغاربة أو تلامذتهم، وإن كان الوافدون منهم على المغرب قلة قليلة.

وارتفع عدد الوافدين على مصر من الأخلاقيين المغاربة في الحقبة الممتدة بين أواخر القرن السادس وأواخر القرن السابع الهجري، وهي بالذات الفترة التي ازدهر بها العمل الخلقي بالقطر المصري واتسعت حركته اتساعا؛ ومن هؤلاء الوافدين المغاربة: الأستاذ عبد الرازق الجزولي، والأستاذ عبد الرحيم القنائي، والأستاذ أبو الحسن الشاذلي والأستاذ أحمد البدوي.

فأما عبد الرازق الجزولي، فأصله من المصامدة، أخذ الطريق على يد أبي مدين الغوث واستقر بالإسكندرية وبها مات سنة 592 هـ أو سنة 596 هـ على بعض الأقوال.

وأما عبد الرحيم القنائي، فأصله من ترغاي من قبيلة غمارة بإقليم سبتة؛ ولد سنة 521 هـ ولبس خرقة التخلق على يد الأستاذ أبي يعزى، ثم انتقل إلى الحجاز حيث أقام بها مجاورا تسع سنين ومنه تحول إلى صعيد مصر، فاستقر بقَنا، منتصبا للتدريس والإرشاد حتى وفاته سنة 592 هـ.

وأما أبو الحسن الشاذلي، فتنسبه المصادر هو الآخر إلى قبيلة غمارة بإقليم سبتة؛ ولد سنة 593 هـ وأخذ الطريق على يد عبد السلام بن مشيش، الذي وجهه إلى “إفريقية” (أي تونس) وأنبأه بالظهور في المشرق، فكان أن استقر بالإسكندرية، موجٍّها وهاديا إلى سبيل الله بكلامه “القريب العهد بالله” إلى أن وافته المنية  في طريقه إلى الحج سنة 656هـ.

وأما أحمد البدوي، فقد وُلد بفاس سنة 596 هـ، ولبس الخرقة بها على يد الأستاذ عبد الجليل النيسابوري، ثم انتقل إلى المشرق متجولا فيه حتى انتهى به، المطاف إلى الاستقرار بطنطا في شمال مصر، متصدرا للتربية والدعوة إلى الله.

المصريون يطلبون الأخلاقيين المغاربة

قد يقول القائل بأن علة توافد أرباب التربية على مصر في هذه الفترة هي أنهم وجدوا أسباب العيش الآمن في ظل دولة الأيوبيين ودولة المماليك، اللتين صارتا رمزا للقوة الإسلامية القادرة على قهر جحافل الغزاة من التتار والصليبيين؛ ولا يمكن أن يصح هذا القول، لأن الفتن كانت منتشرة في هذه الفترة والتنازعَ على السلطة كان ضاربا أطنابه بين الأيوبيين والمماليك؛ والأرجح عندنا أن لهذا التوافد علتين متكاملتين؛ إحداهما أنه كان تنقلا مطلوبا؛ فإذا كانت مصر في هذه الفترة تسوسها دولة ذات قوة ومنَعَة، فإن المغرب كانت تسوسه دولة لا تقل عنها ظهورا بالسلطان؛ وقد أدرك هذا البلد آنذاك من البأس والمجد ما لم يدركه مذ كان دولة مستقلة، حتى سارعت الدولة الأيوبية إلى الاستنجاد به، طالبة منه قِطَعا من أسطوله لمنازلة المواقع التي احتلها الصليبيون. وهكذا، فقد كان المغرب مطلوبا للجهاد، ولا يخفى أن من يُطلَب للجهاد هو، عند الأخلاقيين المغاربة، كمن يُطلَب للمجاهدة وهم الذين ألفوا واختاروا الإقامة بالرباطات التي عُرِفت بالنضال الروحي والمادي. وعلى هذا، فلا يبعد أن يكون توجه المربين المغاربة إلى مصر امتدادا لتوجه المحاربين في أسطولهم إليها إن كان هذا التوجه العسكري قد تحقق أو يكون تعويضا عنه إن كان قد تعذر، وذلك استجابة لنداء إخوانهم من المصريين حتى يقوموا بواجبهم في تجديد أخلاق الجمهور وإعداده لمنع الغزاة عن بلاده؛ ولو أنهم لم يكونوا مطلوبين، لما هب الأيوبيون ينشئون المدارس والخوانق ويجرون عليها الأرزاق ويوقفون الأوقاف ويسارعون بإسناد مهام التدريس والتربية إلى الوافدين عليهم.

والعلة الثانية أنه كان تنقلا مأذونا: لا يخفى أن الأخلاقيين المغاربة يأخذون في كل حركاتهم وسكناتهم بقِيَم روحية ومُثل ربانية لا تُجوِّز لهم ترك ترحالهم واستقرارهم تعبث بهما الأهواء العابرة وتعتورهما الأغراض الفانية، وإنما تحملهم على أن ينزلوا ويرحلوا حيثما وجدوا دلائل الاستزادة من النفع والانتفاع بهذه المعاني الخلقية، ووجدوا دلائل القيام بشروطها على الوجه الأكمل، كما تحملهم على الاستعانة بإشارات أساتذتهم في التربية والتخرج حتى لا يفوتهم حسن الأدب والوفاء بحقوق الصحبة؛ فقد أذن أبو مدين الغوث لعبد الرزاق الجزولي في الانتقال إلى مصر، كما أشار به عبد السلام بن مشيش على أبي الحسن الشاذلي. وقد جرى المؤرخون على عادة إسقاط مثل هذه الأسباب، إذ يعدونها من باب المزاعم أو الخواطر الذاتية التي لا تفيد كثيرا في التحليل التاريخي؛ ولا يتسع المقام لتقويم هذا الموقف، على شهرته بين الباحثين واعتقاد الجمهور في موضوعيته وعلميته، وإنما حسبنا أن نقول بأن الحياة التي تبنى أدق جزئياتها على قيم روحية صرفة لا تنفع في تحليلها أساليب تتسم بالانغلاق على المادة ولا في تفسيرها أسباب تتصف بالجمود على الظاهر. لذا نذهب، يقول الباحث، إلى أن هذا الجانب المعنوي أبلغ في الدلالة على علة الانتقال إلى مصر من الجانب الحسي الذي هو الطلب الموجه إلى المغاربة؛ لأن الذي استهلكت نشاطه الروحانيات لا يلوي على شيء من الحس إلا أن يكون خادما لهذه الروحانيات؛ ولولا الشعور بالإذن في التحرك، لما أتى هذا التحرك بالثمار المطلوبة منه، ألا ترى كيف أن التحول الأخلاقي الذي أحدثه المربون المغاربة في سلوك المصريين في تلك الفترة ما زالت آثاره تُشيع حتى الآن في أوساطهم روحانية قدسية!

وإذا صحَّ تعليلنا لتنقل أهل الأخلاق المغاربة إلى الديار المصرية، وهو أنهم طُلِبوا فأُذِن لهم، صحَّت معه

أيضا الحقيقتان التاليتان: إحداهما أن العمل الخلقي المغربي يتصف بأوصاف لا يشاركه فيها غيره. والثانية أن هذه الأوصاف الخاصة للعمل الخلقي المغربي تفيد في تحقيق جوانب التجديد الخلقي التي شعر المجتمع المصري بالحاجة إليها يومذاك.

مميزات العمل الخلقي المغربي

 ثم يمض الباحث إلى بيان خصائص العمل الخلقي الذي نهض به المغاربة، معرجا على بيان الوجوه التي أفادت بها هذه الخصائص المجتمع المصري آنذاك في إنجاز مراده من الإصلاح الخلقي.

وبرأي الباحث هناك خصائص ثلاث أساسية للعمل الخلقي المغربي هي؛ “البعد عن التجزيء” (أو التجزؤ، أو التفريق؟؟؟)، و”البعد عن التجريد” و”البعد عن التسييس”.

فالبعد عن التجزيء أو الخاصية التكاملية؛ ويظهر البعد عن التجزيء في العمل الخلقي المغربي في أصناف الجمع الثلاثة التالية، وهي: “الجمع بين التخلق والتفقه” و”الجمع بين التجرد والتسبب” و”الجمع بين المجاهدة والجهاد”.

والبعد عن التجريد أو الخاصية التداولية؛ بحيث يظهر البعد عن التجريد في العمل الخلقي المغربي في أصناف النفور الثلاثة التالية، وهي: “النفور من الفروع الفقهية”، و”النفور من الجدل الكلامي” و”النفور من الحكمة العرفانية”.

ولقد استقر عند الأخلاقيين المغاربة أن الإشراق مستمد من النظر الفلسفي الذي يأخذ بمبدأين: “مبدأ إطلاق العقل” و”مبدأ امتياز الفرد”؛ أما مبدأ إطلاق العقل، فيعارض توجههم السني، لأن العقل إذا لم يقيد مسلكَه اعتبارُ الشرع، صار عرضة للأهواء؛ وأما مبدأ امتياز الفرد، فيعارض توجههم الجماعي، لأن

الفرد إذا لم يقيد أفقَه اعتبارُ الجماعة، صار ضرره يغلب على نفعه.

 كما استقر عندهم أيضا أن الكيمياء مستمدة من الطمع الدنيوي الذي يخالف شاهد العقل، ويوقع في صريح الفساد؛ أما مخالفة شاهد العقل، فلأن الكيميائي يطلب أسبابا باطلة لقلب الأعيان؛ وأما الإيقاع في صريح الفساد، فلأن هذه الصنعة تحمل على ممارسة الغش والتدليس، فكان أن نهى الأخلاقيون المغاربة

عن الاشتغال بها وحذروا أتباعهم منها أشد تحذير، ولاسيما أن بعض أخلاقيي عَدوة الأندلس تأثروا بهذا الاتجاه الإشراقي الكيميائي. ومن تم يمكن القول أن العمل الخلقي المغربي ينأى عن منحى التجريد الذي وقع فيه فقهاء الفروع وأهل الكلام وأهل العرفان واتجه اتجاها تداوليا في ممارسة التعبد والعقيدة والمعرفة، اتجاها يجعلها طبيعية لا تكلُّف فيها ويسيرة لا تعقُّد فيها.

ثم أخيرا هناك خاصية البعد عن التسييس أو الخاصية التأنيسية؛ ويظهر البعد عن التسييس في العمل الخلقي المغربي في أصناف المدلولات الثلاثة الآتية وهي: “المدلول الروحي للجهاد”، و”المدلول الإنساني للدعوة” و”المدلول المعنوي للنسب”.

نجاعة الأخلاقيين المغاربة

 إن العمل الخلقي المغربي ينأى عن منحنى التسييس ويتجه اتجاها تأنيسيا متميزا يجعل للجهاد بعدا روحيا وللدعوة بعدا إنسانيا وللنسب بعدا معنويا. وإذ قد عرفتَ أن العمل الخلقي المغربي يمتاز بالخصائص الثلاث: البعد عن التجزيء ـ أو قل طلب التكامل ـ والبعد عن التجريد ـ أو قل طلب التداول ـ والبعد عن التسييس ـ أو قل طلب التأنيس ـ، فاعرفْ أن السبب في ذلك هو تمكُّن المذهب المالكي من نفوس المغاربة حتى ولَّد فيهم نزوعا إلى الممارسة الروحية بحكم منطقه وملابسات نشأته. ويقوم هذا المنطق إجمالا على عنصرين هما: “العمل” و”الصحبة”، بينما تقوم ملابسات هذه النشأة على عنصرين هما: “التعظيم” و”الإحسان”.

فأما العمل، فالمالكية من دون المذاهب الفقهية الأخرى أقرت عمل المدينة مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي. وفي هذا ما ينهض دليلا على أن المالكية تبينت حقّا ما لمشاهدة السلوك الحي من أثر في تحقيق التدين الصحيح. على أن مصادر التشريع التي اعتمدتها تنقسم إلى قسمين: القسم النظري ويشمل الكتاب والسنة والقياس، والقسم العملي ويشمل الإجماع والعمل، مما يترتب عليه أن التفقه في الدين لا يتم إلا بحصول الجمع بين الممارستين: الاستدلالية والاشتغالية.

وأما الصحبة، فهي مبدأ لازم عن أصل العمل الذي تقول به المالكية. ذلك بأن الصحبة عبارة عن المشاهدة الحية للأسباب والقرائن التي ترافق أعمال المصحوب، أقوالا وأفعالا، والتي يحصل بها العلم بالمراد على وجه من التحقيق لا يتأتى بطريق آخر، فلا عمل حي إذن إلا بتمام الصحبة؛ لذا، فقد كان من تلامذة مالك المغاربة من يبقى على ملازمته ردحا من الزمن بعد تمام تعلُّمه وفراغ تكوينه النظري عملا بمبدإ الصحبة، حتى يرث عنه أخلاقه وأحواله. وأما التعظيـم، فإن مالكـاً، رحمه الله، كان يظهر ـ قولا وفعلا ـ من آداب تعظيم الرسول عليه السلام وفروض محبته ما يجعل حديثه وسلوكه ينقلان إلى تلامذته وجلسائه أخبار الرسول عليه السلام حيةً وكأن معانيها رأي العين، فتحيا قلوبهم بأسرارها وتنقاد جوارحهم إلى العمل بها؛ وقد ورث عنه فقهاء المالكية المغاربة هذا التعظيم ونشروا آدابه نشرا بين طبقات المجتمع.

وأما الإحسان، فإن مالكاً صحب علماء عاملين بلغوا النهاية في صفات خلقية اختص الأخلاقيون بطلبها، وهي: “أخلاق الإحسان” أو “الفضائل الروحية”؛ فمن أساتذته هرمز الذي اشتهر بالبكاء، وابن المنكدر الذي عرف بالزهد، وجعفر الصادق الذي اشتهر بالمحبة، كما تتلمذ عليه رجال نالوا قدم السبق في الظهور بأوصاف الإحسان، ومنهم سفيان الثوري وأبو الحسن الشيباني.

وحسبنا هذه العناية بهذه الأركان الأخلاقية: “العمل” و”الصحبة” و”التعظيم” و”الإحسان” دليلا على أن المالكية حملت بذور ممارسة روحية سرعان ما أثمرت عند المغاربة، بمجرد تشبعهم بمنطق هذا المذهب، تخلُّقا اختصوا به وصاروا فيه قدوة لغيرهم؛ ولا عجب إذ ذاك أن يتكاثر بين فقهاء المالكية أهل العبادة وأهل الزهادة وأهل الورع وأهل التقوى حتى إن “لفظ الصوفي” أُطلِق عليهم إطلاقه على أهله المختصين به لاعتبار أساسي وهو كونهم يقصدون بفقههم وجه الله تعالى. وحتى إن ذكر الفقهاء في كتب التراجم والطبقات، صار لا ينفصل عن ذكر المتعبدين والزاهدين.

لقد احتاج الحكام الجدد في مصر إلى إزالة المظهرين التجزيئيين: التفرقة بين الفقهاء والأخلاقيين والتفرقة بين المقاتلين والمجاهدين، مع العلم أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالجمع بين التفقه والتخلق والجمع بين الجهاد والمجاهدة في الممارسة، فتبينوا أنه لا يصلح لهذه المهمة إلا من تحقق بالتوجه التكاملي الصحيح.

ويبدو أن التجربة المرابطية التي جمعت بين الجهاد والمجاهدة كانت حاضرة في ذهن الأيوبيين، كما كان بين أيديهم حُكم أبي بكر الطرطوشي على سيرة المغاربة؛ فهذا الفقيه الأندلسي السلفي الذي نال حظا وافرا من التربية الروحية زار المغرب وأخذ عن علمائه بفاس واطلع عن كثب على العمل الخلقي المغربي لينتهي به المطاف إلى الاستقرار بالإسكندرية حيث تعاطى للتأليف والتدريس؛ فقد كان حكم هذا العالم على أهل المغرب ـ وهو الذي ألف كتابا في البدع ـ هو أنهم ما زالوا ظاهرين على الحق بما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين.

وبدا لهؤلاء الحكام أن للتجربة الخلقية المغربية توجها تكامليا صريحا، يجعلها تستجيب أكثر من غيرها لغرضهم في توثيق الصلة بين التفقه والتخلق والصلة بين الجانب الروحي والجانب المادي من الجهاد.

ولما فُتِح باب العمل للمربين المغاربة، تولوا تحقيق الوصل بين التفقه والتخلق عند تلامذتهم، مبطلين عمليا الدعوى الإسماعيلية القائلة باستقلال علوم الباطن؛ وقد كان أغلبهم، وبالأخص عبد الرزاق الجزولي وعبد الرحيم القنائي وأبو الحسن الشاذلي، يحيطون بالعلوم الشرعية الظاهرة والعلوم القلبية معا، كما كانوا يتمتعون برسوخ القدم في ممارسة تدريس الفقه ورواية الحديث، فلقنوا تلامذتهم أن للشريعة وجهين متكاملين: وجها حُكميا تنضبط به الأعمال الظاهرة، ووجها خلقيا تنضبط به الأعمال القلبية، ووجَّهوهم إلى الاشتغال بعلوم الأحكام وعلوم الأعمال اشتغالا متساويا، فتخرجت على أيديهم ثلة

ممتازة من العلماء العاملين منهم؛ أبو الفقراء حجاج وعبد الرحمان بن طيب من تلامذة عبد الرزاق الجزولي، ومنهم أيضا أبو الحجاج الأقصري وأبو الحسن بن الصباغ وصالح بن غازي الأنماطي من مريدي عبد الرحيم القنائي، ومنهم أخيرا مكين الدين الأسمر وأبو القاسم القباري وابن المنير وأبو العباس المرسي من تلامذة أبي الحسن الشاذلي.

كما تولى هؤلاء المجددون تحقيق الوصل بين الاستعدادات الروحية والمادية في الجهاد؛ فقد نقلوا إلى تلامذتهم المصريين خبرتهم الأصيلة والطويلة في المرابطة الجامعة بين الممارسة الحربية والممارسة الخلقية، على اعتبار أن الأولى تنزل عندهم منزلة الفرع التابع للثانية، فجددوا قدراتهم المعنوية والوجدانية بأن مدوا عزائمهم بمدد روحي خلاَّق أنهضهم إلى التطوع وحبب إليهم التضحية والاستشهاد، ونصبوا أنفسهم قدوات لهم في هذا الصنف من الجهاد المتكامل، فشاركوهم في ما خاضوه من معارك بأن حملوا السلاح وثبَّتوا الأقدام.

ويبدو أيضا أن هؤلاء الحكام أدركوا أن للممارسة الخلقية المغربية توجها تداوليا تصير به أقدر من غيرها على التصدي للحكمة العرفانية وللتصوف الفرداني، ففتحوا الطريق لعمل المغاربة الوافدين على مصر.

ولا نستغرب، برأي صاحب الدراسة، إذ ذاك أن يجد ابن عربي وابن سبعين من بعده في مصر بيئة أخذ يشكلها التخلق التداولي الجماعي المغربي تشكيلا لم يلبثا أن ضاقا به أولم يلبث هو أن ضيق عليهما حتى اضطرا إلى النزوح عن هذا البلد كما نزحا عن المغرب من قبل ليستقر الأول بالشام والثاني بالحجاز.

 لقد تولى الأيوبيون الحكم في مصر، فوجدوا أنفسهم في مواجهة المظهرين التسييسيين التاليين: أحدهما أنهم، وإن كسروا شوكة الصليبيين، لم يتمكنوا من إيقاف الحملات التبشيرية في بعض المراكز من أرض الكنانة. والثاني أنهم، وإن أنهوا الحكم السياسي للفاطميين بخلع آخر خليفة منهم، لم يتمكنوا من إيقاف تأثير المذهب الشيعي في النفوس. فاحتاج الحكام الجدد إلى القضاء على هذين المظهرين التسييسيين:  التبشير والتشيع، علما بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بدعوة إنسانية روحية، وتبينوا أن هذه المهمة لا ينهض بها إلا من تحقق بالتوجه التأنيسي الصحيح، حتى لا تستهويه الميول السياسية ولا تراوده الأطماع الرئاسية، فينازعهم سلطانهم ويقاسمهم نفوذهم. ولا شك أن مثال الإسكندرية كان نصب أعينهم، وهم يسعون إلى إيجاد وسائل هذا التجديد الإنساني الروحي؛ فقد ظلت هذه المدينة سُنية تعمل بالمذهب المالكي على عهد الفاطميين، وتُتَّخذ محط رِحال المغاربة في ذهابهم إلى الحج وإيابهم منه، فكان واضحا أن محافظة الإسكندرية على طابعها السني واتجاهها المالكي يرجع الفضل فيه إلى هؤلاء المغاربة الذين اجتمعت لهم خبرتان تاريخيتان: إحداهما خبرة مواجهة الحكم العبيدي أثناء تسلطه على بلاد المغرب قبل أن يحوِّل وجهه إلى مصر؛ والثانية خبرة مواجهة الدعوات المنحرفة والحملات التنصيرية التي ظل يتعرض لها الغرب الإسلامي.

والغالب على الظن أن هؤلاء الحكام علموا أن للعمل المغربي توجها تأنيسيا صريحا يصير به أقدر من غيره على الوقوف في مواجهة التبشير والتشيع، فاستقبلوا رجال الأخلاق المغاربة في أرضهم ومكنوا لهم المقام فيها.

وقد استطاع هؤلاء الأخلاقيون الوافدون أن يتصدوا للدعوات التبشيرية التي كان يقوم بها الدعاة المسيحيون في المناطق القريبة من المراكز التي احتلها الصليبيون أوفي المناطق النائية من الصعيد؛ فقد تولى الأستاذ أحمد بدوي في طنطا والأستاذ عبد الرحيم القنائي في منطقة قنا تجديد الإيمان في قلوب مَن أضلتهم هذه الدعوات التنصيرية، وأشرفوا على تكوين ثلة من الرجال انتشروا في البلاد يردون الناس إلى أصول الدين الحنيف؛ فهذا أبو الحجاج الأقصري تلميذ عبد الرحيم القنائي يعيد أهل الأقصر إلى الإسلام بعد أن انسلخوا عنه لسنوات عدة.

كما اجتهد هؤلاء المجددون في أن ينزعوا من قلوب عامة المصريين الآثار العقدية التي تركها في نفوسهم المذهب الشيعي ويزرعوا بدلها محبة المذهب السني ويرسخوا العمل بالفقه المالكي بين بعضهم، مزاوجين بين أساليب التربية الروحية التي ترتكز على الأوراد والأذكار والأحزاب وبين أساليب الوعظ والتدريس التي ترتكز على الفهم والحفظ.

لقد ظهر أن تنقل أرباب السلوك المغاربة إلى مصر في القرنين السادس والسابع كان تنقلا مطلوبا باعتبار توجه أنظار المسلمين عامة والمصريين منهم خاصة إليه في هذه الفترة، وكان تنقلا مأذونا باعتبار شعور المغاربة بواجبهم نحو المسلمين عامة والمصريين منهم خاصة، كل ذلك لحصول هذا العمل المغربي على صفات تؤهله لسد حاجات المجتمع المصري من التجديد الأخلاقي.

ويخلص الباحث إلى أن أهل المغرب أمَدوا المصريين بأفضل ما يميز الثقافة الإسلامية، ما دام الإسلام هو عبارة عن مكارم الأخلاق. كما أنهم أمدوا أرض الكنانة بأخص ما يميز الثقافة الإنسانية، ما دامت “الأخلاقية” هي المقوم الذاتي للإنسان، وليست، كما يُظَن منذ أرسطو، “العقلانية المجردة”. وأن أصالة العطاء المغربي يجب أن تُطلب في المنجزات الأخلاقية أكثر مما تُطلب في سواها من الاختيارات الثقافية الأخرى، ما دام عطاء المغرب هو أبرز في جانب الأخلاق منه في أي جانب آخر.

نورالدين اليزيد عن مجلة “التاريخ العربي” بتصرف

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html/feed 0
«عيد العرش» بعد عام من إقرار الدستور الجديد https://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%b4-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a5%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84.html https://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%b4-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a5%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84.html#respond Thu, 02 Aug 2012 12:45:23 +0000 http://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%b4-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a5%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84.html

سفينة المغرب تبحر في عصر الثورات العربية أكثر اطمئناناً ورسوخاً

haytham chalabiيعيش المغاربة هذه الأيام أجواء الاحتفال “بعيد العرش” الذي يصادف للمرة الأولى منذ عقود الأجواء الروحانية لشهر رمضان المبارك، الذي يحتفي به المغاربة عادة بشكل استثنائي. ما يميز احتفالات “عيد العرش” في المغرب هذه السنة، والتي تصادف الذكرى الثالثة عشر لاعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، هو استمرار المغرب في تقديم النموذج الاستثنائي في إدارة شؤونه السياسية والعامة في محيط عربي وإقليمي ودولي غاية في الاضطراب والضبابية. فسفينة الثورة السورية لا تزال تبحر في بحر من الدماء، بينما تتخبط نظيرتها المصرية في بحر من العشوائية والارتجال. أما سفينتي الثورة في كل من ليبيا وتونس –مع الفارق بين التجربتين- فلا يزال كم الأسئلة  المعلقة أكبر بما لا يقاس من حجم الإجابات التي نجح الفرقاء السياسيون في وضعها واختبارها وتحقيق حد أدنى من الإجماع الوطني حولها من قبل غالبية أبناء الوطن، وهو وضع لا توجد التجربة الرائعة للشعب اليمني بعيدة عنه. يضاف إلى ما سبق أجواء تسخين متفاوتة الحرارة على الجبهات السودانية والأردنية والجزائرية، وترقب في باقي الدول العربية التي لا تحتل أخبارها صدر نشرات الأخبار.

فبالانتقال إلى إدارة دفة البلاد في هذا الخضم المضطرب، تبرز العبقرية المغربية، التي يشترك فيها للأمانة على حد سواء، الجالس على عرش البلاد، والمواطنون وممثلوهم من قوى سياسية وأهلية. فعبقرية العرش تكمن في إدراكه لأهمية عنصر الوقت في إدارة الأزمات، ونجاحه في خلق توافق عريض حول دستور متقدم ينقل البلاد نقلة جبارة للأمام، بمشاركة ومباركة شعبية قل نظيرها، عبقرية ساهمت في بلورتها القوى السياسية عبر ترجمة هذا الدستور الذي أقر قبل سنة تقريبا من الآن إلى انتخابات حرة ونزيهة جاءت بالإسلاميين إلى دفة تسيير الشأن العام، ليس كطفرة كما يحلو للكثيرين القول، وإنما كسياق طبيعي، وفي حجم طبيعي يعكس تواجدهم وسط المواطنين، مما أهلهم لقيادة تجربة ائتلافية ما تزال تتكرر منذ نهاية عقد التسعينيات. لم يُضع العرش وقته وجهده ورصيده الشعبي في المكابرة والمساومة أمام احتجاجات الشارع –على محدوديتها-، ولم تُضع القوى السياسية نفس الوقت والجهد في مناكفات ومزايدات كانت ستربك المشهد وتعقده كما هو حاصل في الكثير من البلدان العربية في أعقاب ثوراتها التي أطاحت طغاتها دون أن تنجح في إزالة أنظمتها، وأخيرا، لم يُضع المواطنون –وممثلوهم من قوى المجتمع الأهلي- الفرصة من أجل انتهاز اللحظة التاريخية، وانخرطوا بإيجابية في التفاعل مع النقاش الدائر حول الدستور الجديد، والانخراط في تجسيد مضامينه عبر الانتخابات، والمؤمل أن يستمر هذا الانخراط ويتزايد مع الوصول إلى تفعيل تربة “الجهوية الموسعة” عبر الانتخابات المحلية العام المقبل، وهو الرهان الأبرز في الدستور الجديد. صحيح أن مجتمعا في مثل غنى وحيوية المجتمع المغربي لم ولن يعدم الأسئلة التي تشغله في سعيه لتجسيد مضامين هذا الدستور، وتحقيق التطلعات التي يصبو إليها غالبية المواطنين، لكنه نقاش مثمر لا يثير خشية تجاه المستقبل ولا تشكيكا في مآلاته.

إن الفرق ما بين النقاش الحيوي هنا في المغرب، وما هو جارٍ في بلدان أخرى، أن هدف النقاش واضح، أطرافه تتكلم لغة فصيحة، ويعكس تنوع واختلاف الرؤى نحو المستقبل وسبل الوصول إلى مثل هذا المستقبل، بين معسكرات سياسية وأيديولوجية واضحة، مع لمسة براجماتية لا تغفلها عين المراقب لدى جميع الفرقاء. فالإسلاميون في غالبيتهم المعتدلة، تنافح عن ضرورة أن يحمل هذا المستقبل قسمات وملامح الهوية المغربية الحضارية الإسلامية المستوعبة لمفردات عصرها وأدواته، دون كثير اهتمام وانشغال بالمسائل الفقهية الخلافية، وهم في ذلك يواجهون طيفا واسعا من العلمانيين ما بين يساريين وفرانكوفونيين وليبراليين يدافعون عما يعتقدون أنه يضمن لمستقبل المغرب انخراطا في العصر عبر “حداثة مجسدة في قيم كونية” تجمعهم مع باقي دول العالم الليبرالية، مع التنبيه والتحذير من خطورة استيراد بعض النخب الإسلامية لنماذج “إسلامية” خارجية، غريبة عن التربة المغربية المتسامحة، ولا تملك موقفا ناضجا من الحريات الشخصية والعامة، ومن الإبداع والفنون.

نقاش حي آخر، يعرف انخراطا نشطا لأطراف المعسكرين السالفين، عنوانه محاربة الفساد واقتصاد الريع، والذي لا تزال جذوته متقدة منذ ما قبل عصر الثورات العربية، مع ما يلحق بهذا النقاش من عناوين فرعية تهم العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة والتشغيل ومكافحة الفقر، إلى آخر هذه المواضيع التي توجد في صلب اهتمام الناس. صحيح أن من بيدهم تسيير دفة الإدارة العمومية من إسلاميين وحلفائهم القوميين واليساريين لا يزالون يبحثون عن إنجازهم الأول البارز، مع أن هناك إحساسا عاما بين عامة المواطنين بدأ في التبلور والتزايد ببطء لكن بثبات، في أنهم تأخروا في تحقيق هذا الإنجاز بعد مرور قرابة الشهور السبعة على تشكيل الحكومة الجديدة، لكن الأكيد أيضا أنهم يعملون في ظل ظروف موضوعية صعبة لاسيما من الناحية الاقتصادية، مع التدهور المستمر لأوضاع شركائهم في الشمال الأوروبي، وبالتالي تدهور مداخيل السياحة وتحويلات المهاجرين المغاربة هناك، يضاف إلى ذلك كله موسم جفاف حاد لم يشهد المغرب مثيله منذ سنوات، ومع ذلك لا يزالون قادرين على تحقيق نسبة نمو للاقتصاد المغربي تزيد على ثلاثة بالمائة، وهي النسبة التي وإن كانت غير كافية لخلق تنمية وتشغيل وحل المشكلات الاجتماعية، إلا أنها تعتبر حلما لدى كثير من دول الجوار الإقليمي والأوروبي، كما أن الإنصاف يقتضي تسجيل أن المغرب حقق قفزات كبيرة على مدى العقدين الماضيين في مختلف هذه المجالات، بشكل يفوق بمراحل ما يشهده أشقاؤه العرب.

وهكذا، تجاوز المغاربة بشكل نهائي –وكانوا متجاوزين منذ عقود-  الإدارة الدموية لتداول السلطة وإدارة الشأن العام كما جرى ويجري في دول الربيع العربي، وتجاوز العرش –وكان متجاوزا في معظم مراحل تاريخه- سؤال المشروعية، ولا يزال يمثل للغالبية الساحقة من المغاربة –حتى لا نقول بالإجماع المطلق- ضمانة وحدة البلاد والعباد، وشرط التقدم الواثق نحو المستقبل، وتجاوزت القوى السياسية –وهو تجاوز حاصل منذ عام 1997- منطق التشكيك في الاستشارات الانتخابية، وأصبح جميع المنخرطين فيها يقرون بنتائجها بغض النظر عما حصلوا عليه من مكاسب، وتجاوز المواطنون منطق الخشية على مكتسباتهم -التي تجسدت عبر نصوص صريحة وواضحة في الدستور- من حريات عامة وخاصة، وكرامة ووضعية مميزة في مواجهة السلطة. ومما يضع ما سبق في سياقه الصحيح، يجب أن نسجل وبيقين تام أن جملة هذه المكاسب غير متحققة ومجتمعة في أية دولة عربية أو إسلامية أخرى، بالعمق والمدى التي هي متحققة فيه هنا في المغرب.

لكل ما سبق، ولأسباب عديدة أخرى ربما ليس هذا مجال بسطها، يبدو احتفال الشعب المغربي بالذكرى الثالثة عشر لجلوس العاهل المغربي الملك محمد السادس على العرش حقيقيا ومفهوما، ويبدو الاطمئنان تجاه المستقبل –على الرغم من إدراك عظم التحديات- عنصرا مشتركا بين العرش المغربي، النخب السياسية والأهلية، وعموم المواطنين، مما يكسب احتفالات العام الحالي بهجة وروعة مضاعفة، وتجعل هذه المملكة “السعيدة” –كما يحلو للأدبيات المغربية أن تطلق على بلادها- سعيدة بحق، ومصدر إلهام وغبطة لباقي الأشقاء الذين يتمنى الجميع أن لا يطول انتظارهم للاستقرار والأمن والازدهار والأمل..والسعادة.

هيثم شلبي

كاتب وصحفي فلسطيني

عن ديوان أصدقاء المغرب

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%b4-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a5%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84.html/feed 0
دراسة تاريخية إسبانية عن يهود سبتة تثبت مغربية المدينة ودوافع احتلالها https://www.massarate.ma/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%b3%d8%a8%d8%aa%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%b3%d8%a8%d8%aa%d8%a9.html#respond Fri, 20 Jul 2012 09:31:12 +0000 http://www.massarate.ma/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%b3%d8%a8%d8%aa%d8%a9.html ملاحظات حول تاريخ اليهود في سبتة (من القرن XI إلى القرن XVI)

صدرت عن دار أبي رقراق بالرباط سنة 2007 دراسة مترجمة عن الإسبانية، للمؤرخ اليهودي الأصل، الإسباني الجنسية، إنريكي غوزالبيس كرافيوطو، تحت عنوان: “ملاحظات حول تاريخ اليهود في سبتة (من القرن XI إلى القرن XVI)”، وقد نقلها إلى العربية الدكتور محمد الشريف، الأستاذ المحاضر في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بـ(تطوان)، والمتخصص في الدراسات السبتيَّة.

وتتكون الدراسة من 119 صفحة؛ بتقديم الدكتور محمد فتحة، ومراجعة الدكتور محمد مفتاح. والملاحظ أن صاحب الدراسة -على الرغم من جنسيته الإسبانيَّة- أثبت من حيث لم يكن يقصد في أهدافه المباشرة لوضع دراسة عن تاريخ (سبتة)، أن المدينة كانت منذ قيام الدولة المغربيَّة خاضعة لنفوذها، كما أعلن -اعتمادًا على مصادر تاريخيَّة عِبْريَّة معاصرة للفترة قيد البحث- أن دوافع احتلال (سبتة) تعود إلى القرار الذي اتَّخذه ملك البرتغال (خوان الأول) انتقامًا من اليهود المطرودين من شبه الجزيرة الإيبيريَّة، وذلك على إثر لجوئهم إلى المدينة المغربيَّة؛ نظرًا لأجواء التسامح الديني التي طبعت المغرب، والتي كانت تتيح حريَّة التديُّن لغير المسلمين.

تنطلق الدراسة من مبدأ انتساب (سبتة) إلى التراب المغربي منذ فجر تاريخها الإسلامي، حيث تنصُّ في الفصل الثاني من الكتاب على مغربيَّة (سبتة)، من خلال إقرار المؤلِّف بتبعيِّتها للدولة الإدريسيَّة منذ القرن الثاني للهجرة، الثامن للميلاد، وهو قوله: “تحولت مدينة (سبتة)، بمعيَّة مدينة (طنجة)، إلى أحد أهم موانئ دولة (فاس) التي أسَّسها الأدارسة، وقد استقرَّت هذه الأسرة بالمغرب في نهاية القرن الثامن للميلاد، وأسَّست مملكة كانت بدايةً للدولة المغربيَّة الحالية”؛ (ص: 35).

كما يقرُّ صاحب الدراسة ضمنيًّا بمغربيَّة (سبتة)، حين يبحث عن أصول استقرار طلائع الجالية اليهوديَّة الأندلسيَّة بها قائلاً: “كانت (سبتة) دون شكٍّ سبَّاقة إلى استقطاب اليهود إليها، وفي جميع الاحتمالات، فإن اليهود الأوائل الذين استقروا (بسبتة) جاؤوا من شبه الجزيرة الإيبيريَّة، ويمكن تأريخ ذلك بسنة 818م، وفي هذا التاريخ وفد على المغرب اليهود الذين طُردوا من (قُرْطبة) بعد ثورة الربض سنة 814م”؛ (ص: 37).

ولمزيد من التأكيد لآرائه ومواقفه السالفة، يصرِّح (غوزالبيس كرافيوطو) بمغربيَّة (سبتة) – من خلال حديثه عن العلائق الروحيَّة التي ربطت بين يهود إسبانيا والمغرب خلال عصر المرينيين – وهو قوله: “لقد تعافت الطائفة اليهوديَّة السبتيَّة شيئًا فشيئًا من الأزمة التي عانت منها، وهكذا ففي مطلع القرن الرابع عشر، أصبحت تشكِّل واحدةً من أهم الجاليات الموجودة في الغرب الإسلامي، فحاخام برشلونة سلمون بن أدريط Salamon Ibn Adret المتوفى سنة 1310م، كانت له مراسلات وعلاقات شخصيَّة مع حاخامات يهود المغرب، مثل حاخامات فاس، ومراكش، وحاخام سبتة (إسحاق بن عمار)، الذي بعث له باستشارة دينيَّة حول “الحلاقة” (Halaka) وهذا الأمر يؤكِّد الأهمية الكبيرة للطائفة اليهوديَّة السبتيَّة، بما أنها كانت من الجاليات القليلة التي تصدر استشارات دينية”؛ (ص73).

وحتى في الفصل المخصَّص لاحتلال (سبتة) من قِبَل البرتغاليين، تكشف الدراسة عن الدوافع الخفيَّة التي حَدَت بملك البرتغال (خوان الأول) إلى احتلال هذه المدينة؛ وهو ما جعل الباحث يعود إلى جذور يهود (سبتة) قبيل تعرُّضها للغزو الإيبيري؛ حيث إنهم في الأصل كانوا من يهود إسبانيا الذين تم طردهم من (إشبيليَّة) سنة 1391م؛ أي: قبل 24 سنة من تاريخ احتلال (سبتة). وبهذا الصدد يقول صاحب الدراسة:

“يرجع الفضل في معرفتنا بوجود اليهود المنفيين من إسبانيا سنة 1391 (بسبتة) إلى كتاب (أبراهام زاكوطو)، لكن للأسف لا يحدد المنطقة التي ينحدر منها هؤلاء اليهود المضطهدون الذين فرُّوا من القمع المسيحي، ونؤكِّد أن أغلبيتهم كانت تنحدر من (إشبيليَّة). ويشير هذا المؤلِّف – أيضًا – إلى احتلال (سبتة) من قِبَل البرتغاليين، مُقَدِّمًا وجهة نظره في الأحداث، وكان يرمي من خلالها إلى إظهار أهمية اليهود، ويهدف إلى تضخيم “عقدة الاضطهاد”؛ وحسب هذا المؤرخ، فإن السبب الرئيس لهذا الاحتلال هو أن هذه المدينة الإسلاميَّة كانت قد استقبلت جميع اليهود الذين اعتنقوا كرهًا الدين المسيحي، والذين فرُّوا من مملكة (قشتالة)، وقد استفزَّ الملك البرتغالي (خوان الأول Juan I) هذا استقرار هؤلاء اليهود (بسبتة)، وأثار غضبه، فقرَّر غزو مدينة الزقاق واحتلالها”؛ (ص: 85-86).

ومع استبعاده لهذه الرواية، يعود صاحب الدراسة ليثبت لجوء اليهود إلى (سبتة)هربًا من الاضطهاد المسيحي بإيبيريا قائلاً: “إن هذا التفسير بعيد عن الواقع، غير أن له دلالة بالنسبة إلى موضوعنا؛ إذ يقدم البرهان على استقرار اليهود المنحدرين من المدن القشتاليَّة – الأندلسيَّة منها بصفة خاصة – بسبتة عند نهاية الفترة الإسلاميَّة؛ فرارًا من الضغط المتزايد عليهم بشبه الجزيرة الإيبيرية”؛ (ص: 86).

ومن المعلوم أن إسبانيا ما فتئت ترفض فكرة أسبقيَّة تأسيس الدولة المغربيَّة منذ بداية العصر الإدريسي (172ﻫ – 789م)، عن تاريخ احتلال مدينة (سبتة) من قِبَل البرتغاليين، يوم الجمعة 14 جمادى الثانية سنة 818ﻫ، الموافق يوم 21 غشت 1415م، مع العلم أنها لم تتمكَّن من بسط نفوذها على المدينة إلا في أعقاب انهزام ملك البرتغال (دون سيبستيان) أمام الجيش السعدي في معركة (وادي المخازن) يوم 4 غشت 1578م، وخلو عرش مملكته من خليفة يقوم مقامه؛ مما مهَّد الطريق أمام ملك إسبانيا (فيليب الثاني) ليبسط وصايته على بلاد البرتغال ومستعمراتها ويضمها إلى ممتلكاته، بما في ذلك (سبتة) وباقي الثغور المغربيَّة التي خضعت من قبل ذلك للاحتلال البرتغالي، ولم تَخْلُص مدينة (سبتة) للإسبان، إلا في أعقاب استرداد البرتغال لاستقلاله سنة 1640م على إثر ثورة (لشبونة)، ومطالبته لإسبانيا بتسليم المدينة المغربيَّة المرتهنة لديها، ولم تستقم السيطرة الفعليَّة الإسبانيَّة على المدينة إلا بعد خوض حرب مديدة بين البلدين الإيبيريين ما بين فاتح دجنبر 1640م، و13 فبراير 1668م.

ومن المعلوم أن هذا التاريخ بالذات يطابق عصر الدولة العلويَّة التي تعد الآن -وفق نص الدستور المغربي ومنطق القوانين الدوليَّة والحقوق التاريخيَّة المكتسبة – الممثل الشرعي والأسمى للأمة المغربيَّة الذي يحقُّ له المطالبة باسترجاع مدينة (سبتة)، بحكم أن السيطرة الإسبانيَّة الفعليَّة عليها لم تستحكم على نحو تام إلا في هذا العصر بالذات.

ويجدر التنبيه إلى أن إسبانيا قد اعترفت بمغربيَّة (سبتة) منذ احتلالها لأول مرة من قِبَل البرتغال، وعبَّرت عن موقفها قولاً وفعلاً من خلال الحوادث والمواقف التاريخيَّة الآتية؛ فعلى المستوى العسكري: شارك الأسطول الإسباني في عهد الملك (فرناندو الكاثوليكي) في حصار (سبتة) المحتلَّة من طرف البرتغال، إلى جانب القوات التي جنَّدها السلطان محمد الشيخ الوطاسي سنة 881ﻫ – 1476م، كاعتراف صريح من إسبانيا بأحقيَّة المغرب في استرداد جزءٍ لا يتجزَّأ من ترابه.

وعلى الصعيد السياسي: أعرب رجل السياسة الإسباني (خواكين كوسطا) في مؤتمر عُقِد بمدريد سنة 1884م عن ضرورة انتباه إسبانيا إلى نهضة المغرب مستقبلاً، إلى الحدِّ الذي سيجعله يطالب باسترجاع (سبتة ومليلية)، مثل ما ظلت تقوم به إسبانيا من مطالبتها باسترداد (جبل طارق) عقب احتلاله من طرف الإنجليز سنة 1704م.

ومن نافلة القول: إن المغرب ما فتئ يكرِّر المحاولات لفكِّ أَسْر هذه المدينة المحتلَّة منذ أن حطَّت بها أقدام الغُزَاة الإيبيريين، كما استمرَّت مطالبته باستردادها على المستويين الدبلوماسي والإعلامي حتى الآن. ولعل دراسة هذا المؤرِّخ الإسباني المحايد – بوصفها شهادة من أهل الاحتلال أنفسهم – تمثل اعترافًا صريحًا بالحقوق التاريخيَّة التي تُثبت عدالة المطالب المغربيَّة تجاه المستعمر الإسباني.

 عبدالسلام الحسين الجعماطي (الألوكة الثقافية)

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%b3%d8%a8%d8%aa%d8%a9.html/feed 0
الفضائيات العربية ذات السطوة الأكبر على المشاهد https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1-%d8%b9.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1-%d8%b9.html#respond Fri, 25 May 2012 09:08:52 +0000 http://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1-%d8%b9.html الفضائيات العربية ذات السطوة الأكبر على المشاهد

أبدأ بالتنويه أن فكرة المقال جاءت بعد أن طلب مني أحد مراكز الدراسات الدولية الذي يأخذ من عاصمة غربية مقرا له بتقديم تقرير عن أكثر الفضائيات العربية تأثيرا على الساحة السياسية السورية والعالم العربي وعن القنوات الأقلها نفوذا وعنوان التقرير بالانجليزي؛ The Arab Satellite TV Channels with the Most Political Impact on Syria and the Arab world.

لأن التقرير يتألف من عدة صفحات لاحتوائه معلومات وتفاصيل وأسماء قد ترهق القارئ لذا اختصرت النقاط الرئيسية في هذا المقال المقتضب.

بلغ عدد الفضائيات العاملة في الأجواء العربية حوالي 700 محطة ورغم هذا العدد الضخم إلا أن الفضائيات ذات السطوة بمعناها السياسي والتأثير على الرأي العام في العالم العربي لا تزيد عن أربعة أو خمس فضائيات. إذا تم استثناء محطات الترفيه والموسيقى والدراما والمسلسلات والأفلام والوثائقية والرياضة والأطفال وما إلى ذلك وكلها تحظى بشعبية ومتابعة كبيرة والقنوات الخاصة وما أكثرها، ولكن لا يزال هناك كم هائل من القنوات التي يمكن وصفها بالفائضة عن الحاجة مثل القنوات الدينية وبيع الفتاوى على الهواء وقنوات الشعوذة وقراءة البخت وبيع الجنس الوهمي والمسابقات الزائفة وقنوات غسل دماغ البسطاء ولا تستحق الوقوف عندها أو مناقشتها.

ويتواجد على الساحة عدد من المحطات الفاشلة التي يتم تسخيرها لخدمة الدكتاتور وتلميع صورته وتنفيذ أجندته ولكن المشاهد الذكي ينفر من تلك المحطات الفاقدة للمصداقية ولا يتابعها. ولفهم الصورة الإعلامية بوضوح من الضروري تقسيمها وتصنيفها كالآتي:

قنوات الخط الأول

 ما يهمنا هنا هو فضائيات التأثير والسطوة والنفوذ على الساحة وهي قنوات ما يسمى الخط الأول من حيث الميزانية والكفاءة الإعلامية والقدرات الفنية ومدى تأثيرها على الساحة السياسية السورية والعربية. مما لا جدل فيه أن فضائية الجزيرة العربية تتصدر قائمة فضائيات السطوة والتأثير..فمنذ انطلاقها عام 1996 لعبت الجزيرة دورا هاما في التأثير على الرأي العام العربي ليس فقط تثقيفيا ولكن بتقديم مواد وحوارات جريئة واستفزازية وطرح مواضيع كانت ممنوعة أو اعتبرت خط أحمر قبل وصول الجزيرة إلى الساحة الاعلامية. فقد ازعجت الدكتاتوريين حتى اعتبرها بعض القادة العرب بأنها العدو الأوحد. وصول الجزيرة كان زلزالا اعلاميا حيث فتحت أبواب حرية التعبير والديمقراطية أمام الجماهير المكبوتة. نجحت الجزيرة في اكتساب عقل وقلب الشارع العربي. ورغم الانتقادات والمصاعب التي تواجها القناة في هذه المرحلة يمكن القول أن الجزيرة الآن وبدون منازع هي العنصر الإخباري الأكثر تأثيرا في العالم العربي.

ثم انطلقت فضائية العربية عام 2003 وفرضت وجودها على الفضاء الإعلامي العربي واكتسبت نسبة كبيرة من المشاهدين بسبب المهنية والاحتراف والموضوعية ومن الجلي أن العربية تمتلك الإمكانات المالية والفنية والكفاءات الإعلامية القديرة وتعتبر المنافس الأول لقناة الجزيرة. ويشمل الخط الأول أيضا فضائية البي بي سي عربي التي انطلقت عام 2008 والتي تتمتع بمتابعة كبيرة في الشرق الأوسط. وسيشمل الخط الأول كذلك قناة سكاي نيوز – عربية التي انطلقت السادس من هذا الشهر أي قبل أيام معدودة. ومن المبكر أن نحكم على قناة سكاي نيوز ولكن بعد متابعتي لها لعدة أيام أستطيع القول أنها تضاهي العربية والجزيرة من حيث المقدرات المالية والفنية وكفاءات المذيعين والمذيعات وأتوقع أن تكون لاعبا محوريا في الساحة. سكاي نيوز عربية تستفيد من خبرة مهنية طويلة من سكاي نيوز البريطانية الناجحة.

عندما يتم الإشارة للسطوة والتأثير لا يعني ذلك فقط حجم المشاهدة وعدد الملايين التي تتابع المحطتين المذكورتين بل أيضا عدد المرات المتكررة التي تظهر فيها أسماء هذه المحطات في الصحف العربية والغربية في قضايا جدلية أو تنسيب هذا الخبر أو ذاك. وتشير صحف عالمية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست والفايننشال تايمز والغارديان ومجلة الإيكونومست وغيرها لما يقوله هذا السياسي أو الخبير أو ما يصرح به هذا الزعيم لقنوات العربية والجزيرة. وما تبثه هذه القنوات يجلب اهتمام الإعلام العالمي والحكومات الغربية التي لها مصالح في المنطقة. ويصف الإعلام الغربي الجزيرة والعربية بمحطات السطوة وباللغة الانجليزية: Channels with clout.

قنوات الخط الثاني

أما الخط الثاني من الفضائيات فتشمل قناة الحرة التي انطلقت عام 2004 من ضواحي واشنطن ومحطة العالم الإيرانية وكذلك ل بي سي اللبنانية LBC و المنار والمستقبل والجديد اللبنانية وقناة الحوار من لندن وكذلك ANB من لندن والإخبارية السعودية. كما تشمل قنوات مثل فرانس 24 وروسيا اليوم من موسكو. ويمكن إضافة قناة المستقلة التي تبث من موقعها المتواضع غرب لندن ورغم حجمها الصغير وإمكانياتها المحدودة إلا أنها تطرح قضايا جريئة وشائكة ومن أبرز نشاطاتها دعم الثورة السورية والتغطية المكثفة للملف التونسي.

لا بد من التشديد أن إدراج وتصنيف تلك القنوات تحت الخط الثاني لا يعني تقليل أهميتها وقدراتها الإعلامية ولكنها لا تمتلك قوة التأثير والسطوة أو النفوذ على الساحتين العربية والدولية والتي تتميز بها قنوات الخط الأول.

قنوات “لا في العير ولا النفير”

تتواجد هذه القنوات في أسفل القائمة ورغم كثرة عددها إلا أنها محدودة التأثير والمشاهدة وهذه تشمل المحطات الطائفية ومحطات للإيجار كالتي استخدمها معمر القذافي بعد هروبه من طرابلس ليبشر الشعب الليبي بعودته ويحثهم على الصمود. وتشمل أيضا المحطات التي تدافع عن الطغاة مثل محطة الدنيا السورية والمحطات الحكومية. هذه القنوات الفضائية التي أطلق عليها صحفي مخضرم مؤخرا بمحطات “لا تهش ولا تنش” لأن مفعولها وتأثيرها على الساحة صفر أو أقل.

ويمكن إدراج تحت هذا التصنيف عددا من المحطات الثانوية الموجودة على الساحة والتي ليس لها حضور أو تأثير يذكر وتعاني هذه القنوات الهزيلة من غياب الكفاءات والقدرات الفنية والمالية وهذا واضح من شاشات تلك المحطات التي يتم تسخيرها لإرضاء مزاج أصحاب تلك المحطات وتجميل صورتهم وترويج أفكارهم وتنفيذ أجندتهم الشخصية.

الفضائيات التي فضحت جرائم النظام السوري

انفردت قنوات الخط الأول في فضح جرائم النظام السوري. بينما تتمسك البي بي سي العربي بالحياد والموضوعية حسب قوانين الإعلام البريطاني إلا أن الجزيرة والعربية تبنتا مواقف داعمة للشعوب المقهورة ضاربة عرض الحائط بالحيادية والموضوعية. واسأل هل من الممكن التمسك بمبادئ الحياد أمام المذابح والمجازر وهل من الممكن الالتزام بمهنية متناهية وموضوعية رصينة في خضم إبادة الشعب السوري والتدمير والتفجيرات التي يدبرها النظام لإحباط خطة كوفي عنان؟

لا نبالغ إذا قلنا أن فضائيات الجزيرة والعربية لعبتا دورا فاعلا وحاسما في إنجاح الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن والمسيرة تستمر لإسقاط نظام بشار الأسد وعصابة المافيا التي تحكم سوريا.

نجحت فضائيات الخط الأول من نقل وقائع الثورات اليومية للمشاهد العربي بدقة واستفادت من وسائل الاتصال الاجتماعي والإعلام التفاعلي لنقل صور الفظائع التي يرتكبها نظام دمشق والتي يحاول إخفاءها.

من يصنع الثورات؟

في حديثه في منتدى الإعلام العربي الذي عقد مؤخرا في دبي قال رئيس تحرير الأخبار بقناة العربية نخلة الحاج أنه لا يصدق أن الفضائيات الإخبارية تحرك الثورات، ويتمنى وفق حديثه أن يكون للقنوات الإخبارية القوة ليكون لها دور في صنع الثورات. مضيفا أن القنوات العربية كانت مجرد ناقلة فقط لأحداث الربيع العربي. قد نتفق أو نختلف معه ولكن لا يمكن تجاهل دور الإعلام الفضائي العربي في تجييش وتعبئة الجماهير ضد الطغاة.

وأشعل مفهوم “الحياد” الجدال في أحد جلسات المنتدى الإعلامي العربي من حيث تغطية القنوات العربية للثورات وهو ما أكده الاستفتاء على صفحة قناة العربية على الفيسبوك التي جاءت نتائجه حول مدى مساهمة القنوات الإخبارية في صنع الربيع العربي، حيث أجاب 72 بالمائة بأن لها دور في المساهمة في الربيع العربي، بينما رفض ذلك قرابة 22 بالمائة، وجاءت النتائج الأخرى متفاوتة في الرفض والقبول.

نهاد إسماعيل
عن إيلاف بتصرف

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1-%d8%b9.html/feed 0
من فلسطين …المغرب وطن الأحرار https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%b7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b1%d8%a7%d8%b1.html https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%b7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b1%d8%a7%d8%b1.html#respond Mon, 14 May 2012 09:33:03 +0000 http://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%b7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b1%d8%a7%d8%b1.html من فلسطين ...المغرب وطن الأحرارصباحك في المغرب يشرق ولا يغرب، السابعة صباحا في المغرب نهار جديد نابض بإشراقة الطيبة ونابض بالحياة، فيه عبق الحضارات وأصالة التاريخ، هواء نقي يمتزج بنسيم البحر والمحيط، ورائحة الخير التي تفوح من أهل هذا البلد الطيب والحر والمضياف.

أتجول في أحياء وشوارع المدن المغربية كثيرا، تراودني هناك يوميا مشاعر حب وعشق الحياة أكثر وأكثر، فما خاب من قال أنها منبت الأحرار فهي حرة بكل ما فيها وفي تفاصيل حياتها اليومية الجد والعمل ودون كلل فكل يعمل على طريقته وبما يناسبه؛ الفلاح في أرضه والصياد على  شاطئ البحر والجزار والبقال والتاجر والموظف والمسئول كل في مكانه ينصب نفسه  على عرش عمله، مذهل ذلك النسيج الرائع والمتين الذي يتوج بالتكامل فالمرأة تعمل والشاب والشيخ أيضا .

ولمشرق الأنوار نور الحب والود والاحترام، فالشعب المغربي يشرق بالابتسامة ويغمر الآخرين برقة التعامل وطيبة القلب، لا يوجد أجمل من الشعور بأجواء المحبة والعائلة والوطن في ظل الغياب عن الأهل والوطن، صدق المشاعر ونقاؤها يشعر الإنسان بالراحة ويبدد غيوم الغربة المتكتلة على الأنفاس .

منذ سنوات كنت أردد وأنا بفلسطين عبارة “حلمي زيارة المغرب” فكان بعض الأصدقاء والأهل يردون علي بعبارة أخرى وهي “المغاربة أهل الخير وللمغرب سحر خاص”.

بقيت تلك الكلمات ترنو في أذني وعندما حللت في المغرب أدركت معاني تلك الكلمات لأنني شعرت بها وأكثر منها، في الجنوب ترى جمال الطبيعة وفي ضواحيها وزواياها بسحر تجوب وتسلك أرقى الدروب، في الشمال تسمو بخيال لعالم محرر من القيود والأغلال ولون الطبيعة الأخضر بجمالها يختال، وفي الغرب عراقة وأصالة ونسيم وللشرق رونق وسحر دون تصميم، وفي كل مكان للحضارة عنوان رمزها الإنسان هو المغربي .

الله … الوطن … الملك …

ثلاثية متكاملة ترافق الهواء والماء في المغرب، حب الله و عشق الوطن الذي يجمعهم بحرية والملك المحبوب هو ملك الفقراء محمد السادس الذي تنبض بعرشه أنفاس المملكة المغربية وتحيا بسياسته جميع المدن من شمالها إلى جنوبها، بجبالها ومغربية صحرائها .

فلسطين بالمغرب قضية مرفوعة على كل جبين و تأشيرة عبور إلى قلوب المغاربة في كل حين…

من أين أنتِ ؟؟

من فلسطين …

ردة فعل لا توصف من قبل المتلقي وسيل من الردود لا يسعني الرد عليه من شدة الاحترام والولاء لفلسطين ونضال شعبها الحر، بلهفة و شغف وحب ينهض المواطن المغربي عند سماع كلمة فلسطين، أقدر كل كلمة وفعل من جانب كل مغربي فهذا عهد المغاربة والتاريخ يشهد على الكثير من المواقف الداعمة والمؤيدة للقضية الفلسطينية ولفلسطين منذ كانت .

حي المغاربة بصمة واضحة تدل على قصة تضمن مغربي أصيل، فالتاريخ يوثق هدم 135 بيت في حي المغاربة، لقد كان المغاربة من أكثر الزوار للقدس وكرموا بذلك الحي ومازالت الكثير من العائلات المغربية تستقر في القدس وباقي المدن الفلسطينية، وذلك التضامن المغربي لم يعرف زمنا محددا، فمنذ القدم ولغاية اليوم هو خالد وحي بنبض الملك محمد السادس  وشعبه الحر الذي أخذ على عاتقه دعم الأنشطة المتعلقة في القضية الفلسطينية ولم يتوانى الشارع المغربي عن الخروج دوما في مظاهرات أقلها بالآلاف من أجل نصرة القدس والقضية الفلسطينية. وأيضا بيت مال القدس الذي يقصده معظم المغاربة للتبرع من أجل الشعب الفلسطيني، والملفت للانتباه بكل ما هو جميل وجود أحياء وشوارع ومرافق بالمغرب بمسميات فلسطينية كالقدس مثلا ومركب محمد الدرة وغيره الكثير.

رولا حلايقة (صحافية فلسطنية)

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%b7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b1%d8%a7%d8%b1.html/feed 0
هل أسهمت «المجلات التاريخية» في إثارة الوعي التاريخي العربي؟ (2/2) https://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9-2.html https://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9-2.html#respond Mon, 07 May 2012 09:31:56 +0000 http://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9-2.html المغرب استطاع وضع أسس المدرسة التاريخية المغربية

وقد شهدت فترة السبعينيات من القرن العشرين تغيرات هائلة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في العالم العربي على اتساعه، إذ إن تلك الفترة التي بدأت بحرب أكتوبر سنة 1973م شهدت تحولات أيديولوجية عميقة، وظهور قوى سياسية واقتصادية منافسة للقوى السياسية القديمة في المنطقة العربية، إلى جانب الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته سنوات النصف الثاني من السبعينيات وما تلاها في جميع أنحاء العالم العربي، ومنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، وما أدت إليه من مشروعات تنموية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وكان إنشاء الجامعات العربية بكثرة من أهم تجليات تلك التغيرات التي شهدتها المنطقة العربية منذ السبعينيات. وكانت النتيجة الحتمية لهذه الطفرة في أعداد الجامعات العربية، التي كانت حتى ذلك الحين محدودة العدد، ومقصورة على بعض البلاد العربية دون البعض الآخر، أن زادت أعداد مجال الطلاب في مرحلة ما قبل التخرج، وأعداد طلاب الدراسات العليا على السواء. ولم يكن مجال الدراسات التاريخية استثناء من ذلك بطبيعة الحال. ففي مصر، مثلاً، لم يعد الأمر مقصورًا على جامعات القاهرة وعين شمس والاسكندرية، وإنما انضمت إليها جامعة الأزهر بفروعها العديدة – بعد تطويرها في ستينيات القرن العشرين – بالإضافة إلى الجامعات العديدة، التي تم إنشاؤها في العديد من المحافظات المصرية طوال الربع الأخير من القرن العشرين.

هل أسهمت «المجلات التاريخية» في إثارة الوعي التاريخي العربي؟ (2/2)

وعلى مستوى العالم العربي، شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من هذا القرن زيادة كبيرة في عدد الجامعات العربية في العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين، والأردن بالمشرق العربي، وجامعات المغرب وتونس والجزائر وليبيا في المغرب العربي، فضلاً عن جامعات السودان واليمن. أما منطقة الخليج العربي، التي كانت جامعة الكويت من أوليات جامعاتها الكبيرة والمتقدمة، فقد شهدت توسعًا هائلاً في إنشاء الجامعات بالسعودية، وسلطنة عمان، ودولة الإمارات، والبحرين، وقطر.

ولم تكن هذه الزيادة في أعداد الجامعات العربية مجرد زيادة كمية فحسب، بل أفرزت النتائج الكيفية الحتمية عندما بدأ خريجوها يدخلون الفضاء الفكري والثقافي والعلمي العربي، فاعلين ومتفاعلين في شتى نواحي الممارسات الفكرية والثقافية. وكان الباحثون في التخصصات التاريخية المختلفة من أبناء هذه الجامعات هم الذين دفعوا بعربة الدراسات التاريخية العربية قدمًا في بلادهم. ومع تزايد عدد المؤرخين ودارسي التاريخ في هذا البلد أو ذاك من البلاد العربية تصاعد شعورهم بأهمية الدراسة، التي كرّسواحياتهم لها، كما تصاعد شعورهم بالحاجة إلى رابطة ما تجمعهم في نوع من الوحدة العلمية أو الأكاديمية. ومن هنا ظهرت «الجمعيات التاريخية». وأخذت تصدر «مجلة» أو «حوليات» خاصة بها تتضمن بعض الدراسات التاريخية، ولكن هذا لم يكن كافيًا في نظر المؤرخين العرب في كل بلد عربي (تجدر الإشارة هنا إلى أن جامعة الكويت كانت الأوفر حظًا في إصدار عدد من الإصدارات، التي حملت صفحاتها الدراسات والبحوث، التي أسهم فيها الباحثون العرب من كل مكان، ومنهم المؤرخون بطبيعة الحال).

فمن اليمن إلى دمشق، ومن الخليج إلى المغرب، كانت هناك إصدارات بعضها تم تخصيصه للدراسات التاريخية الخالصة، على حين كانت بعض الإصدارات تضم كل الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.

وهنا، يجدر بنا الوقوف قليلاً أمام تجربة المغرب العربي، ومنطقة الخليج العربي، باعتبارهما نموذجين دالين في موضوع المجلات التاريخية في العالم العربي..

فمن المغرب بدأت في أوائل سبعينيات القرن العشرين عملية تعريب كلية الآداب في الرباط. وكانت تلك الفترة مناسبة تمامًا لكتابة تاريخ المغرب بحيث بدأت آثار الميراث الاستعماري تزول (بعد أن ظلت البلاد تحت الاحتلال، أو الحماية. الفرنسية والإسبانية من عام 1912 إلى عام 1956م حسبما يقول نيقولا ميشيل، الباحث بالمعهد الفرنسي للآثار الرقية بالقاهرة «نشأة المدرسة التاريخية المغربية». 1995م. ص47 وما بعدها). ولكن المغرب استطاع بفضل عدد من أبنائه الذين درسوا في فرنسا وضع أسس المدرسة التاريخية المغربية. بيد أن الثمانينيات من القرن العشرين، هي التي شهدت الازدهار الحقيقي في أحوال الجامعات. وانتشار كليات الآداب، وصار لكل كلية آداب وعلوم إنسانية مجلة خاصة بها، وقد يضم كل عدد من هذه المجلات مقالاً أو مقالين في التاريخ.

بيد أن ما يلفت النظر حقًا، أن المجلة التاريخية المغربية حتى منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، كانت تحمل اسمًا غير عربي Hesperis-Tamuda، وأكثر مقالاتها مكتوبة باللغات الأجنبية، وعلى الرغم من حداثة المدرسة التاريخية المغربية، فإن «المجلة» التي تحمل صوتها لا تخاطب العالم العربي، ولا تتواصل معه (بشكل ملموس حتى الآن على الأقل)، وهي في هذا الصدد تختلف عن تونس والجزائر. فالأولى قطعت شوطًا كبيرًا في تعريب مدرستها التاريخية من ناحية. كما أن الجهود الباهرة للدكتور عبدالجليل التميمي في تونس، جعلتها تنفرد باثنتين من المجلات التاريخية المتخصصة في العالم العربي: إحداهما عن الدراسات العثمانية، والأخرى عن الدراسات الموريسكية.

والمثال الثاني من منطقة الخليج العربي. فعلى الرغم من الإصدارات الكثيرة، التي تصدرها كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعات الخليجية. فإن المؤرخين والأثريين من أبناء هذه المنطقة، نجحوا في تكوين جمعية علمية تضمهم هي «جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية». وقد نجحوا أيضًا في إصدار مجلة تحمل اسم «مجلة التاريخ للتاريخ والآثار». وقد صدر منها عددان حتى الآن بتمويل ذاتي تقريبًا. وعلى الرغم من أن الوقت لايزال مبكرًا للحكم على مدى فعالية هذه المجلة، فإنها يمكن أن تكون صوتًا حقيقيًا للبحث والدراسات التاريخية في هذه المنطقة من العالم العربي.

ولست أظن أن هذين المثالين على جناحي العالم العربي يجسدان حقيقة ما يجري في القلب، حيث المجلات التاريخية العربية العريقة، ولكني لا أشك في أنهما علامتان على بداية يمكن أن تكون لها تداعياتها الإيجابية القوية على إثارة الوعي بالتاريخ من ناحية، والتواصل مع الأصوات التاريخية الأخرى في المنطقة العربية من ناحية أخرى.

وإذا كنا قد تحدثنا حتى الآن عن المجلات التاريخية الصادرة عن جمعيات المؤرخين بشكل عام. فإننا يجب أن نشير إلى تلك المجالات التاريخية، التي تصدر عن العديد من أقسام التاريخ في الجامعات المصرية والعربية.كما أن مراكز البحوث والدراسات التاريخية. (التي لايزال بعضها مستمرًا وتوقف بعضها الآخر)، أصدرت مجلات خاصة بها. ومن ناحية أخرى، فإن «اتحاد المؤرخين العرب» (الذي كان مقره في بغداد، ثم انتقل إلى القاهرة بعد عدوان صدام حسين على الكويت)، مازال يصدر مجلة بعنوان «المؤرخ العربي». وخلاصة القول إن المجلات التاريخية العربية قد شهدت نوعًا من «التكاثر» الشديد في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وقد أدى هذا «التكاثر» إلى نتائج إيجابية على المستوى الكمي من حيث إتاحة الفرصة لمزيد من الباحثين والمؤرخين العرب لنشر نتائج بحوثهم ودراساتهم. كما أتاح مساحة أرحب للدراسات في الفروع المتنوعة للدراسات التاريخية. بيد أن السؤال يطرح نفسه عن مدى نجاح هذه المجلات في التواصل مع عامة المثقفين وأبناء النخب الفكرية، فضلا عن نجاحها في الوصول إلى القارئ العربي العام.

وإذا كنّا قد بدأنا حديثنا بالمجلة التاريخية المصرية، فإن ما حققته هذه المجلة من نجاح طوال مسيرتها يكاد أن يتوقف الآن لأن هذه المجلة العريقة لاتزال حتى الآن تسير على الخطوط نفسها، التي قامت عليها منذ إنشائها، فلم تتغير بنيتها التحريرية، وعلى الرغم من أن «المجلة التاريخية المصرية»، نشرت بحوثًا قيمة على مدى تاريخها الطويل، فإن حركتها العلمية ظلت أسيرة الفلك الذي أراده لها مؤسسوها منذ أكثر من نصف قرن مضى.

ولأن العدد الأكبر من المجلات التاريخية العربية قد صدر على غرار «المجلة التاريخية المصرية»، سواء المجلات، التي تصدرها أقسام التاريخ في مصر، أو المجلات التاريخية الصادرة عن اتحاد المؤرخين العرب (القديم والجديد) والجمعيات التاريخية العربية. فإنها ظلت تدور في فلكها، ولم تستطع أن تخرج من جلبابها. وتفسير ذلك أن البنية التحريرية لهذه المجلات ظلت قائمة على نشر البحوث والدراسات في مختلف فروع الدراسات التاريخية: سواء على أساس التقسيم المصطنع للزمن التاريخي وعصوره: العصور القديمة، والعصور الوسطى، والعصور الحديثة والمعاصرة)، أو على مستوى التقسيم النوعي (التاريخ السياسي، والتاريخ الاجتماعي، والتاريخ الثقافي… وما إلى ذلك)، ثم أخبار الندوات والمؤتمرات وعرضها. وربما دراسة أو عرض لبعض الكتب.

وأبادر إلى القول إن هذا ليس عيبًا، ولكن تكراره في جميع المجلات هو العيب العلمي. إذ يلفت النظر في هذه المجلات جميعًا أنها نسخ تكرر بعضها بعضًا، ولو أنك نزعت العنوان الدال على جهة إصدارها لما وجدت فروقًا، جوهرية أو ثانوية بينها. فكلها تقريبًا تنشر الموضوعات نفسها. والبحوث والدراسات في شتى فروع الدراسات التاريخية. وفي مختلف العصور التاريخية. في مزيج يشبه المزيج الذي بدأت به «المجلة التاريخية المصرية»، منذ عشرات السنين، وليست هناك مجلات أو دوريات تاريخية متخصصة في فترات تاريخية معينة (باستثناء حولية التاريخ الإسلامي والوسيط، التي أصدرتها مجموعة من المؤرخين المصريين في ثمانينيات القرن العشرين، ولاتزال تصدر بجهود عدد من شباب المؤرخين، ومجلة الدراسات العثمانية، ومجلة الدراسات الموريسكية اللتين سبقت الإشارة إليهما)، ولا توجد حتى الآن مجلة عربية متخصصة في أحد فروع العلم التاريخي. إذ يمكن للمرء أن يعدد عشرات المجلات المتخصصة في التاريخ الاجتماعي أو التاريخ الاقتصادي، أو غيرهما في أوربا والولايات المتحدة وكندا، وهناك مجلات ودوريات متخصصة في تاريخ الحروب الصليبية، أو الدراسات البيزنطية، أوالتاريخ الديني، أو في التاريخ المحلي لأحد البلاد في هذه المناطق.

ويلفت النظر هنا، أن الدراسات التاريخية في الوطن العربي قد تقدمت بالفعل وصار هناك تراكم كمي، وثراء، نوعي أيضًا، في فروع الدراسات التاريخية، في العالم العربي، لم يكن يوازيه تقدم في المجلات التاريخية العربية. وفي ظني أن هذا الموقف الغريب (تقدم الدراسات التاريخية، وزيادة عدد المؤرخين العرب المتخصصين في مختلف فروع الدراسة التاريخية من جهة، وجمود المجلات التاريخية العربية في قالب واحد متكرر من جهة أخرى) ناتج عن ضعف التمويل، وانعدامه أحيانًا.

ومشكلة توزيع هذه المجلات، التي لاتزال محصورة داخل نطاق ضيق تمامًا (بعض هذه المجلات لا يطبع أكثر من مائتي نسخة). كما أن عددًا كبيرًا من هذه المجلات والدوريات قد صارت مجرد أداة لنشر البحوث والدراسات، التي يتقدم بها أصحابها إلى الترقية في الوظائف الأكاديمية. وهو ما يعني أنها صارت «وسيلة مهنية». أكثر من كونها «وسيطًا علميًا» للعمل على تطور الدراسة التاريخية بشكل عام. وتجديد الفكر التاريخي في فروع الدراسات التاريخية، ذلك أن شباب الباحثين الذين يكتبون في هذه المجلات (بسبب عزوف الكبار لأسباب عدة عن الكتابة في هذه المجلات)، يميلون عادة إلى الالتزام بالقواعد الراسخة، والتي لا تثير الجدل، ويبتعدون عن «المغامرة» بدخول مجلات جديدة خوفًا من إغضاب «الشيوخ» الذين يميلون عادة إلى تصديق أنهم «الأفضل»، وأن الأفكار والرؤى التاريخية التي عملوا في إطارها هي الأحسن. ويؤدي ذلك بالضرورة إلى جمود المجلات التاريخية في المضمون زيادة على جمودها في الشكل.

ومن المثير أن هذه الحقيقة لا تنطبق إلا على معظم الدوريات المنتظمة، على حين أن بعض الإصدارات الخاصة حول مشكلات البحث التاريخي، أثبتت أن هناك قدرًا كبيرًا من الحيوية في مجال البحث التاريخي «تعجز» المجلات التاريخية عن أن تستوعبه. فقد عقدت ندوات ومؤتمرات لمناقشة الجوانب المختلفة للبحث التاريخي في العالم العربي. ونشرت أعمالها (منها المائدة المستديرة التي عقدتها مجلة «فكر» في 1985م، واستضافت عددًا من المؤرخين والمفكرين، والندوة الموسعة التي عقدها المعهد الهولندي للدراسات العربية في القاهرة تحت إشراف المرحوم الدكتور أحمد عبدالله سنة 1987م، والندوة التي عقدها «مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية»، التابع للسفارة الفرنسية بالقاهرة (السيداج) بعنوان الدراسة التاريخية المصرية 1970 – 1995م، بإشراف الدكتور محمد عفيفي، وغيرها من الندوات)، على حين ظلت المجلات التاريخية العربية قانعة بدورها التقليدي.

وربما يكون من الإنصاف أن نحاول تبرير ذلك القصور «الظاهري» الذي تبدو عليه المجلات التاريخية العربية، وبداية نقرر أن المسئولين عن هذه المجلات عادة ما يكونون من أكثر الباحثين حماسة ونشاطًا، ومن ثم فإن معظم المجلات تصدر بمثابرة شخصية منهم، كما أن مشكلة تمويل هذه المجلات تقف عائقًا حقيقيًا دون صدورها بشكل منتظم وعلى نحو لائق، وتحول بالضرورة دون «المغامرة» سواء في تطوير المضمون أو الشكل أو طباعة عدد كاف لطرحها على عامة القرّاء، ومن هنا يتحمل الباحثون عبء التمويل حين يدفع كل منهم «تكاليف» نشر البحث!!!

حقًا، إن المجلات التاريخية العربية – في معظمها – رهينة المحبسين: ضعف التمويل وضعف التوزيع، فهل يمكن بعد هذا أن نتحدث عن «تأثير» خارج نطاق الدوائر الأكاديمية!

لقد كان من حسن حظ التاريخ والمؤرخين في العالم العربي أن الدراسات والكتابات التاريخية لم تكن وقفًا على المجلات التاريخية العربية. فقد كانت جميع المجلات الثقافية والأدبية العربية تخصص مساحات محترمة للدراسات التاريخية، بل إن الصحف والمجلات السيارة أسهمت في هذا المجال بقدر وافر. وشاركت الإذاعة والتلفزيون والسينما أيضًا بالكثير، ثم جاءت شبكة المعلومات الدولية لتقدم ما لم تستطع أي من الوسائط الأخرى تقديمه في مجال المعرفة التاريخية.

وهو ما يؤكد الحقيقة القائلة إن الرغبة في المعرفة «التاريخية» البسيطة تكاد تقترب من الغريزة عند الإنسان العادي، فلكل امرئ تاريخه الخاص، أي ماضيه، الذي يحب أن يعرفه، وكل منا يريد أن يعرف «ماذا كان»، و«لماذا كان». وأصول ما هو ماثل أمامه من حقائق وظواهر وعادات وتقاليد، وعلى مستوى العقلية الجماعية ترغب الجماعة الإنسانية عامة في معرفة حقائق ماضيها، ليس في الشكل الأكاديمي الجامد بطبيعة الحال، وإنما في قالب سردي حكائي يلعب فيه الخيال دوره، وهو ما نجحت فيه مجلة، الهلال، مثلا منذ تأسيسها قبل قرن من الزمان، وقد لعبت المجلات الثقافية الدور الأكبر في هذا الصدد.

أما المجلات التاريخية العربية فقد عجزت، حتى الآن. عن الوصول إلى القارئ العادي، ولست أظن أنها تستطيع. بيد أن هذا ليس دورها، وليس مطلوبًا منها. ولكن هذه المجلات بحاجة إلى كسر الطوق الأكاديمي للوصول إلى النخبة المثقفة، التي يقوم أفرادها دائمًا بدور الوسيط بين الأكاديمية والجمهور العام.

 خاتمة:

ربما لم تستطع هذه الورقة أن تجيب عن الأسئلة المطروحة في بدايتها، ولكنني حاولت أن أعثر على الإجابة من خلال عرض «تاريخ» هذه المجلات التاريخية والفضاء الفكري الذي ظهرت فيه، وعلى الرغم من أنني لم أتمكن من العثور على الإجابات، فإنني خرجت ببعض الملاحظات.

أولاً: أن الظروف التاريخية الموضوعية التي أفرزت أولى «المجلات التاريخية العربية» قد تغيرت بشكل جذري – أكثر من مرة – ولكن البنية التحريرية للمجلة العريقة لم تتغير على الرغم من تنوع محتواها تنوعًا هائلاً.

ثانيًا: أن المجلات التاريخية العربية، التي صدرت بعد ذلك لم تكن سوى تكرار في الكل والوظيفة والمحتوى للمجلة الأولى – باستثناءات قليلة جدًا – بحيث يمكن أن تكون «ملاحق» لها.

ثالثًا: أن المشكلات والمصاعب، التي واجهت المجلات التاريخية، التي تكاثرت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، والتي صدرت غالبيتها بمبادرات فردية وشخصية من جانب المسئولين عنها، حالت دون تحقيق طموح المؤرخين الذين أصدروا هذه المجلات.

رابعًا: إن حال التراجع العام في العالم العربي قد تركت تأثيراتها بالضرورة على كل نواحي الحياة العربية، وكانت النواحي الثقافية والفكرية أولى ضحايا هذا التراجع، لاسيما أن الحكومات العربية اهتمت بتأمين نفسها، وأنفقت معظم موارد البلاد على هذه الجوانب البوليسية.

خامسًا: إن الصورة التي تبدو قاتمة صورة خادعة، تخفي الكثير من الملامح الحيوية، التي تشي بأن التراجع الثقافي والفكري الظاهر سببه حال «المنع» التي تسود الكثير من مناطق العالم العربي، وتحول دون ظهور الفعاليات الثقافية والفكرية الجديدة إلى العلن.

هذه «الملاحظات» تقودنا بدورها إلى وجوب مراجعة الدور الذي تقوم به المجلات التاريخية العربية، ولكي يمكن لهذه المجلات أن تؤدي دورها بشكل فعال، لابد من أن تتوافر لها موارد الدعم الثابتة والمستمرة (على غرار ما حدث للجمعية المصرية للدراسات التاريخية ومجلتها من دعم قدمه الشيخ القاسمي، وما قدمته دولة الكويت من دعم لاتحاد المؤرخين العرب في القاهرة والمجلة التي يصدرها).

ولاتزال الحاجة قائمة إلى مجلات تاريخية متخصصة في فروع الدراسات التاريخية، وفي الفكر التاريخي، ونظريات تفسير التاريخ، ومشكلات البحث التاريخي بجوانبها المختلفة، ومتابعة كيفية تدريس التاريخ في المدارس والجامعات العربية. ولأن الوعي التاريخي شرط من شروط المواطنة الحرة الواعية، فإن المجال مفتوح أمام مجلات تاريخية عربية من نوع جديد: مجلات تكون مهمتها «تبسيط» التاريخ، على غرار «تبسيط العلوم». وتكون مهمتها «تبسيط» التاريخ، على غرار «تبسيط العلوم»، وتكون مهمتها نشر الوعي بالتاريخ من خلال ما يمكن أن نسميه «التاريخ الشعبي»، أي الدراسات والبحوث، التي تخاطب عامة الناس بأسلوب سهل سلس لتعريفهم بحقائق تاريخهم دونما تعقيد أو إفراط في الشكل الأكاديمي (الذي يجب أن يبقى أيضًا داخل دوائر البحوث والدراسات الجامعية والأكاديمية). ودونما ذلك التعالي الذي نراه في خطاب بعض الأكاديميين. إن مثل هذه المجلات «التاريخية» البسيطة موجودة بالفعل في أوربا وأمريكا وبعضها موجه للأطفال والشباب والصغار على هيئة شرائط Strips. وتؤدي دورًا مهمًا، ويمكن أن يكون هناك الكثير في هذا المجال.

إن نظرة على التنوع والتطور الذي شهدته الدراسات التاريخية في العالم العربي في أثناء العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ونصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. تكشف عن حجم ومدى ما حققته الدراسات التاريخية في العالم العربي. كما أن نظرة موازية على المجلات التاريخية العربية، التي صدرت في الفترة ذاتها، تكشف عن أن عدد هذه المجلات قد زاد حقًا، ولكنها تكشف أيضًا عن أنها كثرة «التكرار»، وليست كثرة «التنوع”.

قاسم عبده قاسم

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9-2.html/feed 0
هل أسهمت «المجلات التاريخية» في إثارة الوعي التاريخي العربي؟ (1/2) https://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9.html#respond Mon, 07 May 2012 09:22:18 +0000 http://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9.html المغرب استطاع وضع أسس المدرسة التاريخية المغربية

هذا السؤال أول ما يطرأ على الذهن عندما يرد الحديث عن المجلات التاريخية في العالم العربي. ويستدعي هذا السؤال، بالضرورة، أسئلة أخرى جوهرية عن مدى ما حققته هذه المجلات والدوريات المتخصصة في الدراسات التاريخية في مجال تقدم هذه الدراسات على المستوى الأكاديمي، ومدى ما قدمته للباحثين والمؤرخين من خدمات لتطوير مجال دراستهم. المهم أن نشير هنا إلى عدة حقائق أساسية تتعلق بهذه المجلات: أولها أن «عمر» هذه «المجلات التاريخية» في الحياة الفكرية والثقافية العربية عمومًا قصير بالقياس إلى «السوابق» و«النماذج» الأوربية التي حاولت هذه المجلات تقليدها، وثانيتها: أن التوزيع المحدود جدًا لهذه المجلات والدوريات كان مقصورًا، في أحسن الأحوال، على الدوائر العلمية والأكاديمية في مجال البحث التاريخي، وثالثة هذه الحقائق، أن هذه المجلات والدوريات – حتى بعد تكاثرها – ظلت رهينة المحبين: ضعف الإمكانات المادية وضآلة عدد الجمهور الذي يطلبها.

هل أسهمت «المجلات التاريخية» في إثارة الوعي التاريخي العربي؟ (1/2)

وإذا كان من المتفق عليه بصفة عامة أن مهمة المؤرخ أن يحاول العثور على إجابة السؤال الذي يبدأ بالكلمة السحرية «لماذا؟» فإن محاولة تطبيق هذه الفكرة أيضًا تستوجب النظر إلى المجلات والدوريات ذاتها في الوطن العربي من ناحية، ومدى وعي الناس بحقائق تاريخهم – في خطوطها العريضة على الأقل – من ناحية أخرى. بيد أن الإجابة على السؤال المطروح، والأسئلة التي تولدت عنه، تستحق منا أن نلقي نظرة على المسرح الذي ولدت فيه أولى «المجلات التاريخية» في العالم العربي، والتي باتت «السابقة»، و«النموذج» الذي قلدته المجلات التاريخية الأخرى التي ظهرت وكأنها من أفراخ المجلة الأم، مع استثناءات قليلة هنا وهناك.

كان ذلك المسرح الذي وُلدت عليه فكرة «المجلة التاريخية المصرية»، وتجسدت على خشبته واقعًا حيًا ملموسًا، يتسم بالإثارة والصخب من حيث الأحداث التي تجري ومن حيث الإطار العام أو المشهد العام الذي جرت فيه هذه الأحداث على السواء. وكان ذلك كله من نتائج الظروف التاريخية الموضوعية التي جرت على العالم العربي طوال القرن التاسع عشر وفي بدايات القرن العشرين. إذ كانت حركة الاستعمار الأوربي قد أحكمت قبضتها على سائر مناطق العالم العربي وأقاليمه إبان ذلك القرن. واقتسمت عدة دول استعمارية أوربية كعكة العالم العربي فيما بينها، وأعادت تقسيمها وتوزيعها فيما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.

لقد كان الاحتلال واقعًا جديدًا غريبًا ومثيرًا بالنسبة لأبناء الوطن العربي، وكان الأمر بالنسبة لهم يختلف بشكل جذري عن الواقع الذي ألفوه في ظل الحكم العثماني منذ القرن السادس عشر. إذ إن قوى الاحتلال الأوربي كانت «العدو» التاريخي الذي عرفه التراث التاريخي العربي متراجعًا ومهزومًا إبان حركة الفتوح الإسلامية، وفي غمار أحداث الحروب الصليبية، وكان انتصاره في الأندلس قريب العهد، وفي مناطق نائية. ومن ناحية أخرى، كان ذلك الاحتلال الأوربي حدثًا غير مسبوق بالنسبة لأبناء المنطقة العربية، ومنذ بداياته الأولى في القرن التاسع عشر حرّك المياه الراكدة في بحيرة الثقافة العربية. وقد تمثل صدى هذا في شتى صنوف الاستجابات الثقافية والفكرية. ولم يكن التاريخ استثناء من ذلك الحال، بل ربما كانت الكتابات التاريخية هي الأبرز من بين هذه الاستجابات بسبب طبيعة التاريخ ذاته، وعلاقة الإنسان بالتاريخ.

فالتاريخ ممارسة ثقافية مفتوحة أمام الجميع. ودراسته لا تحتاج إلى تدريب خاص أو تمرينات معقدة، وإنما تحتاج إلى مهارات بسيطة يمكن لأي إنسان اكتسابها بقليل من الجهد الذاتي، ودون مساعدة خارجية متخصصة (ويبقى أن ما يميز مؤرخًا عن آخر هو الموهبة والقدرة على تلمس الحقائق من بين المصادر”

ولعل هذا كان السبب في أن الكتابات التاريخية التي ظهرت آنذاك كانت كلها مكتوبة بأقلام مفكرين لم يتخصصوا – بشكل أو بآخر – في الدراسات التاريخية.

وهكذا، كانت أحداث الاحتلال في كل بلد من البلاد العربية، وما أدت إليه من نتائج والمقاومة التي كانت ردود أفعال لممارسات الاحتلال، وللاحتلال ذاته، والأفراد العاديون والقادة والزعماء الذين انخرطوا في أعمال المقاومة، والإدارة الاستعمارية، وما جرى في شتى مجالات الحياة من جراء وجود الاحتلال الأوربي، وما إلى ذلك – كلها فتحت مجالات جديدة للكتابة التاريخية العربية، وأفرزت موضوعات جديدة لم يعرفها تراث التدوين التاريخي في العالم العربي من قبل. بيد أن أهم ما حدث في هذا المجال تمثل في «الدهشة» و«الصدمة» التي عبّرت عنها كتابات عبدالرحمن الجبرتي عن الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801م)، وعلى الرغم من المبالغات المتكررة عن تأثير الحملة الفرنسية على الجانب الفكري والثقافي في مصر، فإن استمرار الهجوم الاستعماري النشط، ثم نجاح الاحتلال منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر في المغرب العربي (فرنسا)، ثم ما حدث في بلدان المشرق العربي (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا)، كان هو الذي ترك الأثر الثقافي الخطير في العالم العربي ضمن التأثيرات الأخرى.

من جهة أخرى، كان النشاط الصهيوني المحموم في فلسطين منذ بدايات القرن التاسع عشر على الأقل، وثورات الفلسطينيين المتكررة، وممارسات سلطات الانتداب البريطاني لصالح المشروع الصهيوني، طوال الفترة السابقة على «النكبة الكبرى» وإعلان قيام دولة إسرائيل على الأرض العربية في فلسطين – كل هذا كان من عوامل حفز البحث التاريخي ضمن الحركة الفكرية والثقافية العامة التي هبّت رياحها على كل مناطق العالم العربي.

باختصار، كانت الظروف التاريخية الموضوعية التي تعرض لها العالم العربي منذ القرن التاسع عشر وراء الحركة الفكرية والثقافية التي أفرزت في نهاية الأمر – ضمن إفرازات أخرى كثيرة على عدة جوانب – الدراسة التاريخية الأكاديمية التي استوجبت بدورها ظهور المجلات التاريخية في معظم مناطق العالم العربي. فقد كانت الدولة العثمانية «الرجل المريض» في العيون الأوربية الاستعمارية النهمة، ولم تنتظر القوى الأوربية وفاة المريض لاقتسام تركته، بل استولت على أملاكه قبل الوفاة بزمن طويل. ومن هنا جاءت «صدمة الاحتلال» موازية لصدمة أخرى على المستوى الثقافي تعرض لها العرب الذين تم احتلال بلادهم في مشرق العالم العربي ومغربه. وقد تمثلت أهم نتائج هذه الصدمة الثقافية والفكرية بشكل إيجابي عندما انتبه العرب إلى أن هزيمتهم العسكرية والسياسية كانت نتيجة للفارق الحضاري الذي يفصل بينهم وبين الدول الاستعمارية الأوربية التي احتلت بلادهم.

كما أدركوا أن العالم الذي ألفوه وعاشوا في رحابه تحت الحكم العثماني قد ولّى زمانه إلى غير رجعة، وأن الأوربيين سبقوهم في مضمار الحضارة والتقدم بفارق كبير.

كان طبيعيًا أن يحاول أبناء النخب العربية في المشرق والمغرب سدّ الفجوة الحضارية بينهم وبين الغرب الأوربي، مستفيدين من تجارب مهمة في هذا السبيل جرت في مصر والشام في عصر محمد علي باشا، ثم محاولات حفيده الخديو إسماعيل، والمحاولات الأخرى الموازية التي جرت في تونس أو سورية ولبنان أو العراق… أو غيرهما. ولأن أبناء النخب العربية أدركوا أن موازين القوة العسكرية، والتوازنات السياسية، والقدرة الاقتصادية، لم تكن في مصلحتهم (على الرغم من أن ذلك لم يمنع حركات الكفاح المسلح، ومحاولات تنمية القدرات الاقتصادية، ومناورات الحركة السياسية) فإن فريقًا منهم اختار النضال في مجال الفكر والثقافة والعلم. وعلى الرغم من أن النضال السياسي والكفاح العسكري كان الأعلى صوتًا، فإن نضال أبناء النخب العربية في مجال الفكر والثقافة والعلم كان أبقى أثرًا من ناحية، كما كان دعمًا وسندًا للكفاح المسلح والنضال السياسي من ناحية ثانية، فضلاً عن أن نتائجه ظلت قائمة على الأرض العربية حتى بعد رحيل الاستعمار من ناحية ثالثة.

لقد كان النضال الثقافي والفكري والعلمي من جانب أبناء النخب العربية في جوهره بحثًا عن الخلاص، وسعيًا وراء الحل لأزمة التخلف العربي. ولكن اللافت للنظر أن هذا البحث وهذا السعي وراء الخلاص من السيطرة الأوربية كان في رحاب الفكر والثقافة الأوربية ذاتها. لقد كان بحث «المغلوب» عن حل أزمته عند «الغالب». فالمغلوب دائمًا مولع بتقليد الغالب، وهذه سنة تاريخية راسخة وحقيقية أيضًا. وكان طبيعيًا أن يحاول الباحثون عن الحل لأزمتهم أن يجدوا هذا «الحل» لدى أوربا. ومن هنا ذهبت البعثات، والأفراد، وأقيمت المؤسسات العلمية والثقافية – بل والسياسية – على غرار مثيلاتها في أوربا. فقد كانت المجلات والصحف، والمسارح ودور السينما، والندوات والمؤتمرات والاجتماعات، والجمعيات العلمية بشتى أنواعها، والجامعات – كلها تقليدًا محمودًا لنماذج أوربية. وتشهد مذكرات الرواد من المفكرين والباحثين والأدباء والفنانين العرب، ويومياتهم، عن الرحلة إلى أوربا بهذا القدر الكبير من الافتتان بالحضارة الأوربية، وتجليات الحياة الفكرية والثقافية هناك، ومدى الولع بتقليدها باعتبارها طريقًا للخلاص. كانت هناك – بطبيعة الحال – مظاهر سلبية عديدة لتقليد أوربا، ولاسيما في مجال السلوك الاجتماعي لأبناء الشرائح العليا في المجتمعات العربية، ولكن هذا ليس مجال اهتمامنا في هذه الورقة على أي حال

كان أهم هذه التجليات الفكرية والعلمية والثقافية لنضال الشعوب العربية، إنشاء الجامعة المصرية في العقد الأول من القرن العشرين. وفي ظني أنه كان أهم حدث في التاريخ الفكري والثقافي في العالم العربي في العصر الحديث (لأن الجامعة المصرية كانت بؤرة التفاعل الثقافي العربي، كما تربت فيها أجيال من المفكرين العرب، فضلاً عن أنها صارت نموذجًا أنشئت على مثاله الجامعات العربية الأولى في بغداد ودمشق وغيرها، كما أنها خرجت أجيالاً من الأساتذة والمفكرين الذين ساعدوا على إنشاء جامعات كثيرة بعد ذلك في مصر وغيرها من البلاد العربية) لقد تأسست الجامعة المصرية، بمبادرة أهلية وباعتبارها أداة نضال ضد الاستعمار البريطاني في مصر سنة 1908م، ثم تحوّلت إلى جامعة حكومية سنة 1925م، ويهمنا هنا أن نركز على مدى تأثير الجامعة على الدراسات التاريخية بصفة خاصة، مع اعترافنا بأهمية ما قدمته في المجالات الأخرى بطبيعة الحال كانت كلية الآداب في الجامعة المصرية، ثم جامعة فؤاد الأول، من أولى الكليات التي قامت الجامعة عليها، ومنذ بداية هذه الكلية حظيت الدراسات التاريخية فيها بحظ وافر، فقد كان قسم التاريخ واحدًا من الأقسام الخمسة التي ضمتها الكلية عند نشأتها.

فقد ضمت كلية الآداب خمسة أقسام: التاريخ، واللغة العربية، واللغات الشرقية، واللغات الأوربية والفلسفة ويهمنا في هذا المجال أن نشير إلى أن الدراسة التاريخية الأكاديمية، بمعناها الحديث قد نشأت للمرة الأولى في العالم العربي، بقسم التاريخ بالجامعة المصرية (جامعة فؤاد الأول ثم جامعة القاهرة)، وهو ما جعل الدراسات التاريخية تنعطف منعطفًا جديدًا في القرن العشرين. بيد أن أهم نتائج هذا التحول الجديد في اتجاه الدراسات التاريخية، في رأيي، تمثلت في ظهور المؤرخ المحترف (أي الذي يتخذ من البحث التاريخي وتدريس التاريخ مهمة يكرّس حياته لها، ويكسب عيشه منها)، وعلى الرغم من أن هذا لم يمنع ظهور مؤرخين موهوبين ممن لم يتخذوا التاريخ مهنة لهم، فإن ظهور «المؤرخ المحترف» للمرة الأولى في الحياة الفكرية العربية أدى إلى نتائج غاية في الأهمية. فقد بدأ يظهر بين صفوف المؤرخين المحترفين شعور بالذات جعلهم يتطلعون إلى تأكيد هويتهم من خلال الجمعيات التاريخية، والمجلات التي تحمل ثمار عملهم في مجال تخصصهم، رغبة منهم في التمايز عن زملائهم المتخصصين في فروع المعرفة الأخرى وربما يكون من المهم أن نشير هنا إلى أن ظهور المؤرخ المحترف في الفضاء الفكري العربي لا يعني بالضرورة أن المؤرخين من خارج الأكاديمية كانوا من الهواة حسبما ظن البعض.

فالمؤرخ هو المؤرخ بغض النظر عن مهنته، وقدراته العلمية ومواهبه هي المعيار الوحيد لتميزه عن غيره من ناحية أخرى، كانت إسهامات المؤرخين العرب، من غير المحترفين (بالمعنى الذي أشرنا إليه في السطور السابقة) في النصف الأول من القرن العشرين، والمصريون منهم بوجه خاص، قد حملت بصمة المؤثرات الأوربية في الفكر التاريخي. ولكن كتابات أولئك المؤرخين لم تخضع تمامًا لهذه المؤثرات لأن أنفاس التراث العربي في مجال الكتابة التاريخية كانت مازالت تتردد في ثنايا كتابات أولئك المؤرخين، الذين كانوا بمنزلة الجسر الواصل بين أصحاب الكتب والمؤلفات التاريخية في القرن التاسع عشر، من أمثال عبدالرحمن الجبرتي، وعلي مبارك، ورفاعة الطهطاوي، وفيليب جلاد، ويعقوب آرتين، وسليم نقاش (في لبنان)، وميخائيل شارويم، ونقولا الترك.. وغيره من ناحية، والمؤرخين الذين تتلمذوا على أيدي الأوربيين من ناحية أخرى.

وربما يكون مفيدًا في هذا السياق أن نشير إلى أن بداية الدراسة الأكاديمية للتاريخ في العالم العربي كانت موصومة في بعض الفترات بتبعية هذه الدراسة لفكرة التاريخ الأوربي، وتقسيم الزمن التاريخي حسب الرؤية الأوربية. فقد ظل قسم التاريخ بجامعة فؤاد الأول (القاهرة) تحت رئاسة الأساتذة الأجانب، وتوجيههم، حتى سنة 1936م، وإن ظلت بصمتهم باقية حتى الآن في تقسيم العصور التاريخية، وتنظيم مناهج الدراسة. وما نتج عن هذا، بطبيعة الحال، من مشكلات مازالت الدراسات التاريخية تعاني منها في شتى أنحاء العالم العربي.

ومن ثم جاءت الدراسة التاريخية في مصر، وفي العالم العربي عمومًا، وكأنها فرخ من أفراخ الدراسات التاريخية الأوربية. وبغض النظر عن النتائج والآثار السلبية العديد لهذه الحقيقة «التاريخية»، فإن تأثير الأساتذة الأجانب كانت له جوانبه الإيجابية أيضًا.

فقد ظهرت في الأجيال التالية محاولات جادة لتعريب «التاريخ»: أي محاولة «قراءة» التاريخ من وجهة نظر عربية ومصرية أسهم فيها المؤرخون المحترفون وغير المحترفين معًا. وظهر عدد من المؤرخين الذين كان طموحهم يدفعهم إلى محاولة بناء «مدرسة تاريخية» عربية يكون قوامها ذلك العدد المتزايد من المؤرخين العرب «المحترفين» الذين تخرجوا من أقسام التاريخ في الجامعة العربية المتزايدة في كل قطر من أقطار العالم العربي إلى جانب نفر من المؤرخين الذين كانت كتاباتهم تجديدًا مثيرًا ومفيدًا أفادت منه الدوائر الأكاديمية في مجال الدراسة التاريخية كثيرًا. وحاول الكثير من المؤرخين العرب تصحيح الأخطاء والخطايا الناجمة عن اتباع خطى المؤرخين الأوربيين، والأخذ بمفاهيمهم، وعدم فهم انحيازاتهم التاريخية.

كان إنشاء الجمعية المصرية للدراسات التاريخية (الجمعية التاريخية الملكية) في النصف الأول من القرن العشرين بالقاهرة أولى الخطوات الجادة والناجحة في هذا السبيل. وقد كان الفضل في إنشاء هذه الجمعية راجعًا إلى عدد من رواد الدراسات التاريخية المصريين ولقوا مساندة مهمة من أبناء النخبة المصرية ولاسيما من أبناء الأسرة الملكية الحاكمة آنذاك. وكانت أهم أهداف هذه الجمعية ترقية البحث التاريخي، والعمل على تطور الدراسات التاريخية في العالم العربي. ومن الطبيعي أن تضم هذه الجمعية في عضويتها، على مدى أجيال متعاقبة، عددًا كبيرًا من المؤرخين العرب، والمهتمين بالدراسات التاريخية العربية. ومن ناحية أخرى، أصدرت الجمعية المصرية «المجلة التاريخية المصرية» لتكون أول مجلة مصرية عربية تحتضن جهود المؤرخين العرب في تطوير البحث التاريخي في العالم العربي من ناحية، ونشر ثمار الدراسة الأكاديمية من ناحية ثانية، وإثارة وعي النخبة بتاريخها من ناحية ثالثة. وقد لعبت هذه المجلة دورًا مهمًا في ميدان الدراسة التاريخية وفتحت صفحاتها للدراسات الجديدة في فروع الدراسات التاريخية الجديدة التي ارتادها المؤرخون والباحثون العرب.

ويكشف أي جهد إحصائي في فهارس الأعداد التي صدرت من «المجلة التاريخية المصرية» عن أن كتّابها من الباحثين العرب، على مرّ الأجيال، قد طرقوا أبواب البحث في التاريخ السياسي، والتاريخ الاجتماعي، والتاريخ الاقتصادي، والتاريخ العسكري، وتاريخ الفن، والتاريخ الفكري.. وهلم جرا. بل إن صفحات المجلة استضافت البحوث التي تتناول الآثار على اعتبار أن مجال التاريخ ومجال الآثار مرتبطان ارتباطًا عضويًا. وبالإضافة إلى هذا التنوع المثير في الموضوعات التي ضمتها صفحات المجلة المصرية التاريخية، فإنها كانت تقيم في كل سنة حلقة نقاشية حول أحد الموضوعات المهمة ويتم نشرها في كتاب مستقل، ومن أهم ما أصدرته «الجمعية التاريخية المصرية» في هذا الصدد تلك المجموعات من الدراسات عن المؤرخين العرب عن الكتابة التاريخية العربية بشكل عام: فقد صدرت مجلدات مهمة عن ابن عبدالحكم، والمقريزي، وابن إياس.. وغيرهم. كما أن الدراسات التي تتناول مناطق التداخل بين التاريخ وغيره من فروع المعرفة، مثل الاجتماع، والسياسة والاقتصاد والفن والآثار وغيرها، لقيت المزيد من اهتمام المجلة التاريخية المصرية بحيث ضمت أعدادها على مر السنين بحوثًا ودراسات كثيرة في هذه الميادين، بل إنها ضمت دراسات عن العلاقة بين الشعر والتاريخ، والأدب والتاريخ بشكل عام بدأت تظهر على استحياء في هذه المجلة العريقة.

ولأن «المجلة التاريخية المصرية»، تحمل جزءًا مهمًا من «تاريخ» الدراسة التاريخية في مصر، وفي العالم العربي بشكل عام، فإنها عكست التطورات الفكرية التي جرت على الساحة المصرية والعربية في النصف الثاني من القرن العشرين. إذ كان من الطبيعي بعد ثورة 1952، وتصاعد المد القومي العربي من ناحية، وبروز الاهتمام بالشعب وطبقاته الفقيرة بشكل خاص من ناحية أخرى، أن يتجه البحث التاريخي بعيدًا عن المدرسة الليبرالية القديمة التي كانت تمجد الفرد الحاكم، وتأخذ بنظرية البطل في التاريخ. وبدأ جيل المؤرخين الذي برز في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين يبحث في أحوال العمال والفلاحين، وبدأت دراسات التاريخ الاقتصادي والتاريخ الاجتماعي لأبناء هذه الطبقات تنتشر على صفحات المجلة. ومن ناحية أخرى، أدى تصاعد المد القومي العربي إلى إعادة النظر في الكثير من المسلمات التي كانت سائدة بشأن التاريخ العربي القديم، والحضارة العربية الإسلامية، والحروب الصليبية… وما إلى ذلك. كما تنوعت الدراسات التاريخية من حيث الكيف تنوعًا كبيرًا، واقتحمت مناطق عديدة لم تكن مطروقة من قبل. فقد ظهرت فروع الدراسات التاريخية واضحة جلية على صفحاتها وانعكس دورها الإيجابي على التنوع المذهب في موضوعات الدراسات التاريخية التي تناولتها رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية والعربية.

قاسم عبده قاسم

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b3%d9%87%d9%85%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d8%a9.html/feed 0