حروف – مسارات https://www.massarate.ma مسارات للرصد والدراسات الاستشرافية Mon, 12 Apr 2021 10:53:29 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.1.6 سراب النمو https://www.massarate.ma/%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%88.html https://www.massarate.ma/%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%88.html#respond Fri, 17 Apr 2015 10:04:15 +0000 http://www.massarate.ma/?p=38690 كثيرة هي الدعوات اليوم – ومنذ ما يقارب عقدا من الزمان وفي مختلف أرجاء المعمور – إلى مراجعة النظريات والمناهج الاقتصادية وتقويم السياسات الاجتماعية التي تخطط لمعيش الإنسان ونمط سلوكه، فالمسافة الزمنية التي تفصلنا بين “تجريب” وترجيح نموذج حياتي معين تمكن من النظر إلى نتائجه بشكل واضح وجلي، والتي قد تكون لحظة ولادته والتبشير به والدعوة إليه والدعاية له محفوفة بمجموعة من عوائق اللحظي والتحمس الذي تعجز معه الملكات الإنسانية عن السفر العميق في عواقبه، والذي يتطلب بعد النظر العابر للعقود والأجيال.

لقد كان النموذج الاستهلاكي المرتبط بمبشرات التقدم ملاذا تهفو إليه المجتمعات بمختلف مشاربها وألوانها، بل عليها أن تتبناه إن هي أرادت أن تحظى بمقعد في نادي “الإنسانية” المتحضرة. مما زاد من تنامي الوعي في الألفية الثالثة بحكم التقدم في الزمن، وتراكم الخبرات، وتطور آليات الاختبار والتقويم، والمعاناة الميدانية التي لا تقبل أي جدل أو مكابرة، والذي نبه إلى مدى محدودية الاختيارات التي ادعت إسعاد الإنسان منذ أواخر القرن التاسع عشر تحت مسمى “التقدم” والعيش الرغيد، والذي جرى وراء الكسب التقني والعلمي بشكل لم تعرف الإنسانية نظيرا له طيلة تاريخها، وبات مطمح الأنفس والأمم ومعيار التصنيف والمقارنة والتفاضل بين الحضارات والشعوب مؤمنا بأن الأخذ بأسباب التكنولوجيا وتحصيل منافع الإنتاجية المفرطة هي منتهى سؤل وأمل الإنسان، كل ذلك في تيه كبير عن مآلات هذا التسابق المحموم، وغرق كبير في الحاضر والآني المتلبس بالذاتية والأنانية والفردية.

إن الحقيقة الواقعية الماثلة للعيان هي أن إمكانات الأرض التي نحيا فيها محدودة، والهوى الاستهلاكي الذي تربى عليه إنسان زمننا المعاصر في تزايد لا محدود؛ مما ينذر بالكارثة والفوضى والدمار وغير ذلك من الأوصاف التي عرفت طريقها إلى البحث الاقتصادي والاجتماعي، والتي تعمل على تقويم الاختيارات المعيشية الحالية التي تلهث وراء “سراب النمو”؛ إذ لا تحقق إلا “الدرجة الصفر” في معدل التنمية الحقيقي، بحيث تهوي بالأجيال المقبلة في متاهات المجهول الذي تحاول كشف العتمة عنه، وتبيان خيوط أشعة النور التي تمكنت من الإبصار والتمييز به أبحاث كثير من أهل العلم بشقيه الإنساني والحق، حيث يمكن اعتبار البحث عن اقتصاد أو مجتمع “إنساني” عنوانا ضخما له.

فكثيرة هي أصوات الغيورين من المتنورين على “الإنسان”، والتي تدعو إلى تدارك الانزلاق الخطير عن سكة الرشد الإنساني بتبني مقاربات مندمجة للتقدم والتنمية تراجع منظومة إسعاد الإنسان ومعايير تحقيقها، كما تجمع بين الحاضر والمستقبل ولا تتنكر للماضي، وتوائم بين المحلي والكوني، وتجسر بين الخاص والعام والفردي والجماعي في جلب المصالح والمنافع ودرء الفاسد والمضار، كل أولئك في توازن خلاق تتحمل فيه الإنسانية جمعاء مسؤولية الإنقاذ والتصحيح، والبحث عن البدائل التي تجعل الإنسان قادرا على حماية أسباب الحياة حالا ومآلا في كل أبعادها المادية والمعنوية، والسعي إلى التعاون والتآزر بأفق حقوقي حقيقي يوسع من دائرة مصفوفته المعيارية التي هي ليست مجرد أرقام صماء، بل علامات تنبض بالحياة وتؤسس للمعنى الواقعي للعيش السليم.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%88.html/feed 0
الهوية الجاهزة https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%b2%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%b2%d8%a9.html#comments Wed, 25 Sep 2013 12:30:19 +0000 http://www.massarate.ma/?p=29572 راكم الإنسان طيلة وجوده خبرات حضارية تأثلت مع مرور الأزمان والدهور، وتأصلت وترسخت بفعل عوامل التاريخ والجغرافيا، فأصبحت بمثابة سدود كبرى تصب فيها أودية التجارب البشرية بمحاسنها ومساوئها، بنجاحاتها وإخفاقاتها، لتتفرع عنها قنوات ري تجتهد في تحسين ناتج المحصول الحضاري، أو تخترع أساليب جديدة تستجيب لتحدياتها القائمة.

فلا يكون بناء حضاري إلا على أسس قائمة، والأسس هي مكونات هويةٍ تواضع أهلها عليها وأجمعوا أمرهم  حولها، فكانت بذلك بناء رمزيا يشكل العقل والوجدان، ويساهم كل فرد أو جماعة في تشكيله ليزداد مع مرور الزمن رسوخا وصمودا، فتكون الهوية بذلك عملا مستمرا لا يعرف توقفا، وتتبدل تجلياته وتتغير معطياته بحسب تغير الأحوال والأزمان دون المساس بالجوهر الذي ضحى من أجل بناء حجره الأساس وحفظه بالكثير الكثير من الأنفاس.

إن الهوية هي  ذلك الوعاء الحضاري الذي لم يكن أبدا وليد لحظة متعينة في الزمن، بل هي تشخيص حلم جماعي استطاع أهل الإبداع الإعماري أن يصوغوه في شكل تتوحد عليه الآمال وتجتمع المشاعر لتنطلق في بنائه لبنة لبنة، وبذلك  كانت الهوية دائما عنوان الثبات والديمومة والرسوخ في الزمان والمكان باعتبارها تراكما لا يعرف جمودا، بل وإن أخطر ما يتهدد هوية حضارية ما هو فقدانها للتجدد ودخولها في الموت المحنط الذي لا يبقي إلا على جسد ميت بدون روح سرعان ما تأكله آلة الزمن التي لاترحم،

بخلاف ما أضحى يهيمن على بعض  التوصيفات النقدية  للأنماط الحضارية حيث أصبح ما يتعلق بخطاب الهوية عنوان الجمود على الماضي، فذلك ليس إلا تمثل للأموات الذين فقدوا القدرة على الحركة والمبادرة الحضارية، فأسندوا ظهورهم على جذوع شجرة الهوية، مستظلين بأغصانها، غير آبهين برعايتها وتعهدها بماء التجديد الذي يمدها بالحياة، ويضمن لها الاستمرار، فلاهوية مع الجمود، ولا تجدد بدون تراكم، وإن ما يتم القصف به من أنواع الخطابات التي تدعي الهوية ليس إلا نوعا من الكسل التاريخي، والبطالة الحضارية التي تخنق قنوات السدود الكبرى، مثلها مثل الوحل الذي تسرب إلى قاع السدود التي إذا لم تتدارك بالصيانة والإصلاح الدائم، شلت حركة السدود نفسها، وبقيت بناءات فارغة عاجزة عن أداء وظيفتها الإحيائية والإنمائية، ومن ثم تبدو خطورة ما يمكن تسميته بالهويات الجاهزة، وهي تسمية تحمل من التناقض ما يجعلها صادمة للوعي المجتمعي، فكيف نجمع بين الأثيل والأصيل الذي تراكم عبر مسيرة زمنية طويلة، وبين الجاهز وما يحيل عليه من سرعة في الإنجاز زمانا ومكانا، وانفصال عن بصمة تميزه؟، فالهويات الجاهزة لا تؤمن إلا بظاهر الأشياء وما يتبدى للجميع على سطحها، وتكفر بمعناها وجوهرها وروحها، إذ تتسلط على القيم الحضارية العليا فتعمل على تقويضها باختزالها في سلوك معين، ابتداء من مظهر أو هيئة جسدية مخصوصة أو مأكل أوملبس يجعلك  اليوم أمام جزر معزولة خارج الحاضر بل الماضي نفسه، وبذلك فهي ليست مذهبا في  التقليد أو نزعة ماضوية، بل هي صيحات عدمية تأخذ من تلفيقات مظهرية أسباب وجودها ودعايتها، بحيث  لا تزيد  المتلبس بها إلا فصاما وابتعادا عن واقعه، واستسهالا للمنجز الحضاري، فلا تراه يتقن إلا فنون الهدم والردم باسم “هويته” الجاهزة.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%b2%d8%a9.html/feed 1
الحق والواجب https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8.html#respond Fri, 07 Jun 2013 11:37:46 +0000 http://www.massarate.ma/?p=27924 يدخل الاهتمام الكبير بحقوق الإنسان منذ الإعلان العالمي لها ضمن الاحتفاء بالكرامة الإنسانية، والنضال الكبير من أجل الحيلولة دون المس بها، وتأسيس منظومات تشريعية تحفظها من الانتهاك. وليس الإجماع العالمي إلا تتويجا للنضج الذي عبر عنه الضمير الحي للإنسانية، والذي أراد القطع مع التجارب الوحشية التي فتكت بالإنسان تحت مبررات مختلفة من دين أو عرق أو لون أو لغة،  أو أي سبب آخر يمكن أن تسترخص فيه الأرواح والذمم.

وإذا كان هذا الرشد الحقوقي يعبر عن تقدم حضاري كبير، فإن كماله المأمول لا يمكن أن يتيسر إلا بظفره بالحديث عن الواجب أو الواجبات الإنسانية، إذ لا ينفصل الحق عن الواجب، فهما مكونان أساسيان للعمران البشري، فلا حق بدون واجب، ولا واجب بدون حق، فالعلاقة بينهما علاقة تلازم، لا ينفك الواحد منهما عن الآخر في شبه ارتباط وجودي، يحترم مسؤولية الإنسان الكامنة في اتصاله بذاته وبغيره والآفاق من حوله.

فإذا كان الحق مطلبا يلتمس من الغير باعتباره قيمة خارجية تهفو إليها الأفئدة،  فإن الواجب مسلك يطالب الإنسان ذاته بالوفاء به في شبه عقد داخلي  تتحكم فيه الإرادة الذاتية للفرد، ومن ثم فإن للحقوق أدوات رصد وجودها أو عدمها، ووسائل تحقيقها وتطويرها، مما يجعلها قابلة للقياس والتقويم وفق المؤشرات  المعتبرة، والسياقات المختلفة، في حين يستعصي مثل هذا التوصيف العياني فيما يخص الالتزام بالواجب، وذلك لأنه يدخل ضمن سجل آخر يستحضر القناعات والكفايات التي استدمجها الفرد في تكوين شخصيته طيلة تجربته الحياتية، ابتداء من التربية وطبيعة النماذج التي تأثر بها، بحيث يصبح إنسانا متوازنا يسهر على القيام بواجبه أولا، كما لا يفرط في حقوقه ثانيا، لأن الغالب على الطبيعة الإنسانية، إذا ماعدمت اليقظة والحزم في الأمور، أن لا تلحظ العيوب إلا في الآخر الذي يصير مشجبا تعلق عليه أخطاءها وهفواتها، مما يشكل هروبا دائما لا يحاول أن يفحص واقع النقائص والعوائق الذاتية، ويتفنن في إبداع قصص موهمة تجعل منه دائما ضحية لأمر ما.

إن النهوض بثقافة الواجب هو الكفيل بضمان الحقوق، وجعل خطابها ذي معنى إنساني مسؤول، وليس فقط يافطة احتجاجية تخدم أغراضا أخرى غير الحقوق، كما أن العناية بهذا الواجب يعصم الحق من المزالق التمييعية له، إذ يبقى مشدودا للبناء القيمي الذي يفرضه سياق مخصوص، وهوية مشخصة، وتاريخ متراكم من الخبرات التي كانت تؤمن بأن الواجب حق والحق واجب.

لقد أبدع الإنسان آليات للمراقبة والمحاسبة، واخترع صنوفا من أدوات تدبيرها الذي ترصد له ميزانيات كبرى، وهو شيء مهم وجوهري في حياة المجتمعات، غير أن الاستثمار في بناء الوازع  والرادع الذاتي، والتفكير في مؤسسات تبث هذه القيم من خلال الوسائل المختلفة، انطلاقا من دورات تدريبية، وبرامج تربوية تعتمد الفنون ووسائل الاتصال الحديثة، كل ذلك يجعل من الواجب أسمى الحقوق الذاتية التي ينبغي الحرص عليها قبل غيرها.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8.html/feed 0
مقبرة البداهة https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%82%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%87%d8%a9.html https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%82%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%87%d8%a9.html#respond Thu, 09 May 2013 14:26:09 +0000 http://www.massarate.ma/?p=27041 استعرت عنوان هذه الحروف من العلامة المجتهد الدكتور أحمد عبادي، والذي استعمله بصيغة استعارية في سياق تقويم واقع العلوم في عالمنا المعاصر، وكان ذلك بمناسبة اجتمع فيها عالم مغربي من كبار الباحثين بوكالة نازا للأبحاث الفضائية الدكتور كمال الودغيري، والدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية تحت قبة مؤسسة علمية عتيدة وهي دار الحديث الحسنية بالعاصمة الرباط، والتي قام مديرها الدكتور أحمد الخمليشي بالتنويه بمثل هذه اللقاءات المتفردة التي تجمع بين تحقيقات العلوم الحقة وتسديدات العلوم الشرعية.

ما زاد من جمالية اللقاء، هو أنه كان فرصة تواصلية بين هؤلاء الأعلام والشباب المغربي الذي غصت به جنبات القاعة، والذي سهر على تنظيمها ثلة من الشباب اللامع  في وحدة التثقيف بالنظير بالرابطة المحمدية للعلماء.

إن هذا المشهد العلمي الرائق ليُذَكر بأمجاد التفوق العلمي في تاريخنا الإسلامي، الذي تميز بالنبوغ في مختلف الميادين الشرعية والطبيعية، والذي لم يعرف جمودا يحول بين الإنسان وخاصيته الاستفهامية والتساؤلية من أجل سبر أسرار الإنسان والكون، ذلك أن سر الحياة والتجدد نابع من الانفلات من مقبرة البداهة التي تحجب الحقائق، بل تئدها وتدفنها تحت تراب ينطق لسان حاله دائما بأن الأمور هكذا على حالها، وبديهي أن تكون وتبقى على هيئتها المعهودة، مما يشل أي مبادرة للتفكر أو التدبر يمكن أن تخرق حجب البداهة إلى آفاق التعرف على الأسرار والحقائق، سواء كانت شرعية أو إنسانية أو طبيعية.

فالتراكم الحضاري الذي ننعم بإنجازاته، لم يكن وليد الاتكالية والغيبوبة في قبو التعامل البليد مع الأسماء والأشياء، بل كان وما يزال  نتيجة اجتهاد ومجاهدة لا تعرف مللا ولا كللا، إذ هي القلب النابض لكل تجدد حضاري، ومن ثم فالجمع بين القرائتين للقرآن المسطور والمنظور، والتزود الدائم لهما بما جد من فهوم و حقائق وعلوم، يخرجان المتسائل والمستكشف  من “الفصام” الذي انتاب كثيرا من الناس، حتى بات عندهم أن عالم الكون المشهود جزيرة منفصلة لا صلة لها بالغيب ، والعكس بالعكس ممن رام تغييب كل مشهود بطريقة يغلب عليها التسطيح والتبسيط، والحال بخلاف ذلك كله، إذ لكل عالم لغته ومفرداته، بحيث إن الفرق والجمع بينهما لا يتمكن منه إلا الأفذاذ من المجددين للدورات الحضارية، والذين امتلكوا الجرأة على الاستفهام و طرح الأسئلة بشكل صحيح وسليم، وتوسلوا في البحث عن أجوبتها بأدوات ومناهج أسعفت الإنسان في كثير من شؤون دينه ودنياه.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%85%d9%82%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%87%d8%a9.html/feed 0
نحو تدبير جديد https://www.massarate.ma/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af.html https://www.massarate.ma/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af.html#respond Fri, 05 Apr 2013 16:38:13 +0000 http://www.massarate.ma/?p=25782 مر مسار الإنسان بطفرات متعددة طيلة وجوده على صفحة الأرض، حاول من خلالها أن لا يبقى مجرد نوع حي عابر يشكل فقط جزءا من الطبيعة الحيوية التي ينفعل بها وجودا وعدما، بل تميز بمقدرته على مفارقة واقعه بالكد والاجتهاد في فهمه، واستكشاف نواميس حركيته، وفقه قوانينه، والإجابة عن أسئلة الكون الملغزة، والسفر في أعماق التركيبة البشرية نفسها لفهم آليات اشتغالها وتجاوباتها ومحدوديتها ومكامن قوتها وضعفها، إلى غير ذلك من العلوم التي مازالت تعرف تطورا هائلا، تنسخ نتائجها بعض ما استقر  من يقينيات، ويرسخ بعضها الآخر ما سبق التوصل إليه، وهكذا في شكل حركة دائبة لا تعرف توقفا، بحيث إنها تعد بمثابة سيرورة دائمة بدوام نبض الحياة الإنسانية.

ويمكن اعتبار السرعة مطلبا حياتيا تعلقت به همة الإنسان، وسعت بمختلف الوسائل إلى تحقيقه تحديا منه لمسافات الزمان والمكان، وسخر لذلك اجتهاده العلمي الذي استنطق به الطبيعة، لتمنحه من مواردها ما تمكن من خلاله أن يضمن حركية سريعة للأشخاص والمنافع، فنَمَطَا الترحال والاستقرار اللذان جربهما الإنسان في رحلاته التاريخية  نحو التمدن والتراكم الحضاري، تعتريهما إيجابيات وسلبيات تعوق ما يطلبه من تقدم.

وبذلك كان ضمان السرعة مفتاحا للجمع بين ضرورات الاستقرار والبناء، ومنافع التجوال والضرب في أرجاء العالم، واكتشاف الخبرات والخيرات، بحيث قدم الإنسان بدائل وخيارات متنوعة ذللت صعاب البر والبحر والسماء. بل إن طموحه لطي الزمان والمكان جعله يبدع في طرق التواصل والاتصال عوالم بلغت المدى الذي نعيشه اليوم من التفاعل الحي والمباشر عبر الأقمار الصناعية، وآلاف الكيلومترات من الأسلاك العابرة للقارات، والتكنولوجيا الرقمية التي ازداد التتنافس في ابتكار أجهزتها الذكية.

إن هذا الزخم الهائل من التطورات السريعة، والذي أصبح معها الزمن شأنا آخر لا عهد للسابقين به، والذي يتنفس هواءه أجيالنا الصاعدة من الشباب والأطفال، والذي نلحظ كيف أنهم خلقوا لزمانهم، من خلال امتلاكهم الفطري لآلياته، وتمكنهم من خبراته للتعبير عن عوالمهم الواقعية والافتراضية.

إن ما يمكن نعته بالطفرة الرقمية التي يعيشها عالمنا، ليس مجرد تقدم تقني محض، بل هي ثورة في السلوك ونمط التمثلات الموروثة، فإذا ما اقتصرنا على الجانب المعلوماتي، فإن أجيال اليوم يتاح لها دفق وسيل كبير من المعلومات لا قبل للأسلاف به، بل إنها أصبحت أكثر علما ومعرفة من حيث الاطلاع والسرعة في هذا الاطلاع نفسه، مما كسر الاحتكارية المعلوماتية  وأنواع التسلطات المحيطة بها. وما الإعلام البديل وشتى صنوف التعبير التي أصبحت  تطفح بها المجموعات الرقمية، إلا دليلا على هذا النبض القوي الذي يستلزم حكامة تدبيرية جديدة تعترف بذكاء الآخرين، وتنتهج مقاربة تشاركية تتقن فن الإصغاء والتجاوب، والعمل على التزود بميكانيزمات التفكيك والتحليل لما يتوصل إليه من معلومات، من أجل تأسيس قناعات تأتي بالجديد المخترع، وتتعاون على الإخصاب الحضاري المنتج.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af.html/feed 0
عالمنا الافتراضي https://www.massarate.ma/%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%8a.html https://www.massarate.ma/%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%8a.html#comments Thu, 28 Mar 2013 14:49:06 +0000 http://www.massarate.ma/?p=25360 تبدل كل شيء في عالمنا اليوم،  وأصبح الجميع من مختلف المشارب البحثية والعلمية يتحدث عن الطفرة الجديدة التي ولج رحابها إنسان الألفية الثالثة، والتي أضحت تحت مسميات عدة وعناوين متنوعة، تجمع كلها على أن رؤية عالم جديدة قد تخلقت وتشكلت.

فإذا كان التواصل خصيصة لصيقة بالإنسان، باعتباره الكائن الذي أبان عن كفاية ومقدرة عالية تستطيع محاورة الوجود بمختلف تجلياته الحية والجامدة والساكنة والمتحركة، والسابقة واللاحقة، من خلال ذكائه الذي يراكم الخبرات، ويستطيع التنبؤ والاستشراف. فإنه قد بلغ اليوم بالإنسان إلى مناطق جديدة لم تطأها قط قدم من شغف ببسط سلطانه على الأرض ، حيث كانت تتنافس الأمم السالفة وتتسابق على إحراز أكبر جزء من الأرض تتفاخر به، عنوانا على القوة والمجد.

لقد اكتشف الإنسان الجديد قارة جديدة  بفضل التقدم التكنولوجي وتسارع وتيرة التطور في جميع المجالات ذات الصلة بهذه الجوانب، من إعلاميات، وذكاء اصطناعي، وغيرها من العلوم والصنائع والمهارات، التي ولدت عالما رقميا له شبكاته العلائقية والاتصالية، والتي انمحت معها الحدود، وتقلصت المسافات، وتبدلت مفاهيم السيادة،  حيث أصبح اليوم الحديث عن المواطن العالمي أو الكوني الذي يجوب الكون ويتفاعل مع مكوناته بشكل سريع.

لقد عرفت مفاهيم الزمان والمكان وتمثلات العالم تغيرات تكاد تصل إلى مستوى الجذرية التي تقطع مع كل ما مضى وسلف واستقر من أنظار، أنظار كانت بطبيعة الحال مشروطة بواقعها الذي أنتجها. فهذه القارة الجديدة أو السادسة كما بات متداولا اليوم في أدبيات توصيف مقتضيات العالم الرقمي الجديد، هي نتاج تزحزحِ قارات جديد تم في العالم الافتراضي، والذي أصبح يضاهي في وجوده وسلطانه  العالم الواقعي، إذ يمكن الحديث عن ثقافة الطي بدل النشر، فإذا كان الواقع متناثرا متباعدا مختلفا،  فإن هذه الأوصاف كلها تصير في منظومة العالم الافتراضي شأنا آخر، بل إن المعايير نفسها تعرف زلزالا يعيد ترتيب أولوياتها ويسائل جدواها.

فالعالم مطوي زمانا ومكانا وأشخاصا، ويستطيع الجميع الاتصال والتواصل والتعارف والتفاعل من خلاله، مما أدى إلى ظهور تجمعات وانتماءات تتقاسم نفس الآمال والآلام أو الأحلام والطموحات، وتستطيع التعبير عن نفسها بحرية،  فالكون طوع بنان الإنسان من خلال اللغة الرقمية الجديدة.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%8a.html/feed 1
فلسفة التذكر https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%84%d8%b3%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b0%d9%83%d8%b1.html https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%84%d8%b3%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b0%d9%83%d8%b1.html#respond Wed, 16 Jan 2013 14:28:47 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=16239 يعلم الجميع أن الشعور بفقدان القدرة على التذكر الجيد والسليم والإحساس بتلف الذاكرة يعتبران من المخاطر التي تهدد صحة الفرد، وتنذره بضياع جزء حيوي يمكنه من الاتصال بالعالم، فالإنسان يحيى زمنه بأبعاده كلها ماضيا كانت أو حاضرا أو مستقبلا.

فالذاكرة هي المخزون الذي تتجمع فيه التجارب والخبرات، وتختلف وجوه التعاطي معه من خلال التمكن من الآليات والمناهج التي بها يستطيع المرء أن يحسن الاستفادة منه بمعرفة وجوه تصريفه وتكييفه مع المستجد والمتحول من الأحوال.

وإذا كان مسمى الإنسان يتضمن النسيان باعتباره طبيعة بشرية تدل على الضعف والنقص الذي يميزه من حيث هو كائن بشري، فإنه يبقى في حاجة دائمة إلى التذكير والتذكر، حتى لا تنفلت منه خيوط الانتباه والتركيز على مقصدية سيره وإبحاره على سفينة الوجود التي لا تعرف صحوا وهدوءا دائما ولا غيوما واضطرابا أبديا، فإن اشتغال آليات تفعيل الذاكرة المذكرة تعتبر إنجازا مركزيا تفاوتت الحضارات المتعاقبة في إتقان فنونه وعلومه، وهندسة معالمه، من أجل تحقيق الحضور والاستمرار في الوجود في التاريخ  الذي لا يرحم من نسي أو تناسى أو تعرض لمحو ذاكرته بطريق أو آخر. فالمتأمل لصفحات التدافع الحضاري، يرى كيف أن درجة الإنسانية والوحشية تقاس بمدى الحفاظ على الإرث البشري الذي نحتته قرون طويلة من المعاناة من أجل بنائه، ليأتي التالي ليمد جسور الامتداد به ودفعه إلى الأجيال اللاحقة، لتبلوره وفق شروطها الحاضرة، من خلال تنمية ملكة التملك الإنساني العام، والذي يعترف بإبداعية الإنسان كائنا من كان، لتتحقق بذلك الطفرات الحضارية التي بلغت ما بلغته اليوم. غير أنه في سياقات تطفح بتدني منسوب الآدمية، وتضخم نوازع البهيمية، تجد أن الإجهاز بشكل همجي يطال الذاكرة بمختلف مكوناتها المعنوية والمادية، لتكتشف فظاعات إحراق الخزائن والمكتبات وإغراقها، وهدم المعالم والمنشآت والمشاهد التي تخلد الرموز والتواريخ، مما يجعل من مثل هذه الأعمال التخريبية نوعا من السعي إلى البدء من الصفر، والعودة بالإنسان إلى بدائية يفتقدها هذا النوع من التدمير للحضارة والتمدن.

إن الذاكرة واشتغالها ليست استظهارا وإتقانا لفنون الببغاوية التي لا تستلذ شيئا إلا تكرار نفسها، وتخلد إلى كسل استنساخي يوهم نفسه بالحفظ والحفاظ، فهذا لا يمكن إلا أن يحيل نوع إلى من الثقافة الجامدة التي تهدد بالانقراض. إذ بالتحفيز على الإبداع والابتكار، وعدم الجمود على ما رسمه الأولون والسابقون، يتجدد ويدوم هذا المنجز الذي لم يقنع المتقدمون باستصنامه، بل عملوا على بث الروح فيه من خلال اجتهاداتهم المتنوعة.

وهكذا عبر مختلف الذكاءات والإلماعات والعبقريات الفردية والجماعية حتى استوى معمارا حضاريا في حاجة ملحة عبر الأزمان لهذه الروح الوقادة التي تحفظ الذاكرة من التآكل والنسيان والطمس والمحو، عبر وعي كبير بتمفصلات السياق المعاصر، والإمساك بتشعبات الحاضر، وتمثل عميق لأسرار الذاكرة التي تتمنع عن أشكال التحنيط والتجميد وتستفز العقلاء للإحياء والتجديد.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%81%d9%84%d8%b3%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b0%d9%83%d8%b1.html/feed 0
الدين والمجتمع https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9.html https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9.html#respond Wed, 02 Jan 2013 15:06:27 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=15532 يجد الناظر في الدراسات والأبحاث التي اهتمت بالأديان ووظائفها وطبيعة خطابها وسر تأثيرها واستمرارية انتشارها وإشعاعها على مر العصور والدهور وعبر مختلف الشعوب والأعراق،يجد فيها توظيفا لما استجد من المناهج والنظريات والمفاهيم سواء كانت دينية أو إنسانية “مجردة”، مما حفز العقول واستفز النفوس على البحث في شؤون الدين بصفة عامة ومحاولة فك شفراته وألغازه سعيا وراء اصطناع نماذج تأويلية وتفسيرية تفي بغرض الإيضاح لما غمض من أمر الدين، والإفصاح عن حقائق حضوره القوي مهما تبدلت الأزمان واختلفت السياقات.

ولقد عرف مطلع الألفية الثالثة عودة كبيرة للأديان ممارسة ومدارسة، إذ ارتبطت هذه العودة في مجمل الأديان بنزوع سياسي أصولي ومتطرف، مما كان له تأثير كبير على الخرائط الذهنية والسياسية والجغرافية لعالمنا الإسلامي.

وإذا كانت المسألة الدينية فد تمت مقاربتها في ديار الإسلام من لدن مختلف أصناف النخبة المثقفة متوسلين في فهمها بمختلف المناهج والنظريات الأصيلة والدخيلة، فإن طابع المنطق الثنائي قد غلب على طروحاتها، حيث إن هاجس الآخر وحضوره المؤثر بمنظوماته الحضارية قد حكم مختلف تلك المقارنات التي رامت التوفيق والمصالحة، أو الترميم والتجاوز، أو النقد والمخاصمة إلى غير ذلك من أضرب العلاقة التي كانت تعكس وعي أصحابها وشروط المرحلة التي كانوا يفكرون من خلالها، إذ نجد تقابلات من مثل الإسلام والاشتراكية أو الإسلام والرأسمالية و الإسلام والديمقراطية…

ولعل موضوع العلاقة بين الدين والسياسة يمكن اعتباره الإشكال المحوري الذي هيمن على مختلف الأدبيات سواء منها الأكاديمي أو الحركي الميداني مما جعل الباحث أمام زخم هائل من الأنظار والتحليلات منها ما تجاوزه الزمن، ومنها ما لقي فرصته في امتحان التجريب العملي الذي له إكراهاته الواقعية بعيدا عن كل تنظير “حالم”.

ولذلك فقد بات البحث في المسألة الدينية يأخذ أبعادا جديدة في الدرس والتقويم يمكن نعته بمطارحة علاقة الدين بالمجتمع، أو إشكال التدين في حد ذاته وكيف أنه حياة روحية خاصة، يؤطرها نظام قيمي معين ينبغي أن لا يزج به في معارك الساسة الوقتية، والتي لها منطق تدافع قد تفشل فيه البرامج السياسية أو تنجح تبعا لمقدرة أصحابها وكفاءتهم التقنية وتمكنهم من أدوات السياسة التي لها منطقها الخاص، والذي تحكمه آليات وغايات قد تضر بالدين إذا ما زُج به في معاركها التنافسية على السلطة. فقد بات واضحا أن الدين كلما تم استثماره في الحظوظ الدنيوية كلما كان هو الخاسر في بورصة تداول السلطة، وعلى هذا الأساس بدأت أصوات أكاديمية وأخرى انطلاقا من تجارب نقدها الذاتي تنادي بضرورة توقير الجوانب الروحية للمجتمع، والتعفف عن التلاعب بها في حرب التموقع السياسي من أجل ضمان استقلال أكبر للدين، وترقية النقاش السياسي إلى مستويات أكثر عقلانية ، تعتمد تقويم البرامج المقترحة واكتشاف الأفكار المبتكرة  والحلول المبدعة للأزمات، حيث تتبارى فيها العقول والكفاءات على السلطة بدون إلحاق أي ضرر بالرأسمال الوجداني للأمة والذي يشكل سدى وحدتها وتماسكها.

]]>
https://www.massarate.ma/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9.html/feed 0
مستقبل التراث https://www.massarate.ma/%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html https://www.massarate.ma/%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html#respond Fri, 21 Dec 2012 15:03:53 +0000 http://www.massarate.ma/?post_type=columns&p=15190 حظي تراث الأمة منذ عقود من الزمن بعناية العلماء والمفكرين والباحثين، حيث تعددت رؤى ومناهج وزوايا النظر إلى هذا التراث بحسب تنوع المشارب واختلاف السياقات، وبحسب الحاجة الملحة إلى إيجاد حلول لإشكالات الحاضر، إذ لم تكن العودة إلى الماضي كليا أو جزئيا،قراءة وتأولا، إلا استجابة للتحديات الكبرى التي واجهها المعبرون عن ضمير الأمة مهما اختلفت توجهاتهم أو توظيفاتهم التي ضغطت وتضغط على حاضرهم.

غير أن الجديد في هذه المسألة هو التفكير في التراث من جهة أفقه المستقبلي واستشراف مآله، بعد أن كانت العودة إليه عنوانا للانحسارية والانغلاقية في زوايا الماضي الذي ولى،  أوفي أحسن الأحوال توظيف ما تبدى منه نافعا لتبرير قضايا الحاضر ما دامت الجماهير متشبثة به بوعي أو بغير وعي.

إن التفكير في التراث بهذا البعد الاستشرافي والمستقبلي يعبر عن تجديد للنظر في التراث نفسه، وإخراجه من البعد الزمني ليأخذ مكانه باعتباره فكرا حيا يشكل تقليدا للأمة وليس مجرد ميراث أو تركة خلفها غيرنا لنا، بل هو ضمير تتساكن فيه أمور مستنفذة وأوراش مستأنفة وإشكالات منفتحة على التجديد والإبداع مازالت أماني لم تجد من يسير بها إلى أبعد مدى من الإحياء والابتكار، فليست الحداثة دوما دالة على الحاضر، فكم من خطاب معاصر مغرق في الماضوية، وكم من لمعات الماضي هي في غاية الحداثة والجدة.

لقد كان الباعث على هذه الأفكار هو اللقاء العلمي الدولي الذي نظمه معهد المخطوطات العربية بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء حول مشروع التراث ومشروعيته وسؤال التجديد، بغية الخروج برؤية منهجية وبحثية علمية ترسم فلسفة جديدة للتراث مفهوما وتأثيلا، ووظيفة وإبداعا. مما يمنح مثل هذا المنتدى العلمي جديته وجدته، إذ رسم طريقا للإشكالية التراثية متحررا  من هيمنة هواجس الماضوية، إلى ضرورة البحث في التراث باعتباره تقليدا قابلا للتجديد، مما يكسبه أبعادا كبرى تجاوزت تراث البحث في التراث نفسه، فالزمن الماضي كان حاضرا، والمستقبل سيصبح هو الآخر حاضرا ومن ثم تعتريه أحكام الزمن ليصير ماضيا.

ومن ثم فإن إشكال استشراف التراث ينم عن وعي بصيرورة الزمن، وينبثق عن نظر للتراث بوصفه وعاء للهوية والخصوصية الحضارية للأمة، والتي يمكن التمييز فيها بين الثوابت والمتغيرات والحاجة القصوى لتجديد النظر فيها باعتبار الأصول والتحولات التي يعرفها السياق والذي يظهر كفاءات المجتهدين في إدراك هذه اللحظات الفارقة التي بها يصبح التراث حيا وحاضرا قابلا للإحياء والإبداع.

وبخصوص التصوف، فقد كان وما يزال مثار جدل تتكرر فيه طروحات الممالئين والمناوئين منذ قرون، طروحات تجعل هذا الصنف أوذاك يستدعي التراثيين في غياب للحاضر الذي يستعيد استئناف السؤال حول التراث الصوفي منهجا ومضمونا وبحثا عن آفاق مستقبلية يمكن أن تسعف في إيجاد سبل لتجديد منظومة العلوم الإسلامية.

]]>
https://www.massarate.ma/%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab.html/feed 0