هل نقول وداعاً لليورانيوم؟ نجاح أول مفاعل نووي بالملح المنصهر والثوريوم في العالم

الرئيسية » علم وحضارة » هل نقول وداعاً لليورانيوم؟ نجاح أول مفاعل نووي بالملح المنصهر والثوريوم في العالم

تمكن باحثون صينيون من تحقيق إنجاز تاريخي في صحراء جوبي بتشغيل مفاعل نووي بالملح المنصهر وعنصر الثوريوم بدلا من اليورانيوم مما يمكن أن يغيّر مستقبل الطاقة النووية مع القدرة على تحويل الثوريوم إلى وقود نووي ويمنح بكين مفتاح السيطرة على الطاقة النووية العالمية.

في إنجاز علمي وتكنولوجي من شأنه أن يُعيد صياغة مستقبل الطاقة النووية العالمية، أعلنت الصين عن تشغيلها الناجح لأول مفاعل ملح منصهر ثوريوم (TMSR) تجريبي في العالم. هذا الإنجاز، الذي تم في صحراء جوبي القاحلة، يُمثل قفزة نوعية تضع بكين في موقع الريادة العالمية وتتجاوز عقبة الاعتماد على اليورانيوم وسلاسل الإمداد العالمية.

تحويل تاريخي يكسر الحاجز العلمي

نجح معهد شنغهاي للفيزياء التطبيقية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم في تحقيق سابقة تاريخية؛ حيث تم بنجاح تحويل الثوريوم-232، العنصر الطبيعي الوفير، إلى اليورانيوم-233، وهو وقود نووي قوي قادر على دعم التفاعلات المتسلسلة للانشطار. يُنظر إلى الثوريوم كوقود بديل أكثر وفرة وأمانًا من اليورانيوم، ما يمنح الصين تفوّقًا استراتيجيًا في ظل اعتمادها المتزايد على واردات اليورانيوم الروسي. وتُقدّر احتياطات الثوريوم في منغوليا الداخلية بأنها تكفي لتزويد الصين بالطاقة لأكثر من ألف عام، وفق تقارير رسمية.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “ساينس آند تكنولوجي ديلي”، يعمل المفاعل التجريبي على توليد حرارة متواصلة من خلال الانشطار النووي منذ بلوغه “الحالة الحرجة الأولى” في 11 أكتوبر 2023.

وصرح لي تشينغ نوان، سكرتير الحزب الشيوعي ونائب مدير المعهد، بأن هذا الإنجاز “على وشك إعادة صياغة مستقبل الطاقة النووية النظيفة والمستدامة”.

قفزة جيوسياسية في سباق الهيمنة النووية

يأتي هذا النجاح في وقت تُسارع فيه الصين من وتيرة برنامجها النووي المدني بشكل غير مسبوق. فبينما استغرقت الولايات المتحدة سنوات في بناء محطة واحدة، بنت الصين 13 مفاعلًا بنفس الحجم ولديها 33 مفاعلًا آخر قيد الإنشاء، وفقًا لتقارير إخبارية. واللافت أن الصين بدأت تطوير الثوريوم بالاعتماد على أبحاث أمريكية منشورة لم يتم العمل بها لإنجاز تقدم في ذلك المجال.

ويؤكد الخبراء أن هذه الخطوة تمثل انتصارًا استراتيجيًا لبكين. قال مارك هيبس، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والخبير في القطاع النووي الصيني، لصحيفة نيويورك تايمز: “الصينيون يتحركون بسرعة هائلة. إنهم حريصون جدًا على إظهار للعالم أن برنامجهم لا يمكن إيقافه.”

تجاوز أزمة اليورانيوم والاعتماد على روسيا

تكمن الأهمية الكبرى لهذا المفاعل في حل المشكلة الاستراتيجية الصينية الكبرى: الافتقار لليورانيوم الكافي. ففي الوقت الذي تُهيمن فيه الصين على نمو إنتاج الطاقة النووية، تُسيطر روسيا على ما يقرب من نصف (حوالي 44%) القدرة العالمية على تخصيب اليورانيوم، مما يجعل سلاسل الإمداد النووية عرضة للتقلبات والمخاطر الجيوسياسية.

الثوريوم، الأمل الوفير: بتشغيل مفاعل الثوريوم، تتجاوز الصين هذه العقبة بشكل حاسم. فالثوريوم أكثر وفرةً وسهولةً من اليورانيوم. وتُشير التقديرات إلى أن موقع تعدين واحد فقط في منغوليا الداخلية يحتوي على ما يكفي من الثوريوم لتزويد الصين بأكملها بالطاقة لأكثر من ألف عام.

هذا التحول لا يعزز فقط استقلال الطاقة المحلية للصين، بل يمهد الطريق لهيمنتها الدولية على قطاع الطاقة النووية، متجاوزةً بذلك الاعتبارات القياسية لسلاسل التوريد والمخاطر النووية.

عملية التحويل المبسطة

يبدأ التحويل في مفاعل الملح المنصهر الصيني بامتصاص الثوريوم-232 (الموجود بكثرة في الطبيعة) لنيوترون داخل الملح المنصهر عالي الحرارة، الذي يعمل كمبرد وسائل للوقود. يتحول الثوريوم-232 إلى ثوريوم-233، ثم يضمحل إلى بروتكتينيوم-233، وأخيراً إلى يورانيوم-233 القابل للانشطار النووي الذي يولد الحرارة المستمرة. هذه العملية حدثت فعلياً في المفاعل التجريبي بسعة 2 ميغاواط في صحراء جوبي، حيث حصل معهد شنغهاي للفيزياء التطبيقية على بيانات صالحة مؤكدة الجدوى التقنية.

 الاعتماد على أبحاث أمريكية

يعتمد تصميم مفاعلات الملح المنصهر (MSR) جزئياً على أبحاث أمريكية من الستينيات، مثل تجربة مفاعل الملح المنصهر في أوك ريدج (MSRE) الذي عمل باليورانيوم وثوريوم، لكنه لم يصل إلى تحويل الثوريوم كما في الصين. أطلقت الصين برنامجها في 2011 بمعدات محلية كاملة، محققة الإنجاز الأول عالمياً دون الاعتماد المباشر على أبحاث أمريكية منشورة حديثة. هذا يمثل تطويراً صينياً مستقلًا يعزز استقلاليتها عن اليورانيوم.

أريبيان بزنس

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *