3 قضايا جوهرية تفرض حضورها عالمياً

الرئيسية » تربية وتكوين » 3 قضايا جوهرية تفرض حضورها عالمياً

3 قضايا جوهرية تفرض حضورها عالمياً

يأتي هذا الكتاب محصلة اجتهادات وتحليلات صادرة عن كوكبة تتألف من سبعة من المفكرين والأكاديميين من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وكلهم من أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

وتدور مقولاته حول الدور المتقدم والبارز المنوط بالدول الكبرى في العالم، وخصوصاً لدى التصدي لمعالجة ما قد يعرض لعالمنا من قضايا ومصاعب ومشكلات، وإن كان الكتاب يتوقف في تحليلاته عند ثلاث من القضايا العالمية التي يتصور مؤلفوه أنها قائمة تضم مشكلات العالم في المرحلة الراهنة.

وهذه القضايا هي قضية التعامل مع الأسلحة النووية علي نحو ما تنظمه معاهدة منع انتشار الأسلحة الفتاكة المذكورة، قضية تلوّث البيئة الكوكبية وتغير المناخ وقضية إدارة النظام المالي العالمي علي نحو فاعل ورشيد.

وفي هذه الساحات الثلاث يؤكد كتابنا أهمية الخطوات التي يجب أن تتخذها دول المسؤوليات الخاصة باعتبار أن هذه المسؤوليات لها وجهان للعملة: أولهما وجه التمّيز والقدرة على اتخاذ الإجراءات الفعالة، في حين أن الوجه الثاني يتمثل في واجب الدولة الكبرى المعنية في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي للمشكلات، التي تنطوي على ضرر بالنسبة للعالم.

وستفاليا اسم يعرفه جميع الأكاديميين والدارسين لتطور النظام العالمي إلى الوضع الذي آل إليه في وقتنا الراهن، بقدر ما يعرفه جيداً أساتذة العلوم السياسية وفقهاء القانون الدولي. وهو اسم المعاهدة الموّقعة بين الأطراف الأوروبية الفاعلة في عام 1648 للميلاد وقد جاءت لتشكل وقتها نهاية لحرب الثلاثين سنة التي دارت رحاها خلال عقود ثلاثة بين الأطراف المذكورة.

ورغم أن الأمر كان يخّص – كما ألمحنا – أطراف القارة الأوروبية إلا أن معاهدة وستفاليا ما لبثت أن أصبحت، بنظر فقهاء العلوم السياسية، منعطفاً بارزاً يؤرخ لقيام الدولة الحديثة، تلك التي يصدق عليها المصطلح المتواتر في الوقت الجاري وهو الدولة القومية (أو الدولة الوطنية).

ولقد كان الأمل يتمثل في أن يؤدي قيام الدول القومية إلى سيادة أوضاع من شأنها حلّ التوترات، التي غالباً ما تحتدم بين الدول وشعوبها علي مدار القرون الأربعة التي انقضت علي توقيع معاهدة وستفاليا، باعتبارها الصك الذي نادى بتكريس مساواة الدول في السيادة، بصرف النظر عن حجم الدولة أو مدى ثرائها أو عدد سكانها، إلا أن الواقع المُعاش حتى زماننا الحالي ما زال يشهد بحقيقة لا بد من إدراكها، رغم مراراتها، وتقول إن في العالم دولاً كبرى، وأحياناً عظمى، وأن هذه الدول ما برحت تتمتع بمزايا معينة، وإن كانت لا تزال تضطلع بمسؤوليات خاصة أيضاً.

تلك هي المنطلقات التي تصدر عنها – في ما نتصور – مقولات الكتاب المهم الذي نعايشه في ما يلي من سطور، حيث يأتي عنوان الكتاب بمثابة شهادة تصديق لما تناولناه في ما سلف من سطور. والعنوان هو: «المسؤوليات الخاصة: المشكلات العالمية والقوة الأميركية».

3 قضايا محورية

ولقد قصد مؤلفو كتابنا إلى أن يعالجوا واقع ومستقبل السياسة العالمية الراهنة خلال منظورات ثلاثة تلخصها المحاور الأساسية التالية:

1- قضية عدم انتشار الأسلحة النووية

2- مشكلة تغير المناخ الكوكبي

3- ضرورة تنظيم النشاط المالي في العالم.

والحق أن التركيز – كما يوضح الكتاب – علي مسؤولية الولايات المتحدة، وهي مسؤولية خاصة بالدرجة الأولى، ظل شأناً مطروحاً على الساحة الدولية منذ خروج أميركا منتصرة في الحرب العالمية الثانية، ومن ثم زعامتها – كما هو معروف – للمعسكر الغربي الرأسمالي الذي ظل يطلق على نفسه، من باب الدعاية طبعاً، خلال السنوات الخمسين أو تقل قليلاً التي استغرقتها الحرب الباردة، وصف «العالم الحر».

لكن المسؤوليات الخاصة التي يركّز عليها كتابنا ما لبثت أن تكاثفت أو تأكدت، ولا سيما في عقد التسعينات من القرن العشرين، وهو المرحلة التي شهدت مطالعها زوال القطب السوفيتي المنافس، وهو ما أفضى إلى بزوغ وتجليات أميركا في دور القطب العولمي الواحد، أو الأوحد.

هذا الوضع هو الذي دفع وزيرة خارجية أميركا في تلك الفترة مادلين أولبرايت أن تطلق عبارتها الشهيرة وقد أذاعتها عبر منظومة الأمم المتحدة وقالت فيها: لقد أصبحت الولايات المتحدة هي الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها (وبالتالي أصبح من حقها أن تتسلم زمام القيادة في العالم) لأنها ترى أبعد مما يراه الآخرون.

هنا، وكما يوضح مؤلفو الكتاب، كانت المسؤولة الأميركية تؤكد فكرة المسؤوليات الخاصة التي ينفرد بها بلدها ويتميز بها علي سائر أعضاء منظومة الدول القائمة في عالمنا.

النظرية والواقع

على الوتيرة نفسها يذهب مؤلفو كتابنا إلى أن واقع الساحة الدولية المعاصرة لا يزال يشهد تناقضاً ضارباً أطنابه في صميم العلاقات بين الدول، صحيح من ناحية أولى أن النظام الدولي يقوم علي أساس المساواة في السيادة، بمعنى الافتراض بأن كل الحكومات الشرعية تمتلك وتمارس نفس الحقوق والمزايا فيما تتحمل الواجبات والالتزامات ذاتها بصرف النظر عن قوتها النسبية.

ولكن الأصح من ناحية ثانية أن الدول الأقوى يتاح لها مزيد من القدرة علي الفعل والتصرف، وهو ما يضفي عليها عادة مكانة مخصوصة، بل إن الدول الأخرى لا تلبث أن ترّحب بأي جهود تبذلها الدول- القوي الكبرى (أو العظمى) من أجل التعامل مع المشكلات وإدارة الأزمات التي تواجه المجتمع الدولي – العولمي الأوسع نطاقاً.

من هنا فالدلالة التي يستقيها طروحات هذا الكتاب في هذا المضمار يمكن تلخيصها في جانبين:

أولاً: توفر القدرات لدى الأطراف الكبرى بما يكفي لممارسة هذه الأدوار المحورية أو القيادية، وهي قدرات لا تقتصر على الجوانب المادية، ومنها الإمكانات الاقتصادية أو العسكرية وما في حكمها، ويأتي بعدها أو ينبني عليها توفر إرادة الفعل لدى القوة المطلوب منها أن تتصرف.

ثانياً: توفر عنصر المقبولية من جانب القوي الدولية الأخرى إزاء دور المبادرة أو القيادة أو الحسم المنتظر القيام به للتعامل مع ما قد يعرض للعالم من مشكلات أو أزمات.

وعلى المستوى العملي يمضي كتابنا ليطبق هذه المنطلقات الأساسية على القضايا الجوهرية الثلاث التي تتصدر اجتهادات المؤلفين، ويتمم ذلك على النحو التالي:

  • في قضية السلاح النووي: ما زالت أميركا، بوصفها قوة نووية رئيسية، مطالَبة بمواصلة رصد نظام عدم الانتشار الذي تقنّنه المعاهدة الدولية المعروفة بهذا العنوان، وتجسّد الصك الدولي الذي تتعين مراقبته بواسطة تقارير دورية خاضعة للاستعراض والتحليل لدي وكالة الطاقة الذرية في فيينا يستوي في ذلك نشاط الدول الحائزة لهذا السلاح مع الدول غير الحائزة لهذا السلاح الخطير.
  • في قضية تغير المناخ: هنا يعترف مؤلفو الكتاب بأنها ما زالت أكثر تعقيداً، ربما باعتبار أنها مستجدة على الاهتمام الجمعي العالمي أو الكوكبي، وفي هذا الصدد أيضاً يذهب مؤلفونا إلى أن سبب هذا التعقيد لا يرجع إلى مجرد المسؤوليات الخاصة التي تضطلع بها دولة عظمى مثل أميركا، وإنما يرجع إلى نقيض هذا السبب بشكل مباشر.
  • وبمعنى أن السبب هو شراكة المسؤولية، لأن الاحتباس الحراري الكربوني الذي يلحق الضرر بأجواء كوكبنا، ويؤدي إلى آفة التساخن التي يكابدها، هي مسؤولية مشتركة لا تسببها أنشطة أميركا الصناعية وحدها.
  • ولكن تشارك في هذه المسؤولية علي سبيل المثال الدول الصناعية البازغة أو الطالعة، وفي مقدمتها كل من الصين والهند، ومن ثم يتعين علي هؤلاء الشركاء اتخاذ إجراءات مضاهية والاضطلاع بمسؤوليات موازية.
  • فيما يتعين علي علم السياسة وممارسات الدول أن تبدع مبدأ فريداً ومستجداً علي ساحة العلاقات الدولية ويمكن أن تلخصه العبارة التالية: المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة.
  • في قضية النظام المالي الدولي: يستلزم الأمر عملية رصد تاريخي تبدأ من دور أميركا الذي كان موضوعياً هو الدور رقم واحد في تشكيل الهيكل القائم حتى الآن للمنظومة المالية الدولية، كيف لا وقد كانت أميركا هي حاضنة تلك المنظومة الثلاثية المؤلَّفة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسة المالية الدولية، وتعرف تاريخياً باسم منظومة بريتون وودز على اسم البلدة الأميركية الوادعة في أرياف ولاية نيوهامبشاير، وعلى أرضها ولدت المنظومة المالية الدولية المذكورة أعلاه في عام 1944.

    تنصل من المسؤوليات

ثم يسترعي النظر لدى مطالعة فصول هذا الكتاب أن المؤلفين وهم – كما أسلفنا- من الولايات المتحدة ومن أوروبا الغربية، يكادون يتفقون على أن الدول الكبرى التي تتحمل ما وصفه الكتاب بأنه المسؤوليات الخاصة.

لم تكن تمارس هذه الخصوصية من خلال أساليب التفاهم أو التمهيد أو التوافق، التي اتبعتها لدى مقاربة المشكلات التي صادفها عالمنا، سواء خلال حقبة الحرب الباردة أو خلال السنوات التي تلتها منذ تسعينات القرن الماضي- بل الذي حدث، على نحو ما يذهب إليه كتابنا، هو أن الدول الكبرى المذكورة أعلاه، كانت تتبع اسلوباً أقرب إلى الإملاء أو الفرض لتنفيذ ما كانت تتصوره بأنه بناء وتفعيل نظام دولي قائم على أسس وطيدة من الثبات أو الاستقرار.

وقد تجلت هذه النزعة بالذات في حقبة ما بعد الحرب الباردة، على نحو ما يقول في نقد هذا الكتاب أيضاً المحلل السياسي الأميركي جون أكنبري. وفي هذا السياق يؤكد الناقد المذكور علي ضرورة أن تواصل دول العالم السعي نحو إقرار طريق وَسَط بين مطالبة دول «المسؤوليات الخاصة» باستخدام قدراتها الواسعة في حل مشكلات عالمنا، وبين القبول بممارسة هذه الدول أساليب الهيمنة أو فرض الحلول من موقع الاستعلاء علي سائر دول العالم- وبما يؤدي إلى المساس، إن لم يكن الإخلال، بمبدأ مساواة الدول في السيادة.

عوامل عديدة وراء انحسار دور واشنطن

وعلى مدار فترة ليست بالقصيرة من النصف الثاني من القرن الماضي ظلت واشنطن تنعم بدور القيادة على الصعيد المالي العالمي، لكن هذا الدور – على نحو ما يوضح كتابنا- ما لبث أن تعرض لظروف كانت أقرب إلى عوامل التعرية، وحدث ذلك بسبب عوامل شتى ما بين اشتداد ساعد مؤسسات التمويل الخاصة، بل فرض سطوتها في بعض الأحيان، ومنها أيضاً دخول الشبكات المالية غير الرسمية إلى السوق المالية الدولية، بل اقتحامها في بعض الأحيان.

في هذا السياق يري المؤلفون أن الولايات المتحدة تتحمل الإلتزام أخلاقياً بالمساعدة علي تخفيف حدة هذه المشكلة، ويسوقون في ذلك ثلاثة أسباب رئيسية هي:

1- إن الأنشطة الصناعية الأميركية أسهمت تاريخياً في إيجاد مشكلة التلوث الكربوني وفي زيادة حدتها.

2- إن أميركا ما زالت تمتلك من السبل العلمية المتقدمة والوسائل الناجعة والقدرات التكنولوجية بما يمكّنها من التصرف في معالجة هذه المشكلة الخطيرة، وعلى نحو ناجز وفعال.

3- إن أميركا تستطيع أن تنجز هذه المهمة دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بأفراد شعبها (التعبير المستخدم في الكتاب: إِفقار أهلها).

والمعنى يتمثل في أن المطالبة بمسؤوليات خصوصاً تتحمل بها هذه الدولة أو تلك (وهي دولة كبرى وقادرة بحكم التعريف) ما هي في التحليل الأخير سوى عملة لها وجهان، ويتمثل أولهما في خصوصية المسؤولية، وهو ما يضفي على الدولة المعنية أهمية وتفرداً تنعم به في مسيرة العلاقات الدولية.

 فيما تجري ترجمته إلى نفوذ بالغ وقدرة مؤثرة على قرارات المنظومة الدولية بل وعلى الأسواق المالية والعلاقات الاقتصادية العالمية، وهو ما ينعكس بالتالي على شكل المزيد من القوة التفاوضية التي تجري ممارستها لصالح دولة المسؤوليات الخاصة، وطبعاً لصالح ممثليها ومندوبيها ومفاوضيها وشركاتها وعملائها والاتفاقات التي تدخل طرفاً فيها.

وكلها إيجابيات لا تلبث أن تتراكم كي تتحول بفعل قوانين الأشياء من كمّ تراكمي إلى كيْف إيجابي، يتمثل عند نهاية المطاف في تحقيق المصالح القومية العليا للطرف الدولي المعنى، وهي الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لهذا الكتاب.

لكن الوجه الآخر للعملة لا يلبث أن يطالب هذه القوى الدولية نفسها المستفيدة بأن تكون على استعداد متواصل للفعل الدولي، بمعنى أن تتحمل نصيباً متكافئاً من المسؤولية إزاء ما قد ينتاب العالم.

مسؤوليات والتزامات

يستشرف الكتاب آفاق بعض الأفكار لثلاث مسائل عالمية، من خلال إجراء دراسات معدة جيدا، وهذه الأفكار هي نظام حظر انتشار الأسلحة النووية، التغير المناخي، والتمويل العالمي.

وبشأن قضية نظام منع انتشار الأسلحة النووية توضح الأفكار كيف يمكن تحديد مسؤوليات أميركا الخاصة رسمياً، أي كيف تمنح معاهدة انتشار الأسلحة النووية التزامات مختلفة تجاه الدول التي تمتلك أسلحة نووية وغير نووية، لكن القضية توضح أيضاً كيف يمكن لهذه الالتزامات أن تثير النزاع وتتغير بمرور الوقت.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *