دمج ثقافة الإبداع كجزء من الإستراتيجية المؤسسية 2/2

الرئيسية » تربية وتكوين » دمج ثقافة الإبداع كجزء من الإستراتيجية المؤسسية 2/2

من أجل تطوير بيئة إبداع ناجحة، يجب تشكيل المحاور الثلاثية بناءً على العلاقات بين الحكومة والأكاديميين والصناعة، وبين المكونات الأساسية للحكومة أو المؤسسات العامة والشركات والجامعات. ومن المفهوم على نطاق واسع أن الميزة الأساسية لمثل هذا النظام هي ميزة اقتصادية، من خلال جلب الدخل أو توفير التكاليف، ويعول في نهاية المطاف على أن المنافع الاقتصادية بدورها لا بد أن يكون لها تأثير اجتماعي، ولكن هذا لا يتضمن المفهوم الأوسع للإبداع والابتكار، والذي هو “طريقة جديدة للقيام بهذه الأمور”، وبناءً على هذا المعنى، فإن المؤسسة المبدعة هي مؤسسة تتحدى الذات، وتسعى إلى التحسين والتطوير، وتتوقع وتستجيب للظروف المتغيرة؛ لذلك فإن النهج الجديد وسّع من هذه “المحاور الثلاثية”، إلى أنموذج “المحاور الإبداعية الرباعية”، والتي تشمل المؤسسات الأكاديمية والبنى التحتية التقنية، وشركات الإبداع، والحكومة والمجتمع المدني؛ للوصول إلى ثقافة الإبداع والابتكار.

وينبغي لأي مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي، التي تعمل على دمج الإبداع وتضمينه في ثقافتها، أن تدعم إدارة الإبداع (Innovation Management)، من خلال عدد من الهياكل والبنى المؤسسية التي تعزز وتطور وتضفي الطابع الرسمي، وتسجل إنتاج الاختراعات وكل ما هو جديد.

وفي الواقع، إن الجامعات مع إيجادها للثقافة التي تمكّن وتضمّن الإبداع في برامجها، يجب أن يكون لديها إستراتيجيات واضحة وهياكل وعمليات تعزز وتتبنى الإبداع إستراتيجيةً واضحةً، ويمكن من خلال هذه الإستراتيجية التحول والتغيير السلس، وفقاً لما يخرج من أفكار جديدة، من خلال تنفيذها بناءً على هذه الإستراتيجية وتفاصيلها الموضوعة الميسرة لتنفيذ كل ما هو جديد. ومن الضروري أن يبقى مديرو الإبداع الناجح مركزين على رؤية الجامعة على المدى الطويل وأهدافها، مع الأخذ في الحسبان مخاوف وطموحات جميع المسهمين في المؤسسة. كذلك ينبغي لكل من النهج التجريبي والإبداعي أن يشملا الجامعة بأكملها فيما يتعلق بالتعليم والبحث والإدارة، وينبغي أيضاً للمديرين فيها أن يظهروا التزاماً بالتجديد والإبداع في جميع المجالات، وإيجاد أشكال جديدة من التعاون باستمرار من إدارة الجامعة ككل، مع التركيز القوي على تنظيم المشاريع والتعاون مع المؤسسات الأخرى.
وتحتاج الثقافة التي تؤكد الإبداع وتضمنه وتؤدي إليه، إلى أن يشارك جميع أصحاب المصلحة والأطراف داخل الجامعة بهذه الثقافة. وتشمل الأطراف المتفاعلة مع ثقافة الإبداع والابتكار في مؤسسة التعليم العالي:

أولاً: الطلبة الذين ينبغي تشجيعهم على المشاركة في صنع القرار داخل المؤسسة. ولا ينبغي أن ينظر إليهم على أنهم “عملاء وزبائن” فحسب، بل شركاء فاعلون في صنع القرار مع أعضاء المجتمع الأكاديمي.

ثانياً: أعضاء هيئة التدريس ومديرو البرامج الأكاديمية الذين ينبغي لهم دمج التعليم والبحوث الطلابية؛ بهدف الوصول إلى الجوانب المبدعة التي تشمل الطلبة في البيئة البحثية.

ثالثاً: فريق البحث، الذي ينبغي أن يهدف إلى تحقيق التميز في المجال التجريبي المبدع والتركيز عليه وتوسيعه، من خلال التعاون مع بيئات مماثلة في الجامعات الأخرى الخارجية خاصة، وغيرها من المؤسسات البحثية المبدعة، ومن خلال النشر في المجلات الدولية الرائدة.

رابعاً: إدارة شؤون الموظفين التي ينبغي لها إيجاد برامج مرنة للطلبة والكادر التدريسي، والتعاون مع المؤسسات والمنظمات الخارجية؛ بهدف زيادة حجم البحوث الممولة من الخارج، وتمويل المساعدات الطلابية التي تتمثل في المنح الدراسية والاتفاقات الصناعية، بالإضافة إلى تشجيع التفاعل عبر المجالات البحثية المختلفة.

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس باستطاعة مؤسسات التعليم العالي المشاركة في التنمية الاقتصادية المحلية دون توطيد أواصر الروابط مع شركاء آخرين في القطاعين الصناعيين (العام والخاص)، في منطقتها الجغرافية، من خلال بعض المبادرات التي توجِد قواعد بيانات مشتركة، وتسهيلات تقنية، وخدمات للشركات والمدينة الجامعية والمختبرات الأكاديمية، والتي يمكن الوصول إليها من أي شركة تحتاج إلى القيام بأي نشاط وعمل قائم على البحوث.

ويجب على وحدة الإبداع في الجامعات (مكاتب نقل المعرفة ووحدات الملكية الفكرية، وما إلى ذلك)، أن تبذل كل جهد ممكن؛ لضمان وجود علاقة وطيدة ومتماسكة وتكميلية بين التعلم والبحث العلمي، إذ ينبغي على الجامعات أن تطور مهام محددة لتثقيف ومساعدة الباحثين في تعزيز البحوث والوعي على نحو استباقي، بالإضافة إلى الدافع والرغبة من الجهات البحثية، كذلك عقد حلقات دراسية منتظمة من حيث التدريب والمعلومات التي تنطوي على مديري الإبداع والابتكار وهي الجامعة المعنية. كما ينبغي عليها تنظيم أنشطة مثل “جوائز الإبداع”، حيث يكافأ العاملون لما يقدموه من أنشطة إبداعية، وتشجيع الاتفاقات بين المختبرات وإدارتها، ومنظمات البحوث، والشركات والمؤسسات الأخرى؛ لضمان أن الملكية الفكرية للأنشطة الإبداعية محمية بما فيه الكفاية.

وهناك العديد من العوامل الرئيسة الداخلية والخارجية التي تؤثر في ثقافة الإبداع والابتكار بهذا الدليل، ومن بين تلك العوامل داخل المؤسسة: أسلوب الإدارة، والإستراتيجية التنظيمية، وإشراك جميع الأطراف الفاعلة، وحماية نتائج البحوث، وجميعها عوامل تبرز بوصفها المحرك الرئيس لتبني ثقافة الإبداع والابتكار. أما العوامل خارج الجامعة فتشمل: بيئة الأعمال، والنظام التنظيمي والدعم المالي المقدم من الحكومات، واحتياج المجتمع المدني إلى السلع والخدمات المبدعة والمبتكرة، وزيادة التفاعل مع المنظمات والمؤسسات الأخرى على المستوى الدولي.

وثمة عامل آخر حاسم للإبداع الأمثل، الذي يمكّن ثقافة الجامعة، يتمثل بالموارد البشرية للمؤسسة، بما في ذلك الطلبة والموظفون (الأكاديميون، والكادر الإداري وشؤون الموظفين). حيث إن مستوى مشاركتهم في عمليات صنع القرار، ومشاركتهم في البحوث وأنشطة تنظيم المشاريع، والجودة وجودة التدريب التي يتلقونها، يمكن أن تسهم إلى حد كبير في التكامل ونشر ثقافة الإبداع والابتكار في الجامعة. وهناك عدد من العوامل الأخرى التي تؤثر في ثقافة الإبداع والابتكار المذكورة في هذا الدليل هي: القوانين المؤسسية، والسياسات، واللوائح، وإدارة الجامعة، والإستراتيجية، والتفاعل مع البيئة الخارجية.

ويتعين على رؤساء الجامعات العمل باستمرار؛ من أجل التكيف مع الأنظمة المؤسسية لتتناسب مع الاحتياجات الحقيقية للمؤسسة وسوق العمل، وتيسير إشراك الطلبة والموظفين في العقود البحثية في المجال الصناعي، وحماية البحوث واستغلالها الاستغلال الأمثل، وتشجيع التواصل وأواصر التعاون مع المؤسسات الأخرى، وتوطيد العلاقات الطيبة مع الجهات الخارجية وطنيًّا ودوليًّا.

ويشار إلى أن العلاقات مع الشركاء الخارجيين تشمل تحويل التركيز بعيداً عن أساليب التسويق البسيطة، والتركيز أكثر على طريقة حل المشكلات، وزيادة استخدام الشبكات التي تربط المؤسسات وتوطد العلاقات، والمشاركة في المجتمعات القائمة على الإبداع والابتكار، من خلال استخدام الإبداع مفتوح المصادر، إذ يركز التقرير على أنه لا بد أن يتوافر الفهم العميق لدورة الإبداع واستغلال هذا الإبداع استغلالاً فعالاً؛ من أجل إدارة الإبداع، مع تطبيق مجموعة متنوعة من أدوات الدعم والتشجيع على الإبداع داخل مؤسسة التعليم العالي. ويقدم التقرير، تحقيقاً لهذه الغاية، ووصفاً لمكونات دورة الإبداع والابتكار، والتي تعد متداخلة. ويكمّل ذلك قائمة واسعة بالأدوات الأساسية والتقنيات المطلوبة التي يمكن تطبيقها؛ بهدف اعتماد نهج منظم لإدارة الإبداع داخل الجامعات.

وتعدّ الملكية الفكرية من العوامل الأكثر تأثيراً، وغالباً ما يكون لها تأثير كبير في بيئة الإبداع والابتكار داخل الجامعات. ولا بد لمؤسسات التعليم العالي كما هو الحال في الولايات المتحدة من سن القوانين ووضع الإجراءات اللازمة لحماية الملكية الفكرية للأعمال التجارية وبراءات الاختراع، والتعامل مع الملكية الفكرية الناشئة عن الحكومة، ولا شك أن البحوث التي تمولها الحكومة قد أحدثت ثورة في الطريقة التي جعلت الجامعات تعزز نقل المعرفة والإبداع والابتكار الأكاديمي. وينبغي على مؤسسات التعليم الجامعي أن تعي حقيقة أن الجامعات التي تملك براءات الاختراعات وتنتجها داخل مؤسساتها المختلفة، من الممكن أن توجد التنظيمات التي من شأنها أن تساعد في تسويق المعرفة التي أنتجتها، حيث كان هذا هو الاتجاه السائد في معظم الجامعات في جميع أنحاء العالم، وكان هناك ارتفاع هائل في إنشاء مكاتب لنقل المعرفة لم يسبق له مثيل، (وكانت المكاتب التي تنقل المعرفة سابقاً معروفة باسم مكاتب الاتصال والربط الصناعي أو مكاتب نقل التقنية). وكانت جودة الاختراعات والابتكارات التي تنتج في جامعة معينة وحجمها، يمكن أن تكون مؤشراً على نجاح تنفيذ سياسة الإبداع.

ويوجز الدليل نهجاً يتضمن خمس خطوات؛ من أجل تنفيذ ثقافة الإبداع والابتكار. ويطبق منهجية قائمة على أساس التحليل، من خلال المؤشر للنظام الوطني للإبداع (Indicator Based Analysis of National Innovation System)، وهو تحليل شامل لحالة نظم الإبداع والابتكار الوطنية القائمة، وهو مخصص أساساً ليطبق في البلدان النامية. ويتم تكييف هذه المنهجية الواردة في هذا الدليل وفقاً لظروف كل جامعة.

وفي الختام، يؤكد التقرير أن العوامل الرئيسة والتوصيات المقترحة في هذا الدليل، تعدّ حاسمة وضرورية؛ من أجل تسهيل التكامل الصحيح ودمج الإبداع في ثقافة مؤسسات التعليم العالي ونشره وتضمينه. ويركز التقرير على أن عناصر مثل: الإدارة والإستراتيجية والقيم والمواقف ومستويات إشراك مختلف أصحاب المصلحة والأطراف في المؤسسة، تبدو أساسية في أي مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي، لكن بما أن كل جامعة تواجه أعمالاً وبيئات سياسية ومجتمعية مختلفة، فإن المشورة المقدمة في هذا الدليل تحتاج إلى أن تتكيف مع خصوصية كل مؤسسة محلية. وتتضمن بعض التوصيات تغييرات كبيرة في المواقف وتنظيم العملية التي يمكن تحقيقها فقط على المديين المتوسط والطويل، ومع ذلك ينبغي أن تظل الإدارة العليا في الجامعات تركز على الرؤية طويلة الأجل للجامعة والأهداف الجامعية، وفي الوقت نفسه تركز على تنفيذ المهام اليومية للمؤسسة. كذلك يتعين أن تشكيل دمج ثقافة الإبداع والابتكار وجعلها وسيلة لتحقيق الغاية، وينبغي لهذه الثقافة أن تكون مرتبطة بالأهداف الكبرى والعليا للمؤسسة.

ويخلص هذا التقرير إلى أن هذا الدليل الإستراتيجي لمؤسسات التعليم العالي، يهدف إلى تكامل ثقافة الإبداع والابتكار ودمجها كجزء من الإستراتيجية المؤسسية، والتي بدورها تسعى إلى رفع مستوى الوعي حول أهمية الإبداع عند المسهمين والأطراف الفاعلة في الجامعات، بصفتها أهم مؤسسات التعليم العالي، ويوفر أفضل الممارسات والتطبيقات حول الإبداع المؤسسي، الذي يساعد في تمكين ثقافة الإبداع والابتكار وتوطيد أركانها.

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *