المحددات التأسيسية للدولة المدنية -1-

الرئيسية » الأعمدة » تأملات فكرية » المحددات التأسيسية للدولة المدنية -1-

تتأسس الدولة المدنية  بناء على الإرادة المشتركة للجماعة أو الأمة،  وتتحقق بسيادة الروح المدنية التي تتسم بالتسامح، والتعاون، والغيرية، والاحترام المتبادل من أجل العيش المشترك، وذلك من خلال تأسيس أجهزة ومؤسسات سياسية وقانونية غير خاضعة لتأثير القوى والنزوعات الفردية أو المذهبية، أو الطائفية تتكفل بتنظيم الحياة العامة، وحماية الملكية الخاصة، وفرض سيادة القانون على الجميع دون تمييز.

وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بفضل التربية؛ ذلك أن “من يتكلم عن التربية، التي تجعل من الإنسان الحيواني إنسانا إنسانيا، أو التي تفتح عين الفرد على الغاية التي من أجلها يعيش، يتكلم حتما عن الدولة. كل مربي لا بد له من مربي، والدولة مربية المربين”( أنظر”عبد الله العروي، “مفهوم الدولة”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/ بيروت، ط8، 2006، ص19.).

وعلى هذا الأساس فإن الدولة المدنية تقوم بناء على المقومات والأركان التالية:

  1. 1. سمو القانون، وانطباقه على الجميع.
  2. 2. سيادة الأمة.
  3. 3. الفصل بين السلطات.
  4. 4. استقلال القضاء.
  5. 5. التعددية الحزبية، والنقاش العام..
  6. 6. المجتمع المدني.
  7. 7. التداول السلمي على السلطة بناء على الآلية الديمقراطية.
  8. 8. الحق في المعارضة السياسية.
  9. 9. التعاقد القائم على العقلانية الدستورية والمؤسساتية، وعلى المشروعية المعبرة عن رضا وموافقة الجماعة.
  10. 10. الفصل الإجرائي بين الدين والسياسة.
  11. 11. مبدأ المواطنة؛ بحيث أن الأفراد الذين يعيشون في كنف هذه الدولة لا تتحدد هويتهم بدينهم، ولا بإقليمهم، ولا بوضعهم الاجتماعي، ولا بسلطتهم، أو طائفتهم.. وإنما بكونهم أعضاء أحرار في مجتمع لهم حقوق وعليهم واجبات متساوية.
  12. 12. نظام مدني من العلاقات، والقيم، والسلوك، والثقافة، والروح، المدنية: (السلام، التسامح، الاختلاف، الغيرية، المساواة في الحقوق والواجبات، الثقة في عمليات التعاقد.. التربية المدنية، والثقافة المدنية القائمة على الاتفاق والتوافق..).

فإذا كان القانون يؤسس في الدولة المدنية قيمة العدل، وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فيها قيمة السلام الاجتماعي، فإن المواطنة تؤسس في الدولة المدنية قيمة المساواة، مثلما يؤسس الدين لقيمة التراحم، انطلاقا من الإيمان بوحدة الأصل الإنساني، وحرية المعتقد الديني.

فالدين فضلا عن كونه يمثل بعدا أصيلا من أبعاد الحقيقة الوجودية للإنسان والمجتمعات، يعد جزء لا يتجزأ من منظومة الحياة، فإلى جانب دوره كمصدر وباعث على قيم وأخلاق الاستقامة، والوفاء، والصدق، والالتزام، فإنه يمثل باعثا قويا على الفاعلية التاريخية والحضارية للأفراد والأمم؛ بفضل حثه لهم على العمل والإنجاز، والنجاعة، والإتقان، والنجاح في الحياة باعتبار كل ذلك؛ يندرج ضمن مفهوم العبادة والتقرب إلى الله.

وإذا كان مفهوم المواطنة في ظل الدولة المدنية يتحدد بالمشاركة الفاعلة للمواطنين؛ بحيث يرتقون بمدنيتهم بشكل دائم، ويلتزمون التزاما مسؤولا بكل ما هو عام: الصالح العام، المبادئ العامة، الخير العام، فإن وسيلة الدولة المدنية لتحقيق الاتفاق العام، والصالح العام، والخير العام للمجتمع، يتمثل في الحكم الديمقراطي القائم على تداول السلطة، وعدم احتكارها من قبل أي فرد أو نخبة أو نزعة إيديولوجية..

ولا تتحقق الديمقراطية إلا إذا توافرت الدولة المدنية على مجال عام، يحقق التواصل الاجتماعي بين الجماعات المختلفة والآراء المختلفة بشكل ديمقراطي، من خلال النقاش، والتداول، والتواصل بشكل موضوعي ومحايد ومستقل عن أية وصاية؛ بحيث أن المواطنيين في الدولة المدنية لا يجب أن يعيشوا كمواطنين لا مبالين، بل يتعين أن يكونوا في أغلبهم؛ من المواطنين النشطاء، الذين يعرفون حقوقهم وواجباتهم بشكل جيد، ويشاركون مشاركة فعالة في تحسين أوضاعم جتمعهم، بحيث يرقون بمدنيتهم على نحو دائم، ويخلصون إخلاصا كبيرا لكل ما هو “عام”: الصالح العام، والملكية العامة، والمبادئ العامة، و كل ما يتصل بالخير العام.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *