دمج ثقافة الإبداع كجزء من الإستراتيجية المؤسسية 1/2

الرئيسية » تربية وتكوين » دمج ثقافة الإبداع كجزء من الإستراتيجية المؤسسية 1/2

تناول هذا التقرير حقيقة كل من الإبداع والابتكار وماهيتها، بوصفهما المحرك الأساس للنمو والرفاه، إذ تتيح التقنيات الحديثة والمنتجات والخدمات والمؤسسات فرص عمل، وتُجدد الصناعات بشكل عام؛ لذا يتعين على صناع السياسات من أجل جني المكاسب الفعلية من الإبداع، فهم كيفية حدوث الإبداع والابتكار وطرائقهما الآخذة في التغير والتجدد، حيث إن لهذه الطرائق آثاراً على الموارد البشرية ونظم التعليم في حال كونها تهدف وتسعى إلى رفد المجتمع بثقافة الإبداع. وتمثل هذه الطرائق أيضاً فرصاً جديدة للإبداع والابتكار والتحسين في أنظمة التعليم العالي خاصة.

وهناك ثلاثة أركان رئيسة يمكن تمييزها عند النظر في إنشاء ثقافة الإبداع في الجامعات، التي هي من أهم مؤسسات التعليم العالي: الركيزة الأولى تتعلق بالمهارات والتعليم والتدريب على الإبداع والابتكار، والركـيزة الثانية تركز على الإبداع والابتكار في مجال البحث ونقل المعرفة، والركيزة الثالثة هي توفير بيئة وبنية تحتية تدعمان الإبداع والابتكار.

ويقدم هذا التقرير، الذي يعد دليلاً إستراتيجياً موجهاً لمؤسسات التعليم العالي، لمحة عامة بشأن كيفية دمج مفهوم الإبداع والابتكار، وتنفيذه ونشره في هذه المؤسسات. كما يعرض أفكاراً متنوعة لتنفيذ إستراتيجية تكامل ودمج “ثقافة الإبداع” في الجامعات، التي من المفترض أن تكون أساساً لرفع مستوى الوعي لهذا المفهوم في الجامعات. كذلك يعرض التقرير موجزاً أولياً عن عوامل التكيف لاعتماد ثقافة الإبداع في مؤسسات التعليم العالي، ويوضح أيضاً الخصائص الرئيسة لهذا النوع من الثقافة، ويوفر مجموعة من التوصيات حول الكيفية التي يمكن من خلالها إنشاء ثقافة الإبداع والابتكار في مؤسسات التعليم العالي، ويختتم التقرير بذكر خطوات تصف الإجراءات التي يمكن عند تطبيقها الوصول إلى ثقافة الإبداع والابتكار المثالية في الجامعات.

وقد وضعت هذه الوثيقة كجزء من الأنشطة المخطط لها من خلال مشروع ائتلاف منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ من أجل الإبداع (Mediterranean Innovation Alliance) . ويشارك في تمويل هذا المشروع الاتحاد الأوروبي، في إطار برنامج تيمبوس الرابع (Tempus IV Program)، إذ إن الهدف الرئيس من هذا المشروع يتمثل بتشجيع التفكير الإبداعي في مؤسسات التعليم العالي، التي تقع ضمن منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز قدرة الجامعات وطاقتها؛ من أجل تشجيع التعاون مع البيئات الاقتصادية المختلفة وتعزيز ثقافة الإبداع والابتكار.

ويقوم على هذا المشروع خمسة شركاء من الاتحاد الأوروبي واثنتا عشرة مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي من أربع دول في منطقة البحر الأبيض المتوسط (الجزائر، ومصر، والمغرب، وتونس)، وأربع جمعيات من جمعيات رجال الأعمال من هذه البلدان نفسها، كما يحظى هذا المشروع بدعم المجلس الأعلى للجامعات المصرية، ووزارة التربية والتعليم المغربية، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتقني في تونس. وتشمل المؤسسات المشاركة في هذا المشروع وهي أيضاً مشاركة في تطوير هذا التقرير، جامعة غلاسكو كالدونيان (Glasgow Caledonian University)، وجامعة إيفري فال ديسون (University of Evry-Val d’Essone)، وجامعة سارلاند (Saarland University)، وجامعة اليكانتي (University of Alicante) .
ويعدُّ الإبداع والابتكار من الأكاديميين والحكومات وقادة الأعمال أمرين مهمين من أجل تحويل المؤسسات إلى مؤسسات إبداعية والمنافسة في اقتصاد المعرفة. وفي ظل هذا الاقتصاد العالمي التنافسي المتزايد الذي نشهده في وقتنا الحاضر، فإن الشركات والمؤسسات التي لديها الوعي بالإبداع والابتكار المستمرين، تقدر وتستغل الأفكار الجديدة استغلالاً ناجحاً وتعدها من العوامل الرئيسة لها؛ كي تزدهر وتتطور. ومن ثم يجب على المؤسسات تشجيع المنتجات والخدمات المبتكرة وعالية الجودة، وتسليمها في الوقت المحدد بتكلفة أقل من منافسيها. ويتعين في هذا السياق على الموظفين البحث عن فرص وطرائق جديدة للقيام بهذه الأمور، على أن تكون طرقاً مبدعة ومبتكرة. كذلك ينبغي لهم في الوقت نفسه أن يكونوا مهنيين محترفين، وأن يفهموا حدود مسؤولياتهم وسلطتهم، والعمل ضمن قواعد ومعايير مهنتهم كي يصلوا إلى الإبداع والابتكار.

وينبغي أن تشكل ثقافة الإبداع والابتكار في مؤسسات التعليم العالي خاصة الإطار المؤسسي لجميع الجهات الفاعلة المشاركة في عمليات الإبداع والابتكار، وتشمل هذه الثقافة جميع القواعد والقيم والمثل والعقليات التي تؤثر في سلوك أصحاب المصلحة والمساهمين من ذوي الصلة بالمؤسسة، فهي ثقافة يجب أن تكون مدعومة من جميع الأطراف في المؤسسة، وأن يكونوا مقتنعين بجدواها وأهميتها، وأن يكون مفهوماً لديهم أن ليس هناك ما يضمن أن ثقافة الإبداع ستؤدي إلى الإبداع، لكنها بالتأكيد شرط أساسي لحصوله.
ويشار إلى أن عملية تعريف ثقافة الإبداع الأمثل في مؤسسات التعليم العالي، لا يمكن أن تحدث في عزلة عن عوامل عدة، من الضروري تصورها عند النظر في إنشاء ثقافة الإبداع والابتكار في الجامعات، التي تعد أهم مؤسسات التعليم العالي. وهناك أربعة من التصورات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان؛ لأنها تصف أنظمة التعليم العالي في المستقبل. ويؤدي وضع هذه التصورات على الأرجح إلى التكيف مع إستراتيجيات التعليم العالي لثقافة الإبداع:
التصور الأول: توفير التعليم العالي والشبكات التواصلية المفتوحة، وتدويل التعليم العالي، وشمول إستراتيجية الإبداع في المؤسسة، مع وجود صلات مكثفة بين المؤسسات والباحثين والطلبة من جهة، ومع غيرهم من الجهات الفاعلة مثل قطاع الصناعة من جهة أخرى. وهذا نموذج يعتمد اعتماداً كبيراً على التعاون بين هذه الجهات وليس على التنافس.

والتصور الثاني: خدمة المجتمعات المحلية، ويتم في هذا التصور تركيز مؤسسات التعليم العالي على البعثات الوطنية والمحلية. كذلك تكرس عملها على سد حاجات المجتمع الوطني والمحلي، وتركز جهودها أيضاً على سد احتياجات الاقتصاد والمجتمع المحليين في مجال التدريس والبحث العلمي.

والتصور الثالث: أن يكون التعليم العالي مسؤولية عامة جديدة، حيث يمول فيها التعليم العالي في المقام الأول من عامة الناس، كما هو الحال في الوقت الراهن، ولكن مع تركيز أكبر على استخدام وسائل الإدارة العامة الحديثة، بما في ذلك قوى السوق والحوافز المالية.

والتصور الرابع: أن يصبح التعليم العالي كشركة مساهمة، حيث تتنافس مؤسسات التعليم العالي في هذا التصور على الصعيد العالمي؛ لتوفير خدمات التعليم والخدمات البحثية على أساس تجاري. يذكر أن تطبيق هذه التصورات يمكن أن يؤدي إلى تطوير خارطة طريق أو خطة إستراتيجية لتحسين ثقافة الإبداع والابتكار في مؤسسات التعليم العالي كافة، إذ تؤدي خارطة الطريق أو الخطة الإستراتيجية المتقدمة إلى متابعة تنفيذ هذا المشروع بشكل ناجح. وتعد الجامعات، قبل كل شيء، مؤسسات اجتماعية معقدة وغير متجانسة، حيث تواجه توتراً مستمراً بين مبادئ الحرية الأكاديمية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية الخارجية، التي تشكل سياسة الجامعة بوصفها مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي، ومن ثم الثقافة المؤسسية. ويجب على مؤسسات التعليم العالي وضع طرق لتحديد نقاط القوة الداخلية الخاصة بها، فضلاً عن المصادر والموارد المحتملة الآتية من التعاون والدعم، والتي قد تساعدها لتزدهر وتتطور كمؤسسة. ويجب على هذه المؤسسات – مؤسسات التعليم العالي- تحقيق التوازن بين الدافع لموظفيها ومسؤولياتهم التشريعية والمالية. كما يجب أن تسعى الجامعات إلى أن تتواصل تواصلاً فعالاً، مع التنسيق بكفاءة، والعمل باستمرار على التطوير والتكيف مع التغيرات في الظروف البيئية، التي تسبب مثل هذا التأثير القوي على أنشطتها.
وتُشكل كل من الجامعة والحكومة والصناعة جزءاً أساسياً مما يمكن وصفه بأنه “المحور الثلاثي”، وهي علاقة ثلاثية قائمة بين الحكومة وقطاع الأعمال ومؤسسات التعليم العالي ممثلة بالجامعات. وبناء على هذه العلاقة تعطى أولوية رئيسة عند صياغة السياسات؛ لتشجيع العلاقات بين الجامعة والمؤسسة من خلال خطط تمويل ودعم البحث والتطوير (R&D) ونقل المعرفة، والتي تمثل نسبة كبيرة من إجمالي دخل الجامعة. وترمي هذه العلاقة الثلاثية إلى التوجه الخارجي نحو إيجاد الثروة لمؤسسات التعليم العالي، من خلال الاشتراك في الأعمال والاستثمارات.

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *