وقفات تأملية مع أطروحة اللاعنف الإسلامي ودورها في صنع السلام

الرئيسية » علم وحضارة » وقفات تأملية مع أطروحة اللاعنف الإسلامي ودورها في صنع السلام

اللاعنف الإسلامي ودورها في صنع السلاماللاعنف وصنع السلام في الإسلام، عنوان كتاب للباحث محمد أبو النمر، يتعرض ببعض التفصيل لجدلية العنف واللاعنف في الساحة الإسلامية، ورهان الكتاب الأساسي، يكمن في تذكير من يهمهم الأمر، بأن هناك حاجة لنقل المناقشة حول العلاقة بين الإسلام والسلام إلى ما هو أبعد من مسألة ما إذا كان الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية معاديان بطبيعتهما لللاعنف وللنهج السلمي. وتشير إلى أن المناقشات المستقبلية تنبثق من افتراض أن التقاليد الإسلامية والدين الإسلامي والثقافة الإسلامية يحتمل أن تكون مصادر خصبة لللاعنف ولصنع السلام.

محمد أبو النمر، اللاعنف وصنع السلام في الإسلام، ترجمة لميس اليحيى، مراجعة وتدقيق عماد عمر، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، ط 1، 2008، 318 صفحة، وجاء الكتلاب موزعا على مقدمة وأربعة فصول: صنع السلام واللاعنف في الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية؛ صنع السلام واللاعنف في سياق اجتماعي ثقافي؛ مبادرات صنع السلام اللاعنفية في المجتمعات العربية المسلمة؛ صنع السلام وحركات سياسية لاعنفية في المجتمعات العربية المسلمة).

العمل محاولة لمخاطبة الممارسة لللاعنف وصنع السلام في المحيط العربي المسلم، ويهدف إلى دراسة بعض المفاهيم الخاطئة والمعلومات الأساسية المضللة في الخارج في الدراسات الإسلامية عن وجهات نظر المسلمين حول اللاعنف وصنع السلام، ليس فقط عن طريق تقديم آيات قرآنية وأمثلة من حياة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) والأحاديث النبوية؛ ولكن أيضا عن طريق تقديم أمثلة من ممارسات صنع السلام والقيم بين المسلمين المعاصرين. والمقصود بالأساس من الاستعانة بالآيات القرآنية الكريمة في هذه الدراسة هو تأييد فرضية الإسلام هو دين حي وتقليد يعزز صنع السلام وتسوية النزاعات سلميا. يتألف الكتاب من جزأين. يقدم الجزء الأول إطارا نظريا ويعرف القيم والمبادئ الإسلامية المختلفة التي تدعم صنع السلام واللاعنف، حيث يحدد الفصل الأول العوامل الثابتة والتعاريف الأساسية للبحث حول هذا الموضوع؛ ويُلقي الفصل الثاني الضوء على الفرضيات والمبادئ والقيم الأساسية لأساليب اللاعنف ومكانتها في الدين الإسلامي، كما يقدم الجزء الثاني ثلاث دراسات حالة مستمدة من المحيط العربي المسلم، في حين يستعرض الفصل الثالث أساليب حل نزاع تقليدية في مجتمعات عربية مسلمة، موضحا التطبيق اليومي لللاعنف  وصنع السلام في المحيط الاجتماعي الإسلامي والعلاقة بين الأشخاص، بينما يناقش الفصل الرابع العوائق في تطبيق أساليب اللاعنف في الأطر العربية المسلمة ويقدم بعض الخيارات والاستراتيجيات للتغلب عليها. ويركز الفصل الخامس على الانتفاضة الفلسطينية كتوضيح للاستخدام السياسي الممكن لللاعنف في محيط المجتمع المسلم. (كانت الانتفاضة مصدر فخر هائل، وإحساس بالتمكين ووحدة النسبة للمجتمع الفلسطيني. وبصرف النظر عن تحديدات أعمال اللاعنف الفلسطينية، فإن الباحثين والمراقبين يتفقون على أن الانتفاضة  أثبتت ضعف الاحتلال الإسرائيلي أمام الأعمال اللاعنفية، على صعيد آخر، كانت الانتفاضة مؤثرة كذلك في تدويل المشكلة الفلسطينية، بالوصول بها إلى صادرة الأخبار والأجندة العالميين. وقد كان لصور نساء وأطفال فلسطينيين يواجهون جنودا إسرائيليين تأثيرا على كل من الدول العربية والحكومات الغربية. وقد زاد كل منهما من دعمه للمنظمات السياسية الفلسطينية والمنظمات اللاحكومية).

إعلام وأبحاث معادية لإنصاف المسلمين

يتحسر المؤلف كثيرا عن تبعات عرقلة الجهود المبذولة لتطبيق أساليب صنع الإسلام على نزاعات الشرق الأوسط والطوائف المسلمة الأخرى مثل الفلبين وإندونيسيا، وجاءت هذا العراقيل، برأي الكاتب، مؤسسة على افتراض واسع الانتشار، مفاده أن الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية معاديان لمبادئ صنع السلام وحل النزاعات. إن افتراضات مسبقة كهذه واضحة ليس فقط في دراسات تبحث في مدى توافق الإسلام مع حقوق الإنسان، وحل النزاعات بل في المناقشات جماعية كذلك في حلقات عمل تدريبية عن صنع  السلام، ملاحظا أن الصورة النمطية عن وجهة النظر الإسلامية العدوانية المتعصبة تجاه العالم، التي تزخر بها وسائل الإعلام الغربية، لها انتشار واسع بين صناع السياسة الغربيين كذلك، ولا تنقص الأدلة الدالة في هذا الصدد، تلك التي يوردها المؤلف: إن بحثا في فهرس المواضيع في مكتبة الكونغرس عن مصادر حول “الإسلام واللاعنف” يعطينا أقل من خمسة مقالات؛ وعلى النقيض من ذلك، فإن “الإسلام والعنف” يغرق الشاشة بآلاف المواد. هذا التوجه واضح في أبحاث العلماء الغربيين والمستشرقين على حد سواء، مسلمون وغير مسلمين.

يُعرف المؤلف اللاعنف كالتالي: مجموعة مواقف ومفاهيم وأفعال المقصود منها إقناع الناس على الجانب الآخر بتغيير آرائهم ومفاهيمهم وأفعالهم، حيث يستخدم وسائل سليمة لتحقيق نتائج سليمة. ويعني اللاعنف بأن المعنيين لا يثأرون بعنف من أفعال خصومهم. بل يمتصون الغضب والضرر بينما يقومون بإرسال رسالة راسخة عن الصبر والتصميم على هزيمة الظلم.

ويحصي الكاتب العديد من الحالات/السوابق التاريخية التي تبنت هذا الخيار في معرض تغيير الأوضاع للأحسن، ففي نهاية الحرب العالمية الثانية مثلا، كان هناك ازدياد في الاهتمام بأساليب المقاومة اللاعنفية، مما أتاح للباحثين البدء منهجيا باستكشاف شروط من أجل مقاومة فاعلة.

بالنسبة للحوار حول اللاعنف وحل النزاعات في الإسلام، فلا يمكن قصره فقط على القرآن الكريم أو سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، معتبرا أن ثقافات المسلم وتقاليده غنية بالقيم وأنظمة العقيدة والاستراتيجيات التي تسهل تطبيق اللاعنف وحل النزاعات، مضيفا أن هذا المدخل إلى دراسة حل النزاعات وصنع السلام اللاعنفي في الإسلام يكون فعالا في تعزيز قيم واستراتيجيات صنع السلام في التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسات اليومية، وأن شمول الثقافة والتقليد في دراسة حل النزاعات واللاعنف في الإسلام هي خطوة هامة لاحتواء غير المسلمين الذين يعيشون في مجتمع يشكل فيه المسلمون الأغلبية.

كما يخلص المؤلف إلى أن الوعي واعتماد ما سبق من فرضيات في الأبحاث عن الإسلام وصنع السلام يمكن أن: يساعد كل من الباحثين المسلمين وغير المسلمين في توسيع مداركهم وفهمهم للعلاقة بين مفاهيم للعلاقة بين مفاهيم وممارسات صنع السلام الللاعنفي من ناحية، والثقافة والعقيدة والنهج الإسلامي من ناحية أخرى؛ يُقلل احتمالية الفكرة النمطية المسبقة والتي تنتقص من المجتمع الإسلامي والعقيدة الإسلامية؛ وأخيرا، يُزود الباحثين بطريقة لتجنب الوقوع في شرك التفسير الحرفي المتشدد للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، بدون اعتبار للسياق التاريخي أو القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أثرت في حياة المسلمين وغير المسلمين على السواء.

أخلاق وثيقة “ميثاق المدينة”

يحفل الكتاب بشهادات وأبحاث العديد من الباحثين الغربيين الذين ارتحلوا في معالم اللاعنف، كما جاءت في الأدبيات الإسلامية، وعلى الرغم من أن كثير من هؤلاء يجادلون بأنه على الرغم من أن استخدام القوة منصوص عليه في القرآن الكريم في ظل شروط معينة وصارمة، فإن القيم الإسلامية تدعو إلى الصفح بدلا من الثأر أو العنف، مستشهدا هنا بالآية الكريمة: “وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم” [سورة الشورى، الآيات 40 و41 و42]، بما يتطلب طرق باب أسئلة فرعية لا تقل إثارة للقلاقل، من قبيل: كيف ينظر الإسلام إلى العلاقة بين السلام والعدالة الاجتماعية؟

يُلاحظ محمد أبو النمر أنه تَمّ تجاهل هذا السؤال من جانب الكتاب الغربيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم يميلون إلى التركيز على العلاقة السياسية بين الدول المسلمة وغير المسلمة، معتبرا أن العدالة الاجتماعية مجرد واحدة من عدد من القيم التي تربط الإسلام بالسلام، حيث أشار العديد من العلماء المسلمين وغير المسلمين إلى مبادئ وقيم إسلامية مثل الواحدة والحب الأسمى للخالق والرحمة وإخضاع الجوارح والمسؤولية عن جميع الأعمال، كل تلك القيم مدعومة بآيات كثيرة في القرآن الكريم وتأمر المؤمنين بأن يكونوا صالحين وأسمى من الهوى في تعاملهم مع إخوانهم من البشر؛ كما يوصي بالحب والرفق والتعاطف والصفح والرحمة باعتبارها فضائل الإيمان الحقيقي، ونجد من بين الفضائل المرتبطة مباشرة بصنع السلام، العدل والرحمة والحكمة. وهناك فضائل أخرى تمت مناقشتها من قبل عبد الغفار خان مثل العمل اليقين والمحبة. علاوة على ذلك، فالإسلام يؤكد على العدالة الاجتماعية والأخوة والمساواة بين البشر (إلغاء العبودية وحواجز العنصرية والعرقية)، والتسامح والخضوع لله والاعتراف بحقوق الآخرين. هذه الفضائل يتم تأكيدها بشكل متكرر في القرآن الكريم وفي سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم).

ومن الأمثلة النموذجية التي توقف عندها المؤلف في إطار الدفاع عن أطروحة اللاعنف، دلالات صدور “ميثاق المدينة”، والذي تم التعاقد عليه بين المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وبين القبائل المختلفة، معتبرا أن الميثاق يُجسّد مثالا للمستوى الرفيع للتسامح واحترام الاختلاف الذي يفترضه الإسلام، حيث إنه بموجب الميثاق يتم اعتبار جميع القبائل المسلمة واليهودية (من الواضح أنه لم يكن هناك قبائل مسيحية مشمولة في ذلك الوقت، ولكنه كان بمثابة مبدأ مرشد لتعامل مع القبائل المسيحية فيما بعد) مجتمعا واحدا، ولكن تحتفظ كل قبيلة بهويتها وتقاليدها وعلاقاتها الداخلية. وتم استكمال الميثاق بمجموعة من القوانين مستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة لحماية حقوق كل جماعة.

منتصر حمادة

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *