هل يضر الإنترنت بالروح الوطنية؟

الرئيسية » تربية وتكوين » هل يضر الإنترنت بالروح الوطنية؟

هل يضر الإنترنت بالروح الوطنية؟

جاءت ثورة المعلومات لتخلق «القرية العالمية الصغيرة»، بينما الروح الوطنية مرتبطة بالوطن الجغرافي الذي ننتمي إليه، وهذا ما جعل كثيرا من المثقفين حول العالم يتساءلون: هل سيقضي هذا الخروج من حدود الجغرافيا عبر العالم الافتراضي على الروح الوطنية بمعناها الكلاسيكي؟

هذا السؤال ليس عابرا، فهناك جهود ثقافية وأكاديمية مستمرة عبر العقد الماضي للإجابة على هذا السؤال، وهي الجهود التي بررت كثيرا من الميزانيات الحكومية في الدول الغربية للحفاظ على الروح الوطنية في العهد الرقمي. السؤال مهم لأن الوطنية هي تلك الطاقة العاطفية من حب الوطن التي تدفع بالأمة للعمل لأجله، هي ما تحمي الدولة من الفساد، وتدفع السياسيين والموظفين والنشء والمتطوعين والرياضيين للعمل ليكون وطنهم في المقدمة. رفع الروح الوطنية يعني أن يكون لديك بلد قوي يتفانى المنتمون إليه في خدمته، لينعم الجميع بعدها بثمرات النجاح، وضعف المواطنة يعني أن ينشغل كل إنسان بذاته، وينسى الأمة التي ينتمي إليها ومصالحها والأحلام المرتبطة بها.

في البداية كانت معظم الدراسات حول هذا الموضوع متفائلة، وذلك لأن الأبحاث العلمية الغربية أثبتت وجود علاقة طردية بين الوطنية واستهلاك المعلومات والأخبار عبر وسائل الإعلام، ولأن الإنترنت تقدم مثل هذه المعلومات والأخبار فكان التوقع أن هذا القرب المكثف منها عبر الإنترنت يعني المزيد من الاهتمام الوطني والتفاعل مع القضايا المحلية.

هذا التفاؤل انحدر مع الزمن لثلاثة أسباب:
الأولى لأن الإنترنت يسمح بأن يكتب أي شخص ما يشاء، وهذا قلل من الثقة بالمعلومات الموجودة بشكل عام، وأحدث حالة من ضعف المصداقية لمعظم مواقع الإنترنت التي يستهلكها الناس وخاصة الشبكات الاجتماعية، وضعف ارتباط بالنقاشات الوطنية.

الثاني: أن الجيل الجديد قد يستخدم الإنترنت بشكل كبير، ولكن لديه خيارات «ترفيهية» لا حدود لها، تجعله بعيدا عن الأخبار والحوار الوطني على كل حال.

والثالث وهو الأهم، وهو أن الدراسات وجدت أن الجمهور المستخدم للإنترنت يعشق التفاعل، وهو عندما يجد صعوبة في خدمة وطنه عبر التفاعل على الإنترنت يفقد هذه الروح الوطنية تدريجيا. بمعنى آخر، لم يكن العامل الأساسي المهدد للوطنية لسكان العالم الافتراضي هو الشعور بالانتماء للعالم بدلا من الوطن، بل كان في الحقيقة عدم وجود وسائل كافية على الشبكة الافتراضية للتفاعل مع القضايا الوطنية وخدمة الوطن من خلال تلك الشبكة.

لهذا عندما يتم تحليل الأنشطة الوطنية للشباب تجد تصاعدا سريعا وغير عادي في الارتباط بالأعمال التطوعية والانتماء لمؤسسات المجتمع المدني، وتصاعدا كذلك في الانتماء للتيارات المتطرفة، بسبب أنها سبقت للإنترنت واستخدمته بكثافة، وتجد انحدارا في الارتباط بالمؤسسات الحكومية والاندماج في الحوار الوطني والسياسي بسبب أن الحكومات عموما كانت بطيئة في فهم الإنترنت والاستفادة منه وتحويل النشاط السياسي إلى شبكة الإنترنت.

بسبب هذه النتيجة، بدأت الحكومات الغربية في السنوات الأخيرة بتصميم برامج سياسية وثقافية ووطنية تسمح بهذا التفاعل وتقلل من الفجوة الموجودة، وكانت النتائج مذهلة وأعادت كثيرا من التفاؤل في أمريكا وكندا وبريطانيا بغد أفضل لجيل الإنترنت إذا وجدت البرامج المناسبة. على سبيل المثال، أحد علامات انحدار الوطنية في الغرب هي انخفاض نسب التصويت في العملية السياسية. بالنسبة للمجتمع الديمقراطي، ألا تبالي بالانتخابات، معناها ألا تبالي بمن سيقود وطنك نحو الأعلى أو الأسفل. وصلت المشاركة إلى حد متدن بين الشباب في أمريكا في عام 2004م، ولكن بعد برامج مكثفة على الإنترنت للنشء لتشجيعهم على التصويت وإيجاد حوار عبر الشبكات الاجتماعية حول هذا الموضوع، ارتفع مستوى التصويت في انتخابات 2008م، ومع الجهود المبذولة هذا العام والتي زادت كثيرا في أمريكا (كتبت عن هذا الموضوع قبل أسبوعين) فإن هناك مؤشرات عن تصاعد أفضل في عام 2012م.

بالنسبة للعالم العربي، الروح الوطنية متدنية أصلا لأسباب كثيرة، ولكن هناك فرصة حقيقية لرفع هذه الروح من خلال تأسيس برامج للحوار الوطني عبر شبكة الإنترنت، ومن خلال إيجاد منصات يمكن من خلالها للشباب أن يصبحوا أكثر خدمة لوطنهم، ومن خلال فتح الباب للتفاعل المكثف مع البرامج الوطنية. في المملكة العربية السعودية هناك تميّز حقيقي مقارنة بالدول العربية الأخرى في هذا المجال، ولكن الطريق ما زال طويلا، والممكن في هذا المجال يغري بكثير من الجهد.

باختصار: جيل الإنترنت سيعشق وطنه أفضل بكثير من أجيال سابقة إذا تحدثت معه المؤسسة الحكومية بلغته التي يفهمها اليوم، لغة التفاعل والشبكات الاجتماعية والانفتاح والثقة، وعندما لا يحصل ذلك، فهناك مخاطرة حقيقية أن يستخدم «أعداء الوطن» هذه الفجوة..!

  • إذا كان وجود الوطن في العالم الافتراضي قويا
  • استخدام الإنترنت عندهم أكثر حساسية، وعادة يفضلون الإنترنت
  • الإنترنت أعلى تفاعلية ولكنه أقل مستوى من حيث المحتوى ويضعف الثقة
  • الحوار حول الوطنية ضمن الأمة ورفع الحواجز في الوطن الواحد
  • بعد الأجهزة الحكومية عن الإنترنت وصعوبة المشاركة بين الأعمال التطوعية والمستهلك
  • التأثير على الجيل الجديد والروح الضعيفة أصلا

عمار بكار/ صحيفة الشرق

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *