هل يؤدي أخذ استراحة من التكنولوجيا إلى تحسين صحتك

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » هل يؤدي أخذ استراحة من التكنولوجيا إلى تحسين صحتك

وكأن الحروب وحدها لا تكفي. ليواجه العالم وباء أجبر البشر على التباعد الاجتماعي والعمل بعيدا عن المكاتب. على مدى عامين أصبحنا سجناء داخل منازلنا وقتنا موزع بين دفق الأفلام على نتفليكس، ومشاهدة مقاطع الفيديو على يوتيوب وممارسة ألعاب الفيديو. هذا بالطبع إضافة إلى الوقت الذي نقضيه نتنقل بين صفحات التواصل الاجتماعي. كل هذه الأنشطة تتضمن التحديق في الشاشة. والآن يقول الخبراء حان الوقت لأخذ قسط من الراحة. هذا لا يعني ترك الإنترنت نهائيا. لا أحد يتوقع ذلك. فقط فكر في الأمر على أنه شبيه باتباع نظام غذائي واستبدال العادات السيئة بأخرى صحية لمنح أعيننا المنهكة بعض الوقت للراحة.

سموم رقمية

يؤكد جان توينغ أستاذ علم النفس بجامعة ولاية سان دييغو ومؤلف كتاب «iGen» وهو كتاب عن الأجيال الشابة التي نشأت في عصر الهاتف الذكي أن قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشات يمكن أن يؤثر سلبا على صحتنا العقلية، مما يحرمنا من النوم ومن القيام بمهام أكثر إنتاجية. من كان يقضي قبل الجائحة ثلاث ساعات يوميا كمعدل متوسط ​​أمام الشاشة أو مستخدما الهاتف الذكي، أصبح بعد مرور الجائحة بثلاثة أشهر يمضي وقتا مضاعفا تقريبا. لذلك لاحظنا لجوء البعض لأخصائيين في علم النفس للحصول على نصائح، ووضع حدود لإيجاد بدائل للالتصاق بالهاتف.

بالطبع، ليس كل وقت نمضيه أمام الشاشة سيئا؛ ففي النهاية، يذهب العديد من الطلاب إلى المدرسة عبر تطبيقات مؤتمرات الفيديو. لذا فإن الخطوة الأولى للعلاج هي تقييم أي أجزاء من وقت الشاشة تشعر بأنها ضارة وتزيد من إحساسك بالاكتئاب. يمكن أن يكون ذلك قراءة الأخبار أو تصفح تويتر أو فيسبوك. الخطوة الثانية هي إنشاء خطة واقعية للتقليل من هدر الوقت في نشاط سيء.

وأوصى آدم جازالي عالم الأعصاب والمؤلف المشارك لكتاب “العقل المشتت: العقول القديمة في عالم عالي التقنية”، بإنشاء تقويم لكل شيء نقوم به تقريبا، بما في ذلك تصفح الويب. مع التأكيد بأن الوقت الذي نخسره في مراقبة الشاشات الرقمية، سواء شاشة الهاتف الذكي أو الكمبيوتر ليس أسوأ ما في الأمر. الأسوأ من ذلك أن الاتصال المستمر بالإنترنت يمكن أن يترك آثاره السلبية على نوعية حياتك ويزيد من إحساسك بالتوتر. لهذا السبب يوصي جازالي بأخذ استراحة بعيدا عن تطبيقات الوسائط الاجتماعية وعن الشاشة لبعض الوقت، لاستعادة الصحة العقلية والجسدية. وهنا يأتي دور التخلص من السموم الرقمية. وهي فترة زمنية تقلل خلالها عن قصد مقدار الوقت الذي تقضيه مسمرا أمام شاشة الهاتف أو شاشة الكمبيوتر وتصفح الإنترنت، بل قد يكون مفيدا أن تقطع الاتصال تماما ليوم أو أكثر.

ولكن، لماذا نحتاج إلى التخلص من السموم الرقمية؟

وجدت إحدى الدراسات أن حوالي 25 في المئة من مالكي الهواتف الذكية الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاما لا يتذكرون آخر مرة ابتعدوا فيها عن هواتفهم. وقضاء كل هذا الوقت متصلا بالإنترنت يمكن أن يتسبب في انطباع سلبي عن مظهرنا، وتدني احترام الذات، واضطرابات في النوم، وشعور بالاكتئاب، وقلق، وزيادة في الوزن، وسوء تغذية، وابتعاد عن ممارسة الرياضة، وسوء في إدارة الوقت. وفوق هذا كله وجدت الدراسات أن الاستخدام المكثف للهواتف الذكية يمكن أن يسبب تغييرات في الدماغ. فكل حركة نقوم بها على الشاشة الرقمية ترسل دفعة من الدوبامين إلى نفس المنطقة في الدماغ التي تستجيب للعقاقير المسببة للإدمان والخطيرة مثل الكوكايين.

خطوات يجب اتخاذها

هذه القائمة تكفي لإقناع الكثير منا بفوائد التخلص من السموم الرقمية، حيث يعتقد البعض أن الابتعاد لبعض الوقت يوميا عن الأجهزة الرقمية أو التقليل من استخدامها يكفي لتحسن نوعية الحياة. وأثبتت تجارب اجتماعية عديدة أن أخذ استراحة مجدولة بعيدا عن هاتفك الذكي أو جهازك الرقمي يمكن أن يقلل من مستويات التوتر لديك. يمكن أن تساعدك هذه الاستراحة أيضا في التركيز وإيلاء المزيد من الاهتمام للأشياء من حولك. وبالتالي تحسن مستوى إنتاجيتك. الاستغراق في تصفح الإنترنت والانشغال بإبداء الإعجاب أو نشر التعليقات والمساهمات لوقت طويل، سيتسبب في انشغالك عن مسؤولياتك الأخرى.

سيساعدك وضع هاتفك جانبا على التركيز على الأشياء التي تحتاج إلى إنجازها. وبالتالي الشعور بالرضا عن نفسك. وتؤكد الدراسات أن تطبيقات الوسائط الاجتماعية ستدفعك دون أن تدري إلى مقارنة نفسك بالآخرين باستمرار، ويمكن أن يؤثر ذلك على الكيفية التي تقيم بها نفسك. لقد أثبت بالتجربة أن البقاء ملتصقا بهاتفك الذكي لعدة ساعات يؤدي إلى إجهاد العين وجفافها وإلى تشوش الرؤية والعين الدامعة والصداع. أما البقاء بوضع الانحناء وأنت تنظر إلى الهاتف أو الشاشة لمدة طويلة غالبا ما تنجم عنه مشاكل أسفل الظهر والرقبة. لهذا تعتبر فترات الراحة مهمة لصحة أجزاء مختلفة من جسمك.

وعندما يعرف جسمك أن الوقت قد حان للنوم، يطلق دماغك مادة كيميائية تسمى الميلاتونين لمساعدتك على الاسترخاء والنوم، بينما التحديق في الهاتف قبل النوم مباشرة يبقي عقلك متيقظا ونشطا ويؤخر إفراز الميلاتونين. ومعروف أن قلة النوم لفترة طويلة من الزمن يمكن أن تؤثر على مزاجك وصحتك. هذه المشاكل ومشاكل أخرى يمكن أن يساعد التخلص من السموم الرقمية جسمك على تلافيها وعلى التحكم بشكل أفضل في دورات نومك.

ما هي الخطوات التي يجب أن تتخذها؟

إذا كنت تعتقد أن استخدام التكنولوجيا يؤثر سلبا على صحتك الجسدية والعقلية، أو يبعدك عن الأشياء التي تحتاج إلى القيام بها، أو كليهما معا، فقد يكون الوقت قد حان للتخلص من السموم الرقمية. لست مضطرا إلى إيقاف تشغيل الهاتف؛ فقط افعل ما يناسب نمط حياتك. قد يعني هذا وضع هاتفك جانبا لبضع ساعات من حين إلى الآخر، واستكشاف مقدار ما تحتاجه حقا لاستخدامه أو قطع الاتصال بالإنترنت لمدة يوم أو أكثر. أغلب الذين جرى استطلاع آرائهم تبين من إجاباتهم أنهم في معظم الحالات لا يدرون بالضبط لماذا يستخدمون هاتفهم في لحظة معينة، وهنا ينصح الخبراء بضرورة الانتباه لمشاعرنا عند استخدام الهاتف، وذلك لفهم العلاقة التي تربطنا بالجهاز بشكل أفضل. وهذا يتم بأن نسأل أنفسنا عن سبب استخدام الهاتف في أي وقت من الأوقات. هل هو مجرد الإحساس بالملل؟ أم لضرورات العمل؟ أم هو الفضول لمعرفة ما لدى الآخرين؟ هل تفحص الهاتف يجعلك تشعر بتحسن أم يصبيك بالخيبة؟

سلوك إدماني

الانتباه لمشاعرنا وإدراك ما نشعر به يمكن أن يساعدنا على التحكم في استخدام الهاتف بشكل أفضل. إذا كان لاستخدامه تأثير سلبي، فحاول تقليل مقدار الوقت الذي تستخدمه كل يوم. حدد موعدا لأخذ استراحة من هاتفك. إذا كنت تستخدم هاتفك الذكي بقلق شديد وكنت تشك في سلوك إدماني، فإن إحدى طرق التخلص من السموم المفيدة في مثل هذه الحالة تتمثل في إطالة الفترات الزمنية بين كل مرة تفحص فيها هاتفك. على سبيل المثال، حاول فحص هاتفك كل 15 أو 30 دقيقة فقط.

ويقول الخبراء إن أول قاعدة سهلة يجب اتباعها هي إبقاء هاتفك بعيدا أثناء تناول وجبات الطعام. يمكن أن يساعدك هذا في التركيز على البيئة المحيطة. إذا كنت تواجه صعوبة في مقاومة هاتفك، فحاول إبعاده عن الأنظار، ضعه في غرفة مختلفة أو بعيدا عن متناول اليد حتى تتمكن من التركيز على طعامك. أو يمكنك تعيين أوقات لا تستخدم فيها الهاتف، مثل الخروج في نزهة على الأقدام، أو أثناء المشاركة في نشاط اجتماعي، أو بعد ساعة معينة في الليل. وسيساعدك في هذا كله استخدام تطبيقات تتيح لك تتبع استخدامك للهاتف.

هل تريد تتبع مقدار استخدامك للهاتف يوميا؟

إذا لم يتمكن هاتفك من القيام بذلك نيابة عنك، فهناك تطبيقات لذلك. يمكن لبعض التطبيقات أيضا حظر وصولك إلى مواقع الشبكات الاجتماعية لفترة من الوقت أو إعطائك تقريرا مفصلا عما تقضي وقتا طويلا فيه. قطع الاتصال خلال الليل وقبل النوم يمكن أن يساعد في الحد من اعتمادك على هاتفك واستعادة بعض التحكم. بات مثبتا أن استخدام الهاتف يمكن أن يؤثر على نمط النوم وجودته، فحاول فصل هاتفك أو إيقاف تشغيله قبل الذهاب إلى الفراش أو تحديد وقت مثل الـ9 مساء، أو الـ10 مساء لفصله. سيساعدك هذا على الدخول في روتين للذهاب إلى الفراش وتحسين النوم.

قم بإيقاف تشغيل الإشعارات. إذا وجدت نفسك تستجيب لكل تنبيه نصي أو بريد إلكتروني أو من تطبيقات الوسائط الاجتماعية الخاصة بك، فقد يكون من الجيد إيقاف تشغيل الإشعارات في إعدادات هاتفك. يمكن أن يساعد ذلك في كبح الرغبة في الاستجابة لكل ضوضاء تصدرها. يمكنك أيضا تجربة وظيفة عدم الإزعاج.

استراحة من التكنولوجيا

الرغبة المتنامية للتخلص من السموم الرقمية أوجدت صناعة متكاملة للسياحة لهذا الغرض. وكانت دراسة استقصائية، أجريت عام 2018 على أكثر من 4000 شخص في بريطانيا والولايات المتحدة، قد وجدت أن واحدا من كل خمسة أشخاص أبدى اهتمامه بالتخلص من السموم الرقمية، مع محاولة 70 في المئة تحديد الوقت الذي يقضونه على الإنترنت. ورافق ذلك ظهور مجموعة من المنتجات والخدمات لتلبية الطلب. من بينها خدمات تقدمها شركة “أنبلاغد”، وهي شركة بريطانية تدير العديد من الكبائن بالقرب من لندن، افتتحت خمسة مواقع جديدة هذا العام بعد إطلاق أولها في عام 2020 وتم حجزها طوال الصيف.

وقال المؤسس المشارك هيكتور هيوز إن “الناس يريدون حقا استراحة فقط وأعتقد أن هذه نتيجة مباشرة للإغلاق وقضاء كل هذا الوقت على الشاشات”. وأضاف “نضع كبائن على بعد ساعة من حياة المدينة. يذهب الناس ويغلقون هواتفهم حرفيا في صندوق. نمنحهم خارطة ونوكيا ونتركهم لمدة ثلاث ليال”. وغالبا ما يتم وصف أخذ استراحة من التكنولوجيا كوسيلة لتعزيز الرفاهية العامة، والمساعدة في مكافحة اضطرابات النوم والقلق والاكتئاب. لكن هناك بين الباحثين من يشكك بذلك.

وقالت ثيودورا سوتون عالمة الأنثروبولوجيا الرقمية التي تبحث عن معتكف خارج الشبكة في الولايات المتحدة، “إن الفوائد المعلن عنها غالبا ما ترتبط بمتغيرات أخرى. إذا تخليت عن التكنولوجيا ولم تستبدلها بأي شيء آخر، فلن تحصل تلقائيا على وقت أفضل”. وقال وينجي كاي المحاضر في السياحة والضيافة في جامعة غرينتش، والذي يركز عمله على العطلات الرقمية للتخلص من السموم، إن رواد العطلة يبلغون عن مستويات أعلى من القلق عند فصلهم عن هواتفهم في بداية الإقامة ومرة أخرى في النهاية، عندما يستعدون للم شملهم.

ووجدت دراسة أجرتها جامعة لوبورو في بريطانيا عام 2019 أن فترة 24 ساعة من الامتناع عن استخدام الهواتف الذكية لم يكن لها أي تأثير على الحالة المزاجية والقلق. ولم يبلغ المشاركون في دراسة مماثلة أجراها باحثو جامعة أكسفورد هذا العام عن تحسن في الرفاهية الشخصية، مثل الشعور بزيادة احترام الذات أو الرضا، عندما توقفوا عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليوم واحد. وقال المؤلف الرئيسي أندرو برزيبيلسكي، عالم النفس التجريبي في معهد أكسفورد للإنترنت، إن التأثيرات المحتملة على الصحة العقلية للتكنولوجيا الرقمية غالبا ما تكون مبالغا فيها.

وقال برزيبيلسكي “كبشر، نحاول دائما التوفيق بين جميع أنواع الأشياء، مثل كونك أبا، أو زوجا، أو أستاذا … هناك دائما توازن عليك تحقيقه”. وبالنسبة إلى بعض الأشخاص، يمكن أن يكون التراجع الرقمي للتخلص من السموم فرصة لتقييم العادات اليومية والنظر في ما إذا كانوا بحاجة إلى التغيير. وأفاد المشاركون في بحثه بأنهم انخرطوا أكثر في التفكير الذاتي أثناء استراحة التكنولوجيا خارج المدينة. وبينما عاد معظم الأشخاص إلى استخدامهم السابق للهاتف بعد التخلص من السموم، قرر البعض تقليل الوقت الذي يقضونه في استخدام أجهزتهم.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *