نظم الذكاء الصناعي.. خطوات واثقة لخدمة الإنسان

الرئيسية » إعلام ورقميات » نظم الذكاء الصناعي.. خطوات واثقة لخدمة الإنسان

نظم الذكاء الصناعي.. خطوات واثقة لخدمة الإنسان

يعد تسجيل الكومبيوتر العملاق «غوغل ديب مايند» (الفكر العميق) وبرنامج الذكاء الصناعي له المسمى «ألفا غو» لعدد من الانتصارات في مباريات اللعبة «غو» مع اللاعب لي سي – دول، وهو أمهر اللاعبين لهذه اللعبة في سول بكوريا الجنوبية، حدثا متميزا في ميدان تطوير نظم ذكية تنافس الإنسان وتتغلب على قدراته الفكرية.

ويأتي هذا الفوز بعد فوز كومبيوتر «ديب بلو» على بطل الشطرنج العالمي غاري كاسباروف عام 1997، وفوز كومبيوتر «واطسون» من «آي بي إم» عام 2011 بمسابقة «جيوباردي».

عندما تفوق كومبيوتر واطسون العملاق من إنتاج شركة «آي بي إم» على أمهر الأبطال من البشر في مسابقة «جيوباردي» الترفيهية، كان ذلك من قبيل الإنجازات التي تعد بآفاق مذهلة في مجال الذكاء الصناعي. وبعد فترة وجيزة، انتقل رؤساء الشركة إلى تحويل واطسون من مشروع علمي محتفى به إلى مشروع تجاري مدر لكثير من الأموال، بدءا بمجال الرعاية الصحية.

ومع ذلك، فإن السنوات القليلة التالية بعد الفوز المحقق للمشروع أثبتت أن مشروع واطسون كان متواضعا، فاليوم أصبح المديرون التنفيذيون في الشركة يعرفون بصراحة مطلقة أن المجال الطبي كان من أصعب المجالات بأكثر مما كان متوقعا، حيث غلبت التكاليف الباهظة وحالات الإحباط المتكررة على مشاريع واطسون المبكرة في المجال الطبي، مما أدى إلى تراجع الشركة عن مواصلة الأعمال، وإعادة التركيز على مجالات أخرى، وربما التخلي عن المشروع بأكمله في بعض الأحيان.

* تقنيات واعدة

وتشير الصعوبات الأولى لشركة «آي بي إم» مع واطسون إلى حقيقة واقعية، وهي أن التسويق التجاري لهذه التكنولوجيا الحديثة، على الرغم من أنها تكنولوجيا واعدة، في الغالب قد تقتصر على خطوات صغيرة بدلا من كونها قفزات عملاقة.

وعلى الرغم من التحديات أمام الشركة فإن الانتصار الذي حققه الكومبيوتر واطسون على شاشات التلفاز – والذي كان قبل خمس سنوات في مثل هذا الشهر – قد ساعد في تغذية الحماس والاهتمام في مجال الذكاء الصناعي من جانب الجمهور وبقية أنحاء صناعة التكنولوجيا. وضخ أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية مزيدا من الأموال على تأسيس شركات الذكاء الصناعي الناشئة، وعلى الشركات العملاقة مثل «غوغل»، و«فيسبوك»، و«مايكروسوفت»، و«آبل»، والتي كانت تشتري شركات الذكاء الصناعي الوليدة. وبلغت تلك الاستثمارات مستوى 8.5 مليار دولار العام الماضي، وهي زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف ونصف المستوى المسجل في عام 2010، وفقا لشركة «كويد» العاملة في مجال تحليل البيانات.

وأصبح مهندسو البرمجيات من ذوي المهارات في مجال الذكاء الصناعي يُعاملون معاملة نجوم الرياضة الكبار، مما أثرى حروب العروض المغرية من جانب الشركات للاستفادة من خدماتهم.

ويقول جيري كابلان عالم الكومبيوتر ورجل الأعمال والمؤلف، والمؤسس المشارك أيضًا في شركة الذكاء الصناعي الناشئة «إيه آي» التي عفا عليها الزمان منذ فترة الثمانينات: «إننا في ذروة الإثارة الآن بكل تأكيد. وباتت التوقعات تتحرك على طريق الواقع الملموس أخيرا».

كان مصطلح الذكاء الصناعي من أبرز مصطلحات الخيال العلمي، حيث الماكينات ذات القدرة على التفكير بنفسها ومساعدة البشر في مختلف المهام، أو المخلوقات الجاحدة التي تحاول القضاء على الجنس البشري. أو كما يتحرك التفكير عبر مختلف الأفلام من هذا النوع.

أما الواقع، رغم كل شيء، فهو أقل إثارة من الأفلام والروايات، فالصوت الآلي على هاتفك الذكي الذي يحاول الإجابة على الأسئلة، هو نوع من أنواع الذكاء الصناعي. كذلك مثل الخواص المميزة لمحرك البحث غوغل الشهير. كما تستخدم تلك التكنولوجيا في مختلف مشكلات الأعمال المعقدة مثل العثور على الاتجاهات في مجال أبحاث السرطان.

* خطوات صغيرة

يعود مجال الذكاء الصناعي إلى بداية عصر الكومبيوتر، ولقد توالت التطورات عبر دورات مختلفة من التفاؤل وخيبة الأمل منذ ذلك الحين، والتي شجعها عدد قليل من الروبوتات التي ظهرت في الأفلام وبعض العروض الناجحة لمعارض الألعاب المتقدمة.

والتوقعات التي ثارت في التسعينات حول الطريقة التي سوف تغير بها شبكة الإنترنت من أسس وسائل الإعلام، والإعلانات، والبيع بالتجزئة، أثبتت صحتها بمرور الوقت، على سبيل المثال. ولكن تلك التوقعات تحققت بعد مرور عقد كامل. والذكاء الصناعي اليوم، كما يقول المتفائلون، لا يزال يخطو أولى خطواته المبكرة.

يقول إريك برينجولفسون، مدير مبادرة الاقتصاد الرقمي لدى كلية سلوان للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «أعتقد أن أجيال المستقبل سوف تنظر إلى ثورة الذكاء الصناعي الحالية ومقارنة تأثيرها بالمحرك البخاري أو الكهرباء. ولكن، بطبيعة الحال، سوف يستغرق الأمر عقودا من هذه التكنولوجيا حتى تؤتي ثمارها».

هناك أسباب وراء هذا الحماس، حيث تستمر أسعار الكومبيوترات في الهبوط حتى مع تزايد قوة تلك الأجهزة، مما يجعلها أسهل عن ذي قبل في استيعاب كميات هائلة من البيانات في لحظات. كذلك، فإن المستشعرات، والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة التكنولوجية أصبحت منتشرة في كل مكان، وتعمل على تغذية مزيد ومزيد من المعلومات إلى الكومبيوترات التي تتعلم مزيدا ومزيدا عن حياتنا.

* تعلم الآلات العميق

خلال العام أو العامين الماضيين فقط، تمكن الباحثون من تحقيق قفزات سريعة باستخدام أساليب التعلم الآلي والمعروف باسم التعلم العميق في تحسين أداء البرمجيات التي تتعرف على الصور، وتترجم اللغات، وتفهم الكلام. ولقد نُفذت تلك العمليات في شركات التكنولوجيا الناشئة وفي الشركات العملاقة مثل «غوغل»، و«فيسبوك»، و«مايكروسوفت»، إلى جانب الجامعات، والمراكز البحثية الخاصة مثل معهد آلان للذكاء الصناعي.

يقول بيتر لي، نائب رئيس شركة «مايكروسوفت» للأبحاث: «كان هناك تقدم مذهل في مشكلات الإدراك، والإبصار، والسمع، واللغة».

وفي شركة «إنليتيك» وهي من الشركات الناشئة في سان فرانسيسكو، يعتقد جيرمي هوارد المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة أن الذكاء الصناعي بإمكانه تثوير ميدان الرعاية الصحية الضخمة، وحفظ المزيد من الأرواح والأموال، وهو الطموح المماثل لطموح شركة «آي بي إم»، ولكنه مشروع يمتد إلى 25 عاما من الآن.

تركز شركة «إنليتيك» أولا على التقنيات الشعاعية، فالصور الطبية تخرج جميعها في شكل رقمي، كما يلاحظ السيد هوارد، والمسح المستمر غير المتوقف للإشارات المنبهة بالأنسجة غير الطبيعية هي من المهام التي تتفق معها تكنولوجيا التعرف على الصور المعتمدة على فكرة التعلم الآلي العميق.

ولقد اختبرت شركة «إنليتيك» برمجياتها مقابل قاعدة بيانات من 6 آلاف تشخيص لسرطان الرئة، الإيجابية والسلبية منها على حد سواء، والتي أجراها الأطباء المحترفون في مجال الأشعة الطبية. وفي إحدى الدراسات التي سوف تنشر قريبا، كانت اللوغاريتمات أكثر دقة بنسبة 50 في المائة من الأشعة البشرية.ويضيف السيد هوارد قائلا: «ينبغي عليك استخدام التكنولوجيا التي أثبتت فعاليتها وتطبيقها على المشكلة المعروفة. فالابتكار المجرد ليس إلا خطأ مجردا».

لم تتمكن أية شركة من تحقيق إنجاز كبير وواسع النطاق في التسويق التجاري لتكنولوجيا الذكاء الصناعي مثل شركة «آي بي إم» (IBM) خلال الكومبيوتر واطسون. حيث اعتمدت واطسون كمجال الأعمال الخاص بها منذ عام 2014، واستثمرت مليارات الدولارات في تسريع تطوير واعتماد هذه التكنولوجيا، بما في ذلك شراء كثير من الشركات الناشئة. وتضم وحدة واطسون حاليا أكثر من 7 آلاف موظف.

* كومبيوتر «واطسون»

تعرضت تكنولوجيا واطسون للتجديد بالكامل. وخلال أيام مسابقة «جيوباردي» المشار إليها، كانت واطسون عبارة عن كومبيوتر يحتل مساحة غرفة بأكملها. واليوم، فإن برمجيات الكومبيوتر واطسون السحابية تصل عبر الإنترنت من خلال مراكز البيانات البعيدة. ولقد انقسمت برمجيات واطسون ذاتها إلى عشرات مكونات الذكاء الصناعي المستقلة بما في ذلك المصنف اللغوي، وترجمة النصوص إلى كلام، والتعرف على الصور.

تحاول «آي بي إم» في الوقت الراهن وضع واطسون في مركز معادل لنظم التشغيل بالذكاء الصناعي، وهي منصة للبرمجيات يستخدمها الآخرون في بناء التطبيقات المختلفة. وهناك ما يقرب من 80 ألف مطور قد حملوا واختبروا هذه البرمجيات. وتمتلك الشركة في الوقت الحالي أكثر من 5 آلاف شريك صناعي، من الشركات العملاقة والناشئة، في مختلف الصناعات مثل الرعاية الصحية، والخدمات المالية، ومبيعات التجزئة، والمنتجات الاستهلاكية، والخدمات القانونية.

وتنظر الشركة إلى الصعوبات الكبرى الأولى التي شهدها واطسون في مجال الرعاية الصحية من واقع الخبرات التعليمية والدروس المستفادة. ويقول المديرون التنفيذيون في الشركة إن فرق العمل في الشركة قللوا من أهمية صعوبات التعامل مع مختلف البيانات الفوضوية مثل وثائق الفاكس والملاحظات المكتوبة وفشلوا في تفهم كيفية اتخاذ الأطباء للقرارات الطبية.

يقول جون كيلي، نائب الرئيس الأول والمشرف على مشروع واطسون: «كان هناك كثير من التحديات مع العملاء الأوائل»، مصيفا أن المشروع على أول طريق الانطلاق حاليا. ولا تُفصح الشركة عن النتائج المالية الخاصة بمشروع واطسون، وهي تصف المشروع بأنه «كبير ومتسع»، ويسهم في عائدات الشركة بمبلغ 18 مليار دولار في العام من تحليل الأعمال.

يعتبر مشروع واطسون، وفي مركز أندرسون للسرطان التابع لجامعة تكساس في مدينة هيوستن، من أحد المكونات الخاصة بتقديم الاستشارات الآلية الخبيرة بالنسبة لمجال رعاية مرضى السرطان، كما أن النظام الصحي لجامعة تكساس يستخدم مشروع واطسون في البرامج المساعدة لمرضى السكري ومساعدة مقدمي الرعاية الطبية على إدارة المرض، في مشروع كبير يتوقع أن يتم عرضه بالكامل قبل نهاية العام الحالي.

تقول الطبيبة ليندا تشين، كبيرة مسؤولي الابتكار الطبي في النظام الصحي التابع للجامعة: «كان الأمر أصعب كثيرا مما اعتقدنا، ولكن خبراتنا قد أقنعتني بإمكانية بناء محرك الذكاء الصناعي الذي يُحسن من الرعاية الصحية».

الشرق الأوسط

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *