من أجل بيئة للانتباه التأقلم الرقمي العصري

الرئيسية » تربية وتكوين » من أجل بيئة للانتباه التأقلم الرقمي العصري

من أجل بيئة للانتباه التأقلم الرقمي العصري

يعيش العالم اليوم في عصر السرعة… والتسارع في حالة تزايد تكاد لا تتوقف. ولعل من أبرز سمات العصر اليوم هو أن يجد المرء نفسه في عالم من الشبكات التي «يرتبط» طيلة يومه فيها. شبكات فرضت نفسها مع الثورة الرقمية الزاحفة على جميع مناحي الحياة.

و«الضحية» الأولى يحددها «ايف سيتون» أستاذ الأدب الجامعي وأحد مديري مجلة «المواقف المتعددة ــ مولتيتود» بأنها «الانتباه» حيث غدا الإنسان في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين «عاجزا عن التركيز».

وفي كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «من أجل بيئة للانتباه» يشرح ما يسميه «أزمة الانتباه» حيث يعتبر أن عدم تركيزه يمثل أحد «الأعراض الأساسية» لرأسمالية مريضة. لكن بالمقابل دون الذهاب إلى حد القول إن «الكارثة» هي النتيجة، بل تأكيد رفضه لكل أشكال «الفكر الكارثي» السائد لدى البعض في شتى المجالات.

في هذا الكتاب يشرح المؤلف أن «قدرة البشر على تركيز انتباههم حول المسائل التي هم بصدد التفكير بها أو إنجازها إنّما تشكّل في الواقع رهانا «سياسيا وبيئيا» ذلك على أساس أن هناك علاقة «متداخلة» بين ما هو ذاتي لدى أي إنسان وبين العمل الذي يقوم فيه.

ويشير المؤلف إلى مجموعة من الأفكار الشائعة اليوم والتي تتردد بأشكال مختلفة مفادها أن البشر اليوم يعيشون في هذا العصر الرقمي حالة من «التيه» بين مجموعة من الشبكات التي تشكّل مصادر أنباء أو معلومات أو رسائل متوقّعة في أيّة لحظة وعلى مدى اليوم كاملا.

بالتالي غدا من الصعب عليهم «تركيز انتباههم» على موضوع واحد لفترة طويلة من الوقت. وهذا ما تُطلق عليه عامّة توصيفات تحمل بمجملها الإشارة إلى تشتت الانتباه أو «غوغلة ــ اشتقاقا من محرّك بحث غوغل ــ الذهن». والإشارة في هذا الصدد أنه يتم غالبا التمييز بين «القدرة الجيّدة على التركيز» التي يتم توصيفها بـ«جميع الفضائل» وبين «الشرود» وما يتم إصباغه عليه من «الشرور».

ما يشرحه «ايف سيتون» هو أن مثل هذا التشخيص ليس مرتبطا حصريا بهذه الحقبة الرقمية وما يعيشه البشر فيها من «ارتباطات» مع مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، بل يشير أن رجال العلم والفكر كانوا قد أظهروا نفس النوع من المخاوف في نهاية القرن التاسع عشر، أمام اجتياح الآلة في ذروة منجزات الثورة الصناعية الكبرى، من أن يؤدّي نمط العمل في سلسلة الإنتاج إلى «تجزئة وانفراط قدرة الانتباه لدى الإنسان».

ويعود المؤلف في الزمن أكثر إلى الوراء ليشير إلى أنماط سلوك شبيهة بما هو قائم اليوم على صعيد أوسع وأضخم من حيث توسع مجالات التواصل بحيث إنه يمكن الحديث اليوم عن «أزمة على صعيد تركيز الانتباه».

وتحديد القول في هذا السياق ان تعاظم سيل المعلومات و«النداءات» على الشبكات يمثّل سبيلا لتوجيه «انتباه الجمهور» .

وبالتالي لصياغة المواضيع ذات «الأولويات الهامّة». هكذا مثلا عندما تأخذ بعض المواضيع «الجانبية» و«الجزئية» في فرنسا حول هذه المسألة أو تلك من سلوكيات المهاجرين مساحة واسعة من اهتمام وسائل الإعلام ومن مادّة التواصل على الشبكات لا بدّ من أن يؤدي ذلك إلى «حرف الانتباه عمّا يستحقّه أكثر» مثل الخوض في صميم سياسات الهجرة وما تطرحه من مشاكل ينبغي العمل على حلّها.

ويحدد المؤلف القول إن الخطورة الحقيقية لا تكمن في التشوّش الذي قد يصيب «الانتباه الفردي» ولكن بالأحرى على التشوّش «غير المرئي» الذي يترتب على «الانتباه الاجتماعي» ذي العلاقة الوثيقة بتشكّل الرأي العام حول مختلف المسائل المطروحة، وعلى رأسها ما يتعلّق بعالم السياسة.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *