محنة أمهات في مواجهة إعاقة أطفالهن

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » محنة أمهات في مواجهة إعاقة أطفالهن

محنة أمهات في مواجهة إعاقة أطفالهن

بين فرحة الحمل وآلام الوضع، تمر الشهور كلمح البصر، وبعد أن تكون قد تشكلت بنية الجنين وأتم شروط جواز مروره إلى العالم الخارجي، مودعا رحم أمه، ومستقبلا أوكسجين هذا العالم، تبدأ رحلته مع الحياة.

وتكون الأم أول الأشخاص وأكثرهم ارتباطا بهذا الوليد طيلة فترة احتياجاته إليها بدء من إرضاعه/تغذيته ومرورا بتربيته وتعليمه وانتهاء بتزويجه إن تطلب الأمر ذلك، في جو طبيعي/اعتيادي لا يختلف عن الآخرين، تشوبه بعض المشاكل الصغيرة التي تفرضها كل مرحلة على حدا.

غير أنه في بعض الحالات، قد يكون من نصيب الأم أن ترزق بطفل هوأشد حاجة/احتياجا إليها في كل كبيرة وصغيرة، بحيث لا يستطيع العيش/الاعتماد على نفسه دون حاجته/لجوئه إلى الغير سواء كانت الأم بمفردها أو الأسرة بأكملها إضافة إلى المتابعة الطبية التي لا مفر منها.

ويُعَرِّف أهل الاختصاص الطفل ذي الحاجة الخاصة، هو ذلك الطفل الذي يعاني تأخرا في نموه، أو أصيب بمرض يفرض على المشرف على تربيته، خاصة الأم، عناية خاصة تفوق تلك التي تمنح لأقرانه. وغالبا ما يكون السبب في وضعه هذا، تعقيدات حالته وطبيعة مرضه المزمن، سواء كان إعاقة جسدية، تنموية، سلوكية أو عاطفية.

وتصديا لهذه الحالة تجد الأسرة نفسها في مواجهة وتحدي أمام وضع الطفل الصحي الذي يتطلب منها، وخصوصا الأم، رعاية صحية متميزة ونوعا خاصا من الخدمات المرتبطة بالعلاج الطبيعي، وبرامج إعادة التأهيل وبرامج التعليم الخاص، وحصص التدريب داخل المراكز المتخصصة إن لزم الأمر وتوفرت الظروف المادية.

وتشمل الإعاقات التي تصيب الأطفال وتحرمهم الاستقلالية، جميع الأمراض الجسدية أو النفسية المعيقة للتواصل أو الاعتماد على النفس، مثل متلازمة داون، التأخر/التخلف العقلي، أمراض التوحد وفرط الحركة، الشلل الرباعي ضعف النظر أو السمع، الصرع، الشلل الدماغي، إصابات الدماغ الرضحية…

شيماء الطفلة ذات الأربع سنوات، تعاني من التوحد، الإعاقة التي تجعلها لصيقة بأمها طول الوقت، تعتمد عليها في كل كبيرة وصغيرة، وتنتابها حالات صراخ هستيرية من حين إلى آخر.. هذا ما تحكيه أمها للمشاركات في لقاء تواصلي، نظمته إحدى الجمعيات المتكفلة بأطفال التوحد.

فالأطفال الذين يعانون من هذه الاضطرابات وغيرها، غالبا ما يَخلقون لأسرهم/لأمهاتهم ضغوطات اجتماعية ونفسية تفوق المعدل الاعتيادي لمشاكل الأطفال واضطراباتهم السلوكية، بسبب عزلتهم، مزاجهم المتقلب، حركاتهم المفرطة، عجزهم على الاعتماد على أنفسهم، إضافة إلى ما تعانيه الأسر من توتر العلاقة بين الأزواج، الإحساس بالفشل والإحباط وعدم الكفاءة في التربية، التقصير في بذل العناية الكافية للأطفال الآخرين، بحيث يستحوذ الطفل المعاق جسديا/المضطرب نفسيا على الاهتمام الكامل لأسرته المادي والمعنوي على حساب باقي إخوته، إضافة إلى الأزمة المالية التي قد تعصف بميزانية الأسرة، خاصة عندما تضطر الأم إلى التوقف عن العمل، للتفرغ التام والكامل لرعايته والاهتمام به، وكذا الزيادة في المصاريف التي تتطلبها علاجاته.

وقد يفرض الوضع أيضا عزلة اجتماعية، تجعل الأم حبيسة أربع جدران رفقة طفلها المعاق، أو موزعة بين الجمعيات والمؤسسات لحضور اللقاءات والدروس التي تسهر عليها هذه الخلايا الاجتماعية في إطار الدعم والمساعدة المقدمة لهذه الشريحة من الأطفال.

وبسبب غياب أو ضعف الوعي الكافي لدى هؤلاء الأمهات، عند تعاملهن مع الطفل المعاق أو ذي الاحتياجات الخاصة، والذي تتطلب تربيته معاملة/رعاية خاصة، تختلف بشكل كبير عن تربية من هم في سنه، كون أن لديه ظروفا خاصة وتعقيدات صحية ونفسية تؤثر على نموه وسلوكه، يحذر علماء التربية وأصحاب الاختصاص أم الطفل المعاق من القيام ببعض السلوكات/التصرفات المعينة التي قد تضر بنفسية طفلها،  مثل تجاهله وتجنب التعامل/المحادثة معه أو إهماله، وفي المقابل يشددون على عدم الاهتمام الزائد به، الشيء الذي يخلق لديه إحساسا/تكريسا لمعنى الإعاقة المرتبط في تفكيره الصغير بتحقيق مكاسب وفوائد والاعتماد على الغير في أبسط الأمور اليومية،وبالتالي تتأخر حالته في العلاج.

 ومن جهة أخرى، ينبهون الأم إلى ضرورة اللجوء إلى متخصصين في المسائل العضوية والنفسية المتعلقة بالطفل المعاق، للتنسيق بينها وبين أهل الخبرة، حتى لا تتأثر الحالة العضوية بالجانب النفسي، كون الاهتمام بهذا الأخير يساهم بشكل أكيد وفعال في متابعة وتحسن الحالة العضوية للمريض/المعاق.

وأمام صدمة الأم في واقع طفلها المعاق، وعدم إلمامها بالجانب الصحي وكذا التبعات النفسية أو الموضعية لمشكلته الصحية، تبقى هذه الأم، في غالب الأحيان، هي الفرد الوحيد الذي يتكفل معنويا إن لم نقل ماديا في بعض الحالات، بمتابعة حالة الطفل الصحية، وكذا رعايته والاهتمام به أكثر من إخوته، وقد تصل بها الأمور إلى إهمال ببيتها وأسرتها، كونها أسيرة الواقع المرير لطفلها خارج البيت أو داخله. إضافة إلى هذا، تشتكي أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة وسط العائلات ذات الدخل المحدود، من ارتفاع كلفة الحصص العلاجية أو الأدوية سواء بالمستشفيات العمومية أو بالمراكز الخاصة، الشيء الذي ينعكس سلبا على الأمور المادية للأسرة بكاملها، دون أن نتجاهل العزلة الاجتماعية التي يفرضها الواقع على الطفل المعاق، لتتسع دائرتها وتلقي بضلالها على الأسرة التي تخجل من وضع طفلها أو رفض المحيط/البيئة لواقع هذا الطفل.

 

فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *