قبيلة المغاربة..القبيلة الوحيدة بالسودان التي تُنسب لأصول أهلها

الرئيسية » علم وحضارة » قبيلة المغاربة..القبيلة الوحيدة بالسودان التي تُنسب لأصول أهلها

 يبدو أن التاريخ سيظل يذكر للمغرب والمغاربة حضورهم القوي في مختلف البلاد الإسلامية، عبر التاريخ، بحيث امتد تواجدهم إلى أقاصي الأرض، في زمن لم تكن به وسائل التنقل غير التي نعيشها اليوم؛ إلا أن ذلك لم يحل دون الإنسان المغربي ورغبته في تبليغ رسالة علم وحب وسلام بعدد من دول المعمور، وهو ما جعل بلدا كالسودان يحتضن تجمعا سكانيا مهما (قبيلة) تحمل اسم المغاربة.

سودانيون يحملون الدم المغربي

سودانيون يحملون الدم المغربي

أن يكون هناك تواجد لبعض الجاليات في بعض الدول فهذا ما لا يدعو إلى كثير من الاستغراب، لكن أن يصبح تواجد جالية معينة في شكل قبيلة بالدولة المضيفة، فهذا ما يدعو، ليس فقط إلى الاستغراب، لكن إلى عديد من الأسئلة التي تجعل مغاربة هاجروا إلى بلاد السودان يستطيعون تأسيس قبيلة خاصة بهم، ويصبحون سودانيين بدم مغربي.  

ويستغرب زوار السودان وخاصة زوار العاصمة الخرطوم من وجود سوادانيين من أصل مغربي، إلا أن أن حالة الاستغراب هذه سرعان ما تتبدد، حينما يعلم الوافد إلى هذه الربوع، أن هناك قبيلة تحمل اسم “قبيلة المغاربة”، لها مكانة مرموقة وصيت ذائع داخل المجتمع السوداني، بفضل الاحترام والتقدير الكبير الذي تحظى به، بالنظر إلى أن الوافدين الأوائل من المغاربة، قدموا إلى هذا البلد بغية نشر الدين الإسلامي وبالخصوص ما يعرف بالإسلام الصوفي.

وفي هذا السياق سبق لكامل عبد الماجد، المستشار في المجلس الوطني السوداني، (وكان محافظا سابقا في عدد من محافظات السودان)، وأحد المنتسبين لقبيلة المغاربة بالسودان، أن صرح لوكالة الأنباء المغربية، بأن “أسلافنا المغاربة أتوا منذ حوالي 500 أو 550 عاما إلى السودان لنشر الإسلام، قادمين من عدة مناطق بالمغرب، خاصة من فاس، ولعل ذلك ما يفسر القول المأثور عند أهل السودان “فاس اللي ما وراها ناس”، اعتقادا منهم بأن فاس لا توجد وراءها يابسة.

وبحسب هذا السوداني ذي الأصول المغربية فإن أغلب هؤلاء الوافدين كانوا من علماء الدين ورجالات التصوف، وعندما دخلوا إلى أرض السودان استقر بعضهم قرب شواطئ النيل الأبيض في منطقة تسمى (حريدانة)، في حين استقر الكثير منهم بمنطقة شرق النيل (تقع مباشرة شرق الخرطوم بحري).

 قبيلة مغربية في قلب السودان !

 يوجد المنتسبون لقبيلة المغاربة بكثرة في شمال منطقة “المناقل”، التي تسمى منطقة غرب الجزيرة، حيث تنتشر القبيلة في 36 قرية. كما يوجد البعض منهم في وادي مدني، ثاني حواضر السودان، ومنتشرون في قرى تقع في منطقة الجزيرة من قبيل قرية (كعويرة)، بالإضافة إلى قرية اسمها “المغاربة”، مما يدل على أنهم كلهم مغاربة، بمعنى أن انتشارها شمل حيزا جغرافيا صغيرا؛ حيث قلما تجد أفرادا من القبيلة وسط أو غرب أو جنوب البلاد، خلافا للقبائل الأخرى المنتشرة بمختلف أرجاء السودان.

أما المعاقل الحقيقية لقبيلة المغاربة بالسودان، فتأتي في مقدمتها قرية “الشيخ الأمين ولد بلة” (حوالي80 كلم شرق الخرطوم)، التي تحمل اسم أحد أحفاد الشيخ سيدي أحمد زروق أبو المغاربة السودانيين، دفين مدينة مصراتة على الحدود الليبيةـالمصرية، فضلا عن قرى أخرى مثل سوبا الشرقية ودار السلام والهلالية (شرق النيل باتجاه الجنوب)، وتبقى قرية (محراز) من بين أكبر هذه المعاقل.

وإذا كان عدد القبائل في السودان يفوق الـ600، فإن قبيلة المغاربة هي الوحيدة على الإطلاق التي تحمل اسم الجهة أو البلاد التي أتت منها، وهو معطى لا تنعم به قبائل أخرى تحمل أسماء عادية كقبيلة الكواهلة والعركيين والرفاعة والشكرية، بحيث تنفرد “قبيلة المغاربة”، بالاحتفاظ باسم الجهة التي قدمت منها.

ورغم أنها من القبائل المتوسطة في السودان، لا يتعدى عدد أفرادها مليون نسمة على أبعد تقدير، كما يقول كامل عبد الماجد، فإن قبيلة المغاربة، التي ظلت منحصرة في مساحة ضيقة، بقيت منفتحة على محيطها المباشر وتفاعلت معه وأنجبت العديد من الرموز الذين أثروا في حياة أهل السودان، بمن فيهم السفراء والوزراء والأساتذة الجامعيون، خاصة أن أبناءها ارتادوا التعليم النظامي من مدارس وجامعات منذ انطلاقه بالسودان.

وإذا كان أبناء قبيلة المغاربة يعتزون بأصولهم المغربية ويفتخرون بها، كما تشير إلى ذلك مصادر سودانية، فإن حَنينهم إلى بلدهم الأصلي يبقى حنينا مستداما، فغالبا ما يتحدثون عن جذورهم في المغرب، وإذا سافر الفرد منهم إلى المغرب فإن أول ما يسأل عنه من قبل أفراد القبيلة فور عودته “هل وجدت أهلا لنا هناك من سلالة أحمد زروق المغربي؟” و”هل سألت عن أجدادك هناك؟”.

ويؤكد السودانيون أن الاستقبال الذي تخصصه هذه القبيلة لأهل المغرب حينما يزورنا السودان يكون حارا، حيث تمتزج فيه حرارة اللقاء بالتكبير والتهليل، ويعم الفرح والحب كلما ذُكر اسم المغرب فتُقام طقوس الكرم والاستقبال وحسن الوفادة من نصب للخيام الضخمة وذبائح وقرع على طبل “النحاس”، الذي لا يستعمل إلا في مناسبات ثلاث؛ أولاها قدوم ضيف عزيز، وثانيتها عودة شيخ القبيلة سالما من مهمة وآخرها وفاة واحد من علية القوم.

ولازال السودانيون والمغاربةن على حد سواء، يتذكرون تلك الكلمة الطيبة النابعة من إنسان هذا البلد الطيب، والمعبرة عما يختلج السرائر من مشاعر محبة وأحاسيس جياشة، عكست في مجملها فرحة الحشود التي توافدت على قرية “الشيخ الأمين”، من كل حدب وصوب، أثناء استقبال الاحتفال بالخرطوم عاصمة للثقافة العربية سنة 2005، حيث أبى زعيم هذه القرية الشيخ الطيب الغزالي (عضو المجلس الوطني السوداني) إلا أن يقيم مأدبة كبيرة على شرف الوفد الثقافي المغربي، حضرها عدد كبير من أفراد القبيلة وأعيانها (أزيد من600 شخص)، بمن فيهم الدكتور غازي صلاح الدين العتابني المستشار لدى رئاسة الجمهورية.

وعكست الكلمات والقصائد التي ألقيت بالمناسبة ترقب أفراد القبيلة الطويل لقدوم المغاربة والفرحة العارمة التي غمرت أفرادها وهم يحتفون بهذا اللقاء، حيث جادت قريحة كامل عبد الماجد بقصيدة مطلعها:

“أتى أهلي فأشرقت الديار وغرد في دواخلنا الفخار؛

بنو عمي وإن شط الزمان وعز الوصل واستعصى المزار؛

بمقدمهم سعدنا في احتفاء عظيم والإخاء له إطار؛

إلى أن يقول:

إلى الملك التحية فاحملوها مليك بالبنان له يشار؛

هو الشمس التي في كل أرض بها عند الدياجي يستنار؛

 وللشعب العزيز عظيم حبي فرغم البعد ليس لنا انشطار؛”

 حديث التاريخ..

 ومن المؤكد أن الروابط والصلات التجارية بين السودان الغربي وبلاد المغرب روابط تجارية تعود إلى أزمنة تاريخية قديمة؛ فقد كانت قوافل قرطاجة تقطع الصحراء لجلب الذهب والعبيد والعاج مقابل المنسوجات والنحاس والأدوات المصنعة. وظل هذا التبادل قائما في العهدين اليوناني والروماني ثم البيزنطي.

وبعد الفتح الإسلامي للمغرب، تولى سكان المغرب تأمين أسواق السودان الكبرى، وعملوا على تنظيم المواصلات مع هذه البلاد على أساس تجاري أولا، ما فتئ يتوطد عبر الفترات التاريخية اللاحقة، حاملا معه مجموعة من التنظيمات الاجتماعية والدينية والحضرية.

ويمكن القول إن العلاقات التجارية كانت تنفث الروح في باقي العلاقات الأخرى من كل نوع، فالعنصر الحاسم الذي أثر في التطور الاجتماعي والحضاري بالسودان يتمثل في العامل التجاري؛ فإليه ينسب كثير من المؤرخين ما عرفته أقاليم السودان من ازدهار حضاري وتطور سياسي واقتصادي، وذلك لما أتاحته القوافل من فرص الاطلاع على العادات والمعطيات الحضارية في حوض البحر المتوسط.

وفي بحثه حول تطور العلاقات بين شعبي المغرب والسودان أو التفاعل الحضاري بين ضفتي الصحراء، كما سماه أحد الباحثين، يقوم هذا الأخير بتسليط الأضواء على الجالية المغربية بالسودان الغربي خلال القرن الرابع عشر الميلادي؛ وسنده الرئيس في هذه المحاولة، كما قال، هو القسم السوداني من رحلة ابن بطوطة “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.

وفي هذا الصدد يتم التذكير بأن ابن بطوطة عاصر ثلاث قوى سياسية رئيسة في القارة الإفريقية؛ هي دولة المرينيين بالمغرب، ودولة المماليك بمصر، ودولة مالي بالسودان الغربي. ومن نافلة القول كذلك أن معلومات ابن بطوطة تعتبر ذات أهمية قصوى لمعرفة المجتمع السوداني؛ فهي تصور لنا مكوناته الاقتصادية والثقافية والذهنية والعقدية تصويرا دقيقا، كما تخبرنا بطريقة غير مباشرة عن أفراد الجالية المغاربية وتنظيمها وعلاقاتها بباقي مكونات المجتمع السوداني؛ فضلا عن دورها في الربط الحضاري بين شمال الصحراء وجنوبها.

ومن الطبيعي أن يكون التواجد المغربي ببلاد السودان الغربي كثيفا، نظرا للعلاقات التجارية والروحية التي ربطت المنطقتين منذ فترة طويلة. فقد انبنت الجالية المغربية ببلاد السودان الغربي إلى جانب الجاليات الأخرى، وخاصة المصرية منها، وأدت أدوارا كبيرة في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والروحي للسودان الغربي كما سنرى.

ويمكن القول إن العناصر الفاعلة في التجارة الصحراوية كانوا إما سكان الحواضر المغربية والسودانية، وإما عناصر رُحل غالبا ما انتهى بهم الأمر إلى الاستقرار في المدن. ويظهر أنه إلى حدود القرن 6 هـ/ 12م، كانت المبادرة بيد التجار المسلمين الذين كانوا يتاجرون مع بلاد السودان. ولم يبدأ السودانيون يترددون على مدن الجنوب الغربي للمغرب إلا عند نهاية القرن 6 هـ/ 12م. عند وصول التجار المغاربة إلى المراكز الحضرية السودانية، كانوا يقومون بكراء المنازل لسكناهم ولتخزين سلعهم طيلة فترة مقامهم هناك؛ وهي إقامة كانت تطول شهورا. ولكن في غالبية الحالات كانوا يقيمون مع زبنائهم أو لدى وكلاء الشركات التي ينتمون إليها.

والجدير بالذكر أن الفنادق المخصصة للجاليات الأجنبية لم تكن معروفة بالسودان الغربي، على عكس بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط حيث انتشرت الفنادق المخصصة للتجار الأجانب في أغلب المدن التجارية، بل إن التجار المغاربة كانوا يسكنون أحياء خاصة بهم، حيث يتوفرون على منازل وحوانيت ومساجد خاصة؛ فابن بطوطة وصل إلى “محلة البيضان” بمدينة مالي، حيث اكترى له محمد ابن الفقيه “دارا إزاء داره”. وفي مدينة كوكو أضافه الفقيه محمد الفيلالي “إمام مسجد البيضان”.

 ابن بطوطة..أبرز السفراء

 إن إقامة المغاربة في أحياء خاصة بهم لا تعني انعزالهم أو ترفعهم عن المجتمع السوداني؛ فقد سجل ابن بطوطة حسن التعايش بين أهل السودان ومن يخالطهم من البيض، ومعظمهم من المغرب وباقي الشمال الإفريقي. ويمكننا التأكيد أن الجاليات المغربية في مدن السودان كانت مهمة من حيث المستوى الاجتماعي، وتمثلت في أسر تجارية أو علمية سكنت في مدن السودان، مؤقتا أو بصفة دائمة. فقد كانت الجالية المغربية تشمل، إلى جانب التجار، فقهاء وقضاة ومدرسين ومقرئين وطلبة وخطباء، وحتى رجال الأدب والشعراء والمهندسين.

ولغير معروف تاريخ إقامة أفراد الجالية المغربية الذين يذكرهم ابن بطوطة؛ إلا أن بعض المؤشرات تؤكد أن عددا منهم لم يكن طارئا على البلاد، وإنما يمثل الجيل الثاني أو الثالث مثل مدرك بن فقوص، الذي على يد جده أسلم جد إمبراطور مالي مانسا موسى حسب رواية ابن بطوطة.

ومن خلال أسماء بعض المغاربة الذين تذكرهم المصادر، نلاحظ أن التجارة الصحراوية كانت تستقطب التجار من جميع أنحاء بلاد المغرب، وخاصة من المدن الكبرى. ويذكر البكري أبا بكر أحمد ابن خلوف الفاسي الذي استقر بغانة. ونعلم أن أخوي المقري (عبد الواحد وعلي) كانا يمثلان شركتهما العائلية “بولاتة”.

ويقول العمري إن أبا عثمان سعيد الدكالي (سكن مدينة بيتي [عاصمة امبراطورية مالي] خمسا وثلاثين سنة). أما ابن بطوطة، فبالإضافة إلى كلامه عن “المغاربة” أوعن “البيضان”، وعن “التجار” بصيغة الجمع، فإنه يذكر أسماء عدد من المثقفين والتجار المغاربة المقيمين في مختلف مدن السودان. إلا أن تلك الأسماء لا تترجم في الواقع إلا جزئيا حقيقة الوجود التجاري المغاربي ببلاد السودان وكثافة هذا الوجود.

ومع ذلك، لابد من أن نلاحظ أن الجاليتين المغربية والمصرية كانتا متساويتين من حيث الأهمية بالعاصمة المالية، حيث كانت “جماعة البيضان” بها خاضعة لقيادة شخصين من كبار القوم؛ الأول مغربي كما تدل على ذلك نسبته لقبيلة جزولة، وهو محمد بن الفقيه الجزولي؛ والآخر مصري هو شمس الدين بن النقوش المصري. إلا أن ابن بطوطة “يربط حديثه عن المصريين باشتغالهم بالتجارة، ولا يذكر اشتغال المغاربة بها إلا في القليل النادر، ويجعل وجودهم هناك مقرونا بالاشتغال بالقضاء والتدريس وكل ما يتصل بالحياة الثقافية”؛ فبجانب التجار المحترفين يظهر أن الفقهاء والقضاة ورجال الأدب الذين أقاموا بالسودان الغربي قد تعاطوا التجارة هم كذلك. ويصعب الجزم بأنهم كانوا يقتصرون في نشاطهم على الوظائف الرسمية. فمهما كانت الرواتب التي تدرها عليهم تلك الوظائف، فإنهم بلا شك كانوا ميالين إلى ممارسة الأعمال التجارية المربحة التي تفسر وحدها عبورهم للصحراء والإقامة في بلاد بعيدة مثل السودان. فقد كانوا وكلاء للشركات الموجودة بالمغرب أو وسطاء بين المغاربة والسودانيين. إن الجمع بين التجارة والعلم هو إحدى خصائص الحضارة الإسلامية في جميع العصور.

ونعلم أنه لم تكن هناك اتفاقيات تجارية أو معاهدات تقنن العلاقات التجارية بين المغرب وممالك السودان، وتحدد واجبات وحقوق التجار المغاربة بالسودان؛ كما هو الحال بين البلدان الإسلامية والبلدان المسيحية. ويظهر أن الإسلام الذي نسج خيوط مختلف الروابط بين ضفتي الصحراء، هو أصل عدم وجود تلك الاتفاقيات. وهذا يفسر كذلك تلك التسهيلات التي منحها ملوك السودان للمغاربة، والتي دفعتهم لتنشيط الحركة التجارية والمساهمة في مداخيل الخزينة السودانية. لذلك نجد السلطة المحلية تعمل على ضمان حمايتهم وتعاقب جميع المضرين بمصالحهم أو بأمنهم، وتسهل حرية تنقلاتهم.

ويؤكد ابن بطوطة أن إمبراطور مالي المانسي موسى “كان يحب البيضان، ويحسن إليهم، وهو الذي أعطى لأبي اسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال[…]، وأعطى لمدرك بن فقوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد”. وقد استمرت هذه السياسة سارية المفعول خلال القرنين التاليين حسب شهادة الحسن الوزان. كذلك تقرب أغنياء الجالية المغربية من أغنياء الأرستوقراطية السودانية ومن الدوائر الحاكمة عن طريق الزواج والارتباطات العائلية.

إن كبير “جماعة البيضان” محمد ابن الفقيه الجزولي “كان متزوجا ببنت عم السلطان”. ونجد لاحقا أن ملك تمبوكتو “زوج اثنتين من بناته من أخوين تاجرين لغناهما. وقد عمل بعض أفراد الجالية المغربية مستشارين في دواليب الإدارة السودانية المحلية وفي دائرة السلاطين السودانيين. فالقاضي والخطيب ابن الفقيه هم من أعلم المانسي سليمان بقدوم ابن بطوطة لمالي. كما قاموا بمهمة التحكيم بين الزعامات السودانية المتصارعة؛ “وفي أيام إقامتي به [تكادا]، توجه القاضي أبو إبراهيم، والخطيب محمد، والمدرس أبو حفص، والشيخ سعيد بن علي إلى سلطان تكادا وكان قد وقعت بينه وبين التكركري، وهو من سلاطين البربر أيضا منازعة فذهبوا إلى الإصلاح بينهما”.

وبذلك يمكن القول إن دولة مالي كانت قد دخلت مرحلة جديدة في نموها عندما طور البلاط علاقاتها بالتجار والفقهاء المسلمين. وإذا كان ابن بطوطة في سياحته ببلاد السودان قد صدمته بعض العادات وأنف من بعض الأكلات السودانية في بعض المدن، فإن ذلك لم يكن حالة التجار الذين كانوا متعودين الحياة في هذه المناطق. ويظهر أن عدم تشدد السودانيين وانفتاح قيمهم ومبادئ الديانة الجديدة التي تبنوها قد ساهمت بلاشك في إدماج المغاربة في المجتمع السوداني، حيث تعايشت مبادئ الإسلام مع بقايا الديانة الأنيمية المحلية.

والواقع أنه كانت هناك علاقات وصداقات بين السكان المحليين والتجار المغاربة، حيث تزوج البعض حسب الشريعة الإسلامية؛ بينما اتخذ البعض الآخر ـ الذي كان كثير التنقل بين المغرب وبلاد السودانـ جواري له.

ولقد تعلم المغاربة اللسان السوداني؛ فيذكر الحسن الوزان أنه مع انتشار الإسلام بالسودان “بدأ تجار بلاد البربر حينئذ يذهبون إلى هذه البلاد ليتاجروا فيها حتى تعلموا لغاتهم”. و”رجل من البيضان” هو الذي شرح (أو ترجم) لابن بطوطة فحوى بعض المحادثات التي جرت في البلاط السوداني.

 أزمة..عابرة

 إن الامتيازات التي كان يحصل عليها المغاربة لم تمنع ملوك السودان، في ظروف لا يذكرها المؤرخون، من اعتقال التجار المغاربة ومنع نشاطهم؛ مثلا، عند نهاية القرن 12م عرفت العلاقات المغربيةـالسودانية أزمة، من مظاهرها رفض الخليفة المنصور الموحدي “هدية من بلاد السودان” عبارة عن فيل.

ولا تعرف أسباب تلك الأزمة، وهناك من يرجح أنها مرتبطة بما كان يتعرض له المغاربة من مضايقات من طرف حكام السودان. فعلى إثر اعتقال ملك السودان بعض التجار المغاربة وسجنهم، وجه الأمير أبو الربيع سليمان والي سجلماسة وأقاليمها مذكرة احتجاج شديدة اللهجة إلى ملك غانة يستنكر فيها العراقيل التي توضع في وجه صغار التجار المغاربة و”تعويقهم”، مذكرا إياه بأن اختلاف الاعتقاد الديني بين الجانبين لا يمنع من حسن الجوار ومن حسن التعايش؛ “نحن نتجاور بالإحسان وإن تخالفنا في الأديان”، وأنه يمكن معاملة التجار السودانيين الموجودين بالمغرب بالمثل” ! “لو شئنا، لاحتبسنا من في جهتنا من أهل تلك الناحية لكنا لا نستصوب فعله، ولا ينبغي لنا أن ننهى عن خلق ونأتي مثله”.

نورالدين اليزيد – عن “الشرق الأوسط”

شارك:

التعليق “قبيلة المغاربة..القبيلة الوحيدة بالسودان التي تُنسب لأصول أهلها

  1. |عبدالكريم محمداحمد

    شكرا لمقدم هذه النبذه عن قبيله المغاربه هي فعلا قبيله عريقه اتت من اجل نشر الدين وليس من اجل مصلحه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *