في ذكرى العلّامة محمد المنوني رائد البحث المصدري

الرئيسية » تربية وتكوين » في ذكرى العلّامة محمد المنوني رائد البحث المصدري
  • ازداد في مدينة مكناس سنة 1915
  • توفي بمدينة الرباط في سنة 1999
  • بدأ العلم منذ الرابعة من عمره
  • من مؤلفاته القيمة؛ “فهرسة المخطوطات”، و”الوراقة المغربية”، و”التعريف بالأعلام”، و”المصادر العربية لتاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث”

 تحل بعد أسابيع قليلة، وتحديدا في العاشر من نونبر المقبل الذكرى الثالثة عشرة لرحيل العلامة والمؤرخ والخبير في المخطوطات والوثائق، ورائد البحث المصدري في المغرب، المرحوم محمد بن عبد الهادي المنوني.

ويعد العلامة محمد بن عبد الهادي المنوني، المزداد بمدينة مكناس سنة 1915م والمتوفى بمدينة الرباط سنة 1999م، بإجماع الباحثين والدارسين، ذاكرة للمغرب ورمزا من رموز الخبرة التراثية في البلاد العربية.

وقد ابتدأت المسيرة العلمية للعلامة المنوني في سن الرابعة حيث حفظ القرآن وتعلم الكتابة بـ(المسيد)، وحَفظ بعض المتون في الفقه والحديث، ثم تفرغ بمكناس للتفقه في مختلف العلوم، خاصة الفقه، إذ درس أهم المصنفات الفقهية المغربية، ليلتحق بعد ذلك بجامع القرويين حيث اطلع على خزانة القرويين التي كانت منهله المعرفي الأول إلى أن تكونت لديه حصيلة علمية مهمة في مختلف فروع المعرفة، وبعد حصوله على شهادة العالمية توجه للتدريس.

وبحسب كثير من المتتبعين والمختصين ومنهم الباحث حسن جلاب فقد تميز الراحل محمد المنوني بمميزات وخصال حميدة قل نظيرها يمكن إجمالها في؛ أولا ثقافته العامة التي لم تكن مركزة على الفقه أو الدراسات الإسلامية وحدها، وإنما شملت التاريخ والأدب والفكر، وهي أمور كان لها أثرها في تعامله مع كافة أنواع الكتب المخطوطة والمطبوعة وتصنيفها وفهم مضامينها وسبر أغوارها. ثانيا ميزة علمه الكبير بالأعلام ومؤلفاتهم والأسر العلمية وبرامج العلماء وفهارسهم؛ وقد جاء ذلك بفضل تجربته الكبيرة في تصنيف المكتبات ووضع جذاذاتها، وعمل فهارسها ولوائحها منها على الخصوص: “الخزانة العامة بالرباط” و”الخزانة الحسنية” بالرباط كذلك ومثيلاتهما. كم يمكن ذكر جولاته في مكتبات جهوية وإقليمية في الفترة التي اشتغل فيها بقسم المخطوطات، وجرد التراث “بوزارة الشؤون الثقافية”، حيث كان إنتاجه مهما أثناء ذلك، إذ أخرج لوائح مخطوطات عدد من الخزانات بمراكش وفاس ومكناس وتنغملت وتمكروت والزاوية العياشية وتازة وغيرها . كما اشتغل المرحوم ضمن لجنة جائزة الحسن الثاني للمخطوطات والوثائق التي أنشئت منذ سنة 1969، وتتابع العمل فيها ومكنت من تصوير عدد مهم من الكتب النفيسة، استفاد منها الباحثون. وأفاد المرحوم محمد المنوني الباحثين كذلك بخزانته الخاصة التي هي في نفس الوقت خزانة أجداده العلماء، وكانت تحوي الكثير من الكتب النادرة والنفيسة، فلا تكاد توجد مقدمة رسالة أو أطروحة لم يذكر صاحبها ما استفاد من هذه المكتبة ومن صاحبها.

وأفاد المرحوم المؤرخين والباحثين بمؤلفاته الشخصية التي كتبها، خاصة في “فهرسة المخطوطات” والتعريف بها، وفي “مصادر التاريخ المغربي” ، و “الوراقة المغربية” و”التعريف بالأعلام” ، و”المؤلفات الدفينة”، وإخراج النصوص الأدبية الموحدية والمرينية، والوثائق الحديثة التي تجمع أصالة المغرب وسبقه في نفس الوقت إلى الأخذ بمظاهر النهضة الحديثة. وتؤطر هذا كله خصال حميدة وراسخة وهبها الله للمرحوم، بالإضافة إلى ذاكرة قوية تستوعب أسماء الرجال وعناوين مؤلفاتهم ومضامين الكتب وتواريخ الأحداث، مما يجعله ينتقل من موضوع إلى آخر، ومن عصر إلى آخر، ومن كتب إلى أخرى بكثير من اليسر والسهولة، علاوة على عطفه الكبير على الطلبة والباحثين وإظهار العناية بهم والاستماع إليهم وتلبية طلباتهم والخروج إليهم في كل الظروف والأحوال في تواضع عز نظيره، وفي نكران ذات لا يعطيه الله إلا للمخلصين المتقين من عباده.

ريادته للبحث المصدري..

 يتميز الأستاذ محمد المنوني بمنهج خاص به في البحث، يتمثل في الكشف عن المصادر الدفينة لتاريخ المغرب والمخطوطات النفيسة المتصلة بحضارته، والتعريف بمصادر تاريخه وكتابة تراجم الأعلام المغاربة في مختلف العلوم والمعارف. وإطلالة سريعة على آثار الأستاذ المنوني تؤكد ذلك؛ فأما المؤلفات التي تعد من روائع البحث المصدري فنذكر منها:

  • “العلوم والآداب على عهد الموحدين”: طبع بتطوان سنة 1950م، وطبعت نشرة ثانية بالأوفسيط سنة 1977م. وهو من المؤلفات الأولى التي تناولت عهد الموحدين بالدراسة، وأظهرت ازدهار الحركة العلمية على عهدهم في الآداب والعلوم والفنون. قدم فيها الكثير من الجديد عن هذه الدولة، وكان مرجعها لكل الذين تناولوا الحديث عنها فيما بعد.
  • “مظاهر يقظة المغرب الحديث”: مطبعة الأمنية بالرباط 1973م، وطبعة ثانية 1985 م بيروت.
  • أبرز فيه بالحجة والدليل الشواهد التي تؤكد تطور المغرب وما حدث فيه من إصلاحات على مستوى التعليم والإدارة والجيش والفنون… وهو من أهم مؤلفاته.
  • “ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين”: من مطبوعات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط مرتين سنة 1979م و 1996م. تحدث فيه عن ازدهار الحضارة المغربية على عهد المرينيين في كافة مجالات الحياة السياسية والعلمية والثقافية.
  • “تاريخ الوراقة المغربية”: منشورات كلية الآداب بالرباط سنة 1991م، تناول فيه مساهمة المغرب في حضارة صنع الكتاب العربي والإسلامي انطلاقا من “العصر الإدريسي” إلى “العصر العلوي”، عرف فيه بحوالي 600 شخصية مهمة بالكتاب من وراقين ونساخين وموثقين وغيرهم.
  • “المصادر العربية لتاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث”: في جزء منشورات كلية الآداب بالرباط 1983م و 1989م. تناول فيه بالوصف والتحليل 1613 مصدرا، مبينا مضمونها ونسخها إن كانت مخطوطة، ومكان وجودها، وطبعتها إن كانت مطبوعة.. وهو مؤلف نفيس بين عمق ثقافة المرحوم المصدرية ومعرفته بنفائس المخطوطات المغربية ودخائر المكتبات العامة والخاصة. وقد ذيله بملحق مهم عرض فيه 189 دليلا من أدلة المخطوطات ومراكزها وعدد لوائحها مما لا غنى عنه للباحث في التراث المغربي عموما، كما تحدث في هذا الملحق عن قواعد تحقيق النصوص وبعض المكملات الضرورية للباحث كصيغ الاختصار وحساب الجمل، وأرقام القلم الفاسي، ومقارنة بين الأرقام العربية والغبارية الهندية الرومانية، ولمحة عن تاريخ الخط العربي في الغرب الإسلامي إلى آخر القرن 19م.

هذا بالإضافة إلى مقالات مهمة فيما يسمى بالبحث المصدري صدرت للمرحوم محمد المنوني في منابر مختلفة، ومن أبرز هذه المقالات:

  • “معرض المخطوطات العربية بمكناس” (مجلة تطوان: العدد الثالث والرابع “مزدوج”، ينة 1958 م – 1959 م، ص : 97- 108).
  • “المخطوطات التونسية بالمغرب”، “مجلة المغرب” التي تصدر عن وزارة الممثل الشخصي: العددان 6 و7 “مزدوج ” دجنبر 1965 م.
  • “ترجمة مغربية لفهرس الإسكوريال”، “مجلة البحث العلمي”: العدد السادس، السنة الثانية ص : 16- 23، 1385 م- 1965م.
  • “معطيات جائزة الحسن الثاني للمخطوطات والوثائق عبر سبع سنوات”، “مجلة دعوة الحق” : العدد الرابع، السنة 17 ص: 117- 121.
  • “المصادر الدفينة في تاريخ المغرب” مجلة “البحث العلمي”، السنة الثالثة العدد الثامن 1386 م/ 1966م، ص : 117- 135.
  • “مجموعات المصادر التاريخية”، “مجلة البحث العلمي” السنة العاشرة العدد 20- 21 مزدوج ، ص: 83- 95.
  • “الكناشات المغربية” ، مجلة “المناهل” : العدد الثاني، صفر – مارس 1395 /1975، ص : 196- 232. وغيرها من الوثائق المهمة التي أثرت الخزانة بما يخدم الباحث والطالب والمختص.

نماذج من نفائس المرحوم

 لا شك أن أغلب الباحثين المتخصصين في الدراسات المغربية يعرفون دلالة ( خزانة ابن غازي) بالرباط أي خزانة العلامة محمد المنوني وأجداده وما تحويه من نفائس المخطوطات والوثائق وفرائد المطبوعات، من كتب ومجلات شرقية ومغربية، لأن صاحبها رحمه الله اتصف بالكرم والسخاء في هذا المجال إذ لم يخيب ظن طالب علم، ولم يكن يرد بحثا اتسم فيه علامات الجد والرغبة في البحث. ومن أهم ذخائر المكتبة:

– كتاب درر الحجال في مناقب سبعة رجال: “درر الحجال” من أهم مؤلفات الإفراني في المناقب، قصد به التعريف بسبعة رجال مراكش. وأول ما يثيره الكتاب اختلاف المؤرخين في ضبط عنوانه. وهذا راجع إلى أن النسخة الوحيدة التي وصلتنا لا تتوفر على أول الكتاب وآخره، ولم يرد العنوان في المتن الذي بين أيدينا إلا جزئيا.

أما النسخ المذكورة في كتب التاريخ والتراجم فمنها:

– نسخة “الخزانة الأحمدية”: ذكرها “عبد السلام بنسودة” في كتابه: ذيل مؤرخ المغرب الأقصى عندما عرف بالكتاب قال: (درة الحجال في مناقب سبعة رجال أو زبدة الأوطاب في مناقب الأقطاب)، افتتحه

بقوله: الحمد لله الذي أعطى أولياء التصرف في الكون إلخ… تكلم فيها على رجال مراكش المار ذكرهم، يوجد طرف من أولها بخزانتنا الأحمدية، ذكر صاحب الأعلام ج : 1، ص : أنه وقف على المقدمة في مبيضة مؤلفها بخط يده، وحدث أنه لم يكمل.

– نسخة “المؤرخ العباس بن إبراهيم” صاحب كتاب الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، قال فيه : (هذا التأليف لم يكمل، وقفت عليه بخطه، ومن فوائده فيه التصريح بأن الإمام فقيه العصر “أبا علي المعداني” شيخه، وحلاه بهذا الحلي، وبأن الفقيه الصالح “سيدي العربي بن أبي القاسم الإفراني” بلديه وشيخه، وبأن الإمام أبا عبد الله المسناوي شيخه.

وهذا الكتاب له مقدمة فيها ثلاثة وثلاثون فصلا، والمقصد فيه أسماط سبعة، ثم منها السمط الأول في ترجمة سيدي يوسف بن علي، ووصل للسمط الثاني في ترجمة سيدي عياض، ولم يتمه (رحمه الله).

وتبعا لما صرح به العباس، فهذه النسخة مهمة لأنها بخط المؤلف، ولأنها تتضمن جديدا، وهو تحديده لبعض شيوخه الذين أخذ عنهم لم يسبق أن ذكرهم غيره.

هذه نماذج من نفائس المخطوطات المتواجدة بخزانة ابن غازي لمالكها المرحوم محمد المنوني، وأغلبها يتصل بشخصية العالم اللغوي الأديب الصوفي أبي عبد الله المرابط الدلائي. كما أن هناك الكثير من المخطوطات النفيسة في التصوف المغربي لا يتسع المجال لذكرها، لكن نذكر منها؛

  • الأنوار القدسية في الصلاة على خير البرية لعُمر ابن الحسن الكتاني.
  • عدد كبير من كتب التصلية، وقصائد في مدح محمد (ص) خير البرية.
  • والمواهب القدسية في أسانيد بعض المشايخ الصوفية “لمحمد بن العباس السوسي الجزولي”. وغيرها كثير.

لقد شملت جهود العلامة المنوني مجالات متنوعة منها المخطوطات التراثية (تصنيفها وفهرستها)، وإعادة كتابة التاريخ المغربي كما شارك طيلة مسيرته العلمية في العديد من المؤتمرات الثقافية الإسلامية، وساهم في أعمال لجنة إصلاح التعليم بالمغرب سنة 1957، وجمعية المحافظة على الأبنية الأثرية بمكناس عام 1961م، وانضم سنة 1961 إلى اتحاد كتاب المغرب.

نورالدين اليزيد عن “دعوة الحق” بتصرف

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *