عالم الغد يُلهم علماء المستقبل

الرئيسية » تربية وتكوين » عالم الغد يُلهم علماء المستقبل

عالم الغد يُلهم علماء المستقبل

جاء هذا التقرير الذي صدر عن اتحاد الصناعات البريطانية (Confederation of British Industries CBI)، وجامعة برونيل في لندن (Brunel University London)، حول وضع عملية تعليم المواد العلمية في المراحل الأساسية، ليسلط الضوء على قضية قابلية نمو الطلبة ونجاحهم في مراحل الدراسة الأساسية، التي تعتمد على المهارات والمعرفة الأساسية للقطاعات الصناعية ذات القيم المرتفعة، من خلال توفير المهارات في مجال العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، لأعداد قليلة من الطلبة الذين يستمرون في الدراسة والعمل في هذه المجالات.

وركز التقرير على قضية فقدان العديد من الطلبة للاهتمام بدراسة المواد العلمية عند وصولهم لمرحلة الدراسة الثانوية؛ لعدم توفر مسارات لتقديم المهارات العلمية اللازمة للطلبة في المراحل الأساسية. وأكد ضرورة تضافر جهود الحكومة والجامعات وقطاع الأعمال والمدارس؛ لتحفيز اهتمام الطلبة بالمواد العلمية في مراحل الدراسة المبكرة، ولضمان توفر المهارات والمعرفة المناسبة لخريجي الجامعات والمهنيين في المملكة المتحدة، ولدعم نمو القطاعات ذات القيمة المرتفعة كونها المحدد الرئيس لقدرات المملكة المتحدة المستقبلية للتنافس والنجاح على المستوى العالمي. ويعتمد ذلك على كيفية الاستخدام الأفضل للتقنية الجديدة، ويعني ذلك الحاجة إلى تأسيس الشباب بشكل جيد في العلوم بوجود فهم أفضل للمادة العلمية والقدرة على التعلم، ويجب أن يتم ذلك من خلال توفير مسارات علمية لتجنب نقص الطلبة المهتمين بالمواد العلمية، الذي يؤدي إلى تثبيط الاقتصاد البريطاني، على الرغم من الحقيقة التي تبين أن المواد العلمية توفر مسارات مهنية لوظائف ذات رواتب وأجور جيدة، إذ إن تحول الطلبة عن دراسة المواد والتخصصات العلمية بعد سنِّ الحادية عشرة، ووجود نقص في المهارات في مجال المواد العلمية (STEM)، يشكل مخاوف حقيقية لقطاع الأعمال في المملكة المتحدة بوجود عدد قليل فقط من الشباب، الذين يتجهون نحو المواد والتخصصات العلمية. وشدد التقرير على مواد العلوم للمساعدة في تحديد القضايا الأساسية وحلها، بينما ركز الاستبيان على المتعلقة بالمعلمين، حيث تُشكل المدارس الركيزة المهمة لضمان استمرارية الطلاب، من خلال إيجاد جو من عملية تعليمية ذات جودة عالية في المواد العلمية، التي تواجه مجموعة من التحديات مثل إيجاد وقت كافٍ للمناهج الدراسية، ومستوى الأولوية المحدد للمواد العلمية، والثقة الشخصية لمعلمي العلوم العامة في المدارس الأساسية لتعليم العلوم، وكذلك النقص النسبي للتنمية المهنية في المادة العلمية. وقد بين التقرير أهمية تعليم العلوم في مدارس المرحلة الأساسية، وأن التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة في العديد من الحالات هي تحديات ليست بجديدة ولكن أهميتها تتزايد مع الوقت، وهو ما قد يؤدي إلى مخاوف أكبر، عندما يؤكد المعلمون أن مواد العلوم أصبحت الجزء الأقل أهمية في المناهج الدراسية في العديد من مناطق المملكة المتحدة. كما أظهرت نتائج الاستبيان أن نصف المعلمين في إنجلترا أفادوا بأن مادة العلوم أصبحت الأقل أهمية في المناهج الدراسية؛ نتيجة قيام العديد من المدارس بتحديد وقت قليل جدًّا لتدريسها، وكذلك برزت الحاجة إلى أهمية تحفيز ورفع حماس الطلبة تجاه المواد العلمية، التي يجب أن تكون ذات أهمية قصوى في المناهج الدراسية، وأن العامل الأساس في ذلك ضمان أن المعلمين يمتلكون الثقة بأنفسهم، التي يحتاجون إليها لتقديم مواد العلوم وتدريسها، وعلى هذا يجب التدخل بشكل سريع من دون الرجوع إلى آليات مثل الامتحانات، لوضع هدف محدد للمدارس البريطانية لتكون الأفضل في أوروبا، بل من أفضل خمس دول في العالم عام 2020م في مواد العلوم خصوصًا. كما يجب تطوير إستراتيجية تدريس للعلوم، تشمل كافة المستويات التعليمية من التعليم الأساسي والثانوي حتى التعليم العالي، وأن تعمل مدارس المرحلة الأساسية على ضمان التنمية المهنية في العلوم، ذات معايير الجودة العالية وأن يتم العمل بها بشكل منتظم، وكذلك يجب أن تمتلك مدارس المرحلة الأساسية موضوعًا رائدًا في العلوم؛ لدفع التركيز المستمر على الموضوع نفسه.

وقد يقوم قطاع الأعمال والجامعات بتوفير المزيد من الدعم للمدارس، التي تتم مكافأتها على بناء قنوات الاتصال مع قطاع الأعمال والجامعات، حيث إن أهمية دعم تدريس مواد العلوم في كافة مدارس المملكة المتحدة لا يقتصر على المدارس وحدها فقط، وأن دعم كل من قطاع الصناعة والتعليم العالي للمدارس لا يقل أهمية عن ذلك في حل المشكلة، وعلى الرغم من وجود مجالات واسعة النطاق لأفضل الممارسات، التي يتم تحفيزها من قبل قطاع الأعمال والجامعات والمدارس نفسها، إلا أن قنوات الاتصال لدعم العلوم ما زالت نادرة الوجود أو أثرها غير كاف، وهذا الأمر مخيب للآمال كون التغذية الراجعة من هذه الجهات عادة ما تكون إيجابية. وقد تمثل بعض قنوات الاتصال حلاً للقضايا حول ثقة أعضاء الهيئة التدريسية والتنمية المهنية وكذلك إلهام الطلبة؛ لذلك شجع التقرير على انخراط كل من المدارس والجامعات وقطاع الأعمال في قنوات الاتصال هذه بشكل أكبر، وأوصى بوضع أطر عمل جديدة لتفتيش مكتب معايير التعليم وخدمات الأطفال ومهاراتهم (Office for Standards in Education, Children’s Services and Skills OFSTED)؛ لمكافأة المدارس المشاركة في المجتمع بالمواضيع الأساسية بشكل فاعل وواسع النطاق، مثل العلوم وخاصة مع الجامعات وقطاع الأعمال. كما يجب أن يعمل كل من الجامعات وقطاع الأعمال على مواجهة التحديات، من خلال الاهتمام بشكل واضح بالتوعية في المدارس، نظرًا لوجود حاجة ملحة من قبل المعلمين وقطاع الأعمال والجامعات، إلى رفع مستوى المشاركة بدعم مدارس المرحلة الأساسية في ذلك، وكذلك ينبغي وضع إمكانيات المعلمين لقضاء بعض الوقت في الجامعات والشركات؛ لتطوير فهمهم للنظرية والتطبيق في العلوم التي يتم تطويرها وتحفيزها للمدارس والمهنيين، وذلك كجزء من عملية التنمية المهنية المستدامة (Continuous Professional Development CPD).

وقد أورد التقرير حالات تمت دراستها حول دعم قطاع الصناعة والأعمال لتعلم مواد العلوم، في مدارس المرحلة الأساسية في الممكلة المتحدة، مثل شركة سيمينز (SIEMENS)، التي تعدُّ من الشركات الهندسية العملاقة على مستوى العالم، والتي تعمل على توظيف نحو 14 ألف موظف في كوادرها في المملكة المتحدة، وقد التزمت الشركة بالمساعدة في إثراء عملية تعليم المواد والتخصصات العلمية (STEM) وتطويرها وتعليمها في مدارس المملكة المتحدة، وتم ذلك عن طريق موقع الشركة التعليمي على شبكة المعلومات الذي يقدم المواد التعليمية الفريدة والمجانية، التي تساعد على إعادة إحياء المواد العلمية (STEM) في المرحلة الأساسية الثانية وما بعدها، ويتضمن ذلك نماذج المنهاج الدراسية المترابطة بين خطط العمل والدروس والتعلم التفاعلي بالألعاب والمهام والتحديات. كما عملت الشركة على تطوير أدوات تعلم تفاعلية لمساعدة الطلبة في المرحلة الأساسية الثانية؛ لفهم كيفية مساعدة التقنية لأخصائيي القطاع الطبي في الكشف عن الأمراض وإنقاذ الأرواح، ومساعدة الطلبة في معرفة وفهم المزيد عن جسم الإنسان.

والحالة الثانية التي قدمها التقرير شركة بي إيه إي للأنظمة (BAE Systems)، التي أطلقت مشروع المدارس الترويجية (The BAE Systems Schools Roadshow)، والتي تستخدم المسرح في عملية التعليم لجذب الطلبة الشباب للمواد العلمية (STEM)، حيث تعمل الشركة على جعلها تجربة لا تنسى وفاعلة أكثر من المواد التعليمية التقليدية، إذ تم تصميم المشروع لتحفيز مواضيع العلوم (STEM) في المدارس وتشجيع المزيد من الطلبة الشباب؛ للاستمرار بدراستها في مستويات الدراسة المتقدمة، ومن ثم الحصول على النمو الممكن والمتاح للوظائف في مجالات الهندسة والتصنيع. وركز المشروع عام 2014 و2015م، على المناهج الدراسية لمادة الفيزياء وإعادتها للحياة مع التجارب العملية الحية، ويؤكد مشروع المدارس الترويجية هذا على السنوات السادسة والسابعة، التي تعدُّ المرحلة الانتقالية بين مرحلة الدراسة الأساسية ومرحلة الدراسة الثانوية، والتي يفقد فيها العديد من الطلبة اهتمامهم بالمواد العلمية، وأهم شخصية في المشروع هي الفتاة التي تعزز رسالة المواد العلمية والوظائف، والقصة التي تُقدم لكل من الذكور والإناث على حد سواء. وتعمل الشركة بالشراكة مع سلاح الجو الملكية على تقديم الترويج في سبيل توسيع نطاق المشروع، لتغطية المزيد من مناطق المملكة المتحدة التي تضم العديد من المدارس، وخصوصًا تلك التي تحتوي على أعداد ضخمة من الطلبة متعددي الجنسيات والأعراق. وتوقع التقرير أن يشمل المشروع نحو 65 ألف طالب عام 2015م، وبيّن أن التغذية الراجعة من المعلمين تفيد بأن المشروع له الأثر الفاعل في تعزيز الرسالة حول أهمية مواد العلوم، وكانت تجربة ممتعة بالنسبة لهم من خلال التعامل مع الأطفال والنجاح في مشاركة الإناث في ذلك.

أما الحالة الثالثة التي استعرضها التقرير مشروع جامعة برونيل في لندن، المتمثل بمختبر التوعية حول مواد العلوم (STEM Outreach Lab-Brunel University London)، والذي مُنح خمسة ملايين جنيه إسترليني كمنحة من مجلس تمويل التعليم العالي في إنجلترا (Higher Education Funding Council for England HEFCE)؛ لبذل المزيد من الجهد في عملية إعادة التوازن وتقليل الفجوة بين الذكور والإناث في وظائف المجالات العلمية (STEM)، وتشجيع الشباب لاختيار تخصصات علمية في الجامعات. ويركز المشروع على توسيع مسارات المواضيع العلمية في الصناعات، وكذلك تجديد المرافق ورفع مستوى نمو التعامل مع برامجه، وسوف يتم افتتاح المشروع في شهر سبتمبر عام 2015م، ليعود بالفائدة على 30 ألف طالب في السنة داخل المدينة الجامعية وخارجها، لتسخير حماس الطلبة الشباب والعمل على توليد الاهتمام الذي يحتاجونه. وتطمح إستراتيجية جامعة برونيل بتوظيف جيش صغير من طلبة الجامعة في التخصصات العلمية، كسفراء مدفوعي الأجر لتعليم بعض الأنشطة، مثل اللحام بالشوكولاتة وسباق الرجال الآليين وتمثيل العلوم والتحدث عن وظائف التخصصات العلمية داخل المدينة الجامعية، وفي مدارس الطلبة الذين تتراوح أعمارهم من 11 إلى 14 سنة. وقد لقي المشروع الدعم القوي من قطاع الأعمال، حيث يضم مختبرات لشركات هندسية عملاقة مثل مختبر الابتكار لشركة فوجيتسو (Fujitsu Innovation Hub)، وهذا النوع من منهجيات التعاون والتنسيق سوف يكون المفتاح لتعويض النقص في المهارات، التي تواجهها المملكة المتحدة على المدى القصير والطويل، من خلال توسيع نطاق فرص المشاركة في المواضيع والتخصصات العلمية في مراحل التعليم كافة.

وأما الحالة الرابعة التي قدمها التقرير تمثلت بمنح الجمعية الملكية للشراكات، التي تعمل في المجالات العلمية بالتعاون والتشارك مع العلماء والمهندسين المحترفين، حيث تقوم الجمعية بتقديمها لمدارس المرحلة الأساسية والثانوية. كما تقدم التمويل للمعدات المتخصصة والزيارات التي يقوم بها المحترفون للحصص الدراسية، وكذلك توليد الحماس بين الطلبة تجاه مواد العلوم، وهذا النوع من العمل يوفر مصدرًا مهمًّا للتنمية المهنية للمعلمين، حيث تواكب المدارس التطور العلمي من خلال السماح لها بالعمل جنبًا إلى جنب مع العلماء والمهندسين بشكل أفضل، وكذلك رفع مستوى الوعي حول كيفية ربط تعليم المواد العلمية مع أمثلة من الواقع، ويساعد بناء مثل هذه العلاقات بين قطاع الأعمال والجامعات، في رفع مستوى الإلهام للطلبة حول إمكانيات العلوم، وذلك في أثناء تقدم الطلبة في تعليمهم.

وقد أشار التقرير إلى أنه يمكن التعلم من المناهج الدراسية للمواد الأخرى التي تتيح التعلم منها، وتطبيقها في مناهج المواد العلمية مثل الرياضيات والحاسوب التي تواجه تحدياتها الخاصة بها، ونوَّه إلى وجود الكثير من الدعم من قبل الجامعات وقطاع الأعمال لتعليم التخصصات العلمية (STEM)، كونهما يدركان بوضوح حول المواهب وملتزمان بالمساعدة في حل هذه بشكل مبكر، ولكن يجب توفير المزيد من الدعم لمدارس المرحلة الأساسية، وبذل جهد أكبر لرفع مستوى المراجعة الموجودة حاليًّا في عملية دعم المدارس وإرشاد الطلبة. وقد أوصى التقرير بتقييم نجاح نماذج مدارس المرحلة الأساسية الحالية في بحثها عن دروس في مواد العلوم. كما أن شركة المهن والمشاريع للمدارس (Careers and Enterprise Company for Schools) التي أطلقتها الحكومة البريطانية يجب أن تشمل مدارس المرحلة الأساسية في مخططاتها، مع التزام الحكومة القادمة بتمويل الشركة في الفترة البرلمانية القادمة.

وقد أورد التقرير الحالة الخامسة التي تمثلت بمشروع تحدي رياضيات الحركة في المدارس، الذي تقوم به شركة جاكوار (Jaguar Maths in Motion Challenge for Schools)، وهو أضخم مشروع رياضيات في المملكة المتحدة وشارك به أكثر من مليون طالب شاب، خلال العقد الماضي من كافة المراحل الأساسية والثانوية، حيث يعمل التحدي على تحفيز كل من الطلبة والمعلمين ودفعهم ومساعدتهم بتوظيف الرياضيات في سياق الواقع، وربطها مع المناهج الدراسية في نطاق واسع من المهارات الأساسية في الرياضيات بما فيها التطبيقية منها، ويتم ذلك عن طريق استخدام برمجية التجربة والفحص التي تحاكي تصميم سيارة سباق، حيث تقوم فرق من الطلبة بإنجاز مهام معينة في العلوم لإنتاج سيارة سباق افتراضية تشارك في سباق تنافسي، والفرق الفائزة تشارك فيما بعد مع مدارس أخرى للوصول إلى النهائي الوطني.

وأخيرًا قدم التقرير الحالة السادسة التي تمثلت بمبادرة جامعة برونيل في لندن لتحسين تعلم الرياضيات من خلال النقاش، الذي يهدف إلى تطوير المعرفة اللازمة للتخصص والخبرة التربوية لمعلمي المرحلة الأساسية الأولى، الذين يعملون في أكثر من 30 مدرسة في ضواحي لندن مثل ضاحية واندسوورث (Wandsworth)، وضاحية ميرتون (Merton)، ولتحقيق هذه الأهداف يتم تقديم التنمية المهنية، من خلال معايير تفاعلية مع جلسات متخصصة بالمعرفة اللازمة للمادة، تساعد هذه الجلسات على التفكير بعمق حول مبادئ الرياضيات والجلسات التربوية، التي تركز على استخدام اللغة في الرياضيات في سبيل تحسين التفكير الرياضي للأطفال، حيث تركز هذه الحالة بشكل أساس على تشجيع التكلم والنقاش الرياضي في الحصص الصفية. كما يتم تزويد المعلمين بأدوات تساعد في إيجاد جودة عالية للتفاعل داخل الحصص الصفية خلال جلسات التنمية المهنية، وتكون مبنية على الأبحاث ومصادر تعلم رئيسة لمساعدة تحفيز مثل هذه الأنشطة والانخراط الفاعل للأطفال فيها. وقد بين التقرير أن هناك مستوى عاليًّا من الحماس والمشاركة الفاعلة بين صفوف المعلمين، وحضورًا جيدًا لجلسات التنمية المهنية المستدامة، كما هناك تقدير من المعلمين لمثل هذه الفرص.

مجلة الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *