طوفان المعلومات.. من نحن عندما نعتقد أن لا أحد يرانا؟

الرئيسية » تربية وتكوين » طوفان المعلومات.. من نحن عندما نعتقد أن لا أحد يرانا؟

طوفان المعلومات.. من نحن عندما نعتقد أن لا أحد يرانا؟

كثيرة هي الكتب التي تشهدها رفوف المكتبات العالمية، والتي جعلت من الثورة الرقمية عموما ومن شبكة الانترنت وآثارها على حياة البشر وعلاقاتهم اليومية والاجتماعية بشكل خاص موضوعاً لها. والكاتب كريستيان رودر أحد مؤسسي الموقع الالكتروني الشهير «كيوبيد» لتنظيم اللقاءات بين البشر يقدّم كتابا تحت عنوان «طوفان المعلومات: من نحن عندما نعتقد أن لا أحد يرانا؟». ويشرح فيه كيف أن المعلومات التي يتركها البشر على شبكات الانترنت تكشف عن خفايا شخصيتهم.

تجدر الإشارة إلى أن العنوان الذي استخدمه المؤلف باللغة الإنجليزية «Dataclysm » محرّف من تعبير يوناني قديم يعني «الطوفان»، وعنى في ما بعد، آثار الكوارث الناجمة عن هزّات أرضية أو الطوفان. وبهذا المعنى يعد المؤلف التدفّق الهائل للمعلومات في زمن «الانترنت» بمثابة الطوفان، «طوفان لا سابق له »، كما يكتب.

 هذا مع تدقيق القول انه لا ينبغي الاقتصار على رؤية جانب «التخريب» في ذلك ولكن أيضا، وخاصّة، «وسيلة للتجديد» وللتعرّف بعمق أكبر على «آلية تفكير البشر وطرق سلوكهم».

ما يؤكّده المؤلف هو أن المعلومات التي يتركها البشر «وغالباً عن قصد» على مواقع شبكة الانترنت الخاصة بالعلاقات بينهم، تترك الكثير من المؤشرات على شخصيتهم وتكون أكثر دلالة عليها من ما يجري قوله عادة بشكل صريح ومعلن.

ويرى أن هذا يبدو بمثابة الإعلان عن الذهاب أكثر في مجال «كشف الأقنعة». ولا يتردد المؤلف في القول ان «المعطيات الرقمية ــ التي توفرها شبكات الانترنت ــ تكشف ما يختلج في أعماقنا من مشاعر». السبيل الذي ينتهجه المؤلف في بحثه عن الظواهر التي رافقت شيوع الانترنت هو «التنقيب في المعطيات التي يقدّمها مستخدمو الشبكات والموجّهة للآخرين» ليخلص منها إلى محاولة رسم الشخصيات الحقيقية الموجودة في «الأعماق المظلمة».

ومن النتائج التي يصل لها المؤلف تأكيده أنه لن يكون بعيدا الزمن الذي سيتمكّن محرّك بحث غوغل من تحديد بنسبة نجاح تقارب الثمانين بالمئة «الميول الداخلية الدفينة» للبشر المعنيين عبر استخدام نوع من «اللوغاريتم» واعتمادا على المعطيات التي يوفّرها عبر ما يكتبونه على الفيس بوك.

ومن المقولات التي يناقشها المؤلف تلك التي تقول ان شبكات الانترنت تمثل في السياق الحالي من انتشارها وتطوّرها، تجربة عملاقة في تاريخ الإنسانية بحيث ان البشر أصبحوا بمثابة «فئران تجارب».

لكن كريستيان رودر لا يتردد في الإعلان أنه يفضّل بالأحرى استخدام تشبيه آخر مفاده أن ما يجري أشبه بـ «سفينة قاعها من زجاج»، كما يكتب. ويرى أنه من خلال النظر إلى ما هو موجود في داخل السفينة «عبر الزجاج» يمكن الوصول إلى ممارسة طريقة جديدة فعّالة أكثر فأكثر في «مقاربة العلوم الاجتماعية». ذلك بالتحديد في منظور محاولة فهم أفضل للسؤال المطروح في عنوان الكتاب «من نحن؟».

وما يشرحه في هذا السياق هو أن الحواسيب، التي تشكّل ثمرة هائلة للثورة الرقمية، لا تفهم في واقع الأمر، من حيث هي آلات، ما يدور في أذهان البشر وما يختلج في داخلهم من عواطف. لكنها بالمقابل تملك، برأي المؤلف، «ميزة استثنائية كبيرة» تتمثّل في رؤية الأشياء «بمجملها» بينما أن عيون البشر لا يتعدّى مجال رؤيتها الأجزاء المتناثرة.

ولا شك أن هذا الكتاب يحتوي على كمّ كبير من المعلومات التي تدعو للتأمّل والتفكير حول الشخصية الإنسانية . هذا ما يبدو بوضوح في القسم الأوّل من الكتاب الذي يتمحوّر حول موضوع «الأشياء التي تجمعنا». ثم يذهب المؤلف للحديث في القسم الثاني عن «الأشياء التي تفرّق بيننا» حيث يتم الحديث عن تصنيف المعطيات الرقمية على خلفية العرق بين «أبيض وأسود: في الواقع الأميركي اليوم».

القسم الثالث والأخير من الكتاب يخص «ما يجعلنا ما نحن عليه» وحيث يتم التعرّض هنا لبحث عن «الخصوصيات» التي يتمتع بها البشر وخلفيات الاختلاف في التعامل مع المعطيات الرقمية.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *